الديوان » العصر المملوكي » الشريف العقيلي » وليلة أيقظني معانقي

عدد الابيات : 122

طباعة

وَلَيلَةَ أَيقَظَني مُعانِقي

وَالبَدرُ قَد أَشرَقَ في المَشارِقِ

وَقَد بَدَت في إِثرِهِ الثُرَيّا

فَلَم أَزَل أَنظُرُها مَلِيّا

كَأَنَّها في ساعَةِ الطَلوعِ

نَباتُ خَودٍ بانض لِلتَوديعِ

يَومَ النَوى مِن كُمِّ ثَوبٍ أَزرَقِ

أَو هَودَجٌ يَطوي السُرى بانَ لِلتَوديعِ

فُصوصُ بَلّورٍ عَلى فَيروزَجٍ

تُشرِقُ في الجَوِّ بِنورٍ مُبهَجِ

وَجاءَ بِالشَرازِ وَالبوراني

ضِدَّينِ مِثلَ الوَصلِ وَالهِجرانِ

كَأَنَّها ذاكَ بِذا إِذا خُلِط

صُبحُ مَشيبٍ بِدُجى شَعرٍ وُخِط

ثُمَّ لَنا جَديٌ قُرَيشٌ مُشرِقُ

كَأَنَّما إِهابَهُ مُخَلَّقُ

ثُمَّ لَنا فَرخُ إِوَزٍّ مُبتَهَج

في قِدرِ جوذابٍ لَها تَصبو المُهَج

رَطبٌ نَضيجٌ فائِقٌ لَذيذُ

يَعومُ في الدَهنِ بِهِ السَميذُ

شُبهَتُهُ بِمُرضَعٍ في مَهدِ

عَلَيهِ ثَوبٌ أَحمَرٌ كَالوَردِ

وَقَد حَكَت في قِدرِها الجوذابَه

سَبيكَةً مِن ذَهَبٍ مُذابَه

وَبَعدَ هَذا نَرجِسِيَّةٌ سَبَت

بِحُسنِها عَقلِيَ لِنا أَن بَدَت

كَأَنَّها في زِيِّها عَروسُ

قَد فُتِنَت بِحُسنِها النُفوسُ

شُبهَتُها لَمّا أَتَت في قَدرِها

بِرَوضَةٍ زاهِرَةٍ بِزَهرِها

كَأَنَّما الفُستُقُ وَاللَوزُ مَعا

فُصوصُ بازَهرٍ وَدُرٍّ جُمِعاً

وَالبَيضُ مَفقوسٌ بِها مُنَّجَّمُ

كَأَنَّهُ لَمّا عَلاها أَنجُمُ

أَو أُقحُوانٌ بِالعُيونِ تَسحَرُ

أَو نَرجِسٌ في وَسطِ زَهرُ يُزهِرُ

ما بَينَ زَيتونٍ وَعُنّابٍ دَرَج

لاحَ لَنا مِنهُ عَقيقِ وَسَبَج

وَالجُبنُ لَونانِ فَقانٍ قَد قُلى

وَناصِعٌ يَبهَرُ عَينَ المُجتَلى

مِثلَ شَوابيرِ لُجَينٍ وَذَهَب

نيطَت بِشَرشيقٍ أَنيقٍ كَالرُطَب

ثُمَّ لَنا مِن بَعدِ هَذا مُسمِعُ

مِن كُلِّ ذي طَبعٍ مَليحٍ أَطبَعُ

يَشدو فَيُحي صَوتُهُ القُلوبا

وَيَذهَبُ الأَحزانُ وَالكُروبا

كَأَنَّهُ بَدرٌ عَلى قَضيبِ

تَميلُهُ الرِياحُ في كَثيبِ

كَأَنَّما طَلَعتُهُ وَطُرَّتُهُ

صُبحٌ وَلَيلٌ قَد أَناخَت ظُلمَتَهُ

كَأَنَّما عِذارُهُ وَخَدُّهُ

ضِدّانِ لاحَ وَصلُهُ وَصَدُّهُ

كَأَنَّما رُضابُهُ عُقارُ

كَأَنَّما خَدّاهُ جُلُّنارُ

حَتّى إِذا مالَت إِلى الغُروبِ

شَبَّهتُها بِالقَدَحِ المَكبوبِ

وَالبَدرُ في وَسطِ النُجومِ زاهِرُ

كَالمَلكِ قَد حُفَّت بِهِ العَساكِرُ

كَأَنَّما عُطرِدٌ لَمّا طَلَع

أَدرَكَهُ وَقَد بَدا البَدرُ الجَزَع

فَهوَ مِنَ الخَيفَةِ مِنهُ يَرتَعِد

كَقَلبِ صَبٍّ راعَهُ الحُبُّ بِصَدِّ

وَقابَلَ المَرّيخَ في الأُفقِ زُحَل

كَأَنَّهُ شِهابُ نارٍ تَشتَعِل

وَلاحَت الزُهرَةُ وَهيَ تَزهَرُ

فَنورُها لِكُلِّ نَجمٍ يَبهَرُ

فَلَم أَزَل لِكُلِّ نَجمٍ أَرصُدُ

حَتّى تَوَلّى لِلغُروبِ الفَرقضدُ

وَسارَ لِلغَربِ الظَلامَ يَطلُبُ

كَأَنَّهُ مِنَ الصَباحِ يَهرُبُ

ثُمَّ بَدا الصُبحُ بِوَجهٍ مُسفِرِ

وَغابَتِ الجَوزاءُ إِثرَ المُشتَري

وَاِنهَزَمَت عَساكِرَ اللَيلِ وَلَم

يُبقِ الصَباحُ إِذ بَدا عَلى الظُلَم

وَهَتَّكَت سَترَ الدُجى أَنوارُهُ

وَأَسبَلَت عَلى الوَرى أَستارُهُ

وَلَم يَبنِ في الأَرضِ نورٌ لِلقَمَر

حَتّى كَأَن لَم يَكُ لَليلُ أَثَر

فَقُلتُ يا مَولى العَقيلِيِّ أَجِب

عَبدَكَ في يَومِكَ ذا لَمّا طَلَب

وَقُم بِنا بِلا خِلافٍ نَصطَبِح

فَيَومُنا يَومُ سُرورٍ وَفَرح

قَد غابَتِ الأَحزانُ عَنهُ فَاِغتَنِم

غَفلَةَ صَرفِ الدَهرِ يا مَولى الأُمَم

فَقَد أَتى الطاهي لَنا قَبلَ السَحَر

بِجَونَةٍ فيها جَميعُ ما حَضَر

وَذاكَ أَنّي عِندَ بَدرُ الحَندَسِ

قُلتُ لَهُ إيتِ بِها في الغَلَسِ

فَجاءَ وَالصُبحَ بِها لَمّا طَلَع

كَأَنَّهُ لَمّا اِستَنارَ وَلَمَع

شَيبٌ بَدا في عارِضِ الظَلامِ

يَلوحُ أَو كَصَفحَةِ الحُسامِ

مِثلَ عَروسٍ لِلحِلى مُزَيَّنَه

وَهيَ بِأَنواعِ الطَعامِ مُشحَنَه

قَد أَلبَسَت مِنَ الرُقاقِ الناعِمِ

غَلائِلاً لَذيذَةَ المَطاعِمِ

وَالبَيضُ وَالجُبنُ مَعَ الزَيتونِ

وَالنَعنَعِ المَخلوطِ بِالطَرخونِ

مُقَطَّعٌ مَعَ الكَرَفَسِ المِصري

كَمِثلِ هُدّابَ ثِيابٍ خُضرِ

عَلى خَروفٍ وافِرٍ مُدَوَّرٍ

كَأَنَّهُ مُرَصَّعٌ بِالجَوهَرِ

وَالخَلُّ وَالمِلحُ فَما نَسيمُها

عِلماً بِأَنّي مِنهُ أَشتَهيهِما

كَأَنَّما يُسفِرُ عَن صِباحِ

كَأَنَّما يَبسِمُ عَن أَقاحِ

وَذاتِ عِقدٍ أُبرِزَت مِن خِدرِها

لا تُدرِكُ الأَيّامُ إِحصا عُمرِها

زُفَّت فَما تُدرِكُ بِالعِيانِ

لِطولِ ما أَفنَت مِنَ الزَمانِ

تَكادُ تُخفي رِقَّةً عَن كَأَسِها

تَبدو فَتُخفي الكَأسَ عَن جُلّاسِها

بِكرٌ عَروسٌ ذاتَ نورٍ يَلمَعُ

وَذاتَ أَنفاسٍ كَمِسكٍ يَسطَعُ

كَأَنَّها في كَأسِها إِذا مُزِجَت

عَقيقَةٌ في دُرَّةٍ قَد أُسرِجَت

أَو كَالشَقيقِ الغَضِّ أَو كَالنارِ

أَو كَنَضارٍ في لُجَينٍ جارِ

يُحكى عَلَيها حينَ يَعلوها الحَبَب

نُجومَ دُرٍّ في سَماءٍ مِن ذَهَب

أَو كُدُموعٍ فَوقَ خَدٍّ جُؤذُرِ

أَو كَرِداءٍ فَوقَ خَدٍّ أَحمَرِ

فَهوَ عَلى دَورِ الإِناءِ جائِلُ

كَأَنَّهُ إِذا رَآهُ الناهِلُ

مِنطَقَةٌ مِن لُؤلُؤٍ قَد نُظِمَت

أَو مُقَلٌ بِلا جُفونٍ قَد رَنَت

مَدامَةٌ تَسلُبُ بِاللُطفِ الحِجى

وَنورُها يَهتِكُ أَستارَ الدُجى

تَكادُ أَيدي الشَربِ مِنها تَختَضِب

لَولا المَزاجُ أَشفَقوا أَن تَلتَهِب

أَطيبُ مِن طيبِ الحَياةِ شُربُها

مُمَكِّنٌ مِنَ النُفوسِ حُبُّها

مَعينَةُ النَفسِ عَلى لِذّاتِها

وَرلااحَةُ الأَرواحِ مِن عِلّاتِها

وَمُلجِأٌ مِن كُلِّ هَمٍّ وَتَرَح

وَمُنتَهى كُلِّ سُرورٍ وَفَرَح

يَغنى عَنِ المِسكِ الفَتيقِ نَشرُها

وَعَن جَميعِ ما يَسُرُّ ذِكرَها

قَد فازَ مَن واصَلَها وَلَم يَخِب

لِأَنَّها أَجلَبُ شَيءٍ لِلطَرَب

تَسى بِها حينَ تَبدو رِدفُها

وَلِلغَزالِ جيدُها وَطَرفُها

وَلِلقَضيبِ لينُها وَقَدُّها

وَلِلرَحيقِ وَالشَقيقِ خَدُّها

في رَوضَةٍ تُزهى بِزَهرٍ زاهِرِ

وَحُسنِ نَوّارٍ وَنَبتٍ ناضِرِ

جادَت عَلَيها أَدمُعُ السَحابِ

حَتّى كَسَتها حُلَلَ العَتّابي

يُبدي لَنا رَيحانُها جَماجِماً

حَمراً وَخُضراً قَد حَكَت عَمائِما

وَالنَرجِسُ البَرزِيُّ زَهرُ مونِقِ

مِثلُ عُيونٍ لِعُيونٍ تَرمُقُ

اَو كَنُجومٍ في ذَرى الأَغصانِ

أَو دُرَرٍ تَبَسَّمَ عَن عُقبانِ

وَقَد تَراءى القَطرُ في الشَقيقِ

كَلُؤلُؤٍ رَطبٍ عَلى عَقيقِ

كَأَنَّهُ في وَسطِ رَوضٍ مُعشِبِ

ما بَينَ شيحٍ كَمَشيبِ الأَشيَبِ

خَدٌّ أَسيلٌ سالَ فيهِ سالِفُ

لَيسَ لَهُ غَيرَ اللِحاظِ قاطِفُ

كَأَنَّما الوَردُ أَنيقَ المَنظَرِ

مَداهِنٌ مِنَ العَقيقِ الأَحمَرِ

كَأَنَّما بِهارُها إِذ طَلَعا

تِبرٌ بِهِ فَيروزَجٌ قَد قَمِّعا

كَأَنَّ آذَريونَها لَما اِبتَدَر

وَالياسَمينُ حَولُهُ مِثلُ الدُرَر

يُزهى عَلى الزَهرِ بِرَيّاهُ الأَرِج

كُؤوسَ تِبرٍ في أَقاحِها سَبَج

كَأَنَّما مَنشورُها لَمّا اِنتَشَر

جَواهِرٌ تَبَدَّدَت عَلى حِبَر

ناصِعَةً تُزهِرُ بَينَ الخِيَري

كَمِثلِ صُلبانِ مِنَ البِلّورِ

سَوسَنُها يَحكي لِكُلِّ عَينِ

رُؤوسَ بوقاتٍ مِنَ اللُجَينِ

وَقَد تَبَدّى أَزرَقُ البَنَفسَجِ

كَالقَرصِ في خَدِّ غَريرٍ غَنِجِ

أَولا ذَورَدٍ فَوقَ وَشيٍ قَد نُثِر

يُهدى فَتيقَ المِسكِ رَيّاهُ العَطِر

وَقَد بَدا في الرَوضِ نَشرُ العَنبَرِ

يَغشى الرُبى مِن بِرَكِ النيلوفَرِ

كَأَنَّهُ أَسِنَّةٌ مِن عَسجَدِ

مودِعَةٌ غُلفاً مِنَ الزُمُرُّدِ

إِن جاءَتِ الشَمسُ عَلَيهِ وَاِنفَتَح

وَهامَ كُلَّ ناظِرٍ مِنَ الفَرَح

شَبَّهَهُ ذو الناظِرِ المَبهوتِ

لَهُ بِطاساتٍ مِنَ الياقوتِ

حَتّى إِذا ما غابَتِ الشَمسُ اِنطَبَق

وَغابَ لِلوَقتِ كَصَبِّ ذي أَرَق

جَدَّ عَلى تَغريقِهِ لِمُهجَتِه

في اللُجِّ مِن لَوعَتِهِ وَحَسرَتِه

لَمّا أَزالَ الهَجرَ عَنهُ حِسَّهُ

غَمَّضَ عَينَيهِ وَأَخفى نَفسَهُ

كَأَنَّما أَنهارَها أَراقِمُ

كَأَنَّما غُدرانَها دَراهِمُ

وَقَد زَها تُفّاحَها المُضَرَّجُ

لَمّا بَدا لُفّاحَها المُدَبَّجُ

وَقَد عَلا لَيمونَها اِصفِرارُهُ

كَمُستَهامٍ خانَهُ اِصطِبارُهُ

كَأَنَّهُ في القُضُبِ المَوائِل

كَراتُ عاجٍ أَو نُضارٌ نازِل

كَأَنَّما النارِنجُ ما بَينَ الثَمَر

إِذا بَدا لِلناظِرينَ في السَحَر

نُجومُ تِبرٍ في سَماءِ سُندُسِ

لِحُسنِهِ يَحدُثُ طيبُ الأَنفُسِ

وَقَد بَدا الأَترُجُّ في الأَشجارِ

مِثلَ قَناديلَ مِنَ النَضارِ

وَقَد زَها رُمّانُها مَع مازِها

لَمّا حَوى حُسناً وَطيباً وَبَها

فَهوَ كَأَحقاقٍ عَلى الأَغصانِ

قَد أَودَعَت حُبّاً مِنَ المَرجانِ

وَالسَروُ ما بَينَ مِياهٍ تَجري

كَمِثلِ غَيدٍ في ثِيابٍ خَضِرِ

وَالنَخلُ ما بَينَ الرِياحِ باسِقُ

وَالطَيرُ في أَوكارِها نَواطِقُ

وَالقَبجُ وَالدُرّاجُ وَالشَحرورُ

وَالصَقرُ وَالشَفَنينَ وَالزَرزورُ

وَالغَرُّ وَالفاخاتُ وَالطاووسُ

كَأَنَّهُ بَينَهُما عَروسُ

وَالبَطُّ وَالسُمّانُ بَينَ المُنغَبِط

بَعضُهُم بِبَعضِهِم قَد اِختَلَط

تُلهيكَ مِنهُم نَغمَةُ القَماري

عَن نَغَماتِ النايِ وَالأَوتارِ

فَبَعضُهُم كَأَنَّهُ يُحاسِبُ

وَبَعضُهُم كَأَنَّهُ يُطالِبُ

وَبَعضُهُم كَأَنَّهُ يُفَكِّرُ

وَبَعضُهُم عَلى الغُصونِ يَصفُرُ

فَقالَ لي أَقصِر عَنِ الوَصفِ فَقَد

وَصَفتَ ما لَستَ تَراهُ مِن أَحَد

وَأَنتَ مَع ذا لِلصَبوحِ عاشِقُ

وَإِنَّني إِلى الغَبوقِ تائِقُ

فَقُلتُ خُذ ما في الغَبوقِ مِن نَكَد

وَاِسمَع وَكُن لَمّا أَقولُ مُعتَقِد

إِن كانَ صُعلوكاً وَكانَ في الشِتا

وَأَقبَلَ اللَيلُ عَلَيهِ وَأَتى

وَلَم يُعِرهُ حيطَةً جيرانُهُ

وَباتَ في مَنزِلِهِ إِخوانُهُ

فَلَم يَزَل في لِذَّةٍ وَقَصفِ

وَفي جَميعِ ما يَفوتُ وَصفي

مِن حادِثاتِ الدَهرِ في أَمانِ

وَفي سُرورٍ وَنَعيمٍ دانِ

وَبَعضُنا لِبَعضِنا مَواتي

حَتّى رَمانا الدَهرُ بِالشَتاتِ

وَخَرَّبَت صُروفُهُ ما عَمَّرا

فَالحَمدُ لِلَهِ عَلى ما قَدَّرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الشريف العقيلي

avatar

الشريف العقيلي حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Sharif-Al-Aqili@

983

قصيدة

1

الاقتباسات

31

متابعين

عليّ بن الحسين بن حيدرة العقيلي، الشريف أبو الحسن، من سلالة عقيل بن أبي طالب. شاعر، من سكان الفسطاط (بالقاهرة) اشتهر بإجادته التشبيه وإكثاره من الاستعارات البيانية، وهو القائل:ولما أقلعت ...

المزيد عن الشريف العقيلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة