الديوان » العصر العباسي » ابن الهبارية » قال نعم خرجت في جماعة

عدد الابيات : 106

طباعة

قال نَعم خَرَجت في جَماعة

تاجرة لكلنا بِضاعة

وَكانَ فينا ناسك تَقي

طَريقه في زهدِهِ مهدي

حَتَّى إِذا سِرنا وَجد السير

قالَ الصَّلاة فافعلوها خَير

فَلامَهُ أَصحابهُ وَقالوا

سر فَالقَضاء جائز يا مال

فَالجَمع للركب المجد رخصه

فانتهز الفُرصة قَبل الغصه

هَذا طَريق شاسع مَجهول

وَالليث لا تَأمنه وَالغول

فَخالف القَوم جَميعاً وَنزل

إِن الخِلاف لمشوم لَم يَزَل

حَتَّى إِذا أحرَم بِالصلاة

أَتاه مِن بَين يَديهِ آت

قالَ لَهُ وَقدم السلاما

عَلَيهِ للخدعة عم ظَلاما

ما أَنتَ يا شَيخ وَذا المَكان

وَهوَ خلاء ما بِهِ إِنسان

وَما الَّذي تصنعه وَتفعله

فَإنَّني أنكره وَأجهله

وَالشَّيخ في صلاته مَشغول

وَعقله بنسكه مَعقول

ثُمَ قَضى صَلاته وَسلما

وَأَظهر الغلظة وَالتجَهما

وَقالَ يا جاهل عَمّ تَسأَل

ألست تَدري أَي شَيء أفعل

أَكافر أَنتَ فَأَنتَ تنكر

عَلى مَن دين الهدى ما تبصر

قالَ لَهُ ما زدتني علماً فَقُل

ماذا الَّذي تفعله يا ذا الرجل

فَإِنَّني لَم أَرَ قَط غَيرَكا

يَسير في هَذا الطَّريق سَيرَكا

قال أمجنون ألست تعرف

أَم أَنتَ عَن نَهج السبيل تصدف

هَذي صَلاة الناس فَرض واجب

عَلَيهم وَلَيسَ عَنها راغب

وَقص أمر الشرع قصاً وَشرح

فَصاحَ ذاكَ الشخص عَمداً وَانطرح

يَظهر أَني قَد عَرَفتُ رَبي

وَلَم أَكُن أعرفه لِذَنبي

ليخدع الشيخ فَلا يَسير

رَحيله حَتّى تَفوت العير

ففطن الشَّيخ لما أراده

وَاِغتاله بِمكره وَكاده

وَقالَ ما أقدر أَن أَريما

وَأظهر التوجع العَظيما

هَذا الفَتى لَم يَعرف الرحمانا

وَلا رَسول اللَّه إِلا الآنا

وَالآن قَد أسلم بَل قَد آمنا

وَاحسرتاه لَو وَجَدت مَأمَنا

لَو أَنَّهُ عاش لَكان وَلدي

وَعدة عَظيمة مِن عددي

وَزَوج تلك الطفلة الحَسناء

وَفاز بالنعمة وَالثراء

فَإِنَّني شَيخ كَثير المال

فرد مِن الأَعمام وَالأَخوال

وَلَيس لي وَلد سِوى بَنيه

وَالبنت في قَلب الشَّقيق كيه

وَلَيس في أَرضي من أَهواه

لَها وَلا ذو شَرف أَرضاه

كُلهم لي حاسد عَدوٌّ

لَيس لَهُم مِن حَسدي هُدو

وَحَسرة أَن يأخذوا مِن بَعدي

مالي الَّذي جَمَعتهُ بِكَدي

لَو عاشَ هَذا كان نعم الصهر

واشتد مني بِقواه الظَهر

لكنه قَد ماتَ مِن خُشوعه

وَنَفسه تَسيل مِن دُموعه

ففهم الفاتك قَصد الناسك

فلج في الحيلة وَالتهالك

وَلَم يَفق مِن سُكره وَلا انتفع

بِقَوله وَإِنَّما الحَرب خدع

فأيقن الناسك أَن سحره

ما رد عَنهُ كَيده وَمكره

فَقامَ مِن مَكانه يُنادي

أَصحابه وَاللَّيل ذو اسوداد

قَد مات إِنسان فَعودوا وَاشهدوا

جهازه كَما أمرتم وَاجهَدوا

فَخَشي الفاتك أَن يسمعه

رَفيقه الأَدنى وَأَن يمنعه

فَقامَ مِن صرعته مبادراً

مغالباً بفتكه مكابرا

قال لَهُ الناسك قف قَليلاً

إِن الجَميل يَفعل الجَميلا

مَقالة مني استمعها وافهم

وارحم فَما يَرحم مَن لَم يرحم

إِني شَيخ لَيسَ بي حراك

يَخشى وَما مِن عادَتي العراك

وَلَيس في قَتلي غَير العار

إِذا قَصَدت قَتلتي وَالعار

قال وَما العار الَّذي يَلحقني

إِن كانَ إثم فاحش يرهقني

فَقال شَيخ عاجز ضَعيف

يَأنف أن يقتله الشريف

لا فخر في ذاك وَلا شَجاعة

بَل فيهِ عار ظاهر الشناعة

يا صاح ما سَمعت أَن مالكا

أمهل عثمان لأجل ذلكا

وَصد عَنهُ إذ رآه وحده

مستسلماً قَد حادَ عَنهُ جُنده

قال لَه محمد إِذ ولى

اقتله يا مالك قال كَلا

إِني أَخاف أَن تَقول العرب

وَالعار لا يُنجيكَ منهُ الهَرَب

النخعى كان شَيخاً عاجِزاً

وَالفَخر لَو قتلته مبارزا

مُرتجزاً مُحتمياً بِقَومِه

فما انتَهى مُحَمَّد للومِه

فَهَكَذا مَكارِمُ الأَخلاق

وَشَرَف النفوس وَالأَعراق

وَهَكَذا إِذ بيت الشراة

وَكانَ مِن عاداتِها البيات

قال لَهُم عَمروالقَنا لا تَعجلوا

بقتلهم وَهُم نيام تخجلوا

وَأيقظوهم بحوامي الخَيل

وَأنذروهم وَاحذَروا مِن مَيل

فَإن قتل غافل أَو نائم

عار وَبئسَ القَتل للأكارم

قالَ لَهُ الشاطر أَن الغَلبه

أَن يُدرك الإِنسان ما قَد طَلَبَه

وَالقَصد أَن أَظفر كَيفَ كانا

وَالشّهم مَن يَنتَهز الامكانا

وَلَست للأمثال منكَ استمع

وَلا بهذي الترهات انخدع

تُريد أَن تَخدَعَني لتسلما

وَأنثني أعض كَفي نَدَما

وَالعاقل الكافي من الرِّجال

لا يَنثَني بزخرف المقال

وَإِنَّما يخدَع كُل عاجز

غمرٍ ضَعيف عوده للغامز

أَما سمعت قصةَ الظليم

وَفتكه بالناجش المليم

فَقال لا قال رَأَيت ناجِشا

كَأَنَّهُ مثل الفنيق جائِشا

قَد لطف الحيلة حَتّى اِصطادَهُ

وَشَده في حَبلِه وَقاده

قالَ لَهُ الظليم لِم أَخذتني

وَما الَّذي مِن أَجلِه قَصَدتَني

قالَ لَهُ شَيخ معيل عائل

وَلي بَنات حالَهن حائل

تسعة أَطفال صِغار فَبَكى الظ

ظليم مِما قالَهُ وَضَحِكا

قالَ لَهُ الصياد هَذا عَجَب

مستظرف بَل سفه وَلَعب

في لَمحة الطرف بُكاء وَضحك

وَناجذ باد وَدَمع منسفك

قالَ الظليم ما عَرَفت سَببه

غَير عَجيب في الأُمور المعجبه

هِيَ الَّتي قَد خفيت أَسبابها

وَاشتبهت عَلى النهى أَبوابها

وَإِن ما رَأيته مِن فعلي

مستغرباً عَن سَبب وَأَصل

قالَ لَهُ الشَّيخ وَما ذاكَ السَّبب

أبنهُ لي إن البيان مُستَحب

قالَ بُكاي لفراخي إنَّهم

قَد خيبت فيَّ الليالي ظنَهُم

خَرَجتُ كَي أَرعى لَهُم وَأرجعا

فَقَد وَقَعت الآن هَذا المَوقِعا

وَإِنَّهُم يَنتَظِرونَ رَجعَتي

يا وَيلَهُم لَو يَعلمون صرعتي

فذكر الشَّيخ بِهم أَولاده

وَلينت قولته فُؤاده

لَو لَم يَكُن حُكم القَضاء أوثقه

لحله مِن وَقتِهِ وَأطلقه

لَكنه أَبدى لَهُ التجلدا

إِن الشقي لَشقي أَبدا

وَقالَ هَذا سَبب البُكاء

لَيس بِه عَلي من خفاء

فَلم ضحكت قالَ منكَ ضحكي

فَأمر أمثالك جداً مضحكي

خَرَجت تَبغي الرزق للعيال

وَالرزق في بيتك كَالجِبال

قالَ وَما ذَلِكَ قالَ كنز

في دارِكُم حَيث تشد العنز

دَفينة قَديمة عادية

مِن كُل نَقد جملة سنيه

فَفرح الشَّيخ بِذاكَ وَنشط

وَهم أَن يطلقه وَقَد غَلط

وَما لمن غل القَضاء مُطلق

وَما لمن حَل القَضاء موثق

فَقالَ إِن أطلقته لَما ذكر

مِن غَير أن أعمل في ذاك النظَر

أطلقت نَقداً عاجِلاً بِكَفي

لِمَوعد لعله ذو خلف

وَلامَني الناس وَقالوا جاهل

فَعاذري فيما فعلت عاذل

فعلم الظليم أن حيلته

ما وافقت غرته وَغيلته

فَقالَ ما أصنع قَد وَقَعت

وَكدت لَكِني ما انتفَعت

لابُد مِن فكر وَلُطف حيله

يَكون لي إِلى المُنى وَسيله

إِنِّي في قبضته أسير

وَلَيس لي مِن جورهِ مجير

إِلا الإِله القادر الغَفور

بِلُطفِه ينجبر الكَسير

أَقلُّ مِما أَنا فيهِ لا أَرى

سَأَفتَرِي بَيِّنَةً لِما جَرى

وَأَرتجي مِن خالِقي رَبِّ الوَرى

نقلي مِن الأَسر إِلى دارِ القِرى

فَقالَ حَتَّى يَسمَع الصَّياد

لنفسه وَفَهمُه المُرادُ

شَيخ حَكيم عاقل أَريب

بِقول أَمثالي يَستَريب

لا تَسمَع الدَّعوى بِغَير شاهد

لا سيما ما كانَ مِن مُعاند

لَو أَنَّني أَورَدت ألف بينه

لصدق ما أذكره معينه

ما زادهُ ذَلِكَ إِلا صَدا

عَما ذكرت أَبَداً وَردا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن الهبارية

avatar

ابن الهبارية حساب موثق

العصر العباسي

poet-Ibn-Al-Habariya@

216

قصيدة

90

متابعين

محمد بن محمد بن صالح العباسي. نظام الدين، أبو يعلى، المعروف بابن الهبارية. شاعر هجاء. ولد في بغداد وأقام مدة بأصبهان، وفيها ملكشاه ووزير نظام الملك. وله مع الوزير أخبار. ...

المزيد عن ابن الهبارية

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة