الديوان » تونس » محمود قابادو » بمثلك هز الملك أعطافه عجبا

عدد الابيات : 410

طباعة

بِمثلك هزّ الملكُ أَعطافَه عجبا

وَتاهَت بِه الخضرا وباهَت بِه الشهبا

وَأَقبَل يُزهى باِحتفالك نَحوهُ

وَتقليده مِن عزمكَ الصارم العَضبا

وَتَطويقه زُهرَ المآثرِ وَالحلى

وَإِمضائه غرّ المفاخِرِ لا أَكبى

وَتَوشيحهِ مَجداً تجرّ ذُيوله

وَتَتويجه عزّاً عَلى الزهرِ قَد أَربى

وَروعك للأَبصارِ يومَ اِجتلائهِ

وَصَدعك في الأقطارِ من صيتهِ الحُجبا

وَطيّك دونَ الخفضِ كشحاً لِضمّه

وَنشرِ بنودِ الفتحِ في رَفعِهِ نَصبا

وَشدّ نِطاقِ الحزمِ في خصرِ دلّهِ

ومدّ رواقِ الأمنِ مِن فوقِه رقبا

وَبِسطِ مِهادِ العدلِ تحتَ ظِلالهِ

وَسحِّ عهادِ الفضلِ أَحواله صوبا

وهزّك بينَ البيض والسمر عطفه

وَبينَ جَناحي جحفَلين به قلبا

وَإِصفائك الإقدام وَالحَزم والحجى

لِنُصرته جنداً وَأسرتهِ حزبا

لَقَد علمت إنشاء كلّ قرارة

وَمَن في اِحتناكِ الدهرِ شابَ ومن شبّا

بأنَ جناحَ الصبحِ لَم يلتَحِف به

فتىً مُذ سَما شرقاً إلى أن هَوى غربا

أَشدّ وأَقوى منك بِالملكِ نهضةً

وَأَحرى به إِرثا وَأَدرى بهِ كَسبا

وَأَحزم رأياً في حِمايَةِ عزّه

وَأَوسعُ صَدراً في كفايته الشجبا

فللّه ما أَزكى وَأَكرم بيعة

نهضتَ لَها في مَوكب موجهُ عبّا

وَمَلأت كرسيّ الخِلافةِ بَهجةً

فَلَولا وَقار مِنك لاِهتزَّ أَو أبّا

فَأَصبَح تستذري المَكارمَ حَوله

بِطودٍ تَرى الأطواد في جَنبِه هَضبا

وَأَبرزت كفّاً ما رأى الدهرُ درّة

سِواها حَوت بحراً كفى العدم والجدبا

فَأقبلَ للتقبيلِ كلّ مَوشّحٍ

بِنَجدته قبلَ النجادِ إِذا هبّا

جُنودٌ كَساها الإحتفالُ محاسناً

بيوم كساها الحزمُ من قبلهِ حَربا

رِياشُ جمالٍ تملأ العينَ قرة

محجّبة في هيبةٍ تَملأ القَلبا

إِذا أبرَقت شمسُ الضحى وشيَ طرزها

تَهادوا بأذنابِ الطواويس إذ تربى

وَمرّوا فرادى في سموطِ صُفوفهم

عَلى قصباتِ النسق كعب تلا كعبا

مَواكب ما بينَ السماطينِ أَشبهت

كواكب أمّت في مجرّتها القطبا

يؤمّون ملكاً تحسدُ الشمسُ تاجَه

وَتغضي عيون النجم عن لحظه رهبا

وَيغبط فيهِ السمع والقلب أَعينا

نَفسنَ على الأفواهِ في كفّه القربا

مَقام أودّ السبع لو أنَّ بدرها

بِساط بهِ وَالشهب في أرضهِ حصبا

وَأنّ بِهِ شهب الفوارس ألبست

زمامَ الثريّا وهي مصحبة جنبا

وَأنّ عَصا الجوزاءِ تعقدُ رايةً

وَتغتنمُ الكفّ الخضيب بها خَضبا

وَأنّ بِه شاكي السماكينِ حاجب

وَقَد نيطَ بهرامٌ إلى خصره عضبا

وَأَنّ خَطيب المدحِ فيه عطارد

فَيصدعُ آذانَ الأهلّةِ والقلبا

وَأنّ بهِ زهر المَنازلِ نزّل

وَجَبهتها تلقى بإكليلها التربا

وَمِن أوجه كيوان يهوي مسلّماً

لِمَنصبه الأسنى ومنسبه الأربى

وَقَد صارَ بيت البدرِ طالع ملكهِ

وَجرت بهِ الزهراءُ مِن ذَيلِها هدبا

تثلّث سعد المشتري ذاتَ يمنةٍ

بِيوم وبيت قَد غَدا لَهما ربّا

فَأَسّس بالسعدينِ أَوتادَ عزّه

وَفرّق بِالنحسينِ من ضدّه الشعبا

وَقَد سارَتِ البشرى إِلى كلّ وجهةٍ

بِبَيعته مَسرى النسيم إِذا هبّا

فَوافَت وفود الشكر تهوي لحضرة

بِها حطّ رَحل العدلِ وَالفضلِ إذ لبّا

سِراعاً إِليها يوفضونَ لبيعةٍ

يَودّون لَو باعوا النفوسَ بِها نَحبا

تُحالفهُ أَيمانُهم وَقلوبُهم

عَلى أنّها أَضحت بِطاعته قلبا

فَما اِنقبَضت عن صفقةِ العهدِ راحة

وَلا اِنبَسطت للخلفِ عن حلفِه رغبا

حَبا اللّه فضلاً خيرةَ الدول العلى

بِخيرِ الشهورِ الغرّ خير أَمري يحبى

فَأصبَح بدرُ الصومِ تاجَ جَبينها

وَأَمسى هلالُ الفطرِ في يدها قلبا

وَأَلبَسها الإمساكُ حلّة عفّةٍ

يجرّ اِبتهاج العيد أذيالها سحبا

زَكت ليلة وافته فيها ودونها

لِسابعة العشرين عشر وَفت حسبا

فَتِلك الليالي العشر من دول مَضت

وَذي ليلةُ القدرِ الَّتي فضلت حقبا

لَوى الدهر عنّا وَعده بوفائها

وَلا غَرو في حسناء تخدرها الرقبى

وَأَمهَلَها من ربّها إذ تقاعَست

عَفافٌ يعدّ الحلّ مِن وصلِها ذنبا

فَلم تشرئب النفس منه لِريبةٍ

وَلا اِستبطأت حظّاً ولا اِستَعجَلت جَلبا

إِلى أَن أفاء اللّه وارِف ظلّها

عليهِ وأَجنى كفّه غصنها الرطبا

وَقَد كانَ مَولاها وَمالك رقّها

وَجادَ بها عفواً لخاطِبها صبّا

فَأَولت سِواه الطوع إِذ كان كفئها

وَأَولته إِذ كان الأبرّ بِها الحبّا

وَلولاه لم تطمح لرقّ حليلةٍ

وَلكن كفاها أَن يكون لها ربّا

لَقد لَبِست للبعدِ عنهُ كآبة

فَمُذ قبّلت كفّيه فارَقت الودبا

وَطافَت بِرُكنِ العزّ مِنهُ وَأَوقَفت

عَلى عَرفات العرف آمالها لبّا

وَلمّا أَحاطتها يَداهُ وَأَصبحت

مَقاليدها في كفّ إِمرَته وعبا

وَرامت أساطينُ الملوكِ هناءه

فَما بَرِحت تستمجدُ الرسلَ وَالكتبا

إِذا أَقبلت من آلِ عثمانَ خلعة

بِها منكبُ العلياءِ قَد طاولَ الشّهبا

فَأَصفى لَها المولى المشير رغابهُ

وَأَضفى عَليها مِن مبرّته ثوبا

وَأَوردها مِن ودّه واِحتفاله

وَإِعظامه إقبالها المشرع العذبا

وَواجهها يوم اِجتلاءِ جمالها

بِطلعَةِ بشرٍ منه في موكبٍ عبّا

فَللّه يومٌ طالَ جيدُ فَخارِهِ

وَجافى الهنا عن نور غرّته الحجبا

فَلم تكتسِ الأعيادُ خلعةَ حسنهِ

وَلا هَصَرت من روضِ نضرتهِ قضبا

فَفي كلّ صوتٍ منهُ صيت مسرّةٍ

وَفي كلّ سمعٍ سمعةٌ تثلجُ الخلبا

فإن يكُ شكراً لِلصنيعِ ظهوره

فَقد ساوت العجماء في شكرهِ العربا

ثَنايا الثنا من كلّ ثغرِ بواسمٍ

وَوجه الهنا من كلّ وجه نفى القطبا

وَقد أُلبست دارُ الإمارةِ بهجةً

عَلى مثلها جفنُ الغزالةِ ما هبّا

وُقوفا بها الأعلام من كلّ معلمٍ

يَروع ببادي رأيهِ الجحفلَ اللجبا

هُناك ترى الأبصار صوراً شواخصاً

فَلولا اِنتظامُ النسقِ لَم تهتد اللحبا

فَمِن خجلٍ يثني الصرائمَ رهبة

وَمِن جذلٍ قد كاد يهفو بها رغبا

قلوبٌ وأجسامٌ تُزاحم ناديا

يفرّقها رهباً وَيَجمعها حبّا

وَقد حلّ في عرشِ الخلافة ربّه

مُحفّا به أسداً ضراغمة غلبا

ووافَته من عبدِ المجيدِ تميمةٌ

لِجيدِ فخار عَن عقودِ الثنا شبّا

وَنيطَ إِلى خصر الرّئاسةِ صارم

فللّه عضبٌ عانَق الكرم الأربا

وَأبرز منشورٌ كأنّ سطورهُ

أَسارير بشرٍ في جَبين العلى هبّا

تُضيع عبيرَ الحمدِ منه عبارة

كأنّ لسانَ الملكِ أَرشفها ضربا

وَتَجلو بألقابِ المشيرِ ونعته

عَقائل تُزهى عَن تقنّعها حجبا

فحيّهلا بالمجد قرّ قراره

وَبالشرفِ الوضّاحِ قَد أحرز الرتبى

عهود مِنَ السلطانِ قامَت مَقامهُ

فَقد أَعظمت إِعظام مرسلها دأبا

وَتَهنئة منه لِخير مملّك

حَوى الملك إرثاً واِستبدّ به كَسبا

سَرت في دجى نقس إلى صبحِ مهرق

لِتحمد عند اِبنِ الحسينِ به الدأبا

سَعت سَعي دري إِلى شَرفٍ له

وَقد أسعد الهيلاج من بيته ربّا

مضى مُستقيم السير في الأوج صاعداً

تُحيط به الأوتادُ من أسعد طنبا

أَفاضَت عليه النور عند اِتّصاله

بِها شمس ملك بزّت الأسد القلبا

فيا طيبَ ما سَعيٍ ويا حسنَ موفدٍ

مِنَ المجدِ وَالعلياءِ أزلفها قربا

رَأَت صَولة للملكِ لا يُصطلى بها

وَنضرةَ حُسنٍ تدهش اللّحظ واللبّا

فَلو نطَقت قالت زفافي لبابه

كَمُستبضع تمراً إلى هجر يسبى

وَمُهدٍ إِلى الخضراءِ نورَ ذبالةٍ

وَللبحرِ أَصدافاً حَوت لؤلؤاً رطبا

وَلَكِن تفادى أن يذيل اِحتشامها

تلطّف من يَحبو بهيأة من يحبى

إِمامٌ دَرت منه الخلافة أنّها

قَدِ اِعتَصمت بِالمعقل الشامخِ الأربى

أَتَته وَلم ينطق لِسانُ سنانهِ

وَلا اِفترّ منه السنّ يوماً ولا قبّا

وَلا اِرتَشفت كأس الطلا من حسامه

شفاه ولا سمن الأكفّ به خضبا

وَما هبّ جفن الملك والبيض نوّمٌ

بِأَجفانِها إلّا لجدّ نَضا عضبا

وما الملك همّ اِبن الحسيِن لحظّه

وَلكن حقوقٌ لِلعلى ذهبت تلبا

كأنّي بِها تَدعوه وهو يُجيبها

بِلبّيك قد أَسمعت أكرَم من لبّى

دَعوت زَعيماً بالفلاحِ لدعوةٍ

تصامم عَنها الدهرُ من رهب حقبا

مذمّاً مذيلاً للمَكارِه طالباً

دحول المَعالي لا يرى غيرها أربا

جواداً خضمّاً أريحيّاً سميدعاً

حسيباً سريّاً مدرهاً ماجداً ندبا

كَريماً هماماً لوذعيّاً محدثاً

أَبيّا وَفيّاً كوثراً أهيساً لبّا

فنامي إذأً في ظلّ يَقظانَ إن يَذُق

مِنَ الغمضِ طعماً عينه لم يذق قلبا

وَكم ظنّ غرّ أنّ في الخفضِ همّه

إِلى أَن رآه وَهو يستخفضُ الدأبا

رَآه يعدّ الحربَ سلماً شهامة

وَيَحسب حزماً أنّ في الهدنةِ الحربا

لَقد عَمِيت عنه بصائرُ عصبة

غَدَت في مَراعي بغيها تَنقف الخطبا

وَغرّت برفق اللّيث في وطئه الثرى

فَلم تتحذّر مِن بَراثِنه الخلبا

فإن راقَها مِنه اِبتِسام نيوبه

فَقَد راعَها إِذ نبّ أنيابه قبّا

وَإنّ اِفترار العضبِ مُبكي الطلى دماً

وَفي مائهِ برد يشبّ الحَشا لهبا

فَمن لم يَرعه منه بارقُ صفحه

فَلا يَيأسن من قذفِ حدّ له شهبا

أَقول لِمَن أَقذى السفار جفونه

ولَم تَرض منه الأرض جفناً ولا جنبا

وَأَضحى يعدّ اليأسَ أصدقَ موقظ

وَمِن كذبِ الأحلامِ نيل المُنى ضربا

هَلمّ لإفريقية غير فارق

وَدع فرقاً عاجوا إِلى غيرِها الركبا

وَجرّ إِليها العزمَ واِرفَعه نحوها

بِجَزمك تخفض صرف دهرٍ نوى النصبا

وَأَلقِ عَصا التطوافِ حولَ مثابةٍ

تُثيب النزيع الأهل والمنزل والرحبا

فَتونسُ تُنسي كلّ أرضٍ نزيلها

بإيناسه منها الكرامَةَ والحبّا

تَهلّل وَجهُ الدهرِ فيها فلم تزَل

لَياليه غرّانا وأيّامه نجبا

وَحيطت بعدل اِبن الحسين فأصبحت

مفتّحة الأبواب تحبا بما يجبى

أَعادَ بها ربعِ المعائشِ مربعاً

بإبطالِ مكسِ الربعِ في كلّ ما دبّا

وَصيّرها بِاليمنِ والأمنِ جنّةً

لو أنّ خلوداً كان في ظلّها يحبى

فَسل شرعةَ الإِسلام كَيف أقامها

وفجّر مِن أَعلامها المشرع العذبا

وَكيفَ كَساها الفخر مسداً وملحماً

بعزٍّ وإجلالٍ فجرّت له الهدبا

رأى الدين أم الفوز والملك حارساً

فَذا يوثقُ المبنى وذا يَدفعُ الشغبا

فَشادَ مَنارَ الدين في كلّ وجهةٍ

بِصارمِ عزمٍ قَد عفا البدع النكبا

فللّه شكرٌ إن يَلج سمع نعمةٍ

تهزّ اِرتياحا للمزيد به جنبا

على أنّ ثوبَ الشكر يقصر سدله

على عطفِ ملك ألبس العدل والحدبا

وإنّ هيولى الملك لَم تكس صورة

كَحليةِ عَدل أمّن المال والسربا

وَما الجَمعُ بين الماءِ والنارِ في يدٍ

بِأعجبَ مِن ذي الملكِ يَرضي به الربّا

فَقل لملوكِ الأرضِ تَجهد جهودها

فَذلك فضل اللَّه يُؤتيه من حبّا

فَما وَطِئت أَقدامُهم سبلَ عَزمه

وَلا سَلَكوا حزناً أليطاً ولا خبّا

لَقد شغلت جدوى الملوك شِعابهم

وَلَم أَر غيرَ المَكرُماتِ لَه شعبا

فَإِن يَكنِ المهديّ يُدعى محمّداً

فَذا باِسمهِ يسمى وَمِن هَديهِ يحبى

فَأمّوا بني الآمال كَعبة قَصدهِ

وَتحتَ لِواءِ الحمدِ كونوا له حِزبا

تَروا ملكاً يستمجد الجدّ قالياً

من اِستَمجد الديباج وَاِستَمهد العطبا

أمدّ الورى باعاً وأوثق منعة

وَأَمتنهم ديناً وَأَخلصهم قلبا

وَأَعظَمُهم قدراً وَأَفخَمهم ثنا

وَأَطهرهم عرضاً وَأَزكاهم نسبا

وَأَرفَعهم ملكاً وذِكراً وعزّةً

وَأَحماهُمُ أَنفاً وأصدقهم ذبّا

وَأَحزَمهم رأياً وأقوم سيرة

وَأَكمَلهم نفساً وأوفاهم نحبا

وَأَطوَعهم جنداً وَأَروعهم سطى

وَأَبسطهم عدلاً وَأَحفاهم حدبا

وَأَغناهمُ جدّاً وَأكرمهم حيا

وَأَشرَحهم صدراً وَأَنجحهم كسبا

وَأَوفَرهم مجداً وَأَوقرهم تقىً

وَأَيسرهم عفواً وَأَيمنهم كَعبا

وَأَحسَنهم خلقاً وخُلقاً وميسما

وَأَهداهم بدءاً وأحمدهم غبّا

وَأَوسعهم صدراً ورَحلاً ونائلاً

وَأَتقاهم غيباً وَأَنقاهمُ جيبا

وَأَبعدهم شأواً ومرمىً وهمّةً

وَأَقربهم رحماً وَأَرأفهم خلبا

وَأَرجَحُهم حلماً وَأَهدى سياسة

وأنداهمُ كفّاً وَأَدناهم عتبا

تجافى حجاب الملكِ منهُ عن اِمرئٍ

تَكامل فيهِ الخَلقُ وَالخُلقُ مُذ شبّا

فَتىّ تعجمُ الأبصار باللّحظِ نبعه

فَتعرف كونَ النزعِ في قوسهِ صعبا

لَهُ الطعنَةُ النجلاءُ في كلّ مبهمٍ

يخرّق عن وجهِ الرشادِ بها الحُجبا

تَكادُ تناجيه الضمائِرُ بالّذي

أَجنّت وَيخشى المرءُ في سرِّهِ القلبا

يُسابق منه الهمّ بالأمرِ جدّه

وَيكفيهِ في أَغراضِه العزم والندبا

أَدارَ عَلى الخضراءِ سورَ إيالةٍ

أَعارَ عيونَ النجمِ من شرف هدبا

عليّاً فلا يَسطيع خطبٌ ظهوره

ولا يَستطيع العيث في حِصنهِ نَقبا

وَكم باتَ يَكفينا المهمّات رعيه

مطيفاً بنا أَمناً لطيفاً بنا رقبى

وَكم سامر التفكير لا يَمتلى كرى

وَكم ساير التدبير لا يَأتَلي حدبا

مَليكٌ غَدا من عزمِهِ في عشيرةٍ

وَمِن سَطوه في جَحفلٍ شائكٍ حربا

وَمن أَصبحت غرّ الفضائلِ جنده

فَقَد صارَ ذا حزبٍ يؤمّنه الحزبا

تُباعدهُ تَقواهُ عن حظِّ نَفسهِ

وَيُدنيهِ حُسنُ الخلقِ من حظّ من ربّى

وَيَيأسُ داعي السوء منهُ مهابة

وَيأنس راجي العرفِ مِن بشرهِ قُربا

تَؤمّ وفود الشكرِ مِنه حلاحلاً

إِليهِ بضاعات المُنى وَالثّنا تُجبى

فَتَملأ منهُ القلبَ من ميسم تقى

وَمِن هبّة حبّا ومن هيبةٍ رُعبا

تُراه وَريحُ الأريحيّةِ مارئٌ

شَمائله للجودِ قَد فضحَ السُّحبا

يَسيلُ نضاراً كفّه وهو باسمٌ

وَتَبكي قطاراً وَهي قد شقّت الجيبا

وَلا يَتخطّى الوعد إلّا إِلى الوفا

وَكَم بارقٍ أَورَته من وعدها خلبا

كَأنّ لِجَدواه ترات عَلى المنى

فَما تركَت منهنّ ما يعمر القلبا

تُغير سَراياها عَلى كلّ نازحٍ

وَتغنم دانيها فَتغمره وهبا

وَلَكِنّه يُحيي المُنى لُطفَ نطقه

وَبشرُ محيّاه فَتَسترجع السلبا

وَتَحسبه قد هزّت الراح عطفه

إِذا راحَ يُولي العرف من وفره نهبا

يَرى الأرضَ داراً وَالأنامَ عيالهُ

فَلا غَرو إِن أَسدى ولا بدعَ إن ذبّا

فما حقّ ذي ودٍّ عليه بهيّنٍ

وَلا ما اِرتَجى شانيه مِن فضلهِ صعبا

أَرقّ مِنَ الصهباءِ سلسال طبعهِ

وَأَنضَرُ مِن زهرِ الربى ضاحك السكبا

وَأَجرى اِنبعاثاً من أتيٍّ إلى الندى

وَأَمضى بفصلِ الحكمِ من مرهف غربا

وَأَعذب مِن ذوبٍ بذي شبمٍ صَفا

لذي ظمأٍ ذكراه خامَرتِ اللبّا

تُدار لَنا منها كؤوس مسرّةٍ

فتنسي ذَوات الثكلِ واحدها الخلبا

نَكادُ لإِفراطِ السرورِ نشكّ في

يَقينٍ ونَجحد صِدق إِحساسنا كذبا

أَحاديثنا عنهُ لَدى كلِّ شارقٍ

أَمات الخَنى أَحيا الهدى دَفعَ الخطبا

نَفى الظلمَ أعلى الحقّ قَد أَبطل الجبى

أعزّ التقى أَرضى العلى أسخط الصلبا

إِذا جالَ في أوصافِهِ فكرُ مادحٍ

غَدا غزلا حَيران في حسنِها صبّا

حياء يميطُ الحجبَ عَن أوجهِ المنى

وَيَكسو وجوهَ العذرِ من غضّه حُجبا

وَظنٌّ يُواري حسنه كلّ قادحٍ

وَيُوري بِجنحِ الغيبِ سقطا من العقبى

وَلينٌ مبينٌ عَن حديدِ شهامةٍ

كَما بان ماء السيفِ فولاذه الصلبا

وَسطوٌ تغضّ البيضُ منه جُفونَها

وَتزوي ظلالَ السمرِ مِن بَأسِهِ رعبا

وَعدلٌ لِصَرفِ الدهرِ أصبح مانعاً

بِمَعرفة قد مازتِ التبرَ والسكبا

وجودُ يدٍ لو حمّلته غمامة

لهاضَ جَناحيها وَناءَ بِها غلبا

وَرقراقُ بشرٍ كادَ يقطرُ ماؤهُ

وَترشفُ أزهار المُنى صفوهُ ذوبا

وَتَدبيرُ ملكٍ أَزدشير مشيرهُ

وَسيرة عدلٍ للأشجّ اِعتزت نسبا

وهمّ يرى الدنيا خيالَ هباءةٍ

يُضلّ سرابُ الوهمِ فيها النُّهى خلبا

أَخَذن بآفاقِ العلى كلّ مأخذٍ

فَأمعنّ حيث الزهر لا تَهتَدي لحبا

ترصّع من رأس الرئاسةِ تاجهُ

وَمن معصمِ العزّ الأساور والقلبا

لَقَد أَصبَحت منّا بمرأى ومسمعٍ

فَدع مِن أحاديث الألى اللّغوَ وَاللّغبا

لدى ملكٍ دانَ الزمان لعدلهِ

أَلَم تره قَد جانَب الحيفَ وَالرّيبا

وَلَو شاء أَرعى الذئب للشاءِ أمره

وَلكن رأى التكليفَ للعجمِ لا يحبى

وَلَو مسّ حدّ السيفِ رِقراقُ حلمه

إِذاً لَنبا في كفّ مَعمَله ضربا

وَلو مسّ حرّ النارِ أَصبَحَ حرّها

سَلاماً وبرداً لا تحسّ له لهبا

وَلَو قَذفت في البحرِ لجّة عزمهِ

لَما وَسِعته الأرضُ مُصطفقاً رحبا

وَلَو مرّ في جنحٍ منَ اللّيل رأيه

لَوارى سناه الشهب وَاِستنهضَ السربا

وَلو واقع النّسرين راشَ جناحه

لَما اِسطاعَ ذو رصدٍ لغايتهِ حسبا

ولَو لامَست يُمناهُ صَفحة مزنةٍ

لَما أَقلعت أَو لا ترى في الوَرى جَدبا

وَلَو صافَحت صَخراً أصمّ لَفَجّرت

يَنابيعه بِالمالِ لا الماء منصبّا

أَلا أيّها المولى المشير وَمَن له

تُشيرُ المعالي بالثّنا حينَ تستَنبا

كَفلت الوَرى بالعدلِ كفلَ مؤيّدٍ

بِنصرٍ وتَوفيقٍ أذلّا لهُ الصعبا

رَمَيتَ دروبَ الرومِ بِالفيلقِ الّذي

تُتوّج روسَ الروسِ أَرماحه الذربا

ببيضٍ إِذا سلّت تخال لدقّةٍ

بِها أنّ داءَ السلّ في نَصلِها دبّا

وَسمرٍ إِذا اِهتزّت إِلى ورد مُهجةٍ

تخال ظماءَ الرقشِ مُنسابَةً وثبا

وَأسدٍ عَلى جُردٍ تجرّ ذُيولَها

عَلى أوجهِ الأجواءِ أردية نهبا

مَغاويرُ لو راموا بها الجوّ حلقت

سوابح لو شقّوا بها اللجّ ما عبّا

تَكادُ إذا ما جاذبتها أعنّة

تسوفُ نُجومَ الأفقِ تَحسبها أبّا

وَتَهوي إِلى وادي المجرّة ورّداً

أعنّتها تعلو عنانَ السما سحبا

بُروقٌ رَمت أرجاءهم بصواعق

تقلّ رياحَ النصرِ مِن نَقعِها سحبا

يمسّك فرق الفَرقدينِ بنَشرها

وَيجلو عيونَ الزهر إثمدُها هبّا

تحلّ نصاح الشهب إن هي أوّبت

وإن أدلجت تكسو غراب الدجى شيبا

دَروا حين جاست سُبلهم أنّ دهمها

مُعفّرة مِنهم سبالهم الصهبا

أجلّتها أعلامهم بعدَ نكسها

وَحليتها ما ألبسوا الزون والصلبا

لِرايتكَ النصرُ العزيزُ مساوقٌ

فَما نُشرت إلّا بنشرٍ له هبّا

وَصلت من الأسلافِ أَرحام فضلهم

فَقامت وقد أحييتها تنفض التربا

نَزعت إلى الأعراقِ في كلِّ مفخرٍ

فَأبدعت ما لم يحذ وصفاً ولا كسبا

نَشرت وليد الملك من قبلِ سجنهِ

وَوحّدته فاِستأنس الأهل والرحبا

وَأحييته من موتَتيهِ فكادَ أن

يَرى جدّ ما أوليت من عظم دعبا

فللّه رُحمى واصلت رحم العلى

وَأَحيَت لنا شرعَ المودّة في القربى

نظمت بعقد البرّ منها يتيمة

وَكانَت بأصدافِ الدهورِ له تخبا

فَلم تعِ آذان الصحائفِ مثلها

وَلم ترشف الأقلام يوماً لها ضربا

فِعال عظيمِ النفسِ يأنَفُ أن يرى

رجاءً وذنباً غالبا العفوَ والوهبا

وأحسنُ ما زان الكريمُ مروءةٌ

كَست سطوه حلماً وأهواءه غلبا

وَقد جلّ من نال الملوك إسارهُ

وَأعظم منه مَن لإطلاقِهم هبّا

فَكنت سُليمانيّ فهمٍ ورحمةٍ

وَغيرُك داووديّ بأسٍ قضى نحبا

يحدّث منكَ الدهر عن بحرِ سؤددٍ

وَإن لَم تَكد تقضي عجائبه الأنبا

تَخوض به سبحاً طويلاً ويَنثني

وما عبرت عبرا ولا زاحمت ثعبا

أَلَستُم بَني المولى الحسين كواكباً

تزين سماء المجد والحسب القلبا

بدورُ كمالٍ لا تحاسن طلعة

وبيضُ سطى تُدمي مخاشنها غربا

وَأشمسُ فضلٍ لا تُماثلُ بهجةً

بأفلاكِ مجدٍ عن مطاولها تربا

وَأطوادِ حلمٍ لا يزاحم عزّها

وَسحب نوالٍ لا تباري ندى سكبا

نَمَتكم إِلى العلياءِ صيدٌ غطارفٌ

لَهم حسبٌ ما شيب درّا ولا نسبا

قروا بِالمَواضي المشرفيّات واللّهى

مَنازلهم سلباً ونزلهم وهبا

لَكم دولٌ غرٌّ طراز فخارها

مساعٍ لكم زنّ الكتائبَ والكتبا

تُباهي ظهور الخيل مِنكم منابراً

بِألقابكم منها الصدور اِغتدت رحبا

مَزاياكم ما بين دستٍ وصهوةٍ

تُضيء الدجى شمساً وتحمي العلى شهبا

جَنَيتم ثمارَ البيضِ والسمرِ عذبة

تَبوّأتم العليا حدائقها الغلبا

بجدّ كمين الغيب جندٌ لنصرهِ

وَعزم يفاجي الخطب والخطب ما أبّا

فلا ترفعِ الأفهام في الصعبِ راية

لآرائكم إلّا وفتّحت الصعبا

ولا تنسخُ الأيّام في الطرس آية

لفخركمُ إلّا وما بعدها أربى

إِليكم تناهى المكرُمات إذا اِعتزت

فَلو باهلت كنتم لها الرهطَ والحزبا

عَلى فَضلِكم يثني العلى خنصر الثنا

وينهي إليكم بالموحّدة الرجبا

لَكم ما أجنّ الليلُ مهدَ دعائه

وما أعلنَ الإصباح يجلو ثنا رطبا

كأنّكم باِبن الحسينِ محمّد

جواهرُ عقد حول وسطى لها الرتبى

تأخّر إذ هزّ الزمان قناته

سناناً وأضحى من تقدّمه كعبا

ألا يا أمير المؤمنين تعطّفاً

على مُستميحٍ من عواطفكم هبّا

أَتغمر أكفائي فيوضُ نوالكم

ويرجع كفّي دونهم مصفرا وقبا

وشكرك إعلاني وحبّك خفيتي

وجودك عيشي والرضا جنّتي القربى

وَفضلك لي مرأى وذِكركَ مسمعٌ

وطاعتكَ الذخرُ المعدّ إلى العقبى

وَمدحك سيفي في الخطوب وساعدي

وفخري ووفري عندما أعدم النشبا

إِذا ناشرتني الحادثاتُ أجد به

مجالاً لآمالي وإن عَظُمت رحبا

وَإن أظمأت عزمي وأذوَت مراده

غدا مورداً عذباً ومنتجعاً خصبا

وَإِن جابهت فضلي بصفحة مُعرض

ولمحة ذي غض أذمّ له ذبّا

وَصفو رَجائي فيك غير مكدّر

بشكٍّ وإن أقذيت منهله حوبا

فَجودك لا يثني بذنبٍ عن امرئٍ

وَكيف غثاءُ السيلِ يمنعه الذعبا

إذا كانَ منكَ الجود محض تفضّلٍ

فسيّان حالاً من توانى ومن خبّا

وَمثلك يُرجى حين يخشى اِمتنانه

فإنّك للأحرى بذي كرمٍ أصبا

حنانيك أن تجزي بأوّل هفوةٍ

حييا يشقّ العتب من قلبه الجيبا

فَأَحرى الورى بالعفوِ حلف تجمّل

كَسته يد التقصير من خجلٍ ثوبا

لَك العدلُ في تثويبِ ذنبٍ بمثله

وَفضلك يأبى غير أن تغفر الذنبا

وَربّ أمينٍ قَد هفا غير عامدٍ

فَغفلته تجلى ويلتزمُ التوبا

مَعاذَ إله العرشِ ما كنت طاوياً

عَلى غيرِ إخلاصٍ لطاعَتكم قلبا

وما بي غِنا عن ورد عفوك سائغاً

فَعُذريَ حرمانٌ أرى ذكره تلبا

وَإنّ جمال العذر في أعينِ الرضا

لمقتحم إن جابَه العفوَ والعتبا

وَلَم يقتنص عفواً بسهم تنصّلٍ

سليم الحلى عن ظنّة تخدش الأهبا

وَما لِكريمِ العفوِ في الذنب موضعٌ

إِذا عنه وجه الإِعتراف اِنزوى قطبا

وفي العذرِ منجاةٌ ومَمحاة زلّةٍ

إِذا ما اِكتسى طمر الضراعة مشهبا

ولَم يعر عن ثوبِ المروءةِ باذلٌ

مُحيّا اِبتهالٍ للكريم إذا أكبى

كَفى شافعاً عندَ الكريمِ طباعه

إِذا طوّق الجاني بِتَوبته الحوبا

وَما بَرِحت أعتاب بابك ملجئي

وَإن شبّ لي الواشون من دونها حربا

مثابة آمالي ووجهةُ عزمتي

وإن مدّ دوني الذنب من عتبها حجبا

وَما خلت أنّي حين يطمو عبابها

أَرى حظّ غيري النون وحظّي الضبا

فَإِن يزوِ بالإحقاقِ عنّي نصابه

فإنّ زكاة الجودِ تسهم لي شصبا

وَمَهما تكن ضرباً من البرّ منيتي

فَأنت الّذي في البرّ لم تتركن ضربا

أَقول لنفسٍ شفّها اليأس أَخفضي

فربّ رضا أبدته معتبة ربّا

وَإِن محك العتب منفاةُ بهرجٍ

ومنقاةُ ياقوتٍ إذا اِربدّ واِشهبّا

عسى يثرب التثريب من بعد هجرةٍ

تعود لنا من طيبها طيبةٌ حبّا

فَآوي لظلّ العزّ في روضةِ الرضا

وأهصرُ غصنَ العطفِ مقتطفاً خصبا

وَيصبح من قد سرّ فيّ بعتبكم

مساءً بما أسدت إليّ يد العتبى

وَمن يك حبل اِبن الحسين اِعتصامه

فَلا غرو أن يقتاد صعب المُنى صحبا

سَيغضب لي منهُ على الدهرِ مصرخ

يرى الحلمَ عجزاً إن يسم جاره نكبا

فَتىً كاد حبّ العفو في غير محرم

يُخيّل أنّ الذنبَ يُدني له القربى

تعاظَم عن أن يستفزّ اِهتمامهُ

إِلى غير ما يُرضي المكارمَ والربّا

فَيا يوسفيّ الملك والعفو جُد لنا

بِقولك لا تثريب واِجزل لنا الوهبا

لَئِن قصّر الإعراض خطوي فإنّ لي

رجاء إِلى مَغناك يُنهضني وثبا

وَهل أنا إلّا كالصدى إن دعوت بي

أَجبت وإلّا صمّ صوتي فما أنبا

تطارحني آثار فَضلك في الورى

بكلّ جميلٍ يملأُ السمعَ والقلبا

وَتبعث آمالي إليك كفيلة

لَها بجزيلِ الرفدِ محمدة أوبا

فَلست بما تحويه كفّاي واثقاً

وُثوقي بوعدٍ من مخائِلها هبّا

على أنّ صرف الدهر رنّق مشربي

وَأجبل أن يهمي وأبرق لي خُلبا

وأتبع أنفاسي فؤاداً أطارهُ

عتابك عن أوكارِ أمنتهِ رهبا

وَأنّى يريغ الشعر فكر جناحه

بمقراض إعراض المريش له جبّا

لقد كان يشلو البرق عفو بديهتي

ويُنضي من الأقلام ضمّرها الغبّا

فَأَصبَحت أَستَجني أناملَ فكرةٍ

قَبضن على جمرٍ بجزل الغضا شبّا

أَروم بِها صوغ العريض وقد خبا

توقّد ذِهني أن يخلّصه هذبا

إِذا لَم يُجد سبك المديحِ فإنّه

حروف هجاءٍ عنه سمع النهى ينبا

وما كلّ ذي نظمٍ يلقّب شاعراً

وَلَم يكُ ليث العنكبوتِ الّذي قبّا

أَرى الشعر علماً واسعاً وسجيّةً

إِذا اِصطحَبا لم يعدم القائلُ الأربا

وَلَولا وفور العلم لم تك غاية ال

بلاغة حدّاً يعجزُ العربَ العربا

وَإِنّي بحمدِ اللّه حسّان مدحكم

وحلفُ مراضيكم وشيعيكم حبّا

إذا اِجتلى من خدركم بكر منّةٍ

أغالي بمهر الشكرِ في سَومها خطبا

وَما تُبذَل الحسناءُ إلّا لكفئها

وما كلّ روضٍ ممطرٍ يشكرُ السحبا

وَأَنت الّذي لو شئت أَنطقت مقولي

بِشعر ترى الشعرى تناجي به الشهبا

وَأَنت الّذي لو شئت صيّرت بهرجي

نضاراً بإكسير الرعاية قد طبّا

وَأَنت إِذا غاليت في جزع مدحتي

غدا بهرماناً يفضح اللؤلؤ الرطبا

عَلى أنّ نفسي لم تَسؤني ولم أزل

أَحوز رهانَ السبقِ في مدحكم كثبا

يَروع يراعي حسّدي ويُشيبهم

إذا اِسودّ شيب الطرسِ من نفسه خضبا

وَتحسبُ يعسوبَ المعاني لسانه

إِذا مجّ منها الأري أو نقع اللبّا

يَميس بأَعطاف البنانِ إِذا خطا

عَلى مهرق في خطّ مدحتكم كتبا

أخال دواتي وهو مبزلُ دنّها

أَبانت على أعطافه نشوة الصّهبا

كأنّ بناني منه في ظهر سابحٍ

يحنّ إلى مغنى به ألف الخصبا

تزاحم أبكارَ المَعاني لتكتسي

بِمَدحك من لفظي مطارفه القشبا

إِذا رُمته اِنثالت عليّ جواهر

يَضيقُ نطاقُ النطق عن ضمّها وعبا

وَلولا سجاياك الكريمة لَم أَكن

أدرر من خلفِ الفصاحةِ ما لبّا

تفيض عَلى قَلبي ينابيع حكمةٍ

فَتبتدرُ الأنفاض مودرها العذبا

شَمائل تزري بالشمول تُديرها

عذارى حجا تُنسي عجائبه العجبا

أَوابدُ أمثال شَوارد لم ترغ

أَوانس لكن تطمع الغرّ لا الندبا

تَملّ صفات لا تملّ معادة

وتهدي سنا يهدي إِلى الحيرة اللبّا

وتنشي ثنا ينشي لغير إفاقة

وتروي حلا تروي لظمءٍ لها غبّا

بِمَدحك تَستعلي الحروف وإنّها

لذات اِستقال دون غايته القربا

أَما بقريضي عاد منقار بائِها

رويّا من بحر حوى نقطة نقبا

حبتك نسيجاً عبقريّاً طرازه

حلاك ولولاها تقاصر أن يجبى

مديحاً زها في رقّةٍ وجزالةٍ

من الشعر عطفيه الحماسة والنسبا

تهادى به الباءات إثر ولائد

من الألفات الخاطرات قنا ذربا

تصيّد حبّات القلوب بوجنةٍ

تناسقت الخيلان في فخّها حبّا

رأى ذكرك الأجدى فخاراً وقربةً

فرقّ له شوقاً وطال به عجبا

يزين رياض الفضل مرّ نسيمه

إِذا هزّ فيها من شمائلك القضبا

وَيحمل ريّا زهرها متضوّعا

بِذكرك حتّى يفغم الشرق والغربا

تكادُ معانيه تسابقُ لفظه

على أنّه سلسال سيبٍ قدِ اِنصبّا

وتحكي بما تبدو به من صفائه

بوارق صحوٍ أو خيال كرى هبّا

فَإن تكن الأصداف حجب جواهرٍ

فألفاظه ليست لما ضمنت حجبا

كأنّهما روحانِ راما توحّداً

فعانق كلّ منهما إلفه صبّا

يكاد بيانا يُفهم العجم حكمة

وَيُؤنس من وَحشيّها النافر الصعبا

جَلَت غرر الإصباح في طُرر الدجى

حسان معانيه مُقنّعة كتبا

يُقرّظه دون اِختيارٍ حسودهُ

ويروي حلاه من يودّ له ثلبا

تقلّدهُ عضباً منك فولاذُ نصله

وَصقيل فكري قد أحدّ له الغربا

ولَست ملوماً إِذ أطلت نجاده

فَعاتقه عرضٌ سما فخره الشهبا

تَسامى له فكري بسقطي محلّق

وغاصَ له نُطقي على الدرر الثعبا

فَأَنضى اللّيالي الدهم غير مُغوّرٍ

وَأَثنى على التعريس أيّامي الشهبا

لأهديه والغمد منه مُنجّدٌ

وَجوهره ريّان من مائه قشبا

إِلى حضرة لو أنّ سحبانَ وائلٍ

تيمّمها صمّت شقاشقه رعبا

فَقسٌ بها دون التحيّة باقلٌ

وَعمرو لو اِستام المثول اِنثنى نخبا

لَعمري لقد أصبحتُ منها مجلّيا

بِشأوٍ إِذا أجرى له سابق أكبى

حمى ليس يعشو الأعشيان لنارِهِ

وَلَيسَ يَحوم الأعمَيانِ له لحبا

جَلوتُ به عَذراءَ فكرٍ يتيمة

أَبى الدهر يوماً أن يضمّ لها تربا

طَوَت نسجَ فحلي طيّء وتلقّفت

سُحيراً تنبّا اِبن الحسين به عجبا

حجازيّة نجرا عراقيّة حلى

معرّبة لطفاً مولّدة هذبا

تُباهي بِحسنِ المدحِ فيك وصدقه

فلا يجدُ القالي إِلى جحده سربا

بِها خفرٌ يَرنو لِفضلك خُفيةً

رُنوّ غريقٍ شامَ مُعتَصِما كثبا

بِألحاظِ ألفاظٍ لها الحبر إثمدٌ

تغضّ على سحرِ البيانِ به هدبا

أناسي معانيها بخمرةِ دلّها

سكارى يكادُ التيهُ يورِدها الغربا

يَكادُ نَسيم النطقِ يَجرَحُ خدّها

بِتَقبيله أَو يَنتضي بردها سلبا

أرقّ من الأسحارِ ثوباً ونسمةً

وَأَلطف من نوم بها غازل الحبّا

مُخدّرة عذراءُ لكن طِباعها

كمالٌ قدِ اِستوفى التحنّك والأربا

فإن تَبتَذِلها فهيَ أظرف قينة

وَإن تحظها تمحظك آنسة حبّا

تسرّك في النجوى وتُرضيكَ في الملا

ويروي حلاك الدهر مِقولها رَطبا

وَلَم يطوِ دهرٌ حلّة من فضيلة

غَدت من صوان الشعر تنشُرها الأنبا

فَخُذها لها دين على كلّ ذي حجىً

من الشكر إِذ تحبوه من أدب لبّا

وَصُن برداءِ الإصطناع جمالها

ليزهى عَلى أترابها ذيله سحبا

وشرف بِحُسنِ الإِستِماع مقالَها

لتهتزّ أعطافُ القريضِ به عجبا

وَمدّ لها راحَ القبولِ تفضّلاً

تقبّل منها منتدى للندى رحبا

وَاِرعَ لها الروع المريع جنابه

لِتتلو حمداً يَملأ السمع والقلبا

وأشك شكاةً ضاق عنها نطاقها

وَصلها برفدٍ يصرمُ الهمّ والكربا

وأجن ثِمارَ النجح كفّ رجائِها

ليعلمَ واعٍ أنّه رائدٌ خصبا

فَقد ضَمنت لي عن نوالك فيضه

وَلم تُبعد المرمى إذا اِستمطرت سكبا

وَليس بمخفورٍ لديك ذمامها

فَأَنت لداعي الفضل أجدر من لبّى

وَهَب أنّ ذَنبي ذنبُ كعبٍ فقد محت

قَصيدةُ كعبٍ ذنبه فَاِعتلى كعبا

حَباه رسولُ اللّه بُردَته بها

فيا فَوز محبوٍّ بِأكرم ما يُحبى

وَقَد راحَ لاِبنَي ثابتٍ ورواحةٍ

فمدّا بروح القدسِ إِذ دونه ذبّا

لِمثلك في خيرِ البريّة أسوة

يحنّ لها طبعاً ويَسمو لَها كسبا

فَخُذ فيّ بالأحرى من اللّه قربةً

وَسم قدح عزمي بالإصابة في الرغبى

وأوّل ثنا يستام جدواك سُؤله

فما ثمن الجدوى لدى مُفضل صعبا

يَطولُ إلى تَطويقِ جودك جيدهُ

وَما عقد إحسان بجيد ثنى عُجبا

عَلى أنّه جهدُ المقلِّ تَطاولت

عَليه شكاةٌ تنهكُ الجسمَ واللبّا

فَيَلوي عذاري أصغَريه وَقَد غدا

يُغالب عطفي أَصمعيه الضنى جذبا

تُساورهُ الحمى رواحاً وغدوةً

فَتورده قرّا وتُصدره لهبا

إذا قال هذا حين تُقصر أَقبلت

طلائعها من حيث لم يحتسب رقبا

صداعٌ كصدعٍ في فريدة فكرهِ

شظاها فلا سبكاً تعاد ولا رأبا

وعربدةٌ في هزّة لا لنشوة

وحلم ولا نوم وضمءٌ ولا غبّا

أَما والّذي لا يكشف السوء غيره

ولا تصرف الضرّاء إلّا له القلبا

لَقد هانَ ما ألقى إذا ما تمحّصت

به تبعات تثقل الظهر في العقبى

وإنّي لأرجو غبّ مرّ تصبّري

مراراً مراراً رشف ظلم المنى عذبا

كأنّي بروحِ اليسرِ يلقي قميصه

ويطوي قميص اليأس في ردعه كذبا

إذا نلت رِضوانَ الإله فطيّه

رضاك ولا بأساً أخافُ ولا كربا

وَدونك للتاريخ بيتاً تعادَلت

طَبائعه من جوهرٍ لم يسم ثقبا

وَإِن تمتَحِن منه محلّى وعاطلا

وكلّا من النصفين لم تختلف حسبا

وَثانيه عدّاً واِعتدالاً كفيؤه

وثالثه أيضاً له قد غدا ضربا

وفي تونسٍ دام الأمير محمّدٌ

عليّاً ليكفى حزبها السوءَ والخطبا

أَلَم تدرِ أنّ اِبنَ الحسين محمّداً

حَمى الملكَ والخضراء والمال والحزبا

محمّد ماحي الجور منجى لتونس

أَعاد حجاه الدهر عدلاً محا الذنبا

فَتلك تآريخُ الولايةِ نظّمت

بلبّتها الجوزاء لا اللؤلؤ الرطبا

وَدونك تطريزاً لخلعةِ فخرِها

بتأريخها الحاوي كأترابه الرتبى

يسرّ بك التاج المجيديّ ربّه

فأفق الثريّا من وصالك ما يحبى

أَزح وأرح واِمنح وزد واِحم واِنتصر

وَأول وصل واِنفع وضر وعش حقبا

وَمُر واِنه واِثبت واِنف واِهدم وشد وصل

ولن وَاِقبضن واِبسط وخذ واِعفون واِربا

بَقيتَ بقاءَ الشمس يا شمس دولةٍ

أَضاءت مساعي عدلها الشرق والغربا

دُم الشمس قرباً واِعتلاءً وبهجةً

وفعلاً وهدياً لا كسوفاً ولا وجبا

يجلّك في السبعين فعلٌ أحادهُ

تنيف على السبعينَ إِذ أرضَتِ الربّا

وَدامَت لكَ الأيّام تهوي مطيّها

بِشُكرك أو بالرفد منك لنا دأبا

وَلا زلت في العلياءِ فرداً وفرقداً

مُحيطاً بخدن يقتفي سعيك القطبا

فَأنت يمينُ الملك تنضي حسامه

وصنوك يُسرى هزّ جنّته حجبا

أميرٌ غَدا بالرحلتين مؤلّفا

قُلوب الورى يستأمن السبل والسربا

يُحارب من ناواك حتّى ترى به

رحيماً ويولي من تقرّبه حبّا

أَليس الّذي جالت بعمدون خيلُه

فكادَت بِهم تنهال شُمّهم كثبا

وَسدّت مساعي بغيهم فتخبّطوا

تخبّط محبول بأشراكه رعبا

وأَظلم ليلُ الخطبِ حتّى تَهافَتوا

فراشاً وقد شاموا لصولته لهبا

وَأَبقى عليهم حلمه واِغتفارهُ

نفوساً ودثراً كن لولاهما نهبا

فَلا زالَ فيهم حسنُ ظنّك كاِسمهِ

وَلا زلت منه تبصرُ الجدّ والأربا

تشدّ به أزرَ الخلافةِ صادقاً

وَتُشركه في أمرها دربا لبّا

لا زلتما حدّي حسام وشاطئي

عُباب تديلان السطا والندى عقبا

تُظلّ رياض الملك من دوحِ نسلكم

فروعٌ وصنوانٌ علَت وَزَكت طنبا

نُشاهد مِنكم نيّري فلك العلى

وَشمل الثريّا لا أفول ولا شعبا

وآخرُ دَعوانا أنِ الحمد والثنا

لمَن بسميّ المصطفى شرعه أربا

عَلى المُصطفى طه طراف تحيّةٍ

منَ اللَّه عمّ الآل والصحب والحزبا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود قابادو

avatar

محمود قابادو حساب موثق

تونس

poet-Mahmoud-Qabadu@

259

قصيدة

1

الاقتباسات

54

متابعين

حمود بن محمد (أبو علي) قابادو التونسي أبو الثناء. شاعر عصره بتونس، ومفتي مالكيتها. أصله من صفاقس. انتقل سلفه إلى تونس، فولد ونشأ بها. وأولع بعلوم البلاغة ثم تصوف، وأكثر ...

المزيد عن محمود قابادو

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة