الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » سكن الفؤاد وجفت الآماق

عدد الابيات : 67

طباعة

سَكَنَ الْفُؤَادُ وَجَفَّتِ الآمَاقُ

وَمَضَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا الأَشْوَاقُ

وَنَزَعْتُ عَنْ نَزَقِ الشَّبِيبَةِ وَالصِّبَا

بَعْدَ الْمَشِيبِ وَلِلشَّبَابِ نِزَاقُ

لا الدَّارُ دَارٌ بَعْدَ مَا رَحَلَ الصِّبَا

عَنِّي وَلا تِلْكَ الرِّفَاقُ رِفَاقُ

وَلَقَدْ جَرَيْتُ مَعَ الْغَوَايَةِ وَالصِّبَا

جَرْيَ الْكُمَيْتِ وَلِلْغَرَامِ سِبَاقُ

وَلَبِسْتُ هَذَا الدَّهْرَ مِنْ أَطْرَافِهِ

وَنَزَعْتُهُ وَقَمِيصُهُ أَخْلاقُ

فَإِذَا الشَّبَابُ وَدِيعَةٌ وَإِذَا الْفَتَى

هَدْيٌّ لِفَاغِرَةِ الْمَنُونِ يُسَاقُ

لِلَّهِ أَيَّامٌ لَنَا مَعْرُوفَةٌ

سَبَقَتْ وَلَيْسَ لِسَبْقِهِنَّ لحَاقُ

حَيْثُ الصِّبَا نَهْبٌ وَسَلْسَالُ الْهَوَى

عَذْبٌ وَآنِيَةُ السُّرُورِ دِهَاقُ

فِي جَنَّةٍ خَضْرَاءَ وَرْدُ خُدُودِهَا

زَاهٍ وَغَيْثُ مُدَامِهَا غَيْدَاقُ

سَفَرَتْ بِهَا الأَقْمَارُ مِنْ أَطْوَاقِهَا

وَتَجَمَّعَتْ بِفِنَائِهَا الْعُشَّاقُ

فَالنُّطْقُ جَهْرٌ وَالتَّحِيَّةُ قُبْلَةٌ

بَيْنَ الأَحِبَّةِ وَالسَّلامُ عِنَاقُ

لا يَسْأَمُونَ اللَّهْوَ بَيْنَ مَلاعِبٍ

قَدْ قَامَ فِيهَا لِلْخَلاعَةِ سَاقُ

يَفْتَنُّ عَقْلُ الْمَرْءِ فِي تَصْوِيرِهَا

وَتَحَارُ فِي تَمْثِيلِهَا الأَحْدَاقُ

فَعَلَى الْمُرُوجِ مِنَ الْخَمَائِلِ رَفْرَفٌ

وَعَلَى الْخَمَائِلِ لِلْغُيُومِ رُوَاقُ

بَعَثَ الرَّبِيعُ لَهُنَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ

فَسَمَتْ طِبَاقٌ فَوْقَهُنَّ طِبَاقُ

دُنْيَا نَعِيمٍ لا بَقَاءَ لِحُسْنِهَا

وَنَعِيمُ دُنْيَا مَا لَهَا مِيثَاقُ

فَلَقَدْ مَضَى ذَاكَ الزَّمَانُ بِحُسْنِهِ

وَسَمَا إِلَيَّ الْهَمُّ وَالإِيرَاقُ

وَغَدَوْتُ حَرَّانَ الْفُؤَادِ كَأَنَّمَا

ضَاقَتْ عَلَيَّ بِرُحْبِهَا الآفَاقُ

نَفِسَتْ عَلَيَّ بَنُو الزَّمَانِ شَمَائِلِي

فَلَهُمْ بِذَلِكَ خِفَّةٌ وَنِزَاقُ

حَسِبُوا التَّحَوُّلَ فِي الطِّبَاعِ خَلِيقَةً

وَتَحَوُّلُ الأَخْلاقِ لَيْسَ يُطَاقُ

تَاللَّهِ أَهْدَأُ أَوْ تَقُومُ قِيَامَةٌ

فِيهَا الدِّمَاءُ عَلَى الدِّمَاءِ تُرَاقُ

تَرْتَدُّ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي سَتَرَاتِهَا

وَيَضِلُّ فِي هَبَوَاتِهَا الإِشْرَاقُ

شَعْوَاءُ تَلْتَهِمُ الْفَضَاءَ وَيَرْتَقِي

مِنْهَا عَلَى حُبُكِ السَّمَاءِ نِطَاقُ

أَنَا لا أَقَرُّ عَلَىالْقَبِيحِ مَهَابَةً

إِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْقَبِيحِ نِفَاقُ

قَلْبِي عَلَى ثِقَةٍ وَنَفْسِي حُرَّةٌ

تَأْبَى الدَّنِيَّ وَصَارِمِي ذَلَّاقُ

فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ فُرْقَةَ رُوحِهِ

أَوَ لَيْسَ عَاقِبَةُ الْحَيَاةِ فِرَاقُ

فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ وَهْيَ فِي أَثْوابِهَا

إِنْ لَمْ تَكُنْ شَامٌ فَتِلْكَ عِرَاقُ

لا خَيْرَ فِي عَيْشِ الْجَبَانِ يَحُوطُهُ

مِنْ جَانِبَيهِ الذُّلُّ وَالإِمْلاقُ

عَابُوا عَلَيَّ حَمِيَّتِي وَنِكَايَتِي

وَالنَّارُ لَيْسَ يَعِيبُهَا الإِحْرَاقُ

فَاضْرَحْهُمُ ضَرْحَ الْعُيُونِ قَذَاتَهَا

وَحَذَارِ لا تَعْلَقْ بِكَ الْعُلَّاقُ

فَالنَّاسُ أَشْبَاهٌ وَشَتَّى بَيْنَهُمْ

تَدْنُو الْجُسُومُ وَتَبْعُدُ الأَخْلاقُ

فَاعْرِفْهُمُ وَاحْذَرْ تَشَابُهَ أَمْرِهِمْ

لا تَسْتَوِي الأَغْلالُ وَالأَطْوَاقُ

لا تَحْسَبَنَّ الرِّفْقَ يَنْزِعُ غِلَّهُمْ

الشَّرُّ دَاءٌ مَا لَهُ إِفْرَاقُ

شَرُوا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَاغْتَرَّهُمْ

لِينُ الْحَيَاةِ وَمَاؤُهَا الرَّقرَاقُ

فَتَرَى الْفَتَى مِنْهُمْ كَأَنَّ بِرَأْسِهِ

نَزْغَ الْجُنُونِ فَلَيْسَ فِيهِ لَيَاقُ

مُتَلَوِّنُ الأَخْلاقِ بَيْنَ عَشِيرِهِ

جَهْلاً كَمَا يَتَلَوَّنُ الشِّقْرَاقُ

لَهِجٌ بِعَارِيَةِ الْحَيَاةِ وَمَا دَرَى

أَنَّ الْحَيَاةَ إِلَى الْمَنُونِ مَسَاقُ

لَوْ كَانَ يَسْلَمُ فِي الزَّمَانِ مِنَ الرَّدَى

حَيٌّ لَعَاشَ بِجَوِّهِ السَّيْذَاقُ

أَرْبَى عَلَى شِمْرَاخِ أَرْعَنَ بَاذِخٍ

سَامٍ لَهُ فَوْقَ السَّحَائِبِ طَاقُ

نَهْمَانُ يَعْتَلِقُ الْقَطَا بِمَخَالِبٍ

حُجْنٍ لَهُنَّ بِوَقْعِهَا تَصْعَاقُ

لا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْجَنَاحُ وَطَرْفُهُ

مُتَقَلِّبٌ يَسْمُو بِهِ الإِرْشَاقُ

بَيْنَا كَذَلِكَ إِذْ أَصَابَ عِصَابَةً

لِلطَّيْرِ أَرْسَلَهَا صَدَىً مِحْرَاقُ

فَسَمَا فَحَلَّقَ فَاسْتَدَارَ فَصَكَّهَا

بِمُذَرَّبٍ تَمْكُو لَهُ الأَعْنَاقُ

تَسْمُو فَيَتْبَعُهَا فَتَهْوِي وَهْوَ فِي

آثَارِهَا مَرَّ الشِّهَابِ حِرَاقُ

مَذْعُورَةٌ تَبْغِي الْفِرَارَ مِنَ الرَّدَى

إِنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَنُونِ وَثَاقُ

حَتَّى إِذَا فَتَرَتْ وَحَطَّ بِهَا الْوَنَى

سَقَطَتْ فَلَيْسَ لِنَفْسِهَا أَرْمَاقُ

فَأَتَى فَمَزَّقَهَا كَمَا حَكَمَ الرَّدَى

وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَرَّةً إِزْهَاقُ

أَفَذَاكَ أَمْ ضِرْغَامُ خِيسٍ مُدْهِسٌ

تَنْجَابُ عَنْ أَنْيَابِهِ الأَشْدَاقُ

مَنَعَ الطَّرِيقَ فَمَا تَجُوسُ خِلالَهُ

فِي سَيْرِهَا الطُّرَّاقُ وَالْمُرَّاقُ

غَضْبَانُ يَضْرِبُ ذَيْلَهُ وَيَلُفُّهُ

مِنْ جَانِبَيْهِ كَأَنَّهُ مِخْرَاقُ

عَصَفَتْ عَلَيْهِ النَّائِجَاتُ وَخَابَ مِنْ

هَامِ الْوُحُوشِ لَهُ حَشاً وَصِفَاقُ

فَسَمَا فَأَبْصَرَ رَاعِيَيْنِ تَخَلَّفَا

بِالْعِيرِ تَصْدَحُ بَيْنَهُنَّ نِيَاقُ

فَأَجَمَّ قُوَّتَهُ وَشَدَّ بِوَثْبَةٍ

صُمُّ الصُّخُورِ لِوَقْعِهَا أَفْلاقُ

حَتَّى إِذا اعْتَرَضَ الرِّحَالَ إِذَا بِهَا

يَقِظٌ تَلِينُ لِكَفِّهِ الأَرْزَاقُ

مُتَقَلِّدٌ سَيْفَاً تَرِفُّ مُتُونُهُ

رَفَّ الْمَصَابِحِ شَفَّهُنَّ لِيَاقُ

فَتَصَاوَلا حَتَّى إِذَا مَا اسْتَنْفَدَا

مَا كَانَ عِنْدَهُمَا وَضَاقَ خِنَاقُ

هَمَّا بِبَعْضِهِمَا فَمَاتَا مِيتَةً

لَهُمَا بِهَا حَتَّى الْمَعَادِ وِفَاقُ

أَمْ أَرْقَشٌ مَرِسٌ يَسِيلُ كَأَنَّهُ

بَيْنَ الْخَمَائِلِ جَدْوَلٌ دَفَّاقُ

يَتَنَاذَرُ الرَّاقُونَ سُمَّ لُعَابِهِ

رُعْباً فَلَيْسَ لِمَسِّهِ دِرْيَاقُ

تَسِمُ الظَّلامَ ذُبَالَتَانِ بِرَأْسِهِ

تَقِدَان لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَطْبَاقُ

يَسْرِي فَيَقْتَحِمُ السِّرَارَ وَيَرْتَمِي

بِسَنَاهُمَا الْمُتَنَبِّلُ الْمِرْشَاقُ

تَرَكَ الْوُحُوشُ لَهُ الْفَلاةَ وَأَوْغَلَتْ

طَلَبَ النَّجَاةِ فَجَمْعُها أَحْذَاقُ

حَتَّى إِذَا ظَنَّ الظُّنُونَ بِنَفْسِهِ

تِيهاً بِهَا وَخَلَتْ لَهُ الأَعْمَاقُ

أَنْحَى فَأَقْصَدَهُ الزَّمَانُ بِسَهْمِهِ

إِنَّ الزَّمَانَ لَنَابِلٌ مِيفَاقُ

حِكَمٌ تَحَيَّرَتِ الْبَرِيَّةُ دُونَهَا

وَتَنَازَعَتْ أَسْبَابَهَا الْحُذَّاقُ

فَاسْمَعْ فَمَا كُلُّ الْكَلامِ بِطَيِّبٍ

وَلِكُلِّ قَوْلٍ فِي السَّمَاعِ مَذَاقُ

نَزَلَ الْكَلامُ إِلَيَّ مِنْ شُرُفَاتِهِ

وَتَمَثَّلَتْ بِحَدِيثِيَ الآفَاقُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1888

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة