الديوان » العصر المملوكي » علي الحصري القيرواني » أيا كعبة كانت منى المتطوف

عدد الابيات : 53

طباعة

أَيا كَعبَة كانَت مُنى المُتَطَوِّفِ

تَحَرَّفتُ وَالمُشتاقُ لَم يَتَحَرَّفِ

وَرَوضاً كَأَن لَم تَغن بِالأَمسِ أَرضهُ

وَلا أَخَذت مِن حُسنِهِ كُلَّ زخرَفِ

عَهِدتُكَ تَشفي النَفسَ مِن كُلِّ عِلَّةٍ

فَما بالها تَعتلّ مِن حَيثُ تَشتَفي

أَفاقَت مِنَ الثكلِ البَواكي وَلَم أفِق

بَل اِزدَدتُ لَيسَ الطَبع مِثلُ التَكَلُّفِ

أَبعدكَ وَالدَمعُ الَّذي عَزّ هيّن

دَمُ العَينِ يَرقا أَو لَظى القَلب يَنطَفي

عَقَقتُكَ إِن لَم أَبكِ بِالدَمِ كُلّه

وَإِن لَم أَمُت بَينَ البُكا وَالتَأَسُّفِ

فَرُزؤُكَ قَدَّ اليَومَ كُلَّ مُسَرَّدٍ

وَفَلَّ غراري كُلّ أَبيَض مُرهَفِ

هُوَ الدَهرُ لا يَرعى الكَريمَ فَيَرعَوي

وَلا صَرفُهُ يَكتَفُّ عَنهُ فَيَكتَفي

ولكِن أَشَدُّ النائباتِ عَلى الفَتى

مُفارقَةُ الأَحبابِ بَعدَ التَأَلُّفِ

وقربُ أَعاديهِ وَشَكواهُ دَهرهُ

إِلى ذي شماتٍ أَو إِلى غَير مُنصفِ

عَفاء عَلى الدُنيا البغيّ فَإِنَّما

بشاشَتُها كَالبارِقِ المُتخَطِّفِ

زَكا اِبني في تِسعٍ وَأربَعَةٍ لَهُ

وَلَم أَزكُ في خَمسينَ عاماً وَنَيِّفِ

تَشاغَلتُ فيها بِالقَريضِ عَنِ التقى

وَلَم يَشتَغِل إِلّا بِلَوحٍ وَمُصحَفِ

تَقَدَّمَ وَاِستَأخَرتُ عَن دَرَجاته

وَقيلَ اِسعَ في اِدّراكِهِ وَتَلَطَّفِ

فَشَتّانَ مَثواهُ وَمَثوايَ آنِفاً

وَمَوقِفَهُ يَومَ الحِسابِ وَمَوقِفي

إِذا وَسَمتني يا بنيّ خَطيئَتي

فَلا تَنكِرَن وَجهي هُنالِكَ وَاِعرِفِ

وَخُذ بِيَدي وَاِضرَع لِرَبِّكَ شافِعاً

لِيَجمَعَنا في رَوضَةٍ فَوقَ رَفرَفِ

مَعَ المُجتَبين المُصطَفين وَكَيفَ لي

بِفَوزي مَع مَن يَجتَبيهِ وَيَصطَفي

وَقَد ذُبتُ في حُبِّ الغَواني غِوايَةً

وَقَبَّلتُ أَطرافَ البنانِ المُطَرَّفِ

وَسَمّيت بِاِسمِ الحرّ عَبداً مَدَحتهُ

فَقُلتُ كَريم الجدِّ وَهوَ اِبنُ مقرفِ

وَذمتُ أُناساً لَو حَلمتُ لِجَهلِهِم

رَبِحتُ وَنَقَّفتُ الَّذي لَم أنقّفِ

وَعِشتُ بِمَغصوبِ المُلوكِ كَأَنَّني

أَموتُ طوىً لَو عفتهُ لِلتَعَفُّفِ

وَجَرَّرتُ أَذيالَ المفوّفِ أَشيَباً

وَغَيرُ مَليحٍ أَشيَبٌ في مفوّفِ

وَثَوبُ التُقى في عَينِ كُلِّ حَقيقَةٍ

بِهِ الشَيخُ أَبهى مِن فَتىً مُتظَرِّفِ

بَكيتُ عَلى اِبني وَالنَذيرُ يَقولُ لي

عَلى نَفسِكَ اِبكَ الدَهر ثَقّلت خَفّفِ

بنيكَ قَد أَوفى وَأَنتَ عَلى السرى

تَغُرُّكَ آمالٌ بِوَعدٍ مسوّفِ

أَفق أَيُّها المَغرورُ إِنَّكَ مُنتَشٍ

كَأَنَّكَ مَصبوحٌ يعلُّ بِقَرقَفِ

أَيُغني غَداً عَبد الغنيّ بِوَقفَةٍ

لِمُلتَفِتٍ يَلقاهُ أَو مُتَشَوِّفُ

أَمِ الحور وَالولدان يَثنينَ طَرفَهُ

عَنِ المُذنِبِ المُستَشفِعِ المُتَلَهِّفِ

أَنا أَعلَمُ اِبني راحِماً مُتَعَطِّفاً

فَمَن لي غَدا بِالراحِمِ المُتَعَطِّفِ

عَسى وَلَعَلَّ اللَهَ يَرحَمُني بِهِ

فَيَغفِرَ ذَنبَ المُرتَجي المُتَخَوِّفِ

شهابٌ لِظُلماتِ المُلِمّاتِ ثاقِبٌ

وَشِبلٌ لِآثارِ الضَراغِمِ مُقتَفي

لَهُ صَبرُ أَيّوبٍ عَلى ما أَصابَهُ

وَإِن غَيَّرَت مِنهُ مَحاسِنُ يوسُفِ

أَلَحَّ عَلَيهِ ما أَلاحَ بِنورِهِ

وَأَعيا حَكيماً أَن يُجيب بِأَحرُفِ

وَقَد رابَهُ مِنهُ تَوَرُّمُ نَرجسٍ

غَضيضٍ وَنِسرينٍ وَوَردٍ مُضعَّفِ

وَنَثرُ عَقيقٍ ذابَ فيهِ دِماؤُهُ

جَرى مِثلَ جَمعي ثُمَّ لَم يَتَوَقَّفِ

رَقيتُكَ يا اِبني وَالحِمامُ مَقدَّر

إِذا جاءَ لَم تَنفَع رُقى كُلّ مُدنفِ

وَلَم أَنسَ وَجدي إذا تَشَهَّدت مُخلِصاً

وَصَوتُكَ ممّا رقّ بِالسقمِ قَد خَفي

فَلَمّا تَوَفَّتكَ المَلائِكُ طيّباً

وَقالوا سَلامٌ سِر إِلى اللَهِ تزلفِ

بَدا الجُوَيبَكي ثُمَّ كَفكَفَ دَمعهُ

وَأَسبلتُ دَمعي غَيرَ أَن لَم أُكَفكفِ

وَصَلّى عَلَيكَ القاضِيانِ وَلَو دَرى

أَعَزُّ مُلوكِ الأَرضِ لَم يَتَخَلَّفِ

وَرُبَّ فَقيهٍ لَم يُصَلِّ عَلَيكَ مِن

عَداوَتِهِ في حَدِّكَ المُتَغَطرِفِ

عَلى أَنَّني أَنّبتُ مَن لَم يُؤنّبوا

وَزُرتُ وَأَسعَفتُ اِمرءاً غَير مُسعفِ

ولَيسَ كَريماً مَن يَخونُ صَديقَهُ

وَلكِنَّما الحُرُّ الكَريمُ الَّذي يَفي

بَنو عَصرِنا إِلّا أَقَلّ بَقِيَّةٍ

إِذا اِنتَقَدوا كَالدِرهَمِ المُتزيّفِ

يُصلّي عَلَيكَ اللَهُ كَيفَ عِبادُهُ

وتبكي الأَعادي كَيفَ عَينُ المُشعفِ

أَلَستَ مِنَ الأَشرافِ فِهرِ اِبنِ مالِكٍ

وَلَيسَ شَريفُ القَدرِ كَالمُتَشَرِّفِ

أَلَم تَكُ طِفلاً دونَكَ الكَهلُ وَالفَتى

وَدونَكَ في حِلمٍ نِهايَة أَحنَفِ

أَلَم تَبدُ أَخلاقُ الشُجاعِ وَذي النَدى

عَلَيكَ وَطَبعُ العالمِ المُتَفَلسِفِ

سَلامٌ عَلى قَبرٍ حَواكَ فَنوِّرَت

نَواحيهِ مِن سُحبٍ بِكَفَّيكَ وكَّفِ

كَأَنّي وَقَد أوديتُ بدَّلت مِن حَياً

بِمَحلٍ وَمِن ريحٍ بليلٍ بِحرجفِ

عَكَفتُ عَلى الأَحزانِ بَعدَكَ جافِياً

لِقَبرِكَ إِنّي لَستُ أَبرَحُ مُعكفِ

وَهَل أَنتَ إِلّا نورُ عَيني سَلَبتَهُ

فَأَيُّ اِهتِداءٍ لي وَأَيُّ تَصَرُّفِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الحصري القيرواني

avatar

علي الحصري القيرواني حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Abou-al-Hassan-al-Housri@

290

قصيدة

2

الاقتباسات

133

متابعين

علي بن عبد الغني الفهري الحصري، أبو الحسن. شاعر مشهور، له القصيدة التي مطلعها:|#يا ليل الصب متى غده|كان ضريراً، من أهل القيروان، انتقل إلى الأندلس ومات في طنجة. اتصل ببعض الملوك ...

المزيد عن علي الحصري القيرواني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة