الديوان » العصر العثماني » نيقولاوس الصائغ » لا تبدلن غالي الزمان ببخسه

عدد الابيات : 74

طباعة

لا تُبدِلَن غالي الزمانِ ببخسِهِ

فتُعوَّضَ الدينارَ منهُ بفَلسِهِ

رَعياً لَمن جَعَلَ الحِمامَ رقيبهُ

واصارَ في الأَسفارِ غايةَ دَرسِهِ

إِنَّ الدِراسةَ حُسنُها وجميلُها

درسُ الحَزُومِ بموتِهِ وبدَرسِهِ

وكذا العُلومُ أَبَرُّها وأَجَلُّها

أَن يَعلَمَ الإِنسانُ خِسَّةَ نفسِهِ

أَضحى الزمانُ لكلِّ رسمٍ دارساً

لكن أَغرَقَ في مباحثِ دَرسِهِ

دَعني فيكفي كلَّ يومٍ شَرُّهُ

لا خيرَ في عُمرٍ يَخُبُّ لتَعسهِ

ان الفتى النحرير يرقبُ يومَهُ

فيراهُ فيما قد أتاهُ كأَمسِهِ

فلِسانُ حالِ الدهرِ افصحُ ناطقٍ

عن حالةِ الفُصَحاءِ فيهِ وخُرسِهِ

زيدٍ وبسطامٍ وسحبانٍ وحَسَّان

ورِسطاليسَ ثُمَّتَ قُسِّهِ

قد آلَ منهُ وآئلٌ في آلِهِ

عِيّاً وآناسٌ مَضى في يأسِهِ

شَعَرَت خُطوبَ مَصابِهِ شُعَراؤُهُ

فنَحتُهُم كجريرهِ مع أَوسِهِ

أَردى الممالكَ والمُلُوكَ جَميعَها

وعدا على عُجمِ الزمانِ وفُرسِهِ

وأَماتَ يَحيَى ثُمَّ أَفنى خالداً

وكذاكَ دمَّرَ عامراً مع جِنسِهِ

وطَوى بني طَيٍّ وزَايَلَ ثابتاً

وبِلَى المنيَّةِ حافظاً لم يُنسِهِ

ولجابرٍ كَسَرَ الزَمانُ بخَطبِهِ

واعتاضَ عالي عن عَلاهُ بوَهسِهِ

وأَعادَ عادَ إلى الثرى واحلَّ شَدَّ

ادَبنَ نُمرُودٍ بظُلمةِ رَمسِهِ

كم مالكٍ مَلَكَت اناملُ رُزءِهِ

ولظاهرٍ أَخفَت ستائرُ خَلسِهِ

أَمَّ الأَيَّمةَ بالرَدى وموابذاً

وجَرَى على كُهَّانهِ مَعَ قَسِّهِ

واستاسدَ الآسادَ صِمنَ عرينِها

واراعَ قلبَ الرِيم داخل كُنسِهِ

يا للعُجابِ وليسَ منا سالمٌ

ويُقالُ للفاني سلامة رأسِهِ

ما زالَ يَفرِسُ راكباً أو ماشياً

آلَ الفَراسةِ فاحذروا من فَرسِهِ

اينَ العلومُ واينَ أَصحابُ الحِجى

اينَ الغُزاةُ واينَ عنترُ عبسِهِ

لما أتاهُ الموتُ وَهوَ مُدَجَّجٌ

ما ارتاعَ من ماضي ظُباهُ وتُرسِهِ

ذي حلية الدهرِ الخَؤُونِ وهكذا

حَسُنَت باهليهِ مَقابحُ طَقسِهِ

هل شِمتَ فيهِ غيرَ قابضِ لِمَّةٍ

أو قارعاً أسنانهُ في خَمسِهِ

بالسُوءِ ان يُنذِركَ يُجهِر صوتَهُ

وبنادرِ الحُسنى يَئنُّ بهَمسِهِ

واهاً لِمَن غَضَّ الجُفونَ فِراسةً

عنهُ ويلحظُهُ باعيُنِ فَرسهِ

يُلقي طوائحَهُ بجَوشَنِ صَبرِهِ

وببأسِهِ يَفرِي شكائِمَ بُؤسِهِ

ولقد أرانا الدهرُ مَسّاً ليناً

مكراً فنِلنا قَسوَةً من مَسِّهِ

وانصاعَ يَمضَغُنا ويَلفَظُنا لَقىً

فيَلُوكُنا ليثُ المَنُونِ بضِرسِهِ

تَغتالُنا الدُنيا وما حُزنا بها

إِرثٌ لها بمزيدهِ وأَخسِهِ

أَنّي استحقَّت كلَّ ذا وعلى مَ

خُصَّت من تُراثِ وَليدِها في سُدسهِ

زَمَنٌ بهِ النَدبُ الحَزُومُ معذَّبٌ

بفُؤَادِهِ وبعقلِهِ ويحِسِّهِ

والحُرُّ فيهِ مثلَ مسجونٍ غدا

يبغي مَناصاً من مَضايقِ حبسِهِ

فالموتُ عند الغُمر يومُ مصابهِ

لكنَّ عندَ الحُرِّ ليلةُ عُرسِهِ

وَطِئَت رُؤُوسَ الناسِ اخماصُ الرَدى

يا صاحِ هل لكَ مَخلَصٌ من دعسِهِ

ونتائجُ الأَيَّامِ لم تَنقَد على

نَهجِ القِياسِ وقد تجيءُ بعكسِهِ

نرجو من الدنيا مَنالَ سُعودِها

أَنَّى السُعود بها وكلُّ النَحسِ هي

فالعُمرُ مهما انجابَ مَشرِقُ عيشِهِ

لا بدَّ أَن يَغشاهُ مَغرِبُ شمسِهِ

والمرءُ مهما فاضَ نائلُ سعدهِ

لا بُدَّ ما يعتاضُ عنهُ بنحسِهِ

ظَلَّ الجَوادُ يتيهُ في غُلَوَائِهِ

حتى تَعطَّبَ في مَهاوِي تعسِهِ

والمالُ في أيدي الحريضِ كزِئبَقٍ

ينسلُّ منهُ ولا يُحِسُّ بلمسِهِ

كم قامس قاموسَ مطمعةٍ ولم

يَنَلِ اللآلِ بل الوَبالَ بقَمسِهِ

كم شائدٍ قَصراً وليسَ بساكنٍ

فيهِ وبعلٍ لم يَلَذَّ بِعِرسِهِ

وإِذا حليفُ ضَنى تحامى حِميةً

وَحَبَت عليهِ فبشِّرَنهُ بنُكسِهِ

عيسُو أَباعَ أَخاهُ نِعمةَ حظِّهِ

بيعَ السَماحِ بأَكلةٍ من عدسِهِ

والرأسُ ان هُوَ لم يَقُم فيما يَقي ال

أَعضاءَ ارماهُ الالهُ بنكسِهِ

كم قد سَهَت عينُ الغَزالةِ والسُهى

واللَه لا يسهو وأنتَ بحسِّهِ

الدهرُ شِيمتُهُ القَساوةُ والقِلا

طبعاً فان جافاكَ لا تستقسِهِ

فالشاءُ قد أضحى فريسةَ ذئبِهِ

ودِماءُ ديكِ الحيّ حُسوةَ نمسِهِ

وتغايَرَت أَبناؤُهُ كفِعالِهِ

كم بينَ ناضِرهِ وذاوي غَرسِهِ

شَتَّانَ فيما بينَ حُمرةِ وردهِ ال

غَضّ الجنيِّ وبينَ صُفرةِ وَرسِهِ

والمرءُ قامَ الاصلُ فيهِ بفعلِهِ

كالنوعِ قام بفصلِهِ وبجنسِهِ

واللفظُ عُنوانُ الجَنانِ كأَنَّهُ

زَهرٌ تَبَيَّنُ منهُ صِحَّةُ غَرسِهِ

تمتازهُ حَرَكاتُهُ وسُكونُهُ

كالنبضِ ميَّزَهُ الطبيبُ بجَسِّهِ

والقلبُ قد تنمو بهِ أَوجاعُهُ

إِن لم يكن مستوضحاً عن خنسِهِ

فاعكِف عليهِ حاسماً آلامَهُ

وانقَد اليهِ كاشفاً عن لَبسِهِ

ان الحِمى المهجورَ زادَ بهِ الحَما

إِن لم تُمارِسهُ بجُودةِ كَنسِهِ

فاحذَر عليهِ وطَهِرَن أدرانهُ

من كل عائبةٍ تُشِيرُ برِجسِهِ

فالموتُ قد يَلج الفَتَى من حِسِّهِ

لا سيَّما من لحظِهِ أو لمسِهِ

دَع أُنسَ عالَمِكَ الغَرُورِ واهلِهِ

وَتَخيَّرَن إِيحاشَهُ عن أُنسِهِ

ذَر عَنكَ مَن أَضحَت سطورُ عهودِهِ

كحُروف طِرسٍ حِينَ شِينَ بطمسِهِ

فلرُبَّ لابسِ حُلَّةٍ سَوداءَ لم

يعبأ إذا ما سُوِّدَت من نِقسِهِ

إن لم يَكُن لونُ المَوَدَّةِ صَبغةَ ال

باري تَيَقَّن منهُ سُرعةَ فكسِهِ

وأنَس سليمَ الطبعِ مأمونَ الأَذى

لكنَّ فاحذَر من تَوَحُّشِ أُنسِهِ

واختر لنفسك من يكون مهذباً

يخشى على عرضٍ له من وكسهِ

وارو الظماةَ وعل ذا سغبٍ وعُد

دَنِفاً ومحبوساً وعُريان اكسِهِ

واشكر على الحالين صفوٍ أو قذىً

واصبر على وَمَدِ الزمانِ وقَرسِهِ

وإذا اشترعتَ بناءَ سُورِ فضيلةٍ

فاجعَل رُسوخَ الإِتضاعِ بأُسِّهِ

لا خيرَ فيما شِدتَهُ ان لم يكن

خفضُ الفُؤادِ التامُ مُحكَمَ دمسِهِ

واعطِف إلى المولى الكريم ولُذبهِ

واطرَح بيأسِكَ في مَطامعِ قُدسِهِ

واردُد اليهِ مجدَهُ بندامةٍ

تُنجِيكَ من لَذعِ الضمير ونَخسِهِ

واخسِ المعابَ وأُب بَمسكَنةٍ فمَن

وافى اليهِ بذِلَّةٍ لم يُخسِهِ

واستدرِكَن فوتَ الزمانِ ولا تبِع

ياذا النُهى غالي الزمانِ ببخسِهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نيقولاوس الصائغ

avatar

نيقولاوس الصائغ حساب موثق

العصر العثماني

poet-nicolaos al-sayegh@

342

قصيدة

33

متابعين

نيقولا (أو نيقولاوس) الصائغ الحلبي. شاعر. كان الرئيس العام للرهبان الفاسيليين القانونيين المنتسبين إلى دير مار يوحنا الشوير. وكان من تلاميذ جرمانوس فرحات بحلب. له (ديوان شعر - ط) وفي ...

المزيد عن نيقولاوس الصائغ

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة