الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » حدثني شيخ من الأعراب

عدد الابيات : 95

طباعة

حَدثني شَيخ مِن الأَعراب

أعرفه بِالصدق في الخِطاب

قالَ خَرَجت رائِداً لأَهلي

وَكانَ ذاكَ العام عام محل

فسرت مِن يبرين نصف ميل

ثَم ضَللت لَقَم السَّبيل

وَكُنت إِذ ذاكَ غُلاماً يفعه

لَكن قواي كُلها مُجتَمعه

قَلبي جَميع وَجِناني حاضر

ماض عَلى الهَول جَسور شاطر

فَعِندَما أَيقنت إِني جائر

عَن مَقصد قُمت كأنِّي حائِر

استرشد الرِّياح وَالنُّجوم

قَد سترتها دوني الغُيوم

فَلاحَ لي شَخص قَريب مِني

فارتَعت مِن ذاكَ وَساءَ ظَني

وَخلته الغول فَجاشَت نَفسي

لأنَّها لَم تَكُ أَرض إِنس

حَتَّى إِذا ما اشتد مِنهُ خَوفي

عَلقت نَضوى وَجذبت سَيفي

فَبانَ لي إِذ لمع الحُسام

وَاِنجاب مِن لألائه الظَّلام

تَخل واثل فَقَصَدت قَصدَه

وَقُلت أمسي وَأَبيت عِندَه

حَتَّى إِذا ما جِئته وَجَدته

يَهفو عَلى رَوض كَما أردته

عُيون ماء وَرِياض أشبة

تَسمَع لِلطيور فيها جلبة

فَقُلت هَذا مَنزل أنيق

وَإِنَّهُ بِنجعتي خَليق

ثُم عَلقت ناقَتي في شَجرة

وَنلت مِن بَعض النخيل ثَمَرة

ثُم صَعدت نَخلة لاهجعا

في رَأسِها مِن الأَذى مُمتنِعا

وَاِنقَشَع السحاب عَن وَجه القَمَر

وَبانَ لي ما كانَ يخفى وَظَهر

فَجاءَ ببر وَهزبرُ وَنمر

وَالوَحش وَالطَّير جَميعاً تبتدر

وَجاءَت الأَنعام وَالبَهائم

وَالهام وَالطُّيور وِالأَراقم

وَالحَشَرات جلها وَدَقها

مفتنة في خُلقِها وَخَلقِها

وَارتفع العَنقاء فَوقَ دلبة

وَهوَ أَمير الطَّير يَبغي الخطبة

فَقالَ حَمد اللَّه خَير نَطق

وَشكره فَرض مُبين الحَق

الحَمد لِلَّه عَلى ما خَصَّني

بِه مِن الخلق البَديع الحَسَن

أَفرَدني مِن لُطفِه وَحكمته

بِصورة شاهِدة بِقدرته

حَتَّى لَقَد كَذَب بي الطَّغام

وَشك في وجودي الأَنام

لأَنَّهُم خَصوا بِضَعف وَصغر

فَحَسِبوا مِثلهم كُل الصُّور

وَأَنكَروا ما خَرَق العادات

فَكَذَبوا رواية الرواة

فَإِن يَكُن دينهُم التَّكذيب بي

فَلَيسَ هَذا مِنهُم بِالعَجَب

فَإِنَّهُم قَد كَذبوا بِالصانع

وَأَنكروا البَعث لِيَوم جامع

لجهلهم وَالجَهل شرشيمة

جاءَت مَع الناس مِن المَشيمة

كَذاكَ تَكذيبهُم لجهلِهم

وَخُبثِهم وَنقصِهم وَبُخلِهم

بِما يَرى مِن جود كَفي صدقه

وَنَفسه الفاضلة الموفقه

إِذ لَم يَكونوا شاهدوا مِن البَشر

بَعض الَّذي بِه لَقَد شاعَ الخَبَر

وَهُم عَبيد الحس وَالعَيان

وَخصماء العَقل وَالبرهان

لا يَقبَلون شاهِداً غَير النَّظَر

وَلا يطيعون العُقول وَالفكر

وَمِنهُم مَن يَجحَد المَلائِكة

وَالجن أَيضاً وَالأُمور الشابِكة

كَذاكَ لَو لَم يَنظُروا السَّماء

لأَنكَروا النُّجوم وَالأَنواء

سَقف رَفيع فَوقَهُم بِلا عَمَد

ما فيهِ أَمت شائن وَلا أَود

وَخَيمة لَيسَ لَها أَطناب

يَعجَز عَن أَوصافِها الإطناب

وَكَوكَب يَنظُر في كُلِّ بَلَد

كَأَنَّه مَسامت كُل أَحَد

لَو فَكروا في جرم ذاكَ الكَوكَب

حَتّى يَرى بِمشرق وَمَغرب

في حالة وَاحدة كَأَنَّهُ

فَوقَك أَو عَلَيك مِنهُ جنه

وَالأَرض فيها عبرة للمعتبر

تخبر عَن صُنع مَليك مُقتدر

تُسقى بِماء واحد أَشجارها

وَنبعة واحِدَة قرارها

وَالشَّمس وَالهَواء لَيسَ تَختَلف

وَأُكلُها مُختلِفٌ لا يَأتَلِف

لَو أَن ذا مِن عَمل الطَّبائع

أَو أَنَّهُ صَنعة غَير صانع

لَم يَختَلف وَكانَ شَيئاً وَاحِداً

هَل يُشبِه الأَولاد إِلا الوالد

لَو طبخ الطَّباخ أَلف قدر

بِالماء وَاللَّحمِ وَحُب البر

ما جاءهُ مِن بَعضِها سِكباج

وَلا قَلِياتٌ وَشورباج

بَل كُلها هَريسة إِذ أَصلها

مُتفق لَم يَتَفاوَت أَكلها

الشمس وَالهَواء يا مُعاند

وَالماء وَالتُراب شَيء واحد

فَما الَّذي أَوجَب ذا التفاضلا

إِلا حَكيم لَم يَرده باطِلا

وَزَعَموا أن النُّجوم صانِعه

وَأنَّها ضائِرة وَنافِعه

في ساعَة يولَد ألف ألفِ

وَحالهم نِهاية في الخلف

فَواحِد يَموت في مَكانه

وَواحِد يَعيش في أَقرانه

وَواحِد ذو ثَروة تَطغيه

وَواحد شبعته تَكفيه

وَواحِد برّ عَليم ناسك

وَواحِد غُرّ جَهول فاتِك

وَواحِد عَبد ذَليل مُضطَهد

وَواحد ملك عَظيم معتمد

تخالف لَيسَ لَهُ نِهايه

في بَعضِهِ مِن كُلهِ كِفايَه

لَو كانَ هَذا صَنعة الطَّبائع

لاتفقوا في الحال وَالصَّنائع

بَل هوَ مِن فعل حَكيم قادر

وَخالِق للعالمين فاطِر

وَبَعضهم يَقتل بَعضاً ظُلما

وَلا يَخاف حَرجاً أَو إِثما

تَراهُم تَحتَ البُرود الضافية

كَأَنَّهُم طلس الذِّئاب الضارِية

يَسعون بِالغيبة وَالنَّميمة

وَيخلقون الفِتَن العَظيمة

حِرصاً عَلى الدُنيا الَّتي لا تَبقى

وَاللَّهُ ما في الخَلق مِنهُم أَشقى

وَيَدعونَ أنَّهُم خَير الأُمم

وَأَنَّهُم ذوو عقول وَحِكَم

وَأنَّهُم أَخَص بِاللَّه مَعاً

مِن غَيرِهم فَظالم مَن ادعا

هَيهات ما أَجدرَهم مِن رَبِهم

بِصَرفهم عَن بابِهِ وَحجبهم

لأَنَّهُم ما يَفعَلونَ ما حتم

وَلَيسَ يَرضون بِكُل ما حكم

يُخالِفونَ حُكمه وَأَمره

وَيأمَنونَ بَطشه وَمكره

قَد ضمن الرزق لَهُم وَقالا

كَفَيتُم فَأحسنوا الأَعمالا

فَسَألوا مِن غَيرهِ ما ضمنه

وَضيعوا وَما أَتوا بِحسنه

إِن رُزِقوا مالا كَثيراً بَطروا

أَو حرموه سَخطوا وَفجروا

يَدَّخِرون وَالشقي المُدخر

ما فيهُم ذو فطنة فَيعتَبر

بِمَن مَضى مِن قَبلهم مِن الأُمم

كَيفَ مَضوا وَخَلفوا هَذي النِّعَم

فَلَيتَني أَبصَرت فيهِم رجلا

حبراً ألد في الخِصام جَدَلا

يَعتمد الإنصاف في المُجادلة

لا يَقصد اللجاج وَالمماحلة

فَإِن من مَقصودِه العِناد

كَالجمل المصعب لا يَنقاد

وَلَو رَأى لِلخَصم كُل آيه

ما زادَهُ ذاكَ سِوى غوايه

فَإِنَّهُم قَد شاهَدوا آيات

لرسل الرَّحمن مُعجِزات

فَلم يزدهم ذاكَ غَير كُفر

وَعَمه عَن الهُدى وَخسر

إِذ لَم يَكُن في عَزمِهِم أَن يُؤمِنوا

قَد عَلِموا بِكُفرِهم وَأَيقَنوا

أَسأَلهم وَلا يَقولوا مينا

بِأَي شَيء فضلوا عَلَينا

وَنَحنُ لا نُشرك بِاللَّه وَلا

نَقنَط مِن رَحمَتِهِ إِذ نَبتَلي

أذكر مِن عُيوبهم ما أذكر

وَإِنَّني مِن ذِكرهم استغفر

فَقالَت الطيور مثل قَولِه

وَضَجت الوَحش به مِن حَولِه

وَقالَت الأَنعام وَالسباع

لَقَد أَصابَ الملك المُطاع

فَقال لي الشيخ فَأدرَكتَني

حمية الطَّبع وَحركتني

وَساءَ في مَقاله وَشفني

وَهَزني لِلقَول وَاستخفني

ثُم هَمَمت بِالجَواب ناصِراً

جنسي فَقَد ألزَمنا المعايرا

ثُم ذَكَرت أَنَّني وَحَيد

بِينَهُم وَأَنَّهُم عَديد

فَقُلت حفظ النَفس أَولا قُصِد

وَبَعد ذاكَ للفَخار أَجتهد

وَإِن أَضَعت مُهجَتي لَم أَحفَظ

عرضي وَكَيف بعدَها تيقظي

وَكُنتُ مثل مَن أَضاعَ المالا

لِطَلَب الربح فَقَد أَحالا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

90

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة