مبهمٌ كالقضاء والقدر
ما زوتهُ الثياب عن بصري
ومريبٌ كحُسنِك الغجري
ما تريني عيناك من صور
أتّقيها كداهمِ الخطر
لم تكن ساعةً من الزمن
جمعتني بوجهك الحسن
إنها محنةٌ من المِحَن
حرّرتني وسعّرت بدني
ورمتني بفتنة الفِتن
ليتني لم أهِم بغنوتِكِ
أو تعاميتُ عند رقصتِك
أو تحاميتُ سحر نظرتك
آه من نارها وجنّتِك
وقضاءٍ جرى برؤيتك
أيُّ شيطانة من الغيد
أنت يا لذّة التجاليد
هاك عودي فباركي عودي
وأريقي خمر الأغاريد
واستبيحي حِمى التقاليد
عربدي يا شريدة القدم
واكتبي قصة الهوى بدمي
بعثريني كاللحن واحتدمي
وارقصى كالنسيم واستلمي
كلّ ركن في ذلك الحرم
جسدٌ أحمر السنا جذِلُ
دمويٌّ يُثيره الغزل
لافِحٌ كالجحيم مشتَعِل
يستحي أن تناله القبل
فتصلّى من حوله المُقل
وشباب كالفجر مؤتلِق
يتنزّى وكلّه نزق
وهي تلهو به وتحترق
وهواها مُعَدّّبٌ قلق
في حنايا الفؤاد يختنق
لكأني بروحها جمدا
حين أوهَت برقصِها الجسدا
وكأني بخافِقي سجدا
حين مدّت إلى المشوق يدا
تتقاضاه درهما أحدا
أرخصَ الحسن ربُّه الباري
فاعذريني يا وحي أشعاري
حدّثي الناس أيّ مقدار
فوضويّ القضاء جبار
جعل الحسن سِلعة الشاري
ألِقرشٍ يا روح مضناك
تتحدّى القلوب عيناك
وتجيبين كلّ سفّاك
وحياة الملوّع الشاكي
وأمانيه ملك يمناك
كان قلبي كالهيكل الخرب
ضاحك الحزن باكي الطرب
يا لخوفي منه ويا عجبي
حين ألقيتُ راعش الحجب
فشببت النيران في حطبي
قسماً بالجريح من وجدي
واصطبارٍ أشقى به جهدي
لو تمثّلتُ جنّة الخلد
من نصيبي لكان في وَعد
تمنحينيه وصلَه وحدى
يا سماءً وهبتُها ومضى
اقبليني كما أنا وامضى
فاسلكي بي مجاهلَ الأرض
وإذا الناس مزّقوا عرضي
فاحقريهم إن شئت أو أغضي
سيقولون عنك جنّيّه
نفسُها أُفعوانة حيّه
سحرته في ذات أُمسيّه
وتولّى شيطانه غيّه
فكساها جلال حوريّه
فليثيروا الظنونَ في أمري
وليطل ليلهم بلا فجر
إنه الحبّ معجزُ السرّ
ونداءُ الشهيد في صدري
ونضوب الحياة من عُمري
وأنا يا هواي إنسان
كلّه لهفةٌ وحرمان
والورى في الضلال إخوان
لن يكونوا غير الذي كانوا
شهوات تنزو وطغيان
فدَعيهم يصارعوا الإحنا
ولنبارك بحبّنا الزّمنا
سنَعافُ القصور والمُدنا
لتكون الدنيا لنا وطنا
وحنايا الأكواخ لي سكنا
سوف نغدو شُذّاذ آفاق
وأُنير الدنى بإشراقي
حين يتلو الوجود أشواقي
وحي أفّاقةٍ لأفّاق
شاعر كالجمال خلّاق
ما أحبّ الخيالَ منطلقا
لو نسخناه واقعاً ألِقا
فمزجنا الآمادَ والطرقا
نضرب الرمل كيفما اتفقا
لا نبالي أمان أم صدقا
يضحك الفجر حين يلقاني
طلقا من قيود حرماني
وثيابي ثياب رعيان
وأمامي في البيد شاتان
أتصبّاهما بألحاني
فإذا الطيرُ ناغم الصبحا
درّت الشاءُ خالصا صرحا
فملأنا من طهره القدَحا
واعتبطنا الفصيل منطرحا
فطعما غريض ماذبحا
ثم نمضى لأيّما سوق
بالمهارى العتاق والنوق
زاهيات بلا تزاويق
نهتديهن بالدوانيق
والسراويل والأفاويق
فإذا ما الظلام وافانا
حملَت حاجنا مطايانا
ومضينا نبثُّ نجوانا
وقنعنا بخيرُ دنيانا
وحمدانا للَه رجعانا
يومنا عمرنا فإن ذهبا
لم نسائل عن مقبل حجِبا
إن أشقى الأنام من تعبا
في تشكّى ما راح وانسربا
أو تمنّى مغيّب كتبا
آه يا من بعثتِ آلامي
آه لو جاذبتك أحلامي
وتساقيت خمر أوهامي
فتنوّرت أفق أيّامي
بضياءٍ من روحك السامي
ليت لي منك حظ أهليك
من مجانيك أو تدانيك
كنت أيقظت كل ما فيك
من معانيك أو أمانيك
حين ألقاك أو أُناجيك
ليت لي من فؤادك القاسي
ما لخمرِ الحرمان من كاسي
أنت يام َن ذوّبتِ إحساسي
قبلات لطيفها الماسي
حلّقت بي عن عالم الناس
ونزلنا في شوق طفلين
فأرحنا رواحِلَ البَينِ
بعد ما همهمت من الأين
واستهلّت مدامع العين
منبئات عن حبّ قلبين
ثم رحنا في خفّة العجل
نتحرى مراشف القبل
من بيننا في حوزة الكلل
بعد ما هوّموا على أمل
أن نريهم منمنم الحلَل
صالح بن علي الشرنوبي المصري. شاعر حسن التصوير، مرهف الحس. من أهل "بلطيم" بمصر. ولد ونشأ بها. ودخل المعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية ...