الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » قال سمعت أن ذئبا أبصرا

عدد الابيات : 131

طباعة

قالَ سَمعتُ أن ذئباً أَبصرا

غَزالة ترضع خَشفاً أَحوَرَا

لَكنها مَريضة هَزيلة

وَساقَها مَكسورة عَليله

قَد مَسها الضر فَعادَت نضوا

يَحسبها الراؤون مِنها شلوا

فَقالَ إِن أَكلَتها لَم أَشبع

وَلَيسَ لَحم مثلها بمقنع

وَالرَأي أَن أَعلفها أَياما

فَإِنَّها لا تَجد الطعاما

لَعَلَها تسمن ثُم أَعمد

يَومئذ لَها وَذاك أَرشَد

فَجاءَها مُسلما فَقالا

وَالذئب لا يُصادق الغَزالا

إِلا لِكَيد كامن وَمَكر

جزّ قَصير أَنفه لأَمر

يا أُخت ما حالك قالَت شر

وَغَرها وَالشهم لا يغتَر

وَأظهر اللطف لَها وَالرفقا

فَقَد رأَتهُ للشقاء حَقا

وَشَكَت الجُوع إَلَيهِ فَبَكى

وَأظهر الخُشوع وَالتنَسكا

وَقالَ إِني تُبت مِن عداوتي

للوحش حَتّى انكسرَت ضَراوَتي

حَلفتُ لا آكل جهدَ حلف

إِلا الَّذي يَموت حتف الأَنف

فَبئست الطبيعة القَساوة

وَالفَتك بِالنُفوس وَالضراوة

إِن لَم يَكُن جنسَهُم كَجنسي

فَإِنَّما نُفوسهُم كَنَفسي

وَإِن إِفسادي كَون صوره

لِشَهوة تعرض أَو ضَروره

ظُلم وَجَهل لَيسَ فيهِ شَك

وَلَستُ مِن إثم بِهِ أنفك

حَتّى مَتى تَبكي العُيون فَتكى

كَم مُقلة مِن سوء فعلي تَبكي

وَكَبد أَحرَقتها بالثكل

وَولد أيتمته بِالأَكل

وَقَد عَلمت وَاللبيب يَعلم

بالطبع لا يَرحم مَن لا يرحَم

فَتُبت مِن قَساوَتي وَصبوتي

وَقُلت أمحو حَوبَتي بِتَوبَتي

وَمَر مِن ساعَتِهِ فَجاءَها

بعلف حشت بِهِ أَحشاءَها

وَلَم يَزَل يعلفها وَيَجتَهد

كَيداً وَمَن يَعجَز عَن الأَمر يكد

وَلَم تَزَل تَدعو لَهُ وَتشكره

مُذ صدقت مِن نسكهِ ما يذكره

لَم تَدرِ كَيفَ قصد أَن يكيدَها

أَضحى يقوتها لِكي يَقودَها

حَتّى إِذا ما رَجعت كَالتولب

وَأَصبَحَت مِن شحمها كَالشوقب

عافصها بوثبة شَديده

محكماً أَنيابه الحَديده

وَهَكَذا لَو تَفهَمون الأنس

يبركم أَرفقهم لِيَقسو

وَأَنتُم لِقلة الأفهام

وَسفه العُقول وَالأَحلام

تَرون سوء فعلهم عَيانا

وَلا تَرونَ ذالِكُم عُدوانا

إن أَقل مَن تَرى أَذهانا

من حسب الإِساءة الإِحسانا

قالَ أَبو أَيوب في جَوابه

قَد يغلب المَرء عَلى صَوابه

إِنكَ ما أنصفت في المَقال

وَلا عَدَوت زُخرف المحال

لزمت للجهل قَبيح الظاهر

وَما نَظَرت حسن السَرائر

وَذاكَ فاعلم عادة الجهال

وَسنة الأَغمار وَالأرذال

إن يَقصدوا ظَواهر الأَقوال

بِالطعن وَالتَزييف بِالجدال

وَيَغفَلون عَن خَفيِّ الحكمه

وَلَو رَأوها لأَزالوا النهمه

كَم حسن ظاهر قَبيح

وَسمج عُنوانهُ مَليح

وَحكمة خافية وَمصلحه

للناس في مَعارض مُستقبحه

تخفى عَلى الجهال وَالأَغمار

لجهلهم بحكمة الجبار

من عَرَفَ اللَّه أَزال التهمه

وَقال كُل فعله للحكمه

قَد تَضرب الأُم الرؤوم طِفلَها

فَهَل يَذم ذو رَشاد فعلها

لعلمهم بِأَنَّها شَفيقه

عَلى بَنيها وَبِهم رَفيقه

وَإِنَّما تَضربه لنفعه

وَزَجره عَن غَيهِ وَمَنعه

لأَنَّها أَعلَم بِالمصالح

مِنهُ وَأَهدى للسبيل الواضِح

وَإِن مَن يَقصد قَلعَ ضرسه

لَم يَعتمد إِلا صَلاحَ نَفسه

وَقَد تَرى شَيخاً كَبيراً فانياً

عاش عَقيماً يَرهب المواليا

وَيَسأَلُ اللَّه تَعالى وَلَدا

حَتَّى إِذا رزقه ما نَشَدا

وَجاءهُ ابن ذكر مثل القَمَر

وَالشيخ ذو مال كَثير وَبَدر

أسلمه لِقسوة المعلم

ولَم يَكُن عَلَيهِ ذا ترحم

يَقتل في المَكتَب بِالهراجر

وَيَقطَع الليل بجفن ساهر

حَتّى إِذا ما أتقن الآدابا

ألزمه الدكان وَالعَذابا

وَرُبَّما خاطر في البَحر بِهِ

مِن بَعدِ ما قاساه في مَكتبه

فَهَل يَقول قائل قَد خرف

وإنَّهُ بِفعله ما أنصَفا

إِذ هُو ذو مال كَثير العَدد

وَما أَتاهُ غَير هَذا الوَلَد

فلِم بِأَصناف الأَذى يعذبه

المال يَكفيهِ فَلَم يهذبه

لِمَ لا يَكون وادِعاً في أَهله

مقتَنِعاً بِماله وَجَهله

وَهَكَذا الطبيب إِذ يُداوي

بِالقَطع وَالمسهل وَالمكاوى

وَحقنة وَكية وَقَطع

وَمنضج صَعب شَديد اللذع

وَرَبنا قَد خَلَق السِّباعا

وَحَشَرات خبثت طِباعا

وَفي الجَميع حكمة خَفيه

لِلَّهِ بَل ظاهِرة جَليه

إِن الَّذي في خَلقِهِ اِستَوَينا

هُوَ الَّذي فَضلهم عَلَينا

وَلَيسَ ذاكَ مِنهُم بِظلم

لأَنَّهُم يَأتونه عَن علم

فَقالَت العَنقاء إِن الموقا

ظَن الفَتى عَدوه صَدوقا

إِن الجَهول بَينَنا نعلمه

هُوَ الَّذي ينصف من يَظلمه

فَما تَقول الخَيل فيما قَد جَرى

قُلنَ صَواب كُل ما قَد ذَكَرا

لأَنَّهُم ملاكنا والمالك

لَيسَ لَهُ في أَمرِهِ مُشارك

يَفعَل ما شاءَ بِلا اِستثناء

مُختَبِراً للعبد بِالبَلاء

يَصبر للقَضاء أَم لا يَصبر

وَهوَ بِهِ من قَبل ذاكَ يخبر

قالَ لَهُ لَقَد جَمَعت كذبا

وَسَفهاً وَقَد أَتَيت عَجبا

زَعمت أن الإِنس ملاكٌ لَكُم

وَمحسنون في الَّذي جاءوا بِكُم

وَإِن رَب العَرش قَد سَلطَهُم

عَلَيكُم حَقاً وَقَد بَسطهم

مِن أَين قُلت ذاكَ يا مَسكين

ابن لي الحَق فَما يَبين

أَي دَليل لَكَ في ذي الدعوى

لِتَجعل الشُكر مَكان الشكوى

إِن قُلت قالوا قُلت دَعوى مِنهُم

مثلك يَرويها لمثلي عَنهُم

وَأَن تَقل بِالرأي وَالعُقول

فَإِنَّهُ مُشتَرك الدليل

لَو كانَ مَعقولاً فَهمناه مَعاً

إِذ اِستَوَينا في العُقول أَجمَعا

إِن كانَت القُدرة حَقاً فَكَذا

حق عَلَيهم ما لَقوا مِن الأَذى

وَكُل ما يَجري عَلَيهم حَق

وَكُل ما يُقال فيهم صدق

وَلَيسَ في العالم ظلم جار

إِذ كل ما يَجري بِإذن الباري

وَإِن يَكونوا مَلَكوا أَفهاما

وَفطنةً ساسوا بِها الأَناما

فَذاكَ يَنهاهم عَن العُدوان

أَجَل وَيَدعوهم إِلى الإِحسان

وَلَيسَ مِن عَقل الفَتى وَكَرَمه

إِفساد شَخص كامل لقرمه

وَكانَ في الخَيل حصان أَشقَر

لَهُ رواء حسن وَمَنظَر

يُدعى الصبا لرفقه وَسرعته

في جريه وَشده وَخفته

فَقالَت العَنقاء قَول منكر

لِقَوله ما أَنتَ إِلا مفتر

مُكابِرٌ مُعاند محرف

وَفي الجِدال ظالم لا تنصف

هَذا جحود ظاهر للصانع

وَقَصده بِالحَق وِالشرائع

قالَ وَما فيهِ مِن الجحود

وَالكُفر بِالرسل وَبِالمَعبود

قالَت أَما علمت أَن الصانِعا

أَجرى القَضاء مُعطياً وَمانِعا

وَموجد الخَلق عَلى النظام

قَصداً إِلى مَصالح الأَنام

مِن أَجلِهم أَوجد كُل شَيء

وَكُل رُشد في الوَرى وَغى

وَالأَرض دار لَهُم وَالفلك

سَقف لَهُم وَجوه وَالحبك

وَكُل ما في الأَرض مِن موجود

لَهُم بِلُطف الصانع المَعبود

لَما اِرتَضى الإِنسان بِالتكليف

حَباهُ بِالإِكرام وَالتشريف

وَاختَصهُ بِالسر وَالمُعامله

فَضلاً وَنَفساً للعلوم قابله

وَالوَحي وَالثَواب وَالعِقاب

وَالوَعظ وَالعِتاب وَالحِساب

وَالعَقل وَالنطف وَحُسن السيره

وَالفَهم وَالنية وَالسريره

فكانَ أَعلى العالمين رتبه

وَخَيرهم مَنزِلَة وَقربه

وَلَم يَكُن مَقصوده بِالخلق

إِلا بَني آدم فَاِسمَع صدقي

لِيَعبُدوه وَيوحدوه

وَيَشكروه وَيُمَجِدوه

فَكانَ كُل الخَلق عَبداً لَهُم

وَلَستُ في مَقالتَي أتهم

وَكُل ما يَظهَر مِنهُم عَدل

لَيسَ عَلَيهم سبة وَعَذل

جباههم مِن أَثر السجود

مَوسومة في خدمة المَعبود

قَد نَحلوا بِالصوم وَالعِباده

وَرَفضوا اللذات للزهاده

قُلوبهُم مَعادن الإِيمان

صُدورهم خَزائن القُرآن

وَفيهم الإِيثار وَالسخاء

وَالصبر وَالوَفاء وَالصفاء

كَم دَعوات لَهُم مُجابَه

تَستَنزل القطر مِن السحابه

وَمِنهُم مَن يَترُك الحَلالا

تَورعا لربِهِ تَعالى

وَمِنهُم من يُنفق الأَموالا

لوجهِهِ وَيلطف السُؤالا

وَمِنهُم مُجاهد بِنَفسِه

هادِئَةً في الروع مثل تُرسه

وَمَن يُذيب نَفسه للحج

مِن كُل فَج شاسع وَنَهج

وَالأَنبياء مِنهُم وَالرسل

وَالمال وَالسلطان وَهوَ ظل

وَفيهم حَزم وَعَزم وَصلف

وَلَيسَ بَعدَ العَقل وَالنطق شَرَف

وَلَهُم اللذات في المَطاعم

وَلبس كُل رائق وَناعم

لَولا بَنو آدم بَينَ العالم

ما بانَ لِلعُقول فَضل العالم

وَلَم تَبن هَذي المَعالي الفاخره

فَإِنَّما الدنيا لَهُم وَالآخره

أَنسابهم مَحفوظة مَعروفه

في صُحف مَصونة مَكنوفه

أَسرارهم خافية لا تظهر

مَستورة عَن الوَرى لا تنظر

وَفيهم العُلوم وَالآداب

وَلَهُم الأَحلام وَالأَلباب

قَد خلقوا في أَحسَن التقويم

وَفضلوا بِالقَدر وَالجسوم

وَإِنَّما أَجسامهُم عَلى قَدر

لا صغرٌ يَشينها وَلا كبر

وَقامة سَوية مَنصوبه

وَصورة مَقبولة مَحبوبه

ثُم الصغير مِنهُم بِعَقله

يَقود أَلفاً مِنكُم بِحبله

وَيَقهر الفيل العَظيم وَالأَسَد

بِكَيده حَتّى يَعود كَالفَهَد

وَيَرصد النجوم في أَفلاكِها

وَيَحفَظ الجُسوم مِن هلاكِها

بِالطب وَالتدبير وَالمُعالجه

مِن الشكايا وَالبَلايا الهائِجَه

وَإِنَّما أَنتُم بِكُفر فَضلِهم

وَذم ما لَم تَعرِفوا مِن فعلهم

كَاِمرَأة التاجر ضعف عَقلها

وَالجَهل أَغراها بِعَيب بعلها

عابثة بِالفَضل وَالمَحاسن

لجهلها بِزائن وَشائن

فَقال من هَذي وَكَيفَ القصه

وَلم بِنا أَمثالها مُختَصه

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

90

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة