الديوان » تونس » محمود قابادو » عظم الأجر عن عظيم المصاب

عدد الابيات : 84

طباعة

عظمَ الأجرُ عن عظيمِ المصابِ

في جميلَي تصبّر واِحتسابِ

وَقضاء الإله ماضٍ على الرا

ضين من خلقه به والغضابِ

إنّما يملكُ الفتى عقد قلبٍ

لِيجازى بالكسبِ والإكتسابِ

فهو إمّا إلى تأسّ وأجرٍ

صائرٌ أو إلى أسى وعقابِ

إِنّ في البؤسِ والنعيمِ اِبتلاءً

كشفهُ فهم سرّ ذاك الخطابِ

وَمُراد الإله أَن يخفى في ها

ذين كانا من البلايا الصعابِ

وَإِذا ما فهمته كنت في الحا

لينِ عبداً مسدّداً للصوابِ

لا يظنّ المصاب فقد نعيمٍ

قَد يكون النعيم عين المصابِ

أيّ خيرٍ لمؤمن في نعيم

صار منه عن ربّه في حجابِ

إنّ جلّ النفوسِ أمست عبيداً

لِهواها وعيشها المستطابِ

وَعِباد الرحمنِ قومٌ لديه

نَفَضوا الإختيار نفض الجرابِ

وَتعرّوا عَن ملبسٍ مستعارٍ

مِن وجودٍ يحكي وجود السرابِ

فَبه أَصبحوا شهوداً وكشفاً

قائمينَ في الفعل والإجتنابِ

لَيسَ غيرُ الإله شيءٌ لديهم

يُرتَجى إِن دعوا لردّ الجوابِ

وَحّدوا اللّه ربّهم فاِستراحوا

مِن ركونٍ لغيره واِنتسابِ

مِن جميعِ الوجود آياته تت

لى عليهم مسطورة في كتابِ

فلهم مخرجٌ بكلّ مضيقٍ

وَأنيسٍ بكلّ قفرٍ يبابِ

قَد أقيموا في حالِ صبرٍ وشكرٍ

موقف الإتّباع للآدابِ

أيّها المعتزي إليهم تمسّك

من هداهم بأوثق الأسبابِ

إنّما أنت بين أجرين من صب

رٍ وشكرٍ فَاِشرب بكأس مشابِ

كأسُك الشكر وهو شهدٌ مصفّى

مُزِجت لك فيه قطرة صابِ

وَقد اِعتدته مراراً فلم تش

رب بكفّ الرعديد والهيّابِ

إنّ رزء المشير أحمد قد كش

شَف منك عن ضيغم ليث غابِ

حيث فارقت منه كهف اِعتصامٍ

كنت منه محلّ بيض العقابِ

فَتماسكت ثابتَ الجأشِ حتّى

بان شمس اليقين قشع السحابِ

وَكَذا عند فقد ثاني المشيري

نِ صررت للحزم ناباً بنابِ

فَفريت الخطبينِ حينَ اِدلهمّا

باِغتراب ماضٍ مضاء الشهابِ

أَنت أنت والرأي رأيك والخط

ب يسيرٌ على ذوي الألبابِ

فقد شخص أبرّ كفأيه قبر

لك منه عنه تسلّي مثابِ

غيرَ أنّ الحنان والعطف والرأ

فَةَ وَالألف باعثات اِحتزابِ

وَبِنا رغبة برأيك عن هم

مٍ قضت باِرتجال هذا الخطابِ

عرض بعض الّذي لديه عليه

كي ليكفي الأعمال في الإنتخابِ

غير بدعٍ في الموتِ مَن كان حيّاً

فَعَلام إنكار غير العجابِ

لا ولا يستردّ بالحزن ميتٌ

فإلام تطاول الإكتئابِ

لا ولا المرءُ أوحدٌ في مصابٍ

فَالتأسّي مآل كلّ مصابِ

إنّما هذهِ الحياة متاعٌ

بِعوارٍ مردودة باِغتصابِ

ربقُ الموتِ ما تراخَت أواخ

قد أحاطت من الورى بالرقابِ

إنّ في الإبتلاءِ هدي قلوبٍ

قَد أضلّت بفتنة الأسبابِ

راكنات بالاعتيادِ إِلَيها

في اِجتلابٍ لِنَفعها واِجتنابِ

فَهي تدعو الإله مهما دَعته

لِهواها من خلف ألفي حجابِ

حُجبٌ قبضها يثير اِضطراراً

باعثاً لإنابة الأوّابِ

إنّ من لا يصابُ في الأهل والما

ل مُملّى له بدار الخرابِ

سنّة اللّه في الّذين اِصطفاهم

مسّهم بالبلاء من أغيابِ

كَي يروا خاشعين داعين لل

هِ بحالِ الإرغاب والإرهابِ

لن ينال الموفّق البرّ إلّا

بعد إِنفاق منفسٍ مستطابِ

وأشدّ السماح أن تسمحَ النف

س بفقدِ نتيجة الأصلابِ

ذاكَ أمرٌ ليست تطيب به

نفس لغير المهيمن الوهّابِ

صابرٌ فيه ذو اليقينِ وذو العق

لِ فذا عن رِضا وذا عن غلابِ

وَقبيحٌ بموقنٍ أنَّ بلوا

هُ من اللّه أن يرى ذا اِضطرابِ

مَن رأى اللّه فاعلاً مستريحٌ

آمنٌ قلبه من الإنقلابِ

إنّما يأسَفُ اللبيبُ لخطبٍ

ناله من سلوكِ غير الصوابِ

وَسياجُ التوحيدِ قَد يوهمُ التك

ليف فيه خرقاً من الإكتسابِ

وَلِهذا يدعى ظلوماً جهولاً

حاملٌ لأمانة الآدابِ

أيّها السيّد الوزير الّذي قد

خصّه اللّه بالسجايا العذابِ

وَأَتاه محاسِن الخَلق والخُل

ق وخصل العلى وفصل الخطابِ

واِصطفاه وزيرَ خيرِ مليك

صادقِ الفعلِ والمقال الصوابِ

جرّرت تونس بهِ ذيلَ فخرٍ

بَينَ سبع أقالم وقبابِ

إِنّ في بعض ما علمت وما أو

تيت بعثاً على اِغتنام الثوابِ

أَيراكَ الإله تَرفل في نع

مائه ساخطا لمسّ اِرتيابِ

إِنّ عين الزمان قد عجبت من

ك فردّت تبّاً لها بنصابِ

وَفدى اللّه مجدَك المعتلي من

ها فداء العيون بالأهدابِ

بضعةٌ منك عجّلت لجنان ال

خلدِ قبل اِقتبال سنّ الشبابِ

لِترى ذاكراً لأخراك في دن

ياك ذكرى منازل الأحبابِ

وَتُرى عامراً لداريك بالسع

يِ الجميلِ في النفس والأعقابِ

درّةٌ قاربت يدا جوهريّ

لمسها فاِنزوت بضمّ الحجابِ

فرطٌ خارها لك اللّه ذخراً

فهيَ نعم زلفى لحسن المآبِ

وهبت مرّة إليك متاعاً

ثمّ أُخرى في صورة الإستلابِ

فهي في الحالتين منكَ بمرصا

دٍ من الإتّحاد والإقترابِ

وَإذا حُقّت الحقائقُ قلنا

أَجلٌ سابق لها في الكتابِ

نُقلت من أبٍ رحيمٍ لربٍّ

أرحم الراحمين مرمى الطلابِ

عِندَ من لا ترى لها من سواه

نعمة منذُ أنشئت من ترابِ

إنّما جِسمها ثيابٌ نَضتها

لَم تُمتّع بطولِ لبس الثيابِ

خَلعتهُ ولم يدنّس ولم تع

لَق بِهِ نَفسها لفرط اِصطحابِ

غايةُ الموتِ قَطعها عن نعيمٍ

هيّنٍ في نعيمِ ذاك الجنابِ

وَلو اِنّ الفداء فيها تأتّى

فُديت بالنفوسِ لا بالرغابِ

وَلو اِنّ الّذي تسامى إليها

غير حكمٍ من قادرٍ غلّابِ

كان دونَ الخطورِ حولَ حماها

عودُ عصرِ الصبا وشيب الغرابِ

كُن بِها اليومَ صابراً ومعزّى

وَمُهنّا بها ليوم الحسابِ

واِحتَسِبها لدى حفيظٍ يوفّي الص

صابرين أجراً بغير حسابِ

واِرتقب من فواتها خلفاً يأ

تيكَ من فيض فاتحٍ وهّابِ

وَتلطّف لِبَعلها ببرورٍ

فَهو فيها أحرى معزّى مصابِ

وَبقيت الوسطى لشملٍ نظيمٍ

في سلوك البقا على الأحقابِ

بينَ أبنائك الكرام وأهلي

ك ومن ضمّه حمى الإنتسابِ

فائقاً نظمكم نظامَ الثريّا

في مَزيدٍ وألفةٍ واِقترابِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود قابادو

avatar

محمود قابادو حساب موثق

تونس

poet-Mahmoud-Qabadu@

259

قصيدة

1

الاقتباسات

55

متابعين

حمود بن محمد (أبو علي) قابادو التونسي أبو الثناء. شاعر عصره بتونس، ومفتي مالكيتها. أصله من صفاقس. انتقل سلفه إلى تونس، فولد ونشأ بها. وأولع بعلوم البلاغة ثم تصوف، وأكثر ...

المزيد عن محمود قابادو

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة