الديوان » العصر العثماني » أبو بحر الخطي » أهبت بالدمع إذ بانوا فلباني

عدد الابيات : 60

طباعة

أَهبتُ بالدمعِ إذ بانُوا فلبَّاني

حتى لقد خفتُ أنّ الدمعَ يغشاني

وانهلَّ من أحمرٍ قانٍ ومن يَقَقٍ

كالدرِّ فُصِّلَ منظوماً بمَرجَانِ

دَمْعٌ يُذِيبُ أديمَ الخدِّ سائلُهُ

لفرط ما صعّدته نارُ أحزانِ

ساروا وما أوقروا أحداجَ عيسِهِمُ

إلاّ كَرَايَ على رُغمي وسُلواني

نَبَتْ بِيَ الدارُ حتى ضَاقَ أرحَبُها

يومَ النوَى ونبا بالروحِ جثماني

مالي بهجرِهُمُ والدارُ جامعةٌ

يدٌ فكيفَ بنأيٍ بعد هَجْرَانِ

يا صاحِبَيَّ ألمَّا بي على دِمَنٍ

أقوتْ معالمُها من أمِّ عُثمانِ

عَلَّ الوقوفَ ولو لَوْثُ الإزارِ بها

يُزيلُ بعضَ صباباتِي وأشجاني

وأوقفاني بِها من ثمّ لا تَسَلا

لها السحابَ الغوادي بعد أجفانِي

فوقفتي في محاني كلّ منزلةٍ

خيرٌ لها من مُلِثِّ الوَدْقِ هَتَّانِ

حَلفتُ لم أدر ما وادي العقيق ولا

دارٌ تأبَّدَ مأواها بماوان

ولا الوقوفُ على الداراتِ من أَرَبي

ولا مخاطبةُ الأطلالِ من شاني

ولا زَجَرْتُ غراباً في تعرُّضِهِ

ولا أهبتُ بحادٍ خلفَ أظعانِ

ولا وقفتُ لغادي المُزْنِ أسألُهُ

سَقْيَ المنازِلِ أقوتْ بعد سُكَّانِ

حتى عَلِقْتُ بأعرابيَّةٍ أَلِفَتْ

رملَ الحِمى حيثُ تهفُو الريحُ بِالبَانِ

فاعتضتُ بالأَهْلِ وَحْشاً والديارِ فلاً

فالوحشُ والبيدُ أخداني وأوطاني

هيفاءُ تُثني وشَاحَيها على غُصُنٍ

تهفو بِهِ نَسَمَاتُ الدَّلِّ رَيَّانِ

غصنٌ ينوءُ بحِقْفٍ فوقَهُ قمرٌ

يضيءُ في جنح جثلِ النبتِ فينانِ

تَمُجُّ ألحاظُها حَتْفاً تولَّدَ عن

سِحْرٍ يَشُقُّ عصا مُوسَى بنِ عمرانِ

نواظرٌ نالنا من فتكهِنَّ بنا

أضعافَ ما نال في الدار ابنُ عفَّانِ

أورَثْنَنا سَقَماً ما للمسيحِ يدٌ

ببرئِهِ لا ولا للشيخ لقمانِ

تفترُّ عن موردٍ عَذْبِ النِطافِ على

أرجائِهِ من نفيسِ الدرِّ سِمطانِ

يُثني الملمُّ بها عن ضمِّ قامتِها

حُقَّانِ في الصدرِ من عاجٍ نَقيّانِ

تلك التي أورَثَتْني بَعدَ عافِيتِي

سَقْماً أَلَحَّ على جسمي فأَخْفَانِي

وحارَبتْ بين جفنِيْ والرقادِ فما

ألقى الدجى بسوى أجفانِ سهرانِ

وطالما بِتُّ أُحيي الليلَ مُرتشفاً

ريقَ المُدامِ على ترجيعِ ألحانِ

يسعى بها ثَمِلُ الأعطافِ وجْنتُهُ

كرَاحةٍ إذْ كلا لَونَيْهِما قاني

إذا عَلاَهَا نميرُ الماءِ أولدها

دُرّاً تخلَّصَ عن أحشاءِ عُقْيانِ

أَنا الذي ضاقَ بيْ دهريْ وضِقْتُ به

فنحنُ عند اتحاد الوصفِ مِثلانِ

إنْ شَاءَ لم أُعطِهِ والجودُ من شِيَمي

والحزْمُ ذاكَ ولا إن شِئتُ أعطاني

ما سَرَّنِي فرآني ضاحكاً أبداً

كلا ولا ساءني يوماً فَأبكاني

بلوتُ هذا الوَرى طُرّاً فما حصلتْ

يدي على غيرِ بادي الغدرِ خَوَّانِ

إنّ الوزيرَ أدَامَ اللهُ دولتَهُ

لَواحدٌ ما لَهُ في الناس مِنْ ثاني

أَهَابَ بي جودُهُ من بعدِما وقرَتْ

عن استماعِ منادي العُرفِ آذاني

وشَدَّ أَزري بما ضَاقَ الثناء به

ذرعاً فَفَهَّهَني عَجْزاً وعَيَّاني

تثني العُفاةُ على عيسٍ وقفنَ بهم

على ندَى أريحيٍّ غيرِ منَّانِ

لم يرضَ بالمجدِ موروثاً فأحرَزهُ

كَسباً وأوّلُهُ يُغني عَنِ الثاني

فلا مَزيدَ على ما أتحفَتْهُ بهِ

أيدي مَساعِيهِ من عزٍّ وسلطانِ

ما أقربَ الشِّبْهَ مِنه في جلالتِهِ

وملكه بابنِ داودٍ سليمانِ

ما سَارَ في موكبٍ إلاّ وحَفَّ بِهِ

من الوحوشِ وطيرِ الأفقِ جيشانِ

كأنَّ عِمَّتَهُ لِيثَتْ على قمرٍ

داني التألُّقِ يغشى مقلةَ الرَّاني

أَنَامَ سِرْبَ الرعايا في ذُراهُ فَمَا

تنفكُّ نائمةً في ظلِّ يَقظانِ

لم يرضَ أن غَمَرَ الأحياءَ نائلُهُ

حتى كَسا بالصَّنيعِ الهالكِ الفاني

أحيا مآثِرَ مَنْ أودَى الزمانُ بِهِ

فَظَلَّ ينشرُ ما يَطويْ الجَديدانِ

إني لأحْسِدُ بَيْتَيْ شاعرٍ لَبِسَا

بذكرِهِ لهما أثوابَ إحسانِ

كَسَاهما بهجةً إعجابُهُ بهما

فأكْمِلا بعد أن هَمَّا بنقصانِ

للّهِ ما وَسِعَا مَعْ ضيقِ وَزْنِهمَا

من جملةٍ لم يَسعْها قطُّ بيتانِ

في كلِّ مصراعِ بيتٍ منهما جُمِعَتْ

أشياءُ يعجِزُ عنها كُنهُ تِبيانِ

عناصِرٌ ومِنِ الأيامِ أربعةٌ

وجوهرٌ وسلاحٌ واسمُ ريحانِ

وأَلزمَ الناسَ أن يأتوا بمثلِهما

معنى ووزناً من القاصي إلى الداني

فَظَلَّ يُرسِلُ كلٌ طرفَ فكرتِهِ

فَمِنْ عَثورٍ عن الغاياتِ أو واني

حَتَّى تمطَّى على العِلاّتِ ذو مرحٍ

من فكرتي سابقٌ في كلِّ ميدانِ

لا يَنْثَني دونَ أن يَسْمُو لغايتِهِ

كأنَّهُ وقضاءُ اللهِ سِيَّان

بعثتُهُ فأتى بالنُجْحِ من كَثَبٍ

إنَّ الجَنَى لقريبٌ من يدِ الجانِي

أنا الذي هَزَّ بي دهري مَعاطفَهُ

عُجْباً فلم أبتسمْ عن ثَغْرِ جَذلانِ

ما افترَّ عن مثلِ ما أرسلتُ من حكمٍ

فمٌ ولا ضَمَّ قلبي صدرُ إنسانِ

ولا تناولَ شأوي كفُّ ملتمسٍ

أنَّى وقد قَصُرتْ عنه السِّماكانِ

إن قلتُ شعراً فلي في كلِّ جارحةٍ

نظمٌ ينيفُ على إحسانِ حسَّانِ

مازالَ يَكْحُلُ لمّا راحَ يَعنِقُ بي

طَرْفي ثراً طَرْفَ مَن في الشعرِ جاراني

أولانيَ اللهُ ما أولَى فَفِهْتُ بهِ

فَالحمدُ للّهِ لا لي حيثُ أولانِي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو بحر الخطي

avatar

أبو بحر الخطي حساب موثق

العصر العثماني

poet-abu-abahr-alkhti@

161

قصيدة

1

الاقتباسات

59

متابعين

جعفر بن محمد بن حسن الخطي البحراني العبدي العدناني، أبو البحر. شاعر الخط في عصره، من أهل البحرين، رحل إلى بلاد فارس، وأقام فيها إلى أن توفي. له (ديوان شعر) ...

المزيد عن أبو بحر الخطي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة