الديوان » العصر الايوبي » العماد الأصبهاني » كتب العذار على الخدود سطورا

عدد الابيات : 701

طباعة

كتبَ العذارُ على الخدودِ سُطورا

من يَتْلُها يَكُ في الهوى معذورا

وبدا البنفسجُ بينَ وردِ خدودهم

غضاً فمازج وردها الكافورا

فكسا ربيعُ الحُسنِ روضَ جمالهم

من نورِه فوقَ الحريرِ حريرا

ومعنبرُ الصدغينِ ضم عِذاره

في عارضيهِ إلى العبيرِ عبيرا

بدرٌ به كلفُ العبادِ فيا لَهُ

عجباً فقد شابَ الظلامُ النورا

يا للرجالِ لمقلةٍ مخمورةٍ

يغدو المحب بكأسِها مخمورا

أَبكي ويضحكُ كالغمامِ إذا بكى

حُزناً تبسمت الرياضُ سرورا

وترى لآليء ثغرهِ منظومةً

ولديه لؤلؤ عبرتي منثورا

عهدي به والعيشُ صافٍ شربُهُ

والدهرُ لم يُحدثُ له تكديرا

يا حبذا ليلٌ يُقضى بالمنى

طالَ السرورُ به وكان قَصيرا

ولقد أَلفتُ نِفارَها وهَوَيْتُها

إذ ليس يُنكَرُ للظباءِ نِفارُ

يا جارةً للقلبِ جائرةً دعي

ظُلمي وإلا قلتُ جارَ الجارُ

قلبي كطرفي ما يفيقُ إفاقةً

سكران ما دارتْ عليه عُقارُ

صَبٌّ بصب الدمعِ محترق الحشا

خطرت ببال بلائهِ الأَخطارُ

لم يخشَ من خطرِ الهوى حتى حمى

ذاكَ القوام شبيهه الخطارُ

يذري الدموعَ كأنهن عوافٌ

لابْنِ المملكِ شيركوه غزارُ

من آلِ شاذي الشائدينَ بنا العُلَى

أَركانُهن لَها ذمٌ وشفارُ

حسنتْ بهم للدولةِ الأيامُ وال

أَعمالُ والأَحوالُ والآثارُ

قد حازَ ملكَ الشامِ يوسفٌ الذي

في مصر تغبطُ عصرَهُ الأعصارُ

نصرَ الهُدى فتوطدَ الإسلامُ في

أَيامهِن وتضعضعَ الكُفارُ

وكتيبةٍ مثل الرياضِ كأنما

راياتُها منشورةٌ أَزهارُ

وكأنما خُضرُ البيارقِ للقنا

وُرقٌ وهاماتُ العُداة ثمارُ

وكمائمُ الأَغماد عن زهرِ الظبى

فتقت فكل صقيلةٍ نُوَارُ

وعلى شعاعِ الشمسِ لمع حديدها

يبدو كما يعلو اللجَين نُضارُ

عَبيتَها بعزيمةٍ مشفوعةٍ

بالنصرِ منكَ تُعينُها الأَقدارُ

لما لقيتَ جموعهم منظومةً

صيرتَ ذاكَ النظمَ وهو نثارُ

في حالَتَيْ جُودٍ وبأسٍ لم يزلْ

للتبرِ والأَعداءِ منك تَبارُ

تهبُ الأُلوفَ ولا تهابُ أَلوفَهم

هانَ العدو عليكَ والدينارُ

لما جرى العاصي هنالك طائعاً

بدمائهم فخرتْ به الأَنهارُ

وتحطمتْ عند القرون قرونُهم

بل كلت الأنيابُ والأظفارُ

عبروا المعرةَ مالكينَ معرةً

والعارُ يملك تارةً ويعارُ

أو ما كفاهم يوم حمص وكفهم

في بعلبك بمثلها الإنذارُ

أهلي بجلقَ والعراق مراقبو

حالي وطرفُ رجائهم نظارُ

بادرتُ نحوكَ بالرجاءِ مؤملاً

ليكونَ منكَ إلى النجاحِ بدار

وقطعتُ أَبوابَ الملوكِ إليكم

والصفُو تحجزُ دونَهُ الأكدارُ

ما منزلٌ من يرى في

هِ غير عارٍ فعار

به تماطُ الأذايا

وترخَصُ الأوضارُ

والعيشُ فيه قريرٌ

والطيشُ فيه وقارُ

والسبتُ في كل يومٍ

لمن يرى مختارُ

نارٌ تطيبُ أَلا اعجبْ

لجنةٍ هي نارُ

لئنْ مَنَعَ الغيثُ عن زورةٍ

فغيثُ فضائلهِ زائرُ

وما غابَ مَنْ شخصُ آلائهِ

إذا غابَ عن ناظري حاضرُ

بدُركَ فُزْتُ وهل فائزٌ

بدُركَ في صفقةٍ خاسرُ

وما روضةٌ أُنُفٌ نَوْرُها

لناظرِ ذي طربٍ ناضرُ

بنفسجُها عارضٌ مُغْزِرٌ

ونرجسهُا ناظرٌ ساحرُ

فثغرُ الأَقاحي بها باسمٌ

ووجهُ الأَماني لها ناشرُ

كأن سقيطَ الندى بينها

لآليءُ ينثُرُها ناثرُ

بأحسنَ من روضِ أشعارهِ

وقد جادَها فضلُهُ الماطرُ

تَقر بقُربكَ لا بل يَقر

برؤيتكَ القلبُ والناظرُ

أَقول لركبٍ بالخيارةِ نُزلٌ

أَثيروا فما لي في المقامِ خيارُ

همُ رحلُوا عنكَ الغداةَ وما دَرَوا

بأَنهمُ قد خَلفوكَ وساروا

حليفُ اشتياقٍ لا ترى من تحبهُ

وفي القلبِ من نارِ الغرامِ أُوارُ

أَجيروا من البلوى فؤادي فعندكم

ذمامٌ له يا سادتي وجوارُ

المشمسُ لانتظارِنا مصفر

والروضُ إلى لقائنا مُفتر

قمْ نغتنم الوقتَ فهذا العمرُ

لا لبثَ له فمَنْ بهِ يَغتر

بلغتَ بالجد ما لا يبلغُ البشرُ

ونلتَ ما عَجَزتْ عن نيلهِ القُدَرُ

يهتدي للذي أَنت اهتديتَ له

ومن له مثلُ ما أَثرتَهُ أَثرُ

أَسرتَ أم بسُراك الأرضُ قد طويتْ

فأنتَ إسكندرٌ في السيرِ أم خَضرُ

أوردْتَ خيلاً بأقصى النيلِ صادرةً

عن الفراتِ يقاضي وِرْدَها الصدَرُ

تناقلتْ ذكرَكَ الدنيا فليس لها

إلا حديثكَ ما بينَ الورى سمرُ

فأنتَ مَنْ زانتِ الأيامُ سيرته

وزادَ فوقَ الذي جاءَتْ بهِ السيرُ

لو في زمانِ رسول الله كنتَ أتت

في هذه السيرةِ المحمودةِ السورُ

أصبحتَ بالعدلِ والإقدام مُنفرداً

فقل لنا أَعليٌّ أنتَ أم عمرُ

إسكندرٌ ذكروا أخبارَ حكمته

ونحنُ فيكَ رأينا كل ما ذكروا

ورُستمٌ خبرونا عن شجاعتهِ

وصارَ فيك عياناً ذلك الخبرُ

إفخْر فإن ملوكَ الأرضِ أذهلهمْ

ما قد فعلتَ فكلٌّ فيكَ مفتكرُ

سهرتَ إذ رقدوا بل هجتَ إذ سكنوا

وصُلْتَ إذ جبنوا بل طلتَ إذ قصروا

يستعظمونَ الذي أدركتَهُ عجباً

وذاكَ في جنبِ ما نرجوهُ محتقرُ

قضى القضاء بما نرجوه عن كثبٍ

حتماً ووافقكَ التوفيقُ والقدرُ

شكتْ خيولُكَ إدمانَ السرى وشكتْ

من فَلها البيضُ بل من حَطْمها السمرُ

يَسرْتَ فتحَ بلادٍ كانَ أَيسرُها

لغيرِ رأيكَ قُفلاً فَتحُهُ عَسِرُ

قرنتَ بالحزمِ منكَ العزمَ فاتسقتْ

مآربٌ لكَ عنها أَسفرَ السفرُ

ومَنْ يكونُ بنورِ الدينِ مُهتدياً

في أَمرِهِ كيف لا يقوى له المرَرُ

يرى برأيكَ ما في الملكِ يبرمُهُ

فأنتَ منه بحيثُ السمعُ والبَصرُ

لقد بغتْ فئةُ الإفرنجِ فانتصفتْ

منها بإقدامكَ الهنديةُ البترُ

غرستَ في أرضِ مصر من جسومهمُ

أَشجارَ خط لها من هامهم ثمرُ

وسالَ بحرُ نجيعٍ في مقامِ وغى

به الحديدُ غمامٌ والدمُ المطرُ

أَنهرتَ منهم دماءً بالصعيدِ جرى

منها إلى النيلِ في واديهمُ نَهَرُ

رأوا إليكَ عبورَ النيلِ إذ عدموا

نصراً فما عبروا حتى اعتبروا

تحتَ الصوارمِ هامُ المشركينَ كما

تحتَ الصوالجِ يوماً خفتِ الأُكرُ

أَفنتْ سيوفُكَ مَن لاقتْ فإنْ تركتْ

قوماً فهم نفرٌ من قبلها نفروا

لم ينجُ إلا الذي عافته من خبثٍ

وحشُ الفلا وهو للمحذورِ منتظرُ

والساكنونَ القصورَ القاهرية قد

نادى القصورُ عليهم أنهم قُهروا

وشاورٌ شاوروه في مكائدهم

فكادَهُ الكيدُ لما خانه الحذرُ

كانوا من الرعبِ موتى في جلودهم

وحين أَمنْتَهم من خوفهم نُشروا

وإِن من شيركوه الشركَ منخزلٌ

والكفرَ منخذلٌ والدينَ منتصرُ

عول على فئةٍ عندَ اللقاءِ وفتْ

وعد عن تركمانٍ قبلهُ غدروا

وكيف يُخذلُ جيشٌ أَنتَ مالكُه

والقائدانِ له التأييدُ والظفرُ

أَجابَ فيكَ إلهُ الخلقِ دعوةَ مَنْ

يطيبُ بالليلِ من أَنفاسهِ السحرُ

قل في الكرامِ لهُ

مُشبهٌ وإنْ كثروا

همةٌ مباركةٌ

في الشفا لها أَثرُ

ليس في السيوفِ سوى

للمهند الأَثرُ

عيدانِ فطْرٌ وطُهرُ

فتحٌ قريبٌ ونَصْرُ

ذا موسمُ للأماني

بالنجحِ موفٍ مُبر

وذاكَ موسمُ نُغْمَى

أَخلافُها تستدر

هذا من الصومِ فطر

وذاك للصومِ بَدْرُ

كلاهما لكَ فيه

حقاً هناءٌ وأَجرُ

وفيهما بالتهاني

رسمٌ لنا مستمرُ

طهارةٌ طابَ منها

أَصلٌ وفرعٌ وذكرُ

نجلٌ على الطهْرِ نامٍ

زكا له منكَ نجرُ

محمود الملكُ العا

دلُ الكريمُ الأَغرُ

وبابنهِ الملك الصا

لحِ العيونُ تَقرُ

مولىً به اشتد للدي

نِ والشريعةِ أَزْرُ

نورٌ تجلى عياناً

ما دونَهُ اليومَ ستْرُ

أَضحتْ مساعيكَ غُراً

كما أَياديكَ غُزرُ

وكل قصدِكَ رُشْدٌ

وكل فعْلكَ برُ

وإن حبكَ دينٌ

وإن بغضَكَ كفُرُ

لنا بيُمناكَ يُمْنٌ

كما بيُسراكَ يُسْرُ

وللموالين نفعٌ

وللمعادينَ ضُرُ

وللسماءِ سحابٌ

وسحبُ كَفيكَ عشرُ

ناديك بالرفدِ رحبٌ

نداكَ للوفدِ بحرُ

عدلٌ عميمٌ وجودٌ

غمرٌ ويسرٌ وبشرُ

وفي العطِيةِ حلوٌ

وفي الحمِيةِ مُر

قد استوى منك تقوَى ال

لهِ سر وجَهرُ

تُقاكَ والملكُ عندَ ال

قياسِ عقد ونحرُ

يا أَعظمَ الناسِ قدراً

وهل لغيرِكَ قدرُ

وساهراً حين ناموا

وقائماً حين قروا

ما اعتدتَ إلا وفاءً

وعادةُ القومِ غدرُ

وفعلُكَ الدهرَ غزوٌ

للمشركينَ وقهرُ

وفعلُ غيرِكَ ظلمٌ

للمسلمين وقسرُ

يفتر من كل ثغرٍ

إلى ابتسامكَ ثغرُ

رومٌ به وفرنجٌ

في شَفْعهم لكَ وترُ

حربٌ عوانٌ وفتحٌ

على مرادكَ بكرُ

بنو الأَصافرِ من خش

يةِ انتقامكَ صفرُ

لم يبقَ للكفرِ ظفرٌ

لا كان للكفرِ ظفْرُ

وما دَجَى ليلُ خطبٍ

إلا وعزمُكَ فجرُ

أَصبحتَ بالغزوِ صَباً

وعنه مالكَ صبر

لكسرِ كل يتيمٍ

إسعافُ بركَ جبرُ

في كل قلبِ حسودٍ

من حر بأْسكَ جمرُ

تمل تطهيرَ مَلْكٍ

له الملوكُ تَخرُ

يُزْهَى سريرٌ وتاجٌ

به ودستٌ وصدرُ

وكيف يعملُ للطا

هرِ المطهرِ طهرُ

هذا الطهورُ ظهورٌ

على الزمانِ وأَمرُ

وذا الختانُ ختامٌ

بمسكهِ طابَ نشرُ

رزقتَ عمراً طويلاً

ما طالَ للدهرِ عُمرُ

كيفَ قُلتم في مقلتيهِ فتورُ

وأَراها بلا فتورٍ تجورُ

لو بَصُرْتُمْ بلحظه كيفَ يَسْبي

قُلتُم ذاكَ كاسرٌ لا كَسيرُ

مُوترٌ قَوْسَ حاجبيهِ لإصما

ءِ فؤادي كأنهُ مَوْتورُ

لا تَسَلْني عن اللحاظِ فعقلي

طافحٌ من عُقارِهن عَقيرُ

كيف يَصْحو من سُكره مُستهامٌ

مَزجَتْ كأسَهُ العُيونُ الحُورُ

أَوْرَثتْه سقامَها الحَدَقُ النج

لُ وأَهدتْ له النحولَ الخصورُ

ما تَصيدُ الأُسدَ الخوادِرَ إلا

ظَبَياتُ كناسهن الخُدورُ

كُل غُصنيهِ الموشحِ هَيْفا

ءَ على البَدْرِ جَيْبُها مَزور

وجناتٌ تُجنى الشقائق منها

وثنايا كأَنها المنثورُ

وبنفسي مُعنبرُ الصَدغِ والعا

رض فوقَ العبيرِ منه العبيرُ

مقْطَعٌ للقُلوبِ يَقطعُ فيها

باقتدارٍ وخَطهُ المَنشورُ

فتأمَل منه عذاريهِ تعلم

أَن معذولَ حُبهِ معذورُ

مُنثني العطفِ مُنتشي الطرفِ في في

هِ الحُميا وطَرْفُهُ المخمورُ

أَيسَ العاذلون مني فيه

مثلما خابَ في قبولي المشيرُ

ألأمْرِ المَلامِ يَنْقادُ قلبي

وعليهِ من الغَرامِ أَميرُ

قلْ لحُلْوٍ حالٍ من الحُسنِ في هج

رِكَ حالي حَزْنٌ وعَيْشي مَريرُ

بفؤادي حَلَلْتَ والنارُ فيه

فيه منكَ جنةٌ وسَعيرُ

نارُ قلبي لضيفِ طيفك تبدو

كل ليلٍ فيهتدي ويَزُورُ

وأَرَى الطَيفَ ليس يَشْفي غليلي

كيفَ يَشفْي الغليلَ زَوْرٌ زُوْرُ

ما مُدامٌ يُديرها ثَملُ العط

فِ بنَفْسي كؤوسُها والمدُيرُ

بنْتُ كرمٍ تُجلَى على ابنِ كريمٍ

وجهُهُ من شُعاعها مُستنيرُ

من سَنا كأْسها المعاصمُ والأَن

فُسُ فيها أَساوِرٌ وسُرورُ

ولها في الكؤوسِ في حالة المَزْ

جِ حبابٌ وفي النفوسِ حُبورُ

وكأن الحبابَ في الكأسِ منها

شَرَرٌ فوقَ نارهِ مُستطيرُ

طابَ للشاربينَ منها الهوا

ءانِ فَلَذ الممدودُ والمقصورُ

من يَدَيْ ساحرِ اللواحظِ قلبي

بهواهُ مُسْتَهْتَرٌ مَسْحُورُ

للحُميا في فيهِ طعمٌ وفي عي

نيهِ سُكْرٌ وفوقَ خديه نُورُ

من سجايا الصلاحِ أَبْهى وهذا

مَثَلٌ دونَ قَدْرِه مذكورُ

ما رياضٌ بنَوْرِها زاهراتٌ

غَردتْ في غُصونهن الطيورُ

كل غصنٍ عليه من خَلعِ النوْ

رِ رداءٌ ضافٍ ووشيٌ حَبيرُ

وُرْقُها في منابرِ الأَيكِ منها

واعظاتٌ من شأنها التذكيرُ

وكأن الروضَ الأَنيقَ كتابٌ

وكأَن الأَشجارَ فيه سطورُ

أشبَهَ الشرْبُ فيه شارِبَ أَلْمَى

أَخضر النبتِ والرضابُ نميرُ

وكأَن الهَزارَ راهبُ دَيْرٍ

بألحانهِ تَحَلى الزبورُ

وكأن القمري مقرىء آيٍ

قد صفا منه صوتهِ والضميرُ

كمعاني مَدْحيك حُسناً ومن أَي

نَ يُباري البحرَ الخضَم الغديرُ

مستجيرٌ جَوْري وإني منه

بابنِ أَيوبَ يوسفٍ مستجيرُ

أَنتَ مَنْ لم يَزَلْ يَحن إليهِ

وهو في المَهدِ سَرْجُهُ والسريرُ

فضلهُ في يَدِ الزمانِ سوارٌ

مثلما رأيُه على المُلْكِ سُورُ

كَرَمٌ سابغٌ وجُودٌ عميمٌ

وندىً سائغٌ وفضلٌ غزيرُ

راحةٌ أم سحابةٌ وبَنانٌ

أَم غَمامٌ وأَنحلٌ أَم بحورُ

كل يومٍ إلى عداكَ من الدهْ

رِ عَداكَ المَخُوفُ والمحذورُ

وتَولى وليكَ الطالعُ السع

دُ وعادَى عدوكَ التقديرُ

سارَ بالمكرُماتِ ذِكرُكَ في الدن

يا وإن اليسيرَ منها يَسيرُ

للحَيا والحياءِ ما إن في كف

كَ والوجهِ سائلٌ وعَصيرُ

لقد اسْتُعْذِبَتْ لديكَ المرارا

تُ كما اسْتُهِلْتْ إليكَ الوعورُ

من دم الغادرينَ غادرتَ بالأَم

سِ صعيدَ الصعيدِ وهو غديرُ

ولكلٍ مما تطاولت فيهم

أَملٌ قاصرٌ وعمرٌ قصيرُ

لاذَ بالنيلِ شاورٌ مثل فرعو

نَ فذل اللاجي وعز العبورُ

شارك المشركين بغياًن وقدماً

شاركتها قريظةٌ والنضيرُ

والذي يدعي الإمامة بالقا

هرةِ ارتاعَ إنه مقهورُ

وغدا المَلْكُ خائفاً من سُطاكم

ذا ارتعاد كأَنه مقرور

وبنو الهنفري هانُوا ففروا

ومن الأُسدِ كل كلبٍ فرورُ

إنما كان للكلابِ عواءٌ

حيثما كان للأُسودِ زئيرُ

وقليبٌ عندَ الفرارِ سليبٌ

فهو بالرعبِ مطلقٌ مأسورُ

لم يبقوا سوى الأَصاغر للسب

ي فودوا أَن الكبيرَ صغيرُ

وحميتَ الأسكندريةَ عنهم

ورحى حربهم عليهم تدورُ

حاصروها وما الذي بانَ من ذَب

كَ عنها وحفظها محصورُ

كحصارِ الأَحزابِ طَيْبَةَ قدماً

وبني الهدى بها منصور

فاشكر اللهَ حين أَولاكَ نصراً

فهو نعمَ المولى ونعمَ النصيرُ

ولكم أَرجفَ الأَعادي فقلنا

ما لما تذكُرونه تأْثيرُ

ولجأْنا إلى الإلهِ دُعاءً

فلوجهِ الدعاءِ منهُ سُفورُ

وعلمنا أَن البعيدَ قريبٌ

عندَهُ والعسيرَ سَهْلٌ يسيرُ

ورقَبْنا كالعيدِ عَوْدَكَ فاليو

مَ بهِ للأَنامِ عيدٌ كَبيرُ

مثلما يرقُبُ الشفاءَ سقيمٌ

أو كما يَرْتَجي الثراءَ فَقيرُ

عادَ من مصرَ يوسفٌ وإلى يع

قوبَ بالتهنئاتِ جاءَ البشيرُ

عادَ منها بالحمدِ والحمدُ لل

هِ تعالىَ فإنه المشكورُ

فلأَيوبَ من إيابِ صلاح الد

ينِ يومٌ به تُوفى النذورُ

وكذا إذ قميصُ يوسفَ لاقَى

وَجْهَ يعقوبَ عادَ وهو بَصيرُ

ولكم عودةٌ إلى مصر بالنص

رِ على ذكرِها تمر العصورُ

فاستردوا حق الإمامةِ ممن

خانَ فيها فإنهُ مستعيرُ

وافترعها بكراً لها في مدى الده

رِ رواحٌ في مدحكم وبكورُ

أنا سَيرْتُ طالعُ العَزْمِ مني

وإلى قَصدِكَ انتهى التسييرُ

وأرى خاطري لمدحكَ إلفاً

إنما يألَفُ الخطيرَ الخطيرُ

بعقودٍ من دُر نظمي في ال

مدحِ تحلى بها العُلى لا النحورُ

ولكَ المأثراتُ في الشرقِ والمغ

ربِ يُروى حديثُها المأثورُ

وببغدادَ قيلَ إن دمشقا

ما بها للرجا سواك مجيرُ

ما يرى ناظرٌ نظيرَكَ فيها

فهي رَوْضٌ بما تجودُ نضيرُ

لطاوي الإقبالِ عندكَ نشرٌ

وَلميْتِ الآمال منكَ نُشورُ

ومن النائباتِ أَني مقيمٌ

بدمشقٍ وللمقامِ شُهورُ

لا خليلٌ يقولُ هذا نزيلٌ

لا أميرٌ يقولُ هذا سميرُ

لستُ أَلقى سوى وجوهٍ وأَيْدٍ

وقلوبٍ كأنَهن صُخورُ

سُرِقَتْ كسوَتي وبانَ من الكل

توانٍ في رَدها وقصورُ

واعتذارُ الجميعِ أَن الذي تم

قضاءٌ في لوحهِ مسطورُ

ولَعَمْري هذا صحيحٌ كما قا

لوا ولكن قلبي به مكسورُ

أَجيرانَ جيرونَ مالي مُجيرُ

سوى عطفكُمْ فاعدِلوا أو فجوروا

وما لي سوَى طيفكمْ زائرٌ

فلا تمنعُوهُ إذا لم تَزُوروا

يَعز علي بأن الفؤادَ

لديكُمُ أسيرٌ وعنكُمْ أَسيرُ

وما كُنتُ أَعلمُ أني أعي

شُ بَعْدَ الترقِ إني صَبُورُ

وفتْ أَدمعي غيرَ أن الكَرَى

وقلبي وصبريَ كُلٌّ غَدُورُ

إلى ناسِ باناس ليس صَبْوةٌ

لها الوجدُ داعٍ وذكرى مُثيرُ

يَزيدُ اشتياقي وينمُو كما

يزيدٌ يزيدُ ثَوارا يَثورُ

ومن بردى بَرْدُ قلبي المَشُوق

فها أَنا من حَرهِ مُستَجيرُ

وبالمَسْرجِ مَرْجو عيشي الذي

على ذكرهِ العذْبِ عَيْشي مَريرُ

نأَى بيَ عنكم عَدو لَدودٌ

ودَهْرٌ خَؤونٌ وحَظٌّ عَثورُ

فقدتكُمُ فَفَقَدْتُ الحياةَ

ويومَ اللقاءِ يكونُ النشُورُ

أيا راكبَ النضْوِ يُنضي الركابَ

تسيرُ وخطب سُراه يَسيرُ

يَؤُم دمشقَ ومنْ دونها

تُجابُ سُهولُ الفَلا والوُعُورُ

وجلقُ مَقْصدُه المُسْتَجارُ

لقد سَعدَ القاصدُ المُستجيرُ

إذا ما بلغتَ فبلغهُمُ

سلاماً تأرجَ منه العبيرُ

تطاوَلْ بسؤليَ عند القُصَيْر

فَمنْ نَيْله اليومَ باعي قصيرُ

وكنْ لي بريداً ببابِ البريد

فأَنتَ بأَخبارِ شوقي خَبيرُ

أُعَنْوِنُ كتبي بشكوى العناء

وفيهن من بث شجوي سطورُ

متى تجد الري بالقَرْيَتين

خوامسُ أَثرَ فيها الهجيرُ

ونحو الجُلَيْجل أُزجي المطي

لقد جَل هذا المرامُ الخطيرُ

تُراني أُنيخُ بأَدْنَى ضُمَيرٍ

مطايا بَراها الوَجا والضمورُ

وعند القُطَيْفَةِ المشتهاةِ

قُطوفٌ بها للأَماني سُفورُ

ومنها بكوريَ نحو القُصَيْرِ

ومنيةُ عُمريَ ذاكَ البُكورُ

ويا طيبَ بُشرايَ من جلقٍ

إذا جاءَني بالنجاحِ البشيرُ

ويستبشرُ الأَصدقاءُ الكرامُ

هنالكَ بي وتُوفى النذورُ

تُرَى بالسلامةِ يوماً يكون

ببابِ السلامةِ مني عُبورُ

وأَن جوازي بباب الصغيرِ

لَعَمري من العُمرِ حَظٌّ كَبيرُ

وما جنةُ الخُلْدِ إلا دِمشقٌ

وفي القلبِ شوقاً إليها سَعيرُ

ميادِينُها الخُضُر فيحُ الرحابِ

وسَلْسالها العَذْبُ صافٍ نميرُ

وجامعُها الرحبُ والقُبةُ ال

مُنيفَةُ والفَلَكُ المُستديرُ

وفي قبةِ النسْرِ لي سادةٌ

بهم للكارمِ أُفْقٌ مُنيرُ

وبابُ الفراديسِ فرْدَوسُها

وسُكانُها أَحسَنُ الخلقِ حورُ

والأرزة فالسهمُ فالنيْربان

فجناتُ مِزتِها فالكُفورُ

كأن الجواسقَ مأهولةً

بروج تَطَلعُ منها البدورُ

بنَيْرَبها تَتَبرا الهمومُ

بربوتها يتربى السرورُ

وما غَر في الربوة العاشقي

نَ بالحُسنِ إِلا الربيبُ الغَريرُ

وعند المُغارة يومَ الخميسِ

أَغارَ على القَلْبِ مني مُغيرُ

وعندَ المُنَيْبعِ عينُ الحياةِ

مَدَى الدهرِ نابعةُ ما تغورُ

بجسرِ ابن شواش تم السكون

لنفسي بنفسيَ تلك الجسورُ

وما أنسَ لا أنسَ أُنسَ العُبورِ

على جسْرِ جسْرين إني جَسورُ

وكم بت أَلهو بقربِ الحبي

بِ في بيتِ لِهْيا ونامَ الغَيورُ

فأَينَ اغتباطيَ بالغُوطتينِ

وتلكَ الليالي وتلك القُصورُ

لمُقْرِىء مَقْرَى كقُمريها

غناءٌ فصيحٌ وشَدْوٌ جَهيرُ

وأشجارُ سَطْرَى بَدَتْ كالسطُو

رِ نَمقَهُن البليغُ البصيرُ

وأَينَ تأملْتَ فُلْكٌ يَدُورُ

وعينٌ تقورُ وبحرٌ يمورُ

وأَينَ نظرتَ نسيمٌ يَرِق

وزهرٌ يَرُوقُ وروضُ نَضيرُ

كأَن كمائمَ نُوارِها

شُنوفٌ تركَبُ فيها شُذورُ

ومثلُ اللآلي سقيطُ الندى

على كل منثورِ نَوْرٍ نثيرُ

مَدارُ الحياةِ حَياها المُدِر

مَطارُ الثراءِ ثراها المَطيرُ

وموعدُها رَعْدُها المستطيلُ

وواعدُها بَرْقُها المستطيرُ

إلامَ القساوَة يا قاسيُون

وبين السنا يتجلى سَنيرُ

لديكَ حبيبي ومنكَ الحُبا

وعندكَ حُبي وفيكَ الحبورُ

فيا حَسْرَتا غبْتُ عن بلدةٍ

بها حَظيتْ بالحُظوظِ الحضور

ومُنذ ثَوَى نور دِينِ الإل

هِ لم يبقَ للشامِ والدين نُورُ

وإني لأَرجو من الله أنْ

يُقَدرَ بعد الأُمورِ الأُمورُ

وللناسِ بالمَلكِ الناصرِ الص

لاحِ صلاحٌ ونَصْرٌ وَخيرُ

لأَجل تَلافيهِ لم يتلَفُوا

لأَجلِ حيا برهِ لم يَبُوروا

بفيضِ أَياديهِ غيثُ النجاح

لأَهلِ الرجاءِ سَموحٌ دَرور

مليكٌ بجَدواه يَقْوَى الضعيفُ

ويثرَى المقُل ويَغْنَى الفَقيرُ

أَرى الصدقَ في ملكهِ المستقيم

ومُلك سواه ازوِرارٌ وزورُ

لعزَ الوَلي وذل العَدُو

نوالٌ مبر وبأْسٌ مُبيرُ

بنعمته للعفاةِ الحُبورُ

بسطوتهِ للعُداةِ الثبُورُ

هو الشمسُ أَفلاكُه في البلادِ

ومَطْلَعُهُ سَرْجهُ والسريرُ

إذا ما سطا أَو حَبا واجتبَى

فما الليثُ مَنْ حاتمٌ ما ثَبيرُ

إيابُ ابن أَيوبَ نحو الشآمِ

على كل ما ترتجيهِ ظهورُ

بيوسفَ مصرٍ وأَيامه

تَقَر العُيونُ وتَشفَى الصدورُ

رأَتْ منك حمصُ لها كافياً

فواتاك منها القوي العسيرُ

مليكٌ ينادي رجائي ندَاهُ

ومولى جَداهُ بحمدي جَديرُ

وكم قد فللتَ جموعَ الفرنج

بحد اعتزامٍ شباهُ طريرُ

بضربٍ تَحذفُ منه الرؤوسُ

وطَعنٍ تَخسف منه النحورُ

وغادرتَ غادرهم بالعَراءِ

ومن دمهِ كل قَطرٍ غَديرُ

بجردٍ عليها رجالُ الهياج

كأَن صُقوراً عليها صُقورُ

من التركِ عند دَبابيسها

صحاحُ الطلَى والهوادِي كُسورُ

سهامُ كنائنها الطائرات

لَهُن قلوبُ الأَعادي وكورُ

وعندهم مثل صَيْد الصوارِ

إذا حاولوا الفتحَ صَيدا وصُورُ

بجيشكَ أزعجتَ جأشَ العَدُو

فما نَضَرٌ منه إلا نَفورُ

تركتَ مصارعَ للمشركينَ

بطونُ القشاعمِ فيها قُبورُ

تزاحمُ فرسانَها الضارياتُ

فتصدِمُ فيها النسورَ النسُورُ

وإن تَولدَ بكرِ الفُتوحِ

إذا ضُرِبَتْ بالذكور الذكورُ

إلي شكا الفَضلُ نَقصَ الزمانِ

وهل فَاضلٌ في زماني شكورُ

حَذارك من سطوةِ الجاهلينَ

وذو العلمِ من كل جهلٍ حذورُ

وهل يلدُ الخيرَ أو يستقيمُ

زمانٌ عقيمٌ وفَضلٌ عَقيرُ

شكَتْ بكْرُ فضلي تَعْنيسَها

فما يجلُبُ الود كفءٌ كَفور

فقلتُ لفضلي أَفاقَ الزمانِ

ودر المُرادُ ودارَ الأَثيرُ

وعاشَ الرجاءُ وماتَ الإياسُ

وسُر الحجا وأَنارَ الضميرُ

ووافى المليكُ الذي عَدْلُهُ

لذي الفضلِ من كل ضَيْمٍ يُجيرُ

فلستُ أُبالي بعَيْث الذئاب

إذا ما انتحى لي ليثٌ هصورُ

ملَكتَ فأَسْجحْ فما للبلادِ

سواكَ مجيرٌ ومولىً نصيرُ

وفي معصمِ المْلكِ للعز منك

سوارٌ ومنكَ على الدين سورُ

لكَ اللهُ في كل ما تبتغيهِ

بحقٍ ظهيرٌ ونعمَ الظهيرُ

أما المفسدونَ بمصر عَصَوْكَ

وهذي ديارهمُ اليومَ قورُ

أَما الأدعياءُ بها إذ نشطت

لإبعادهمْ زال منكَ الفتورُ

ويومُ الفرنج إذا ما لقُوكَ

عبوسٌ برغمهم قمطريرُ

نهوضاً إلى القدسِ يشفي الغليلَ

بفتحِ الفتوحِ وماذا عسيرُ

سَلِ الله تسهيلَ صعب الخطوب

فهو على كل شيءٍ قديرُ

إليكَ هجرتُ ملوكَ الزمان

فمالكَ واللهِ فيهم نظيرُ

وفجركَ فيه القرى والقران

جميعاً وفجرُ الجميع الفجورُ

وأَنتَ تريقُ دماءَ الفرنجِ

وعندهمُ لا تُراقُ الخمورُ

لا أَوحش الله من أُنسي بقربكمُ

ولا أَراني فيكم غير إيثاري

ولا عدمتكمُ في كل نائبةٍ

حفَاظ سري وأَعواني وأنصاري

فعندكم لا فقدتُ البرَ عندكمُ

فراغُ بالي وأَوطاني وأَوكاري

يا ساكني مصر قد فقتم بفضلكم

ذي الفضائلِ من سُكانِ أَمصارِ

للهِ دركمُ من عُصبةٍ كرُمتْ

ودر مصركمُ الغناء من دارِ

يمينكَ دأبها بذلُ اليسارِ

وكفكَ صوبُها بدرُ النضارِ

وإنكَ من ملوكِ الأَرضِ طُراً

بمنزلةِ اليمينِ من النهارِ

وأَنتَ البحرُ في بث العطايا

وأَنتَ الطودُ في بادي الوقارِ

أَعز الدين غيث الجود غوث ال

ورى طود العلى شمس النهارِ

حليفُ المجدِ رب الفخرِ تربُ ال

سماحِ أَخو الحجا زاكي النجارِ

غزيرُ المجتدى غمرُ الأيادي

منيرُ المجتلى عالي المنارِ

إذا عثرَ الأَماجدُ في مقامٍ

فعز الدينِ مأمونُ العثارِ

فتىً سبقَ الكرامَ فلم يطيقوا

وقد ركضوا لحوقاً بالغبارِ

لئن جهلَ الزمان فأَنتَ عذرٌ

له فامحُ الإساءةَ باغتفارِ

فإنكَ من رداءِ الفخرِ كاسٍ

وإنكَ من لباسِ العارِ عارِ

وليكَ في بلادِ اليمنِ والٍ

وجارُكَ في رياضِ الأمنِ حجارِ

وزائرةٍ وليس بها حياءٌ

وليس تزورُ إلا في النهارِ

ولو رهبتْ لدى الإقدام جوري

لما رغبتْ جهاراً في جواري

أَتتْ والقلبُ في وهجِ اشتياقٍ

لتظهرَ ما أُواري من أُواري

ولو عرفتْ لظَى سطواتِ عزمي

لكانتْ من سُطاي على حذارِ

تقيمُ فحينَ تُبصرُ مِن أَناتي

ثباتَ الْطَودِ تسرعُ في الفرارِ

تُفارقني على غيرِ اغتسال

فلم أَحلُلْ لزورتها إزاري

أيا شمسَ الملوكِ بقيتَ شمساً

تنيرُ على الممالكِ والديارِ

يجد إلى العلى أبداً بداراً

فلا عبرَ الأذى منه بدارِ

لئن حمي المزاج فغيرُ بدعٍ

فنارُ ذُكاكَ تقذفُ بالشرارِ

أَحماكَ استعارتْ لفحَ نارٍ

لعزمكَ لم تزلْ ذات استعارِ

فقد نهضتْ إليكَ بلا احتشامٍ

وقد جسرتْ عليكَ بلا اعتذارِ

وما إن حُم ليث الغابِ إلا

ليوقدَ نارَهُ عندَ الغوارِ

ولفحُ العارضِ الساري دليلٌ

من الغيثِ المُلث على انهمارِ

وما أحمى مزاجكَ غيرَ لطفٍ

لخلقكَ سالبٌ لطفَ العُقارِ

أُهني الملكَ الناص

رَ بالملكِ وبالنصرِ

وما مهد من بنيا

ن دين الحق في مصرِ

وما أَسداهُ مِن برٍ

بلا عدٍ ولا حصرِ

وما أحياهُ من عدلٍ

وما خففَ مِن إصرِ

وإعلاء سَنا السن

ة في بحبوحة القصرِ

قد استولى على مصرٍ

بقح يوسفُ العصرِ

وأحيا سنةَ الإحسا

نِ في البدوِ وفي الحضرِ

قد خطبنا للمستضيء بمصرِ

نائبِ المصطفى إمامِ العصرِ

وخذلنا لنصرة العَضُدِ العا

ضدِ والقاصرَ الذي بالقصرِ

وأَشعنا بها شعارَ بني الع

باسِ فاستبشرتْ وجوهُ النصرِ

ووضَعْنا للمستضيء بأمر ال

له عن أوليائه كل إصرِ

وتركنا الدعي يدعو ثبوراً

وهو بالذل تحت حَجْرٍ وحَصْرِ

وتباهتْ منابرُ الدينِ بالخط

بةِ للهاشمي في أرضِ مصْرِ

وجرى من نَداه دجلةُ بغدا

دَ بشطرٍ ونيلُ مصر بشطرِ

وقد اهتز للهدى كل عِطفِ

مثلما افتر بالمُنى كل ثَغْرِ

فبجدواه زائلٌ كل فقرٍ

وبنعماهُ آهلٌ كل فقرِ

ونداءُ الهدى أَزالَ مِن الأس

ماعِ في كل خطةٍ كل وَقْرِ

نشكرُ اللهَ إذ أَتم لنا النص

رَ ونرجو مزيدَ أَهلِ الشكرِ

ولدينا تضاعفتْ نِعَمُ ال

لهِ وجلتْ عن كل عدٍ وحَصْرِ

فاغتدى الدينُ ثابتَ الركنِ في مص

رَ محوطَ الحمى مصونَ الثغرِ

واستنارتْ عزائمُ الملكِ العا

دلِ نورِ الدينِ الكريم الأغر

وبنو الأَصفرِ القوامصُ منه

بوجوهٍ من المخافةِ صُفرِ

عَرَفَ الحق أهلُ مصْرَ وكانوا

قبلَهُ بين مُنكرٍ ومُقر

هو فتحٌ بكْرٌ ودونَ البرايا

خصنا اللهُ بافتراعِ البكْرِ

وحَصَلُنا بالحمدِ والأَجرِ والنص

رِ وطيبِ الثنا وحُسنِ الذكرِ

ونشرنا أَعلامنا السودَ مَهراً

للعدى الزرقِ بالمنايا الحمرِ

واستعدنا من أدعياءَ حقوقاً

تُدعَى بينهم لزيدٍ وعمرِو

والذي يدعي الإمامةَ بالقا

هرةِ انحط في حضيضِ القهرِ

خانَهُ الدهرُ في مناهُ ولا يط

معُ ذو اللب في وفاءِ الدهرِ

ما يُقامُ الإمامُ إلا بحقٍّ

ما تحازُ الحسناءُ إلا بمهرِ

خلفاءُ الهدى سَراةُ بني الع

باس والطيبونَ أَهلُ الطهرِ

بهمُ الدينُ ظافرٌ مستقيمٌ

ظاهرٌ قوةً قويُ الظهرِ

كشموسِ الضحى كمثلِ بدور ال

تم كالسحبِ كالنجومِ الزهرِ

قد بلغنا بالصبْرِ كل مرادٍ

وبلوغُ المرادِ عُقْبَى الصبْرِ

وتمامُ الحبورِ ما تم من خط

بةِ خيرِ الخلائفِ ابنِ الحَبْر

مَهْبطُ الوحي بيته منزل الذكْ

ر بشفعٍ من المثاني ووِتْرِ

ليس مُثري الرجال مَنْ مَلَك الما

لَ ولكنما أخو اللب مُثْرِ

ولهذا لم ينتفعْ صاحبُ القص

رِ وقد شارفَ الدثُورَ بدثرِ

لسوى نظمِ مدحهِ أَهجرُ النظْ

مَ فما مدحُ غيرهِ غير هُجرِ

وأرتنا له قلائدَ م

نٍ وبرٍ ليست بجيدٍ ونَحْرِ

وبإنعامه تزايدَ شكري

وبتشريفهِ تضاعفَ فخري

كم ثراءٍ وقوةٍ وانشراحٍ

منه في راحتي وقلبي وصدري

وعلي النذورُ في مثلِ ذا اليو

مِ وهذا يومُ الوفاءِ بنَذري

واستهلت بوارقَ الأنعم الغُر

به في حيا الأيادي الغُزرِ

نعشَ الحق بعدَ طولِ عثارٍ

جَبَرَ الحق بعدَ وَهْنٍ وكسرِ

دامَ نصرُ الهدى بملكِ بني الع

باسِ حتى يكونَ يوم الحشرِ

هجرتكمُ لا عن ملالٍ ولا غَدْرِ

ولكن لمقدُورٍ أُتيحَ منَ الأَمرِ

وأَعلمُ أَني مخطىءٌ في فراقكم

وعُذْريَ في ذنبي وذنبيَ في عُذري

أَرى نُوَباً للدهرِ تُحْصى وما أَرى

أَشد من الهجران في نُوب الدهرِ

بعيني إلى لُقْيا سواكمْ غشاوَةٌ

وسمعي إلى نجوى سواكم لذو وَقْرِ

وقَلبي وصَدْري فارقاني لبُعدكم

فلا صدرَ في قلبي ولا قلبَ في صدري

وإني على العهدِ الذي تعهدُونَهُ

وسري لكم سري وجَهْري لكم جهري

تجرعتُ صرْفَ الهم من كأْسِ شوقكمْ

فها أَنا في صَحْوِي نزيفٌ من السكرِ

وإن زماناً ليس يَعْمُرُ موطني

بسُكناكمُ فيه فليس منَ العمرِ

وأقسمُ لو لم يَقسم البينُ بيننا

جوى الهم ما أَمسيتُ مُنْقَسِمَ الفكرِ

أَسيرُ إلى مصرٍ وقلبي أَسيركُمْ

ومن عَجَبٍ أَسري وقلبيَ في أَسْرِ

أَخلاي قد شَط المزارُ فأَرْسلوا ال

خيالَ وزُورُوا في الكرى واربَحُوا أَجْري

تذكرتُ أَحبابي بجلقَ بعدما

ترحلتُ والمشتاقُ يأنَسُ بالذكرِ

أَخلاي فقري في التنائي إليكُمُ

بحق غناكمْ بالتداني ارْحَمُوا فَقْري

وناديتُ صبري مستغيثاً فلم يجبْ

فأسبلْتُ دمعي للبكاء على صبري

ولما قصدْنا من دمشقَ غباغباً

وبتنا من الشوقِ الممض على الجمرِ

نزلنا برأْسِ الماءِ عند وداعنا

مواردَ منْ ماءِ الدموعِ التي تجري

نزلنا بصحراءِ الفَقيعِ وغُودِرَتْ

فواقعُ من فيضِ المدامعِ في الغُدرِ

ونهنهتُ بالفَوارِ فَوْرَ مدامعي

ففاضتْ وباحتْ بالمكتم من سري

سرينا إلى الزرقاءِ منها ومن يُصبْ

أُواماً يَسرْ حتى يرى الوِرْدَ أَو يَسْرِ

أَعادَتْكِ يا زرقاءُ حمراءَ أَدمعي

فقد مزجتْ زُرْقَ المواردِ بالحُمْرِ

وسُودُ هُمومي سودَتْ بيض أَزْمُني

فيومي بلا نُورٍ وليلي بلا فجرِ

أَيا ليلُ زِدْ ما شئتَ طولاً وظلمةً

فقد أَذْهَبَتْ منكَ السنا ظلمةُ الهَجْرِ

تذكرتُ حَمامَ القُصَيرِ وأَهلَهُ

وقد جُزْتُ بالحمام في البلدِ القفرِ

وبالقريتين القريتين وأين من

مغاني الغواني منزل الأُدم والعفر

وردنا من الزيتونِ حسْمَى وأيلة

ولم نسترحْ حتى صدَرْنا إلى صدْرِ

غَشينا الغَواشي وهي يابسةُ الثرى

بعيدةُ عَهْدِ القُطرِ بالعَهْد والقَطْرِ

وضن علينا بالندى ثَمَدُ الحَصَى

ومن يرتجي رِياً من الثمدِ النزْرِ

فقلتُ اشرحي يا لخمْسِ صدراً مطيتي

بصدرٍ وإلا جادكِ النيلُ للعِشْر

رأَينا بها عينَ المواساة أَننا

إلى عين موسى نبذلُ الزادَ للسفْرِ

وما جسرتْ عيني على فيضِ عبرةٍ

أكفكفُها حتى عَبَرنا على الجسْرِ

وملتُ إلى أرضِ السديرِ وجَنةٍ

هنالكَ من طلحٍ نضيدٍ ومن سدْرِ

وجُبْنا الفلا حتى أَتَينا مباركاً

على بركة الجُب المُبشرِ بالقَصْرِ

ولما بدا الفسطاطُ بشرْتُ ناقتي

بمن يَتَلقى الوفدَ بالوَفْرِ والبشْرِ

ولم أنس يومَ البين بالمَرْح نَشْرنا

مطاويَ سرٍ في الهوى أَرج النشْرِ

وقد أَقبلتْ نُعْمٌ وأَترابُها كما

تطلعَ بَدْرُ التم في الأَنجمِ الزهرِ

وقفنا وحادينا يحث وناقتي

تزم ولاحينا لمُغرمنا مُغَرِ

وكل بنانٍ فوقَ سِنٍ لَنادم

وكل يدٍ فوقَ التريبةِ والنحرِ

وبيعَ فؤادي في مناداةِ شوقهم

فسِمتهم أنْ يأخذوا الروحَ بالسعْرِ

بكت أُم عمرٍو من وشيكِ ترحلي

فيا خجْلتا من أُم عمرٍو ومنْ عمرو

تقولُ إلى مصرٍ يسيرُ تعجباً

وماذا الذي تبغي ومن لكَ في مصر

تُبَددُ في سَهْلٍ من العيشِ شملنا

وتنظمُ سلْكَ العيشِ في المَسْلَكِ الوَعْرِ

فقلْ أَيما عُرْفٍ حداكَ على النوى

ومن ضَلةٍ أَنْ تطلبَ العُرْفَ بالنكرِ

ومَنْ فارقَ الأَحبابَ مستبدلاً بهم

سواهم فقد باعَ المرابحَ بالخُسْرِ

فقلتُ ملاذي الناصرُ الملكُ الذي

حصلتُ بجدواه على المُلْكِ والنصرِ

فقالتْ أَقمْ لا تعدم الخيرَ عندنا

فقلت وهل تُغني السواقي عن البحرِ

فقالتْ صلاح الدينِ قلتُ هو الذي

به صارَ فضلي عاليَ الحظ والقَدْرِ

ثقي برجوعٍ يضمنُ اللهُ نُجحَهُ

ولا تَقْنَطِي أَنْ نُبْدِلَ العُسرَ باليسرِ

وإِن صلاحَ الدينِ إنْ راحَ مُعْدِمٌ

إليه غَدا من فَيْضِ نائلهِ مُثري

نَعز بأَفضالِ العزيزِ وفضلهِ

ونَحْسبُ نفعاً كل ما مَن من ضُر

عطيتُهُ قد ضاعفتْ منةَ الرجا

ومنتُهُ قد أَضعفتْ منةَ الشكرِ

وماذا يحد المدح منه فإنما

مناقبُهُ جَلتْ عن الحد والحَصْرِ

تحدرَ بالفوارِ دمعي على الفَوْرِ

فقلتُ لجيراني أَجيروا من الجورِ

وأَصعبُ ما لاقيتُ أَني قانعٌ

من الطيفِ مُذْ بنتمْ بزورٍ من الزورِ

قيلَ في مصرَ نائلٌ عدَدَ الرم

لِ ووفْرٌ كنيلها الموفورِ

فاغتررْنا بها وسرْنا إليها

ووقعنا كما ترى في الغرورِ

وحظينا بالرملِ والسيرِ فيه

ومنعنا مِن نيلها الميسور

وبرزنا إلى المبرز نشكو

سدراً من نزولنا بالسديرِ

وعددنا في الرعاعِ فلا في ال

عير ندعى ولا في النفيرِ

قيلَ لي سِرْ إلى الجهادِ وماذا

بالغٌ في الجهادِ جهدَ مسيري

ليس يقوَى في الجيشِ جأْشي ولا قو

سي يُرى موتُوراً إلى موتورِ

أَنا للكُتبِ لا للكتائبِ إِقدا

مي وللصحْفِ لا الصفاح حضوري

كاد فضلي يضيعُ لولا اهتمامُ ال

فاضلِ الفائضِ الندي بأُموري

وأَنا منه في ملابسِ جاهٍ

رافلاً منه في حبيرِ حُبورِ

فهو رَقى من الحضيضِ حظوظي

وسما بي إلى سريرِ السرورِ

يا ملكاً أَيامُهُ لمْ تَزَلْ

يفصلهِ فاضلة فاخره

غاصتْ بحارُ الجودِ مُذْ غُيبَتْ

أَنْملُكَ الفائضةُ الزاخرهْ

ملكتَ دنياكَ وخَلفْتَها

وسِرْتَ حتى تملكَ الآخرهْ

ما صورةٌ ما مثلُها صُورَهْ

كأنها في العُمقِ مطمورَهْ

تُمطرُ للري ومن ذا رأَى

مطمورةً للري ممطورَهْ

منكوحةٌ ما لم تَضَعْ حملَها

مسدودةُ الأنفاسِ محصورَهْ

محرورةُ القلبِ ولكنها

مضروبةٌ بالبَرْدِ مقرورَهْ

كأنما النارُ بأحشائها

على اشتداد البردِ مسجورَه

تَظَل مُلْقاة على رأْسها

خمارةٌ تُحْسَبُ مخمورَهْ

مُعارَةُ الهامةِ من غيرِها

قصيرةُ القامةِ ممكورَهْ

كأنها رأْسٌ بلا جُثةٍ

موصولةٍ إنْ شئتَ مبتورَهْ

كهامةٍ صلْعاءَ محلوقةٍ

ما استعملتْ مُوسَى ولا نُورَهْ

زامرةٌ في فمها زمرُها

وهيَ بغيرِ الزمْرِ مشهورَهْ

دَوارةٌ إنْ أَنتَ أَرسلْتَها

مهتوكةُ الأَستارِ مستورَه

مَنْ فَضها تبصقُ في وجههِ

كأنها بالفُحشِ مأمورَهْ

تورِثُ تعبيساً لمن باسَها

وهيَ على ذلكَ مشكورَهْ

معسولةٌ ريقتُها مُزةٌ

وهي على اللذةِ مقصورَهْ

وهي على ما هيَ في إثْرِهِ

مَرْسَلةٌ بالهَضْم منصورَهْ

إن عُقلت قرت وإن أُنشطتْ

فَرتْ وثارتْ مثلَ مذعورَهْ

كم عسلٍ ذاقتْ وكم سُكرٍ

وأَنعُمٍ ليستْ بمكفورَهْ

ملمومةٌ من صخرةٍ صَلْدَةٍ

فاجرةٌ بالماءِ مفجورَهْ

من الصفا جسمٌ ولكنْ ترى

على صَفاءِ الماءِ تامورَهْ

فيا حليفَ المأثُرات التي

أَضحتْ لأَهلِ الفضلِ مشهورَهْ

أَنعمْ وعجل حَل إشكالها

فهيَ لدى فضلك مأْسورَهْ

لهفي على مَنْ كانَ صبحي وجهُهُ

فعدمتُ حينَ عدمتُهُ أنوارَهُ

سكنَ الترابَ وغاضَ ماءُ حياتهِ

مُذْ أَطفأَتْ ريحُ المنيةِ نارَهُ

الدينُ في ظُلَمٍ لغيبةِ نُورهِ

والدهرُ في غَمٍ لفقدِ أَميرِهِ

فليندُبِ الإسلامُ حامي أَهلهِ

والشامُ حافظُ مُلكهِ وثغورِهِ

ما أَعظمَ المقدارَ في أَخطاره

إذ كان هذا الخطبُ في مقدورِهِ

ما أكثرَ المتأسفينَ لفقدِ مَنْ

قَرتْ نواظرهم بفقدِ نظيرِهِ

ما أَعوَصَ الإنسانَ في نسيانه

أَوَما كفاهُ الموتُ في تذكيرِهِ

مَنْ للمساجدِ والمدارسِ بانياً

للهِ طوعاً عن خلوصِ ضميرِهِ

من ينصرُ الإسلامَ في غزواتهِ

فلقد أُصيبَ بركنهِ وظهيرِهِ

مَنْ للفرنج من لأَسرِ ملوكها

من للهُدى يبغي فكاكَ أَسيرِهِ

من للخُطوبِ مُذللاً لجماحها

من للزمانِ مُسَهلاً لوعورِهِ

مَنْ كاشفٌ للمعضلاتِ برأيهِ

مَنْ مشرقٌ في الداجيات بنورِهِ

مَنْ للكريمِ ومَنْ لنعشِ عثارِهِ

من لليتيمِ ومن لجبرِ كسيرِهِ

مَنْ للبلادِ ومَنْ لنصرِ جيوشها

من للجهادِ ومن لحفظِ أُمورِهِ

منْ للفتوحِ محاولاً أبكارَها

برواحهِ في غَزْوهِ وبُكورِهِ

مَنْ للعُلى وعُهودها مَنْ للندى

ووفودهِ مَنْ للحِجا ووفورِهِ

ما كنتُ أَحسبُ نورَ دينِ محمدٍ

يخبو وليلُ الشركِ في ديجورِهِ

أَعزِزْ علي بليثِ غابٍ للهدى

يخلو الشرى من زورهِ وزئيرِهِ

أَعزِزْ علي بانْ أَراهُ مغيباً

عن محفلٍ مُتَشرفٍ بحضورِهِ

لهفي على تلكَ الأَناملِ إنها

مُذ غيبت غاض الندى ببحورِهِ

ولقد أَتى منْ كنتَ تجري رسمَهُ

فضعِ العلامةَ منكَ في منشورِهِ

ولقد أَتى مَنْ كنتَ تكشفُ كربَهُ

فارفعْ ظلامتَهُ بنصرِ عشيرِهِ

ولقد أتى مَنْ كنتَ تُؤمنُ سربَهُ

وقعْ له بالأَمنِ مِنْ محذورِهِ

ولقد أَتى مَنْ كنتَ تُؤثرُ قربَهُ

فأَدمْ له التقريبَ في تقريرِهِ

والجيشُ قد ركبَ الغداةَ لعرضهِ

فاركبْ لتُبْصِرَه أَوان عبورِهِ

أَنتَ الذي أَحييتَ شرعَ محمدٍ

وقضيتَ بعدَ وفاتهِ بنُشورِهِ

كم قد أَقمتَ من الشريعةِ مَعْلَماً

هو منذ غبتَ مُعَرضٌ لدُثورِهِ

كم قد أَمرتَ بحفرِ خندقِ معقلٍ

حتى سكنتَ اللحد في محفورِهِ

كم قيصرٍ للرومِ رُمْتَ بقسرهِ

إرواءَ بيضِ الهندِ من تامورِهِ

أُوتيتَ فتحَ حصونهِ وملكتَ عُقْ

رَ بلادهِ وسبيتَ أَهل قصورِهِ

أَزَهِدْتَ في دارِ الفناءِ وأَهلها

ورغبت في الخُلْدِ المقيمِ وحورِهِ

أَو ما وعدتَ القدس أَنك منجزٌ

ميعادَهُ في فتحهِ وظهورِهِ

فمتى تجير القدس من دَنَسِ العدا

وتقدس الرحمن في تطهيرِهِ

يا حاملينَ سريرَهُ مهلاً فمنْ

عَجَبٍ نهوضكم بحملِ ثَبيرِهِ

يا عابرينَ بنعشهِ أَنشقتُمُ

من صالحِ الأَعمالِ نشرَ عبيرِهِ

نزلتْ ملائكةُ السماءِ لدفنهِ

مستجمعينَ على شفيرِ حفيرِهِ

ومنَ الجفاءِ له مُقامي بعدهُ

هَلا وفيتُ وسرتُ عندَ مسيرِهِ

حَياكَ معتلُ الصبا بنسيمهِ

وسقاكَ مُنهل الحيا بدُرورِهِ

ولبستَ رضوانَ المهيمنِ ساحباً

أَذيالَ سنْدسِ خزهِ وحريرِهِ

وسكنتَ عليينَ في فردوسهِ

حلْفَ المسرةِ ظافراً بأَجورِهِ

تذاكرَ من ورادِ مصرَ عصابةٌ

حديثَ فتىً طابَ الندي بذكرِهِ

وقالوا رأَينا فاضلاً ذا نباهةٍ

أَديباً يفوقُ الفاضلينَ بفخرِهِ

يدينُ حبيب والوليد لنظمه

ويحمدُهُ عبدُ الحميدِ لنثرِهِ

ولو عاشَ قسٌ في زمانِ بيانهِ

لكان مشيداً في البيانِ بشكرِهِ

فضائلُهُ كالشمسِ نوراً ولم تزلْ

مناقبُهُ في الدهرِ أَعدادَ زهرِهِ

بيانٌ هو السحرُ الحلالُ وإننا

نَرَى معجزاً من فضلهِ حل سحرِهِ

ذوو الفضلِ هم عند الحقيقةِ أَبحرٌ

ولكنهم أَضحوا جداولَ بحرِهِ

يضوعُ مهب الحمدِ من عرفِ عرفهِ

وتأرَجُ أَرجاءُ الرجاءِ بنشرِهِ

فقلتُ لهم هذا الذي تصفونَهُ

أَبو اليُمنِ تاجُ الدينِ أَوْجَهُ عصرِهِ

أُعيذُكمُ أَنْ تغفلوا عن أُموره

وأَنْ تتركوهُ نُهبةً لمغيرِهِ

عفا اللهُ عنكم قد عفا رسمُ وُدكم

خلعتم على عهدي دِثارَ دثورِهِ

بما بيننا يا صاحبي من مودةٍ

وفاءَكَ إني قانعٌ بيسرِهِ

وهذا أَوان النصح إنْ كنتَ ناصحاً

أَخاً فقبيحٌ تركُهُ بغرورِهِ

وإني أَرى الأريَ المَشورَ مَشورةً

حَلَتْ موقعاً عند امرىءٍ من مُشيرِهِ

تَحمَلْتُ عبءَ الوجدِ غيرَ مُطيقهِ

وعَلمتُ صبرَ القلبِ غيرَ صَبورِهِ

صِلوا مَن قضى من وحشةِ البينِ نحبَهُ

ونَشرُ مطاوي أُنسهِ في نُشورِهِ

رعى اللهُ نجداً إذ شكرنا بقربكم

قصارَ ليلاي العيشِ بينَ قصورِهِ

وإذْ راقتِ الأَبصارُ حُسنى حسانهِ

وأَطربتِ الأَسماع نجوى سميرِهِ

وإذ بُكرات الروضِ أَلسنةُ الصبا

تعبرُ في أَنفاسها عن عبيرِهِ

وإذ تكتب الأَنداء في شجراتهِ

وأَوراقها إملاءَ وُرقِ طيورِهِ

أَيا نجد حياك الحيا بأَحبتي

بهم كنت كالفردوسِ زين نحورِهِ

وما طابَ عَرف الريح إلا لأَنه

أَصابَ عَبيراً منك عند عبورِهِ

ومُطْلَقَةٍ لما رأَتنيَ موثقاً

أَعِنةَ دمعٍ أُنزِعَتْ من غديرِهِ

تُناشدني باللهِ مَن لي ومَنْ ترى

يقوم لبيتٍ شدته بأُمورِهِ

فقلتُ لها باللهِ عودي فإنما

هو الكافلُ الكافي بجبرِ كسيرِهِ

هو الفلكُ الدوارُ لكن على الورى

مقدرةٌ أَحداثُهُ من مديرِهِ

عذريَ أَضحى عاذلي في خُطوبهِ

فيا مَنْ عذيرُ المُبتلى من عذيرِه

يُجرعني من كأْسهِ صرْفَ صرْفهِ

فعيشٌ مريرٌ ذوقُهُ في مُرورِهِ

ولستُ أَرى عاماً من العمرِ ينقضي

حميداً ولم أَفرحْ بمر شُهورِه

لحى اللهُ دهراً ضاقَ بي إذ وَسِعتُه

بفضلي كما ضاقتْ صدورُ صدورِهِ

فلم أرَ فيها واحداً غيرَ واعدٍ

يخيلُ لي زَوْرَ الخيالِ بزُورِهِ

وما كنتُ أَدري أَن فضلي ناقصي

وأَن ظلامَ الحظ من فيضِ نورِهِ

كذلك طولُ الليلِ من ذي صبابةٍ

يُخبرهُ عن عيشهِ بقصورِهِ

وما كنتُ أَدري أَن عقليَ عاقلي

وأَن سراري حادثٌ من سُفورِه

وكان كتابُ الفضلِ باسمي مُعنوناً

فحاولَ حَظي مَحوَهُ من سطورِهِ

فيا ليتَ فضلي ألآسري قد عَدِمتهُ

فأَضحى فداءً في فكاكِ أَسيرِهِ

أَرى الفضلَ معتادٌ له خَسفُ أَهلهِ

كما الأُفق معتادٌ خسوفُ بدورِهِ

أَقولُ لعزمي إن للمجدِ منهجاً

سهول الأَماني في سلوكِ وعورِهِ

فَهونْ عليكَ الصعبَ فيه فإنما

بأَخطارهِ تَحظَى بوصلِ خطيرِهِ

ومالي يا فكري سواكَ مُظاهرٌ

وقد يستعينُ المبتلى بظهيرهِ

فخل مغنىً خاضَ في غمراتهِ

وحسبكَ معنىً خضت لي في بحورِهِ

وكنْ لي سفيرَ الخيرِ تسفرْ مطالبي

فحظ الفتى إسفارُهُ بسفيرِهِ

وقُلْ للذي في الجدبِ أَطلقَ جَدهُ

سبيلَ الحيا حتى همَى بدرورِهِ

لماذا حبستمْ مخلصاً في ولائكم

وما اللهُ ملقي مؤمنٍ في سعيرِهِ

وكم فَدْفَدٍ جاوزتُ أَجوازَهُ سُرىً

كأَني وِشاحٌ جائلٌ في خصورِهِ

بمهريةٍ تحكي بكفي زمامَها

وأَحكي لكد السيرِ بعضَ سيورِهِ

وخاطبَ أَبكارَ الفدافدِ جاعلٌ

بكَارَ المهاري في السرى من مهورِهِ

وإن رجاءً بالإمامِ أَنوطُهُ

حقيقٌ بآمالي ابتسامُ ثغورِهِ

تقر بعلياهُ الخلافةُ عينها

فناظرُها لم يكتحلْ بنظيرِهِ

أَرى اللهَ أَعطى يوسفاً حسنَ يوسفٍ

ومكنَهُ في العالمينَ لخيرِهِ

برتني صروفُ الحادثاتِ فآوِني

تضعْ منيَ الإنعام عند شكورِهِ

كذا القلمُ المبري آوتْهُ أَنملٌ

فقامَ يؤدي شكرَها بصريرِهِ

وما زهَرٌ هامي الربابِ يحوكُهُ

تعمم هامات الربى بحريرهِ

كأَن سقيطَ الطل في صفحاتهِ

سحيراً نظيمَ الدر بينَ نثيرهِ

يقابلُ منه النرجسُ الوردَ مثلما

رأَتْ وجنةَ المعشوقِ عينُ غيورِهِ

وللوردِ خدٌّ بالبنفسجِ معذرٌ

ونرجسهُ طرفٌ رَنا بفتورِهِ

بأَبهجَ من شعرٍ مدحتكُمُ به

ومعناكُمُ مستودعٌ في ضميرِهِ

وما حق هذا الشعرِ لا لجريرهِ

وقد سارَ في الآفاقِ جيشُ جريرهِ

لا راحةَ في العيشِ سوى أَنْ أَغْزُو

سيفي طَرَباً إلى الطلَى يَهْتز

في ذُل ذوي الكفرِ يكونُ العز

والقُدرةُ في غيرِ جهادٍ عَجْزُ

شادنٌ كالقضيبِ لدْنُ المهزه

سلبتْ مقلتاهُ قلبي بغُمزَهْ

كلما رُمْتُ وصلَه رامَ هجري

وإذا زدتُ ذلة زادَ عزهْ

للصبا من عِذاره نسجُ حُسْنٍ

رقمَ المسْكُ في الشقائقِ طرزَهْ

وعزيزٌ علي أن اصطباري

فيه قد عزهُ الغرامُ وبزهْ

ما رأَى ما رأيتُ مجنونُ ليلى

في هواهُ ولا كُثيرُ عَزهْ

ما ذكرنا الفسطاطَ إلا نسينا

ما رأَينا بالنيربينِ والأرْزَهْ

فمها الجيزةِ الجوازي لها المي

زةُ حسناً على ظِباءِ المزهْ

ونصيري عليه نائلُ عز ال

دين ذي الفضل خلدَ اللهُ عزهْ

فَرغَ الكنزَ من ذخائرَ مالٍ

مالئاً من نفائسِ الحمدِ كنزَهْ

همةٌ مستهامة بالمعالي

للدنايا أَبيةٌ مُشْمئزهْ

سلطتِ المطلَ على نجازها

وضيعتْ حقي في مجازها

وِصالُها من الحياةِ مُنيتي

مَن ليَ بالفُرصةِ في انتهازِها

وجنتُها الوردةُ في احمرارها

وقدها البانةُ في إهتزازِها

شمسُ الضحى في الحسنِ لم تُضاهها

بدرُ الدجى في التِم لم يوازِها

أَعطاهُ رب العالمينَ دولةً

عزةُ أَهلِ الدينِ في إعزازِها

حازَ العُلى ببأْسهِ وجودهِ

وهو أَحق الخلقِ باحتيازِها

بجدهِ أَفنى كنوزاً فَنيَ ال

ملوكُ في الجد على اكتنازِها

مهلكُ أَهلِ الشركِ طراً روحها

أرمنها إفرنجها إنجازها

تفاخرَ الإسلامُ من سلطانه

تفاخرَ الفرسِ بأَبراوازها

تَهَن من فتحِ عزازٍ نصرةً

أوقعت العداةَ في اعتزازِها

واليومَ ذلتْ حَلبٌ فإنها

كانت تنالُ العز من عزازِها

وحلبٌ تنفي كمُشُتكينها

كما انتفتْ بغدادُ عن قيمازِها

بَرَزْتَ في نصرِ الهُدى بحجةٍ

وضوحُ نهج الحق في إبرازِها

كم حاملٍ للرمحِ عادَ مبدياً

عَجْزَ عجوزِ الحي عن عكازِها

ارفعْ حظوظي من حضيضِ نقصها

وعد عن هُمازها لُمازِها

والشعرُ لابد له من باعثٍ

كحاجةِ الخيلِ إلى مهمازِها

استوحشَ القلبُ مذ غبتم فما أنسا

وأَظلمَ اليومُ مذ بنتم فما شَمسَا

ما طبتُ نفساً ولا استحسنتُ بعدكمُ

شيئاً نفيساً ولا استعذبتُ لي نَفَسا

قلبي وصبري وغمضي والشبابُ وما

أَلفتمُ من نشاطي كلهِ خلسا

وكيف يُصبحُ أَو يُمسي محبكمُ

وشوقكم يتولاهُ صباحَ مسا

عادتْ معاهدكمْ بالجزعِ دراسةً

وإن معهدكمْ في القلبِ ما درسا

وكنتُ أَحدسَ منكم كل داهيةٍ

وما دهانا من الهجرانِ ما حدَسَا

لما هدتْ نارُ شوقي ضيفَ طيفكمُ

قريتُهُ بالكرَى اذرارَ مقتبسا

ورمتُ تأنيسَهُ حتى وهبتُ له

إنسانَ عيني أَفديهِ فما أَنِسا

أَنا الخيالُ نحولاً فالخيالُ إذا

ما زارني كيفَ يلقَى مَنْ بهِ التبسا

لهفي على زمنٍ قضيتُه طَرَباً

إذ لم أكنْ من صروفِ الدهرِ مُحترسا

عسى يعودُ شبابي ناضراً ومتى

أَرجو نضارةَ عودٍ للشبابِ عسى

وشادنٍ يغرسُ الآسادَ ناظرُهُ

فديتُهُ شادناً للأسدِ مُفترسا

في العطْفِ لينٌ وفي أَخلاقهِ شَوَسٌ

يا لينَ عطْفَيْهِ جَنبْ خُلْقَه الشوَسا

إن بَان لبسٌ مضينا لاجئينَ إلى ال

فتَى الحسامِ بنِ لاجينَ بنابلسا

يميتُ أَعداءَه بأْساً ونائلُهُ

يُحيي رجاءَ الذي من نجمهِ أَيسا

ممزق المازق المنسوج عثيره

وقد محا اليوم ليل النقع فانطمسا

لا زلتَ مستوياً فوقَ الحصانِ وفي

حصنِ الحفاظِ ومَنْ عاداكَ منتكسا

قلْ للمليكِ صلاحِ الدينِ أَكرمَ من

يمشي على الأَرضِ أَو مَنْ يركبُ الفَرسا

من بعدِ فتحكَ بيت القدس ليس سوى

صورٍ فإنْ فُتحَتْ فاقصدْ طرابلسا

أَثرْ على يومِ انطرسوسَ ذا لجبٍ

وابعثْ إلى ليلِ أَنطاكيةَ العسسا

وأَخلِ ساحلَ هذا الشامِ أَجمعه

من العداة ومَنْ في دينهِ وكؤسا

ولا تدعْ منهم نَفْساً ولا نَفَساً

فإنهم يأْخذونَ النفْسَ والنفَسا

نزلتَ بالقدسِ فاستفتحتَهُ ومتى

تقصدْ طَرابُلُساً فانزلْ على قَلسا

يا يومَ حطينَ والأَبطالُ عابسةٌ

وبالعجاجةِ وجهُ الشمسِ قد عَبَسا

رأيتُ فيه عظيمَ الكفرِ محتقراً

مُعفراً خده والأَنفُ قد تَعَسا

يا طهرَ سيفٍ برى رأْسَ البرِنْسِ فقد

أَصابَ أَعظمَ من بالشركِ قد نجسا

وغاصَ إذْ طارَ ذاكَ الرأْسُ في دمهِ

كأنه ضفدعٌ في الماءِ قد عطسا

ما زالَ يعطسُ مزكوماً بغدرتهِ

والقتلُ تشميتُ من بالغدرِ قد عطسا

عرى ظُباهُ من الأَغمادِ مهرقةً

أَدماً من الشركِ رَداها بهِ وَكَسَا

مَنْ سيفُهُ في دماءِ القومِ منغمسٌ

من كل من لم يزلْ في الكُفرِ منغمسا

أَفناهُم قتلهمْ والأَسرُ فانتكوا

وبيتُ كفرهمُ من خُبثهم كُنسا

أَطيبُ بأَنفاسٍ تطيبُ لكم نَفْساً

وتعتاضُ منْ ذكراكمُ وحشتي أُنسا

وأسأل عنكم عافياتٍ دوارِسٍ

غَدَتْ بلسانِ الحالِ ناطقةً خَرْسا

معاهدكمْ ما بالُها كعهودِكُم

وقد كَرَرتْ من دَرْسِ آثارِها دَرْسِا

وقد كانَ في حَدْسي لكُمْ كل طارقٍ

وما جئتمُ من هجركم خالَفَ الحَدْسا

أرى حَدَثانَ الدهْرِ يُنْسَى حديثُهُ

وأَما حديثُ الغَدْرِ منكُمْ فلا يُنْسَى

تَزُولُ الجبالُ الراسباتُ وثابتٌ

رسيسُ غَرامٍ في فؤادي لكُمْ أَرْسَى

حَسبْتُ حبيبي قاسيَ القلبِ وَحْدَهُ

وقلبُ الذي يَهْوَى بحملِ الهَوى أَقْسَى

أَما لكمُ يا مالكي الرق رِقةً

يطيبُ بها مملوككمْ منكمُ نَفْسا

وإن سروري كنتُ أَسمعَ حسهُ

فمذ سرتُ عنكم ما سمعتُ له حسا

وإن نهاري صارَ ليلاً لبعدكمْ

فما أَبصرَتْ عيني صباحاً ولا شَمْسا

بكيتُ على مستودعاتِ قلوبكمْ

كما قد بكتْ قدْماً على صخْرِها الخنسا

فلا تحبسوا عَني الجميلَ فإنني

جَعَلْتُ على حُبي لكم مُهْجَتي حَبْسا

رأَيتُ صلاحَ الدينِ أَفضلَ مَنْ غَدا

وأشرفَ مَنْ أَضحى وأكرمَ من أَمسى

وقيلَ لنا في الأرضِ سبعةُ أَبْحُرٍ

ولسنا نرى إلا أناملَهُ الخَمْسا

سَجيتُهُ الحُسنى وشيمتُهُ الرضا

وبطشتُهُ الكُبرى وعزمتُهُ القَعْسا

فلا عدمتْ أَيامنا منه مشرقاً

ينيرُ بما يولي ليالينا الدمْسا

جنودُكَ أَملاكُ السماءِ وظنهمُ

عداتُكَ جن الأرضِ في الفتكِ لا الإِنسا

فلا يستحقُّ القدسَ غيرُكَ في الورى

فأَنتَ الذي من دونهم فتحَ القُدسا

ومنْ قبلِ فتحِ القُدسِ كنتَ مقدَّساً

فلا عَدِمَتْ أَخلاقُكَ الطُّهْر والقُدسا

وطَهرْتَهُ من رِجْسهمْ بدمائهم

فأَذهبتَ بالرِّجس الذي ذَهبَ الرِّجْسا

نَزَعْتَ لباسَ الكُفْرِ عن قُدْسِ أَرضها

وأَلبَسْتهَا الدِّينَ الذي كشفَ اللَّبسا

وعادتْ ببيتِ اللّهِ أَحكامُ دينه

فلا بَطركاً أَبقيتَ فيها ولا قَسا

وقد شاعَ في الآفاقِ عنكَ بشارةٌ

بأَن أَذان القدسِ قد أَبطَلَ النقسا

جرى بالذي تَهْوَى القضاءُ وظاهَرَتْ

ملائكةُ الرَّحمنِ أَجنادَكَ الحُمسا

وكم لبني أَيوبَ عبدٌ كعنترٍ

فإنْ ذُكروا بالبأْسِ لا يَذْكُروا عَبْسا

وقد طابَ رَياناً على طبريةٍ

فيا طيبَها مغنىً ويا حسنها مرسَى

وعكا وما عكا فقد كانَ فتحُها

لإجلائهم عن مُدْنِ ساحلهم كَنْسا

وصيدا وبيروتُ وتبنينُ كلُّها

بسيفكَ أَلفى أَنفَهُ الرَّغْمَ والتعْسْا

ويافا وأَرسوفٌ وتُبنَى وغزَّةٌ

تَخِذْتَ بها بين الطُّلى والظُّبى عُرْسا

وفي عسقلانَ الكفرُ ذلَّ بملككمْ

فمنظرُهُ بلْ أَمرُهُ اربدَّ وارجسَا

وصارَ بصورٍ عصبة يرقبونكمْ

فلا تُبطئوا عنها وحَسُّوهمُ حسَا

توكلْ على اللّهِ الذي لكَ أَصبحتْ

كلاءتُهُ دِرعاً وعصمتهُ ترْسا

ودمِّرْ على الباقينَ واجتثَّ أَصلَهُمْ

فإنكَ قد صَيرْتَ دينارَهم فَلْسا

ولا تنسَ شركَ الشرقِ غربك مروياً

بماءِ الطُّلى من صادياتِ الظبى الخمسا

وإنَّ بلادَ الشرقِ مظلمةٌ فَخُذْ

خراسانَ والنهرينِ والتُّركَ والفُرْسا

وبعد الفرنجِ الكَرْكَ فاقصدْ بلادَهُم

بعزمكَ واملأ من دمائهمُ الرَّمْسا

أَقامتْ بغاب الساحلين جنودكم

وقد طردتْ عنه ذئابَهمُ الطُّلْسا

سحبتَ على الأُرْدُنِّ رُدْناً من القنا

رُدَينيّةً مُلْداً وخَطِّيّةً مُلْسا

حططتَ على حطِّينُ قدرَ ملوكهمْ

ولم تُبقِ من أَجناسِ كفرهمُ جِنْسا

ونعْمَ مجالُ الخيلِ حطِّينُ لم تكنْ

معاركُها للجُرْدِ ضرْساً ولا دَهْسا

غداةَ أُسُودُ الحربِ مُعْتَقِلُوا القَنا

أَساوِدُ تبغي من نُحورِ العِدا نَهْسا

أَتوا شُكُسَ الأخلاقِ خُشْناً فليّنتْ

حُدودُ الرِّقاقِ الخُشْنُ أَخلاقَها الشُّكسا

طردتَهُمُ في المُلْتقى وعكستَهُمْ

مُجيداً بحكمِ العَزْمِ طَرْدَكَ والعَكْسا

فكيفَ مكسْتَ المشركينَ رؤوسَهُمْ

ودأْبُكَ في الإحسانِ أن تُطْلِقَ المَكْسا

كسرتَهُمْ إذْ صَحَّ عزمُكَ فيهمُ

ونكَّسْتَهمْ إذْ صارَ سهمهُمُ نَكْسا

بواقعةٍ رَجّتْ بها الأَرضُ جيشَهم

دماراً كما بُسَّتْ جبالَهُمُ بَسّا

بطونُ ذئابِ الأَرضِ صارتْ قبورُهمْ

ولم تَرْضَ أَرضٌ أَنْ تكونَ لهم رَمْسَا

وطارتْ على نارِ المواضي فراشُهُمْ

صلاءً فزادتْ من خمودِهمُ قَبْسا

وقد خشعتْ أَصواتُ أَبطالها فما

يعي السّمعَ إلاَّ من صليلِ الظُّبى هَمْسا

تُقادُ بدأْ ماءِ الدِّماءِ ملوكهمْ

أُسارَى كَسُفْنِ اليمِّ نُطّتْ بها القَلْسا

سبايا بلادُ اللّهِ مملوءةٌ بها

وقد شُرِيَتْ بَخْساً وقد عُرِضَتْ نَخْسا

يُطافُ بها الأَسواق لا راغبٌ لها

لكثرتها كم كثرةٍ تُوجب الُوَكْسا

شكا يَبَساً رأْسُ البرِنْسِ الذي به

تَنَدَّى حسامٌ حاسمٌ ذلكَ اليُبْسا

حسا دَمَهُ ماضي الغرارِ لقدرهِ

وما كان لولا غدرهُ دَمُهُ يُحْسَى

فللهِ ما أَهدَى فتكتْ بهِ

وأطهرَ سيفاً معدماً رجسَهُ النّجْسا

نسفتَ بهِ رأْسَ البرِنْسِ بضربةٍ

فأشبهَ رأسي رأْسَهُ العهْنَ والبُرْسا

تبوّغَ في أَوداجهِ دمُ بغيهِ

فصالَ عليه السّيفُ يلحسُهُ لحسا

بعثتَ إمامَ أُمةِ النارِ نحوَها

فزارَ إمام أَرناطها ذلكَ الحبسا

وللّهِ نصُّ النصرِ جاءَ لنصلهِ

فلا قُونَساً أَبقى لرأْسٍ ولا قَنْسا

حكَى عنقَ الداويَّ صُلَّ بضربةٍ

طريرُ الشبا عُوداً لمضرابهِ حسا

أَيوم وغىً تدعوه أَم يوم نائلٍ

وأَنتَ وهبتَ الغانمينَ به الخُمسا

وقد طابَ ريّاناً على طبريّةٍ

فيا طيبَها رِياً ويا حُسْنَها مرسى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن العماد الأصبهاني

avatar

العماد الأصبهاني حساب موثق

العصر الايوبي

poet-Al-Imad-Al-Asbahani@

176

قصيدة

50

متابعين

محمد بن محمد صفي الدين بن نفيس الدين حامد بن ألُه، أبو عبد الله، عماد الدين الكاتب الأصبهاني. مؤرخ، عالم بالأدب، من أكابر الكتاب. ولد في أصبهان، وقدم بغداد حدثاً، فتأدب ...

المزيد عن العماد الأصبهاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة