الديوان » مصر » رفاعة الطهطاوي » يا مصر أنت أرض كل معجزه

عدد الابيات : 90

طباعة

يا مصرُ أنتِ أرضُ كل مُعجزه

كم فيكِ من آثار فخرٍ مُنجزه

قد عُدتِ كالعصر القديم مُنتزه

لله إسماعيلُ فيما أبرزه

في حيِّز الوجودِ فوقَ الحدِّ

يدومُ فخره كما الأهرامْ

ولم يزل يَقرنُ بالتحدِّي

بدايعاً صحيحة المرامْ

يعيشُ إسماعيلُ ربُّ المجدِ

على مَدى الأجيالِ والأعوامْ

ما أنتِ إلا روضةٌ بَهيَّة

شمسُ عُلاك بالسَّنا زَهيَّهْ

بالنيل خصبُ أرضك الزكيه

قد سطعتْ أخبارُك السنيهْ

شعاعُها انبثت بأرضِ الهندِ

والصينِ والرومِ وأرضِ الشامْ

لما انطفا النورُ بدهرٍ مُردِي

قد سَخر المولى له محام

يعيش إسماعيل رب المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

عقلٌ وحيدٌ لا تُجاريه الرجالْ

يحولُ في سَبق العُلا أعلى مجالْ

محمدُّ الاسمِ عليٌّ في الفِعالْ

أنار أفقَ مصرَ شبهَ الهلالْ

مذ قام بالحفيد سرُّ الجدِّ

فبدرُه جَلى دُجَى الظلامْ

فكرٌ منيرٌ من أميرِ جُندِ

صيَّر جيشَ الجهل في انهزامْ

يعيش إسماعيل ربُّ المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

لما اصطفى الجليلُ إسماعيلا

لملك مصر سيِّداً كَفيلا

وأشبهتْ طفلا غدا عَليلا

عدَّلها بطبِّه تَعديلا

بعدلِ قانونٍ وعَقْدِ بَنْدِ

أزال جَورَ الحكم والحُكّامْ

ونسخَ الرخصةَ والتعدي

وانقادَ للأصول والأحكام

يعيش إسماعيل رب المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

بنى على العدل أساسَ مُلكهْ

ونظمَ الفنونَ ضِمنَ سِلكه

وعظَّمَ العلمَ وأهلَ نُسْكهِ

ذُو العقل إن يفحْ عبيرَ مِسكه

بطيب في التشويق كل جهد

نعز لدى الأمير بالإكرام

يبذل في التشويق كلَّ جهدِ

بقدرِ حظِ الفضل في السهام

يعيش إسماعيل ربُّ المجد

على مدى الأجيال والأعوام

حَلَّى جبينَ مجمعِ البحرينِ

بتاج عزّ رائقٍ للعَينِ

وقبله كان كلا الشطين

يَلطمُ خدَّ الماءِ بالكفين

فذلك التاجُ قرينُ سَعد

يلمعُ فوقَ الماء كالحسام

يدعُو لإسماعيل ربُّ الرشدِ

بنصرةِ البنود والأعْلام

يعيش إسماعيل ربُّ المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

لما رَقى ذُر العلا وصَعدا

لم يترك الأهواءْ في الناس سُدى

عطفهم رفقاً بهم صوبَ الهدى

كلفهم بأن يحوزوا السؤددا

فالعقلُ في عهد العزيز مُهدَى

نحوَ العلوم لا إلى الأوهامْ

وإنما تمامُ هذا القصد

توسيعُهُ دوائرَ الأفهام

يعيش إسماعيل رب المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

لم يفتخرْ بزهرة الإماره

بل رامَ بالرعية افتخاره

وَضَعَ بنيه بينهم إشاره

لفكِّ قيد الذل والحقاره

فحسبُهم فكاكُ هذا القيدِ

وعتقهم مِن زِلة الأقدام

فأعلنوا بشكره والحمد

ما أحسنَ الشكر على الإنعام

يعيش إسماعيل ربُّ المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

قد لهجتْ بمدحه اللغاتُ

ورددت نشيدَه الأصواتُ

لم يَروِ مثلَ فخرِه الرواةُ

عن ملكٍ شهمٍ له هِباتُ

تجعل هنداً في النُّهى كزيدِ

والدرسُ للأُنثى كما الغُلامْ

من بعد أسرها بقيدِ وَغدِ

بالعلم حازتْ صفةَ احترام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

وبالحنان الأبويِّ رتَّبا

تربيةَ البناتِ من عهد الصِّبا

يقضين من حقِّ النهى ما وجبا

يحرزنَ عِلماً نافعاً وأدبا

تشملهن منه عينُ الرشد

ونجدةُ العزمِ والاهتمام

حتى يصلنَ بعقول النقدِ

لقوة التفهم والإفهام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

في عهده كلُّ الرعايا فرِحتْ

لأنه وَافى على ما اقترحتْ

وروح جده بها انشرحتْ

كأنها من الضريحِ سَرحتْ

مُضيئةَ الجبينِ فوقَ طودٍ

سامى الذرا عن سائر الأعلام

تنظرُ من أعلى بغير عدِّ

عجائباً لم تُحصَ بالأقلام

يعيش إسماعيل ربُّ المجدِ

على مدى الأجيال والأعوام

نادتْ بالاستعجاب أيها الحفيدْ

ما أنت في كَسْب العلا إلا فريدْ

ما أعجز الملوكَ في الدهر المديدِ

وافاك بالتدبير والفكر السديد

أحييتَ مجداً من قَرارِ لِحد

وعِظَماً كان مع العِظامْ

وهكذا النجلُ النجيبُ يُبدي

عظائمَ الأسلافِ باقتحام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

بمدحِك اهتزتْ ضروبُ النغمِ

انعشتْ الملوكُ بعدَ العدمِ

لما رأوْا عجائبَ التقدمِ

إعجابهم ما كان بالمكتتمِ

فاجتمعوا بالعودِ قبل العودَ

لينشدوا مدحاً على الأنغام

وأجمعوا على مليكٍ فردِ

مؤيدٍ بالسلم والسلام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيالِ والأعوام

عشْ في أمانِ الله يا أبهى أميرْ

مشرفاً تاج المعالي والسرير

تاريخُ هذا الجيل والعصرِ الأخير

يدعُوك مع أعلى الملوك بالنظير

أنت الوحيدُ في العلاَ والجد

وفي المساعي ثابتُ الأقدامِ

عش في أمان اللهِ دون ضِدِّ

أعدْت عصرَ الذهب الإسلامي

يعيش إسماعيل رب المجد

على مَدى الأجيال والأعوام

عشْ في أمان الله يا من أعلى

لأهل مِصره مقاماً أعلى

مذ كنتَ للرأفة فيهم أهلا

صرتَ من الأب الشفيق أولى

فأنت للكل أبٌ في الودِّ

أنتَ الولي والنصيرُ الحامي

بالرفق قد فقتَ وصدقِ الوعد

فصرتَ محبوباً لدى الأنام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مَدى الأجيال والأعوام

تدعوكَ أوربا مع الرعايا

بنعمةِ الله على البرايا

عطيةٌ من أجزالِ العطايا

إيطاليا قد حازتِ المزايا

بِدرُ مَدحٍ للجناب تُهدى

لمحض إجلالٍ مع احتشامْ

قد رام جمعَ أهلها يُؤدي

فرائضَ الحب بشعرٍ سامْ

بعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

أهدوا إليك هذه الطرائِفا

فريدُ دُرٍّ في حِماك طائفا

في ضمنه قد أودعوا لطائفا

تُحيرُ الألبابَ والمعارفا

تجل عن تسويمها بنقدٍ

جواهراً بديعةَ النظام

يسمو شعاعُ نورها الممتد

يَزْهو بنور وَجهك البسام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

لما عهدتَ الودَّ مني صَافيا

وصِدقَ حُبي في الجناب وافيا

نظمتُ في المدح له قوافيا

إن تحظ بالقبولِ كان كافيا

يُرضى المحبَّ في ارتباطِ الود

بشاهدٍ على الوداد النامي

فشاهدُ الود كطعم الشهد

أو وَصْلِ حَبل العهدِ والذمام

يعيش إسماعيل رب المجد

على مدى الأجيال والأعوام

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن رفاعة الطهطاوي

avatar

رفاعة الطهطاوي حساب موثق

مصر

poet-Rifaa-al-Tahtawi@

58

قصيدة

1

الاقتباسات

1057

متابعين

رفاعة بن رافع بن بدوي بن علي الطهطاوي، يتصل نسبه بالحسين السبط. عالم مصري، من أركان نهضة مصر العلمية في العصر الحديث. ولد في طهطا، وقصد القاهرة سنة 1223 هـ، ...

المزيد عن رفاعة الطهطاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة