الديوان » العصر العباسي » مهيار الديلمي » أروض الوادي أم ابيض الغسق

عدد الابيات : 102

طباعة

أروَّض الوادي أم ابيضَّ الغسقْ

أم طيف ظمياءَ على النأي طرقْ

جاء على غربته لم يحتفل

ما نكدُ الأرض وما تيهُ الطرقْ

تحملهُ راحلةٌ كاذبةٌ

من الكرى تُشكر شكرَ من صدَقْ

فقمت أمشي نائماً ينفضني

إكبارُ ما خاض إليّ وخرَقْ

مرتشفاً ترابَه أعرفه

من غيره بما استفاد من عَبَقْ

والركبُ قد ألهاهُمُ عن شأننا

يوم النخيل سامني ما لم أُطِقْ

وناظر رقادُه من غدرِهِ

لولا فراقُ الطيف ما ذمّ الأرقْ

ناشدْ غصوناً باللوى موائلاً

طوعَ النسيم تلتوي وتفترقْ

أهنّ أحلى أم قدودٌ تلتوي

شكوى على جمرِ النوى وتعتنقْ

وعن قناةٍ لحظُها عاملُها

وحُبِّبَ الرمحُ إن اسْمَرَّ ودقّْ

لمياء يُلفَى الظبيُ من أوصافه

صِفراً إذا ردّ الذي منها سرَقْ

تمَّ البدورُ وهلالُ وجهها

ما بلغ التمّ بها ولا امَّحقْ

فارقتُ حولاً أهلَ نجدٍ والهوى

ذاك الهوى وحُرَقي تلكَ الحُرَقْ

فقلْ لمن ظنّ البعادَ سلوةً

لا تتنحّلْ طعمَ شيءٍ لم تذُقْ

آه لقلبٍ شقَّ عنه أضلعي

من الحمى تخالُجُ البرقِ الشفَقْ

ثار به الشوقُ فهبّ فهفا

تطلُّعاً ثم نزا ثم مرَقْ

أنشُده وليس في أهل مِنىً

والقوم حَجٌّ مَن تعرَّفَ الشَّرَقْ

للّه عيشٌ بالحمى تعلَّقتْ

حبالُهُ بيد قطَّاع العُلَقْ

صحبتُ منه رُفقةً سائرةً

لو أمهل الحادي العنيفُ أو رَفَقْ

أيّامَ لي من الشباب دوحةٌ

ملتفَّةُ الأغصان خضراءُ الورَقْ

ولِمَّتي تقطُر من ماء الصِّبا

شرطَ المفدِّي ما فلا وما فرقْ

إذا الظباء نفرتْ من قانصٍ

تزاحمتْ على حبالي ورِبَقْ

فاليومَ لا أرجع إلا مخفقاً

محصَّنَ المدية مثنيّ الورقْ

قالوا المشيبُ لِبسةٌ جديدةٌ

خذوا الجديدَ واسترِدّوا لي الخَلَقْ

أسلفتُ دهري غَبَناً فارتجعتْ

أحداثُهُ مني الذي كان استحقّْ

كم قد ركبت ظهره ولُجُمي

تُبدِلُه عن العليق بالعَلَقْ

أجريتُه ركضاً إلى مآربي

وخَبَباً حتى أفوزَ بالسبَقْ

فلم تزل خُطاه بي قصيرةً

وجَلَدي حتى رضيت بالعَنَقْ

قالت يئسْتَ فجلستَ حَجْرةً

والرزقُ في أخرى يصوبُ ويَدِقْ

مزمَّلاً بعيشةٍ ذبذابةٍ

لم يَكِسِ الدهرُ بها ولا حَمُقْ

تألفُ داراً بالعراقِ جدبُها

قد عدِمَ اللحمَ وعاد يَعترِقْ

أضَرَبتْ أسدادُ جوٍّ غيرَها

على المطيّ أم على الأرض طَبقْ

يُحبُّ كِسرَ البيت إما عاطلٌ

من العلا أو طائش القلبِ فرِقْ

مَجثَمتانِ أين أنت منهما

هما الثرى وأنتَ بيضاءُ الأُفقْ

عنّي فما أعدلها قضيّةً

لو أنّ من يُحرَم بالفضل رُزِقْ

أما رأيتِ الفضلَ واجتماعَه

في وطن والحظَّ قلّما اتفقْ

العربيُّ راقعٌ شَملتَهُ

والقرويّ بالنُّضار ينتطِقْ

من لي بسوقِ المائقين يُشترَى

حلميَ فيها برفَاغةِ النَّزقْ

وقد حرصتُ مطلِقاً أعنَّتي

لو أنّ معقولَ القضاء ينطلقْ

والشعرُ قد أبضعتُه فكاسدٌ

أو نافقٌ وليت شعري ما نَفَقْ

عبَّدتُه حرّاً لقومٍ عنُفُوا

بملكه فما نجا حتى أبِقْ

فصرتُ إن أردته لمثلها

أبَى عليَّ خيفةً منها وشقّْ

وقد عصاني في المولك زمناً

فهل تُرى يُسمِحُ في مدح السُّوَقْ

لو كان كالأمير كلُّ سامع

لم يُحتبَسْ عن شأوه ولم يُعَقْ

ولو بسعد الدولة اشتغاله

مذ سار ما سار بمدحٍ مختلَقْ

حارن ما حارن وارتاض له

لقد أرمَّ ولأمر ما نطقْ

أصاب كفئاً ورأى ضريبةً

ففالتَ الغِمدَ إليها واندلقْ

ومرّ مشتاقاً مع الأوصاف لا

تُملَك منه صهوةٌ ولا عُنُقْ

طابت له الأنباءُ فاستروحها

شَمّاً وللجود رياحٌ تُنتَشَقْ

يا راكباً تنقُله سابحةٌ

ورهاءُ لا من جِنّةٍ ولا خُرُقْ

سوداء من لباسها وجلدها

وجسمُها أبيضُ عريان يَقَقْ

أرضعها البحرُ وربَّاها وما

تخشَى على ذاك ردىً من الغرَقْ

إذا المطايا ألِمَتْ من الصدى

خِمساً وعِشراً ألِمت من الشَّرَقْ

تُحدَى برَجزٍ ليس من أشجانها

ونَغمٍ لم يُصبِها ولم يَشُقْ

تركب من هُوج الرياح غَرَراً

وما لها إلا بهنّ مرتفقْ

بلِّغ بميسان إذا بلغتها

عاقلةَ الثاوي وزادَ المنطلِقْ

وقمراً يطلع في سمائها

ونورُه في الخافقيْن يأتلِقْ

وقل كما شاء الندى لخالدٍ

قولةَ لا تخلُّبٍ ولا مَلَقْ

يا خير من حلّت على أبوابه

رحائل البُدْن وحاجات الرُّفقْ

ومَن أتته كالحبال عَجَفاً

ورَجعتْ كالوَسْقِ من تحت الوَسَقْ

لولا السماحُ وغرامٌ بالندى

لما قَرعتَ تطلبُ المالَ الحَلَقْ

ولا شهدتَ اليومَ تغلي قِدرُه

لو لم يَصُبْ ماءُ الطُّلَى فيه احترقْ

عمّت على أشعارها صبائغٌ

تولّدت بين النجيعِ والعرَقْ

يحملن كلَّ خائضٍ بحرَ الندى

حتى يرى الموجَ عليه ينطبِقْ

كأنه بالموت يقضي لذّةً

أو بفراقِ نفسهِ يشفي حَنَقْ

كتيبة خرساء إلا قونَسٌ

يطِنُّ أو خرَّ غلامٌ فصَعِقْ

لم تر من قبلك خِرْقاً قادها

أُسْدَ شَرىً تهفو عليهنّ الخُرُقْ

إذا طغى على الصليق زأرُها

فأضلُعُ البصرةِ منها تَصطفِقْ

لواؤك المرفوعُ من أمامها

لم ينخفض ولا هوى منذ بسَقْ

كأنه أبصر أكباد العدا

تنزو فأعداه الخفوقُ فخفقْ

قد جرّبوا كيدك أمسِ والذي

عند غدٍ أشقى عليهم وأشقّْ

يا فارس القرطاس والسيفِ لقد

جمعتَ من ذي طرَفَين مفترَقْ

حتى لقالوا طاعنٌ بقلمٍ

أو كاتبٌ بالرمح في الطِّرس مشقْ

عرفتَ من نفسك ما لم يعرفوا

فطِرتَ حتى صرتَ حيث تستحِقّْ

كم عجبوا منك وأنت تَرتقي

وانتظروا فيك الزليلَ والزلَقْ

وخاوصوك حَسداً بأعينٍ

لم تحفِل الشّهلةَ منها والزَّرَقْ

حتى تركت النجم في خضرائه

يخطِرُ زهواً أن سبَقتَ ولحِقْ

فالمال إن لم تلتحف بريشه

ولم تنُطْه بيدٍ ولم تُلِقْ

أنفقته في الجود فهو بدَدٌ

في الأرض حتى ما له منك نفَقْ

والحوضُ يُفنيه اعتوارُ شَفَةٍ

فشفةٍ وإن علا وإن عمُقْ

وفْرُ الفتى ما شاء من حديثه

والمجدُ في غير النُّضارِ والورِقْ

هل لك في ودٍّ على شحط النوى

صفَا على غِشِّ المودّات ورَقّْ

وصاحبٍ كما اشترطتَ صاحباً

أخلصَ ما كان إذا قلتَ مَذَقْ

يكيلك البِرَّ بصاعٍ أَصوُعاً

وإن عققتَ غيرَ عذرٍ لم يعُقّْ

مطهَّرِ الشيمةِ غُنمٌ قربُهُ

محبَّبِ الإكثار محفوظِ النُّطُقْ

لا يشرب الراحَ لأن تُسكِره

لكن لأن يجذُبها حسنَ الخُلُقْ

سيف إذا أنت عرفتَ قدرَه

فَرَى بأعناق عِداك وفَلَقْ

أتاه عنك من أحاديث الندى

والمجدِ ما صبا إليه وأرِقْ

فساقها عذراءَ ما خطبتَها

وكم غلا خِطبٌ بها فلم تُسَقْ

ثمينةَ البُضعِ حصيناً سرّها

على الرجال حرّةً لا تُسترَقّْ

إن آنستْ خيراً أقامت أو رأت

ضيماً أجاز حكمها أن تنطلِقْ

العَقدُ والتطليقُ للبعل وفي

قبضتها أقرَّ بعلٌ أم طَلِقْ

إنسيّة تحسَب نفثَ سِحرها

كلامَ جِنِّيٍّ حكى ما يسترِقْ

حاضرة تحسبها باديةً

تديَّرتْ داراتِ خبتٍ فالبُرَقْ

أخَّرها الميلادُ وهي رتبةً

في الشعر بالتقديم أولى وأحقّْ

إذا قرنتَ بالفحول شأوَها

حكمتَ أن السابقَ الذي سُبِقْ

فاجتلِها من فم راوٍ قد فَرَى

بالسعي فيها لك دهراً وخَلَقْ

أَشفقَ أن يَعْطُلَ وهي مفخرٌ

عرضُك منها والمحبُّ ذو شَفَقْ

فاشكر له ما حملَتْ يمينُه

منها وما فتَّقَ فيها ورتَقْ

واعرف لمهديها لك افتتاحَه

في المدح باباً عن سواك منغلقْ

وجازِهِ وابقَ على وداده

مسلَّماً ما طرد الليلَ الفلقْ

ولا تَعَلَّلْ باستماع غيرِها

فإنما تلك بُنيَّاتُ الطُّرُقْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مهيار الديلمي

avatar

مهيار الديلمي حساب موثق

العصر العباسي

poet-Mihyar-al-daylami@

388

قصيدة

2

الاقتباسات

133

متابعين

مهيار بن مرزويه؛ أبو الحسن (أو أبو الحسين) الديلمي". شاعر كبير؛ في معانيه ابتكار. وفي أسلوبه قوة. قال الحر العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العجم. وقال الزبيدي: شاعر ...

المزيد عن مهيار الديلمي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة