الديوان » العصر العباسي » ابن هانئ الأندلسي » أصاخت فقالت وقع أجرد شيظم

عدد الابيات : 200

طباعة

أصاخَت فقالت وقْعُ أجردَ شَيظمِ

وشامَتْ فقالتْ لَمعُ أبيضَ مِخذَمِ

وما ذُعِرَتْ إلاّ لَجْرسِ حُلِيِّهَا

ولا لَمَحَتْ إلاّ بُرىً من مُخدَّم

ولا طَعِمَتْ إلاّ غِراراً منَ الكَرَى

حِذارَ كَلُوءِ العينِ غيرِ مُهَوِّم

حِذارَ فَتىً يَلْقَى الغَيورَ بحتْفِهِ

ويَمْرُقُ تحتَ الليلِ من جِلد أرقَم

وقالت هوَ اللْيثُ الطَّروقُ بذي الغضا

فليسَ حَفيفُ الغِيلِ إلاّ لِضَيغم

يَعِزُّ على الحسناءِ أن أطأ القَنا

وأعثِرَ في ذَيْلِ الخَميسِ العَرَمرَم

تَوَدُّ لوَ انّ الليْلَ كفْؤٌ لشَعْرِها

فيَسْتُرَ أوضاحَ الجَوادِ المُسَوَّم

ولم تَدرِ أنّي ألَبسُ الفَجَر والدُّجَى

وأسفِرُ للغَيْرانِ بعدَ تَلَثُّمي

وما كلُّ حَيٍّ قدْ طَرَقْتُ بهاجِعٍ

وما كلّ ليْلٍ قد سَرَيْتُ بمُظلِم

وكمْ كُرْبَةٍ كَشَّفْتُهَا بثَلاثَةٍ

من الصُّحبِ خَيفانٍ وماضٍ ولهذم

وما الفتكُ فتك الضارب الهامَ في الوغى

ولكنّهُ فَتْكُ العَميدِ المُتيَّم

وبينَ حَصَى الياقوتِ لَبّاتُ خائفٍ

حَبِيبٍ إليه لو تَوَسّدَ مِعْصَمي

جهلتُ الهوى حتى اختبرْتُ عذابَهُ

كما اختبرَ الرِّعْديد بأسَ المُصَمِّم

وقُدْتُ إلى نَفْسي منّيةَ نَفسِها

كما أُحِرقتْ في نارِها كَفُّ مُضْرِم

ومِمّا شَجَاني في العَلاقَةِ أنّني

شَرِبْتُ ذُعافاً قاتِلاً لَذَّ في فمي

رَمَيْتُ بسَهْمٍ لم يُصِبْ وأصابَني

فألقَيْتُ قَوْسي عن يَدَيَّ وأسهمُي

ألا إنّ جِسماً كانَ يَحْمِلُ هِمّتي

تَطاوَحَ في شدْقٍ من الدهرِ أضجَم

ومن عَجَبٍ أنّي هَرمْتُ ولم أشِبْ

ومَن يَلَبسِ الهِجرَانَ والبَينَ يَهرَم

لعَلّ فنىً يقضي لُبانَةَ هالِكٍ

إذا كان لا يقضي لُبانَةَ مُغْرَم

وكم دونَ أرْوَى من كَميٍّ مُلأّمٍ

وشَعْبٍ شَتيتٍ بعدها لم يُلأّمْ

ألا ليْتَ شِعْري هل يروعُ خِيامَهَا

عِثارُ المَذاكي بالقَنَا المُتَحَطِّم

فلو أنّني أسطيعُ أثقَلْتُ خِدرَهَا

بما فوق راياتِ المُعِزِّ من الدّم

منَ اللاّءِ لا يَصْدُرْنَ إلاّ رَوِيّة

كأنّ عليها صِبْغَ خَمْرٍ وعَنْدَم

كأنّ قَنَاهَا المُلْدَ وهي خَوافِقٌ

قُدُودُ المَها في كلّ رَيْطٍ مُسَهَّم

لها العَذبَاتُ الحُمْرُ تَهْفُو كأنّهَا

حَواشي بروقٍ أو ذوائبُ أنجُم

إذا زَعْزَعَتْهُنَّ الرّياحُ تَزَعْزَعَتْ

مَواكِبُ مُرّانِ الوشيجِ المُقَوَّم

يُقَدّمُهَا للطّعْنِ كلّ شَمَرْدَلٍ

على كُلّ خَوّارِ العِنانِ مطَهَّم

كتائب تُزْجي كُلَّ بُهْمَةِ مَعْرَكٍ

أبيِّ الدّنَايا والفِرارِ غَشَمْشَم

فما يشهَدُونَ الحربَ غيرَ تَغَطْرسٍ

ولا يَضرِبونَ الهامَ غير تَجَهضُم

غَدَوْا ناكِسي أبصارِهم عن خَليفةٍ

عليمٍ بسّر اللّهِ غيرِ مُعَلَّم

وروحِ هُدىً في جسم نورٍ يُمِدُّهُ

شُعاعٌ من الأعلى الذي لم يُجَسَّم

ومُتّصِلٍ بينَ الإلهِ وبيْنَهُ

مُمَر من الأسْبابِ لم يَتَصَرَّم

إذا أنْتَ لم تَعْلَمْ حقيقَةَ فَضْلِهِ

فسائِلْ بهِ الوَحْيَ المُنَزَّلَ تَعْلم

على كلّ خَطٍّ من أسِرّةِ وجهِهِ

دِليلٌ لعينِ النّاظِرِ المُتَوَسِّم

فأُقسِمُ لو لم يأخُذِ النّاسُ وَصفَهُ

عنِ اللّهِ لم يُعْقَلْ ولم يُتَوَهَّم

مُقَلَّدُ مَضّاءٍ من الحقّ صارمٍ

ووارثُ مسطورٍ من الآي مُحكَم

ومِدْرَهُ غَيْبٍ لا مُعَنّى تَجَارِبٍ

ولابسُ حِلْمٍ لا مُعارُ تَحَلُّم

غَنيٌّ بما في الطْبعِ عن مُستَفادِهِ

لهُ كَرَمُ الأخْلاقِ دونَ التكرُّم

ودانٍ ولولا الفضْلُ رُدّ جَلالُهُ

إلى غَيرِ مَرْئِيٍّ وغيرِ مُكلَّم

إذا كان منْ أيّامِهِ لكَ شافِعٌ

إلى أمَلٍ فاخْصِمْ به الدهْر واقصِم

إذا أنْتَ لم تْعدَمْ رِضاهُ الذي بهِ

يفوز بنو الدنيا فلستَ بمُعْدِم

إذا لم تُكَرّمْكَ الطِّباعُ بُحبّهِ

فلستَ على ذي نُهْيَةٍ بمُكَرَّم

ألا إنّما الأقدارُ طَوْعُ بَنانِهِ

فحارِبْهُ تُحْرَبْ أو فسالِمْهُ تَسْلم

إمامُ هُدىً ما التفَّ ثوبُ نُبُوّةٍ

على ابن نبيٍّ منه باللّه أعْلم

ولا بَسَطَتْ أيدي العُفاةِ بَنانَها

إلى أرْيَحيٍّ منه أنْدى وأكرَم

ولا التَمَعَ التّاجُ المفصَّلُ نَظمُهُ

على مَلِكٍ منه أجَلَّ وأعْظَم

ففِيهِ لنفسٍ ما استدَلّتْ دلالةٌ

وعِلْمٌ لأخرى لم تُدَبِّرْ فتَعْلم

إذا جَمَحَ الأعداءُ رَدّ جِماحَهُمْ

إلى جَذَعٍ يُزجي الحوادثَ أزلم

فسارَ بهم سَيرَ الذَّلول براكِبٍ

وشَلَّهُمُ شَلّ الطّلِيحِ المُسَدَّم

وأحسبُهُ أوحى بأمْرٍ إلى الظُّبَى

ولو لم يكُنْ ما قلتُ لم تتبسَّم

إذا سارَ تحتَ النَّقْع جَلّى ظلامَهُ

ولو سارَ منه تحتَ أربَدَ أقْتَم

وإن ثَبَّتَ الأقدامَ قَرّتْ قرارَهَا

فكانَ الهِدانُ النِّكسُ أوّلَ مُقْدِم

وتضحكُ سِنُّ الحرْبِ وهي مَلِيّةٌ

لأبْطالها بالمأزِقِ المُتَجَهِّم

فيَغْدوُ عليها فارسٌ غيرُ دارعٍ

ويَرْدى إليها سابحٌ غيرُ مُلجَم

فلا الضّربُ فوقَ الهامِ هَبراً بقاتِلٍ

ولا الطعّنُ في الأحداق شزْراً بمؤلم

أهابَ فهم لا يَظفَرُونَ بخالِعٍ

وجادَ فهم لا يَظفَرُونَ بمُعْدِم

لقد رَتَعَتْ آمالُنَا من جَنَابِهِ

بِغَيرِ وَبِيِّ المَرتَعِ المُتَوَخِّم

بحْيثُ يكونُ الماءُ غيرَ مُكدَّرٍ

لوارِدِهِ والحوضُ غيرَ مُهدَّم

فَشِيموا لَهَاهُ من عطاءٍ ونائِلٍ

إذا شِيمَ نَوْءٌ من سِماكٍ ومِرزَم

ولا تسألوا عن جارِهِ إنّ جارَهُ

هو البَدرُ لا يُرْقَى إليهِ بسلُمَّ

لكَ الدّهْرُ والأيّامُ تجري صرُوفُها

بما شِئْتَ منْ حَتْفٍ ورِزْقٍ مقسَّم

وأنتَ بدأتَ الصّفْحَ عن كلّ مُذنبٍ

وأنْتَ سَنَنْتَ العفْوَ عن كلّ مجْرِم

وكُلُّ أنَاةٍ في مَواطِنِ سُؤدَدٍ

ولا كأناةٍ من قديرٍ مُحَكَّم

ومَن يَتَيَقّنْ أنّ للعَفْوِ مَوضِعاً

من السيْفِ يَصْفَحْ عن كثيرٍ ويَحلُم

وما الرّأيُ إلاّ بَعْدَ طولِ تَثَبُّتٍ

ولا الحَزْمُ إلاّ بَعدَ طولِ تَلَوُّم

رأيتُكَ مَن تَرْزُقْهُ يُرْزَقْ من الورى

دِراكاً ومَن تَحرِمْ من الناس يُحْرَم

ومَن لم تُؤيِّدْ مُلْكَهُ يَهْوِ عَرشُهُ

ومَنْ لم تُثَبِّتْ عِزَّه يَتَهَدَّم

لكَ البِدَراتُ النُّجْلُ من كل طَلقةٍ

عَرُوبٍ كوجهِ الضاحكِ المتبسِّم

كأسنِمَةِ الآبالِ أو كحُدُوجِهَا

فمِن زاهِقٍ عن نِسَعةٍ ومُزَمَّم

متى يَتَشَذّرْ تحتْهَا العُودُ يَتَّئِد

وإنْ يَتَدَافَعْ تحتها الزَّولُ يَدرِم

وكانتْ ملوكُ الأرض تبجَحُ بالقِرى

قِرى المَحضِ في اللأواء غيرِ مُصَرَّم

وتَفْخَرُ أن أعْطَتْ نَجائبَ صِرْمَةً

وما أثّ من بَرْكِ الحِواءِ المصتَّم

فقد تَهَبُ الدّنْيا وأنجُمُ سعْدِها

طوالِعُ شتّى من فُرادى وتَوأم

وما الجودُ جُوداً في سِواكَ حَقيقَةً

وما هو إلاّ كالحديثِ المُرَجَّم

فلو أنّهُ في النّفس لم يكُ غُصّةً

ولو أنّهُ في الطْبع لم يُتَجَشَّم

وجُودُكَ جُودٌ ليسَ بالمالِ وحدهُ

إذا نَهَضَتْ كفٌّ بأعباء مَغْرَم

ولكِنْ به بَدْءاً وبالعيشِ كلّهِ

حميداً على العِلاّتِ غيرَ مُذَمَّم

وبالمجْدِ إنّ المجدَ أجزلُ نائِلٍ

وبالعَفْوِ إنّ العفُوَ أكبرُ مَغنَم

فَمن مُخبري عن ذا العِيان الذي أرى

فإنّ يقيني فيه مثلُ تَوَهُّمي

خَلا منك عصْرٌ أوّلٌ كان مثلَما

نبا السمعُ عن بيْتٍ من الشِّعر أخرم

فأمّا اللّيالي الغابراتُ فأدركَتْ

مَآربَهَا من بهجةٍ وتكرُّم

وأمّا اللّيالي السالفاتُ فقَطّعَتْ

أنامِلَهَا من حَسرَةٍ وتَنَدُّم

ولا عَجَبٌ أن كُنْتَ خَيرَ مُتَوَّجٍ

فجَدُّكَ بالبَطحاءِ خيرُ مُعمَّم

ولم تَلبَسِ التّيجانَ للجِهَةِ الّتي

أرادَ بها الأملاكُ من كلّ جَهْضَم

ولا لاتّقادٍ مِن سَناهَا عَقَدْتَها

ولكن لأمْرٍ ما وغْيبٍ مُكتَّم

إذا كان أمْنٌ يَشْمَلُ الأرضَ كلَّها

فلا بُدّ فيها من دليلٍ مُقَدَّم

وأشْهَدُ أنّ الدّينَ أنْتَ مَنارُهُ

وعُرْوَتُهُ الوُثْقَى التي لم تُفَصَّم

وللّهِ سَيْفٌ ليسَ يَكْهَمُ حَدُّهُ

على أنّه إن لم تَقَلَّدْهُ يَكْهَم

وللَوحْيِ بُرهانٌ ألَدٌّ خِصامُهُ

ولكنّهُ إن لم تُؤيّدْهُ يُخْصَم

وللدّهْرِ سَجْلٌ من حَياةٍ ومن رَدىً

ولكنّهُ من بَطْنِ كَفّيكَ يَنهَمي

فلا تَتَكَلّفْ للخميسِ من العِدى

خَميساً ولكِنْ رُعْهُ باسمِكَ يُهزَم

ومُضْرَمَةِ الأنفاسِ جَمْرٌ وطيسُها

شَرَنْبَثَةِ الكَفّينِ فاغرةِ الفَم

ضَرُوسٍ لها أبْناءُ صدْقٍ تَحُثُّهَا

فمِنْ خادِرٍ وَرْدٍ وأشْجَعَ أيْهَم

رَدَدْتَ رِماحَيْهَا بأوّلِ لحظَةٍ

وزعْزَعْتَ رُكْنَيْها بأوّلِ مَقْدَم

وأرْعَنَ يحْمُوم كأنّ أديمَهُ

إذا شُرِعَتْ أرماحُهُ ظَهرُ شَيهَم

هَريتُ شُدوق الأُسْدِ يُطوَى عجاجه

على عَنْقَفيرٍ يأكلُ الناسَ صَيلَم

فأركانُهُ مِن يذْبُلِ وعَمَايَةٍ

وأعلامُهُ مِن أعفُرٍ ويَلَملَم

إذا أخذَتْ أعلامُه صَدْرَ مِقْنَبٍ

رأيتَ شَرَورَى تحتَ نخلٍ مكَمَّم

أُسِفَّ عليهِ المِسكُ والنَّقْعُ مثلما

أُسِفَّ نَؤورٌ فوقَ جِلْدٍ مُوَشَّم

يسيرُ رُوَيْداً في الوَغى وحَديدُهُ

يسيلُ ذُعافاً وهْوَ غَيرُ مُسَمَّم

فما تَنْطِقُ الأرماحُ غيرَ تَصَلْصُلٍ

ولا تَرْجِعُ الأبْطالُ غيرَ تَغَمْغُم

فيَملأ سَمْعاً من رواعِدَ رُجَّفٍ

ويملأ عَيْناً من بوارِقَ ضُرَّم

غِطَمٌّ خِضَمُّ المَوج أورَقُ جَحفَلٌ

لُهامٌ كمِرْداةِ الصّفيحِ المُلَملَم

كأنّ عليه اليَمَّ باليَمِّ تَنْكَفي

غَوارِبُهُ واللّيْلَ بالليلِ يَرتَمي

فلا راجِعٌ باللأمِ غيرَ مُبتَّكٍ

ولا بحَبيكِ البَيضِ غيرَ مُهَدَّم

ولا بنَواصي الخيلِ غيرَ خضِيبَةٍ

ولا بحَديدِ الهِندِ غيرَ مُثَلَّم

رفعْتَ على هامِ العدى منه قَسْطَلاً

خَضَبْتَ مَشيبَ الفجرِ منه بعِظلِم

وغادَرْتَ صِبغاً من نجيعِ دمائِهم

على ظُفُرِ النّصْلِ الذي لم يُقَلَّم

لديكَ جنُودُ اللّهِ منْها رُجُومُهُ

فمن مارِجٍ نارٍ وكِسْفٍ مُضَرَّم

تقودُهُمُ في الجيش والجيشُ مَنسَكٌ

وكُلٌّ حَجيجٌ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِم

كما سار في الأنصار جَدُّكَ من مِنىً

وقادَ الحواريّينَ عيسى بنُ مريم

فلا مُهْجَةٌ في الأرضِ منكَ مَنيعَةٌ

ولو قطَرَتْ من رِيقِ أرقطَ أرقَم

ولو أنّها نِيطَتْ بمِخْلَبِ قَسْوَرٍ

ولو أنها باتَتْ على رَوْقِ أعصَم

لقد أعذَرَتْ فيكَ الليالي وأنْذَرَتْ

فقُلْ للخطوبِ استَأخِري أو تقدَّمي

قُصاراك مَلْكُ الأرضِ لا ما يَرَوْنَهُ

من الحظّ فيها والنَّصِيبِ المُقَسَّم

ولا بدّ من تلكَ التي تجمعُ الوَرى

على لاحِبٍ يَهْدي إلى الحَقّ أقوَم

فقد سئِمَتْ بِيضُ الظُّبى من جفُوُنها

وكانتْ متى تألَفْ سِوَى الهام تَسْأم

وقد غَضِبَتْ للدّينِ باسطَ كَفّهِ

إليهِنّ في الآفاقِ كالمُتَظَلِّم

وللعَرَبِ العَرْباءِ ذَلّتْ خدُودُهَا

وللفَترَةِ العَمْياءِ في الزّمَنِ العَمي

وللعِزّ في مِصرٍ يُرَدُّ سَريرُهُ

إلى ناعِبٍ بالبَينِ يَنْعِقُ أسْحَم

وللمُلْكِ في بغدادَ أن رُدّ حُكمُهُ

إلى عَضُدٍ في غَيرِ كَفٍّ ومِعْصَم

إلى شِلْوِ مَيْتٍ في ثيابِ خليفةٍ

وبضع لحام في إهاب مورم

فإن يكن العبد اللئيم نجاره

فما هو من أهْلِ العِراقِ بألأم

سَوامٌ رِتاعٌ بينَ جَهْلٍ وحَيرَةٍ

ومُلْكٌ مُضاعٌ بينَ تُرْكٍ ودَيْلَم

كأنْ قد كشَفْتَ الأمرَ عن شُبُهاتِهِ

فلم يُضْطَهَدْ حَقٌّ ولم يُتَهَضّم

وفاضَ دماً مَدُّ الفُراتِ ولم يَجُزْ

لِوارِدِهِ طُهْرٌ بغَيرِ تَيَمُّم

فلا حَمَلَتْ فُرسانَ حرْبٍ جِيادُهَا

إذا لم تَزُرْهُمْ من كُمَيتٍ وأدهَم

ولا عَذُبَ الماءُ القَراحُ لِشارِبٍ

وفي الأرضِ مَرْوانِيّةٌ غيرُ أيِّم

ألا إنّ يوْماً هاشميّاً أظَلَّهُمْ

يُطيِرُ فَراشَ الهامِ عن كل مِجثم

كيوْمِ يَزيدٍ والسّبايا طَريدةٌ

على كلّ مَوّارِ المِلاطِ عَشَمْشَم

وقد غَصّتِ البَيْداءُ بالعِيسِ فوقَها

كرائِمُ أبناءِ النّبيّ المكَرَّم

ذُعِرْنَ بأبناءِ الضّبابِ وأعْوَجٍ

فأبْكَينَ أبناءَ الجَديلِ وشَدْقَم

يَشُلّونَها في كُلّ غاربِ دَوسَرٍ

عليهِ الوَلايا بالخِشاشِ مُخَزَّم

فما في حَريمٍ بعدَهَا منْ تَحَرُّجٍ

ولا هَتْكُ سِترٍ بعدَها بمحَرَّم

فإنْ يَتَخَرّمْ خيرُ سبطَيْ مَحمّدٍ

فإنّ وليّ الثّارِ لم يَتَخَرَّم

ألا سائِلُوا عنهُ البَتْولَ فتُخبَرُوا

أكانَتْ لهُ أُمّاً وكان لها ابنَم

ألا إن وتراً فيهم غير ضائع

وطلاب وتر منكم غير نوم

فلمْ يَبقَ للمِقدارِ إلاَّ تَعِلّةٌ

لديكَ مَداها فاحسِمِ الدّاءَ يُحسَم

ولم يبْقَ منهُمْ غيرُ فَقْعٍ بقَرقَرٍ

أذَلَّ من العَفْرِ الذّلِيلِ وأرغَم

سيُوفٌ كأغمادِ السّيوفِ ودولَةٌ

تَثَنّى دلالاً كالقضيب المُنَعَّم

فتَمْشونُ في وَشيِ الدّروعِ سوابغاً

ويمَشونَ في وَشيِ الُبرودِ المُنَمنَم

وإنّا وإيّاهُمْ كَمَارِنِ نَبْعَةٍ

تَهَضّمَ نَجمْاً من يَراعٍ مُهَضَّم

وما عاثَ فيهِمْ مِقْوَلٌ مثلُ مِقوَلي

ولا لاحَ فيهم مِيسَمٌ مثلُ مِيسَمي

وأولى بلَوْمٍ من أُمَيّةَ كُلّها

وإن جَلّ أمْرٌ من مَلامٍ ولُوَّم

أُناسٌ هُمُ الدّاءُ الدّفينُ الذي سَرَى

إلى رِمَمٍ بالطَّفِّ منكم وأعظُم

هُمُ قَدَحُوا تِلكَ الزّنادَ التي وَرَتْ

ولو لمْ تُشَبَّ النّارُ لم تَتَضَرّم

وهُم رَشّحُوا تَيْماً لإرْثِ نَبيّهِمْ

وما كانَ تَيْمِيٌّ إليهِ بمُنتَم

على أيّ حُكْمِ اللّهِ إذ يأفكونَهُ

أُحِلَّ لهم تقديمُ غيرِ المُقدَّم

وفي أيّ دِينِ الوَحيِ والمُصْطَفَى لَهُ

سَقَوْا آلَهُ ممزوجَ صابٍ بعَلقَم

فما نَقَموا أنّ الصّنيعَةَ لم تكُنْ

ولكنّها منهم شَناشِنُ أخْزَمْ

وتاللّهِ ما للّهِ بادَرَ فَوتَهَا

ذَوُو إفكِهم من مُهْوَإٍ أو مُنَقَّم

ولكِنّ أمراً كانَ أُبْرِمَ بَيْنَهُمْ

وإن قالَ قوْمٌ فَلتَةٌ غيرُ مُبْرَم

بأسْيافِ ذاكَ البَغْي أوّلَ سَلَّهَا

أُصِيبَ عليٌّ لا بسيْفِ ابنِ ملجم

وبالحِقْدِ حِقْدِ الجاهِلِيّةِ إنّهُ

إلى الآنَ لم يَظْعَنْ ولم يَتَصَرَّم

وبالثّارِ في بَدْرٍ أُرِيقَتْ دِماؤكُمْ

وقِيدَ إليكُمْ كلّ أجْردَ صِلدِم

ويَأبَى لكُم من أن يُطَلّ نَجِيعُها

فُتُوٌّ غِضابٌ مِنْ كمِيٍّ ومُعْلِم

يَرِيعُونَ في الهَيجا إلى ذي حَفيظَةٍ

طويلِ نِجادِ السيْفِ أبلَجَ خِضرم

قلِيلِ لِقاءِ البِيضِ إلاّ منَ الظُّبَى

قليلِ شَرابِ الكَأسِ إلاّ منَ الدّم

فطَوْراً تَرَاهُ مُؤدَماً غيرَ مُبْشَرٍ

وطوْراً تَراهُ مُبْشَراً غيرَ مُؤدَم

وكُنتُمْ إذا ما لم تُثَلَّمْ شِفارُكمْ

عِلمنا بأنّ الهامَ غيرُ مُثَلَّم

سبقْتُمْ إلى المَجْدِ القديمِ بأسْرِهِ

وبُؤتُمْ بِعادِيٍّ على الدّهرِ أقدَم

وليسَ كما أبْقَتْ ضُبَيْعَةُ أضْجَمٍ

وليسَ كما شادَتْ قبائلُ جُرْهُم

ولكِنّ طَوداً لم يُحَلْحَلْ رَسِيُّهُ

وفارعَةً قَعْساء لم تُتَسَنَّم

إذا ما بِناءٌ شادَهُ اللّهُ وَحْدَهُ

تَهَدّمَتِ الدّنْيا ولمْ يَتَهَدّم

فمُكْبِرُكُمْ للّهِ أوّلٌ مُكْبِرٍ

ومُعْظِمُكُمْ للّهِ أوّلُ مُعْظِم

تَمُدّونَ منْ أيْدٍ تَغَيَّمُ بالنّدَى

إذا ما سَماءُ القوْمِ لم تَتَغَيّم

ألا إنّكُمْ مُزْنٌ من العُرْفِ فائِضٌ

يُرَدُّ إلى بحْرٍ من القُدْسِ مُفْعَم

كأنّكُمُ لا تَحْسَبُونَ أكُفّكُم

تُفيضُ على العافي إذا لم يُحَكَّم

فلا صَفَدٌ منكُمْ إذا لم يكُنْ غِنىً

ولا مِنّةٌ طَوْلٌ إذا لم تُتَمَّمَ

بِكُمْ عَزّ ما بَينَ البَقيعِ ويَثرِبٍ

ونُسِّك ما بَينَ الحَطيمِ وزمزم

فلا بَرِحَتْ تَترَى عليكمُ من الوَرى

صَلاةُ مُصَلٍّ أو سَلامُ مُسَلِّم

لئن كانَ لي عن وُدّكُم مُتأخَّرٌ

فما ليَ في التّوحِيدِ من مُتَقَدَّم

مدَحْتُكُمُ عِلْماً بما أنَا قائِلٌ

إذا كان غَيري زاعِماً كُلًّ مَزْعَم

ولو أنّني أجري إلى حيْثُ لا مدى

من القوْلِ لم أحْرَجْ ولم أتَأثّم

لكم جامعُ النُّطْقِ المُفَرَّقِ في الورى

فمِن بينِ مشْرُوحٍ وآخَرَ مُبْهَم

وفي النّاسِ عِلْمٌ لا يَظُنّونَ غَيرَهُ

وذلكَ عُنْوانُ الصّحيفِ المُختَّم

إذا كانَتِ الألْبابُ يَقْصُرُ شَأوُهَا

فظُلْمٌ لِسِرِّ اللّهِ إنْ لم يُكتَّم

إذا كانَ تَفْريقُ اللُّغاتِ لِعِلّةٍ

فلا بُدّ فيها من وَسيطٍ مُتَرجِم

وآيَةُ هذا أن دَحَا اللّهُ أرْضَهُ

ولكنّهَا لم تُرْسَ من غيرِ مَعلَم

ولم يُؤتَ مَرْءٌ حِكمَةَ القولِ كلَّها

إذا هُوَ لم يَفْهَمْ ولم يَتَفَهّم

لكَ الفَضْلُ حتى منك لي كلُّ نعمَةٍ

وكُلُّ هُدىً ما كُلّ هادٍ بمُنْعِم

وإنّي وإنْ شَطّ المَزارُ لَراجِعٌ

إلى وُدّ قلْبٍ في ذراك مُخَيِّم

بأنْصَحَ من جَيبِ المحِبّ على النّوَى

وأطْهَرَ من ثَوبِ الحَرامِ المُهَيْنِم

وضِعْفُ الذي جَمجَمْتُ غيرَ مُصَرِّح

من الشكْرِ ما صَرّحْتُ غير مجَمجِم

وأُقْسِمُ أني فيكَ وحدي لَشيعَةٌ

وكنْتُ أبَرَّ القائِلينَ بمُقْسَم

ولولا قَطِينٌ في قَصِيٍّ منَ النّوَى

لما كان لي في الزّابِ من مُتَلَوَّم

وفي ذَمَلانِ العِيسِ كِلْتَا مَآربي

إذا أرْقَلَتْ بي من أَمُونٍ وعَيْهَم

فمنها إذا عَدّتْكَ شِيعَةُ رِحْلَتي

ومنها إذا أمّتْكَ شِيعَةُ مَقدَمي

وأينَ تكونُ الأرحَبِيّةُ في السُّرَى

وشَدْوِي على كِيرانِها وترَنُّمي

إذا لم أُجاوِزْ فَدْفَداً بعْدَ فَدْفَدٍ

إليكَ وأطْوي مَخْرِماً بعد مَخْرِم

وخَيرُ ازديارٍ غِبُّهُ وعلى النّوَى

يُحَجُّ إلى البيْتِ العَتيقِ المُحَرَّم

وعِنْدي على نأيِ المَزارِ وبُعْدِهِ

قصائِدُ تَشْرَى كالجُمانِ المُنظَّم

إذا أشْأمَتْ كانَتْ لُبانَةَ مُعْرِقٍ

وإن أعْرَقَتْ كانَتْ لُبانَةَ مُشئم

تَطَاوَلُ عن أقْدارِ قَوْمٍ جلالَةً

وتَصْغُرُ عن قَدْرِ الإمام المعظَّم

وأيَّ قَوافي الشعرِ فيكَ أحُوكُهَا

وما تركَ التّنزيلُ من مُتَرَدَّم

ولوْ أنّ عُمْري بالِغٌ فيكَ هِمّتي

لَثَقّفْتُ بَيتاً ألفَ عامٍ مُجَرَّم

أُسيءُ ظُنوني بالثّناءِ وأنتَحي

لِذَمّ ثنائي وهو غيرُ مذمّم

كمَنْ لامَ نَفْساً وهي غَيرُ ملُومَةٍ

وأُفْحِمَ ظَنّاً وهو ليس بمُفحم

ولمّا تَلَقّتْكَ المَواسِمُ آنِفاً

تَرَبّصْتُ حتى جئتُ فَرداً بمَوسم

لِيَعلَمَ أهْلُ الشّرْقِ والغَرْبِ أنّني

بنفسيَ لا بالوفدِ كان تَقَدُّمي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن هانئ الأندلسي

avatar

ابن هانئ الأندلسي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-Hani-Andalusia@

119

قصيدة

2

الاقتباسات

346

متابعين

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي، أبو القاسم، يتصل نسبه بالمهلب بن أبي صفرة. أشعر المغاربة على الإطلاق. وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق. وكانا متعاصرين. ولد ...

المزيد عن ابن هانئ الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة