الديوان » العصر العباسي » صردر » إذا نثر الناس الهرقلية الصفرا

عدد الابيات : 78

طباعة

إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا

نثرتُ على عليائك الحمدَ والشُّكرا

وصغتُ من الذهن المصفَّى بدائعا

أقرِّط أسماعَ الرُّواةِ بها شَذْرا

فلا تحسبَنَّ الدُّرَّ في البحرِ وحدَه

فقد تُخرِج الأفواهُ من لفظها دُرَّا

ومن كان جسمَ المكرمات وروحَها

تحلَّى ثناءً لا لُجينا ولا تِبرا

يُحيَّا برَيحان المحامدِ سمعُه

ويكفيهِ أن كانت مناقبه عِطرا

ولست براضٍ غيرَ وصفك تحفةً

ولا قاضيا إلا بمِدحتك النَّذرا

بلغتَ عميدَ الدولة الغايةَ التي

ركائبُ أنباءِ المنى دونَها حَسرَى

وما زلتَ تُغلى المجدَ حتى جعلتَهُ

عليك حبيسا لا يباعُ ولا يُشرى

وكم طالبٍ فيه نصيبا وإنه

ليَقبِضُ كفَّيْه إذا عَرف السِّعرا

تطيعك في المعروف نفسٌ حيِيَّة

إذا سُئلتْ جدواك تستقبحُ العُذرا

أظنُّك في الدنيا تُريد زهادةً

فلستَ بمستبقٍ لعاقبةٍ ذُخرا

وقد كانت النَّعماءُ جادت بنفسها

فأنشأتَها في عصرك النشأةَ الأخرى

مواهبُ يُعطين الغنىَّ على الغِنَى

مَزيدا ويتركن الفقيرَ كمن أثرى

يوافين سراًّ والسحابُ برعدها

تبوح بما توليه إن أرسلتْ قَطرا

فدّى لك صيفىُّ الغمامة في الندى

يَظُنّ سؤالَ السائلين به مكرا

إذا حامت الآمالُ حول حِياضه

سمعنَ بها من كلِّ ناحيةٍ زَجرا

ألستَ من القوم الذين نداهُمُ

حبائُلهم والراغبون بها أسرى

يبيتون في المشتى خِماصاً وعندهم

من الزاد فضلاتٌ تُصان لمن يُقرى

خشَوا أن يضِلَّ الضيفُ عنهم فرفَّعوا

من النار في الظلماء ألويةً حُمرا

أفادوا الذي شاءوا وأفنَوه عاجلا

فقد جمعتْ أيديهم العُسرَ واليُسرا

تواليك حباَّتُ القلوب كأنما

خُلقتَ سرورا في الضمائِر أو سِرّا

فإن كانت العينان داعيةَ الهوى

فقد أبصرتْ من شخصك الشمسَ والبدرا

وإن كان للنفس الطروبِ تتيُّمٌ

فأجدرُ أن تَهوَى خلائقَك الزُّهرا

فقد جنَح الأعداءُ للسّلم رغبةً

إليك وأىّ الناس لا يعشق البِرّا

فأما سَقام الحاسدين فما له

شفاءٌ وقد كادتهُمُ نِعَمٌ تَتْرَى

تسوت يداك بسطةً وسماحةً

فلم تفخر اليمنى بفضل على اليسرى

ومعترَكٍ للقوم مزَّقتَ جمَعه

بحدِّ لسانٍ يُحسن الكرّ والفرّا

وفحشاء أدّتها إليك جهالةٌ

جعلتَ رتاجَ الحلم من دونها سِترا

سما بك فوق العزّ قلبٌ مشيَّعٌ

إذا ركب الأهوالَ لم يستشر فكرا

وهمّةُ وثَّابٍ على كلّ ذِروةٍ

يَنال على أكّدها النَّهىَ والأمرا

ألا ربَّ ساعٍ في مَداك كَبتْ به

مطاياه أو قالت له رِجلُه عَثْرا

وملتمِسٍ في عدِّ فضلك غايةً

ومن يَشبُر الخضراءَ أو ينزِف البحرا

خذوا عن غُبار الأعوجيَّات جانبا

وإلا فقد ضيعتمُ خَلفها الحُضرا

وخلُّوا لهذا البازلِ القَرِم شَولَه

فإنكُمُ لم تَحذِقوا الهَدْر والخَطْرا

فتىً سالَبَ ألأعداء حِرصا على العلا

فأجلَوا له عنها وما عَقَد الأُزْرا

وهل يُعجب الروضُ المنوّرُ أعينا

رعَتْ في محيّاه الطلاقةَ والبِشرا

كأنَّ الحياءَ انهلَّ في وجَناته

فكانَ لها ماءً وكانت له غُدْرا

تحدّثه الغيبَ الخفىَّ طنونهُ

فتحسبُها قد أودِعتْ صُحُفا تُقرَا

وقالوا هو الغيث الذي يغمرُ الربىَ

فقلت لهم ما زدتموني به خُبرا

فقالوا هو الليثُ المعفِّر قِرنَهُ

فقلت بحقّ الله أيُّهما أجرا

حلفت بها تَهوِى على ثَفِناتها

من الأين مرخاةً أزمَّتُها صُعرا

تجرِّر أذيالَ الرياح وراءَ ها

إذا كتبتْ سطرا محتْ قبلَه سطرا

تَنَزَّهُ عن حَمل الأوانسِ كالدُّمى

وتحمِل في كِيرانها الشُّعثَ والغُبْرا

إلى حيث لا تُجزَى بحسن صنيعها

إذا ما قضَوا نُسكا جزَوها به نَحرا

وبالبيت محفوفا بمن طاف حوله

إطافةَ سِمطىْ لؤلؤ قلّدا نحرا

تُفاضُ سجوفُ الرَّقم في جبناته

على ماثلٍ تَعرَى السيوفُ ولا يعرى

حمىً لا يخاف الطيرُ في شجراتهِ

قنيصا ولا تخشى الظباءُ به ذُعرا

وبالحجرِ الملثومِ سمعا وطاعة

ونعلم أنْ ما يملك النفع والضرا

لأنت إذا صَكُّوا القِداح على العلا

أحظُّهمُ سهما وأسرعُهم قَمرا

وأعلاهُمُ كعبا وأحلاهُمُ جَنىً

وأوفاهُمُ عهدا وأرفعُهم ذِكرا

كفاك نجاحُ السعى في كلّ مطلب

هممت به أن تزج الأدم والعفرا

بعزم كما أطلقن أنشوطة الحبى

وجِدٍّ كما نفَّرتَ عن مَربإ صَقرا

رأيتك طودا للخليفة شامخا

وسيفا على شانيه يختصر العمرا

إِذا عرَضتْ حَوجاءُ كنتَ قضاءَها

وإن طرَقتْ غَمّاءُ سَدّ بك الثغرا

دعاك لأمرٍ ليس يُحكِم فتلَه

سواك وهجِيِّراك أن تُبرمَ الأمرا

فأرسلتَها من بابلٍ وكأنما

تُقلِقلُ من تحت السروج قَطاً كُدْرا

صدمَت بها الأجبالَ والقُرُّ كالحٌ

تجلّلها ثلجا وتُنعلها صخرا

تَذكَّرُ مَرعىً بالعراقِ ومورِدا

وهل ينفع المشتاقَ ترديدُه الذكرا

إذا رَبأتْ في قُنَّةٍ خِلت أنها

خُدارِيّةُ العِقبانِ طالبةً وَكرا

فزاحمن فيها الشُّهب حتى طمعن أن

يحلَّين منهنّ القلائدَ والعُذْرا

بكلِّ منيفٍ يقصُر الطيرُ دونه

ولا تجد النكباءُ من فوقه مَجرى

وطودٍ بحولىّ الجليدِ معمَّمٍ

كما زار لونُ الشيب في هامةٍ شَعرا

كأنا كشطنا عنه جِلدةَ بازلٍ

كسا شحمُه جنبيه والمتنَ والظهرا

أقامت به ألأنواءُ تُهدى لك القِرى

ولم تقتنع بالماء فاحتلبت دَرَّا

فرشنَ بِكافورِ السماء لك الربىَ

فشابهنَه لونا وخالفنَه قِشرا

اذا خلَصت منها الجيادُ رأيتها

وما خالطت لونا محجَّلةً غُرّا

وقاسمها بُعدُ المدى في جسومها

فأفنى بها شطرا وابقى لها شطرا

ولما دَحَت قُود الهضاب وراءَها

ورنّحها طولُ القيادِ لها سُكرا

رمتْ صحصحانَ الرَّى منها بأعين

تردّد في أعطافه نظرا شَزرا

هناك دعا داعٍ من الله مسمِعٌ

فلبَّاك من ضمَّتْ معالمُها طُرَّا

يحيُّون ميمونَ النقيبةِ ماجدا

ويَلقون بالتعظيم أعظمَهم قدرا

ولا قيتَ ربَّ التاج يرفعُ حُجْبَهَ

ويطردُ ما ناجيته التيهَ والكِبرا

وحاورتَه حتى شغفتَ فؤادَه

ألا ربّما كان البيانُ هو السحرا

رأى فيك ما يهواه مجدا وسؤددا

فما كنت إلا في مجالسه صدرا

وحسبُك فخرا أن تجَهزّتَ غاديا

فقضَّيتَ أوطار النبوّة من كِسرى

مليكٌ حمَى الرحمنُ بيضةَ مُلكه

فما في الورى من يستطيع لها كَسرا

كتائُبه في كلّ شرق ومغرب

مدرَّعةٌ فتحا مؤيّدةٌ نصرا

كَفاه نظامُ الملك أكبرَ همّة

وأتعبَ في آرائه السرَّ والجهرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن صردر

avatar

صردر حساب موثق

العصر العباسي

poet-Sardar@

130

قصيدة

1

الاقتباسات

122

متابعين

علي بن الحسن بن علي بن الفضل البغدادي، أبو منصور. شاعر مجيد، من الكتاب. كان يقال لأبيه (صرّ بَعْر) لبخله، وانتقل إليه اللقب حتى قال له نظام الملك: أنت (صر ...

المزيد عن صردر

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة