الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » تلاهيت إلا ما يجن ضمير

عدد الابيات : 43

طباعة

تَلاهَيْتُ إِلَّا ما يُجِنُّ ضَمِيرُ

وَدَارَيْتُ إِلَّا مَا يَنِمُّ زَفِيرُ

وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ أَمْرِهِ

وَفِي الصَّدْرِ مِنْهُ بَارِحٌ وَسَعِيرُ

فَيَا قَاتَلَ اللهُ الْهَوَى مَا أَشَدَّهُ

عَلَى المَرْءِ إِذْ يَخْلُو بِهِ فَيُغِيرُ

تَلِينُ إِلَيهِ النَّفْسُ وَهْيَ أَبِيَّةٌ

وَيَجْزَعُ مِنْهُ الْقَلْبُ وَهْوَ صَبُورُ

نَبَذْتُ لَهُ رُمْحِي وَأَغْمَدْتُ صَارِمِي

وَنَهْنَهْتُ مُهْرِي والْمُرَادُ غَزِيرُ

وَأَصْبَحْتُ مَفْلُولَ الْمَخَالِبِ بَعْدَمَا

سَطَوْتُ وَلِي فِي الْخَافِقَيْنِ زَئِيرُ

فَيَا لَسَرَاةِ الْقَومِ دَعْوَةُ عَائِذٍ

أَمَا مِنْ سَمِيعٍ فِيكُمُ فَيُجِيرُ

لَطَالَ عَلَيَّ اللَّيْلُ حَتى مَلِلْتُهُ

وَعَهْدِي بِهِ فِي مَا عَلِمْتُ قَصِيرُ

أَلا فَرَعَى اللهُ الصِّبَا مَا أَبَرَّهُ

وَحَيَّا شَبَاباً مَرَّ وَهْوَ نَضِيرُ

إِذِ الْعَيْشُ أَفْوَافٌ تَرِفُّ ظِلالُهُ

عَلَيْنَا وَسَلْسَالُ الْوَفَاءِ نَمِيرُ

وَإِذْ نَحْنُ فيما بَيْنَ إِخْوَانِ لَذَّةٍ

عَلَى شِيَمٍ مَا إِنْ بِهِنَّ نَكِيرُ

تَدُورُ عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَلاعِبٍ

بِهَا اللَّهْوُ خِدْنٌ وَالشَّبَابُ سَمِيرُ

فَأَلْحَاظُنَا بَيْنَ النُّفُوسِ رَسَائِلٌ

وَرَيْحَانُنَا بَيْنَ الْكُؤُوسِ سَفِيرُ

عَقَدْنَا جَنَاحَيْ لَيْلِنا بِنَهَارِنَا

وَطِرْنَا مَعَ اللَّذَّاتِ حَيْثُ تَطِيرُ

وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْهَا فَإِنَّمَا

بَقَاءُ الْفَتَى بَعْدَ الشَّبَابِ يَسِيرُ

فَطَافَ بِهَا شَمْسِيَّةً لَهَبِيَّةً

لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجَالِ ثُؤُورُ

إِذَا مَا شَرِبْنَاهَا أَقَمْنَا مَكَانَنَا

وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ

وَكَمْ لَيْلَةٍ أَفْنَيْتُ عُمْرَ ظَلامِهَا

إِلَى أَنْ بَدَا لِلصُّبْحِ فيهِ قَتِيرُ

شَغَلْتُ بِهَا قَلْبِي وَمَتَّعْتُ نَاظِرِي

وَنَعَّمْتُ سَمْعِي وَالْبَنَانُ طَهُورُ

صَنَعْتُ بِهَا صُنْعَ الْكَرِيمِ بِأَهْلِهِ

وَجِيرَتِهِ والْغَادِرُونَ كَثِيرُ

فَمَا رَاعَنَا إِلَّا حَفِيفُ حَمَائِمٍ

لَهَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْغُصُونِ هَدِيرُ

تُجَاوِبُ أَتْرَاباً لَهَا فِي خَمَائِلٍ

لَهُنَّ بِهَا بَعْدَ الْحَنِينِ صَفِيرُ

نَوَاعِمُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ

وَلا دَائِراتِ الدَّهْرِ كَيْفَ تَدُورُ

تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِداً

مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ

كَأَنَّ عَلَى أَعْطَافِها مِنْ حَبِيكِها

تَمائِمَ لَمْ تُعْقَدْ لَهُنَّ سُيُورُ

خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ دَوَاخِلُ غَيْرِهِ

زَهَاهُنَّ ظِلٌ سَابِغٌ وَغَدِيرُ

إِذَا غَازَلَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ كَأَنَّما

عَلَى صَفْحَتَيْهَا سُنْدُسٌ وَحَرِيرُ

فَلَمَّا رَأَيْتُ الصُّبْحَ قَدْ رَفَّ جِيدُهُ

وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسْجِ الظَلامِ سُتُورُ

خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً وَإِنَّمَا

يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ

وَلِي شِيمَةٌ تَأْبَى الدَّنَايَا وَعَزْمَةٌ

تَرُدُّ لُهَامَ الْجَيْشِ وَهْوَ يَمُورُ

إِذَا سِرْتُ فَالأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ فَوْقَهَا

مَرَادٌ لِمُهْرِي وَالْمَعَاقِلُ دُورُ

فَلا عَجَبٌ إِنْ لَمْ يَصُرْنِيَ مَنْزِلٌ

فَلَيْسَ لِعِقْبَانِ الْهَوَاءِ وُكُورُ

هَمَامَةُ نَفْسٍ لَيْسَ يَنْقِي رِكَابَها

رَوَاحٌ عَلَى طُولِ الْمَدَى وَبُكُورُ

مُعَوَّدةٌ أَلَّا تَكُفَّ عِنَانَهَا

عَنِ الْجِدِّ إِلَّا أَنْ تَتِمَّ أُمُورُ

لَهَا مِنْ وَرَاءِ الْغَيْبِ أُذْنٌ سَمِيعَةٌ

وَعَيْنٌ تَرَى مَا لا يَرَاهُ بَصِيرُ

وَفَيْتُ بِمَا ظَنَّ الْكِرامُ فِرَاسةً

بِأَمْرِي وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ

وَأَصْبَحْتُ مَحْسُودَ الْجَلالِ كَأَنَّنِي

عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي الزَمَانِ أَمِيرُ

إِذَا صُلْتُ كَفَّ الدَّهْرُ مِنْ غُلَوَائِهِ

وَإِن قُلْتُ غَصَّتْ بِالْقُلُوبِ صُدُورُ

مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ وَحِكْمَةً

لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ

فَلَوْ كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى

لَبَاءَ بِفَضْلِي جَرْوَلٌ وَجَرِيرُ

وَلَوْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ النُّواسِيَّ لَمْ يَقُلْ

أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ

وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ

وَفَضْلِي بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَهِيرُ

فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ

وَبَزَّ الْجِيَادَ السَابِقَاتِ أَخِيرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1889

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة