الديوان » العصر الأندلسي » ابن فركون » تهادت قبيل الصبح والركب نوم

عدد الابيات : 116

طباعة

تهادَتْ قُبَيْلَ الصُبْحِ والركْبُ نُوَّمُ

ونجْمُ الدُجَى بالأفْقِ لا يتلوّمُ

فما الشُهْبُ في نهرِ النّهارِ وقد جرَتْ

لموْرِدِها إلا القَطا وهْيَ حُوَّمُ

تفتّحَ زَهْرُ الزُّهْرِ في روضِ أفْقِها

فمُدّ ليَجْنيها منَ الفجْرِ مِعْصَمُ

كأنّ الدُجى والفجْرُ تحت ذُيولِه

مُحجَّلُ أطْرافِ القوائِمِ أدْهَمُ

ولمّا تهاوَتْ شُهْبُهُ أوضحَ السُّرى

سَنا الفجْرِ حيثُ الرّكْبُ سرٌّ مُكتَّمُ

يَلوحُ ويخْفَى تارةً فكأنّهُ

وقد حلّ صدْرَ البيدِ ظنٌّ مُرجَّمُ

لَئِنْ غارَ نجْمُ الأفْقِ أو غابَ نُورُه

فقدْ طلعَتْ للأوْجُهِ الغُرِّ أنْجُمُ

فَيا صاحبَيْ نجْوايَ هل ليَ مُنْجِدٌ

وسلْطانُ وجْدي في الفُؤادِ مُحكَّمُ

رَعى اللهُ قلباً قلّبَتْهُ يدُ النّوى

لهُ بينَ هاتيكَ القِبابِ تَلَوُّمُ

يَطيرُ خُفوفاً نحْوَها فيُميلُهُ

هوىً في خيامِ الظّاعِنينَ مخيِّمُ

أيَخْفَى جوىً قد ضُمِّنتْهُ جوانِحي

ودمْعُ جُفوني عن ضميري مُترْجِمُ

كأنّ الحِمى لمّا استهلّتْ مدامِعي

كميٌّ على أعْطافِهِ يقطُرُ الدَّمُ

فأُرْسِلُ منه كلّما أخْلَفَ الحَيا

سَحاباً يفوقُ الغيثَ والغيثُ مُسْجَمُ

وآثارُ وقْعِ الدّمْعِ في عرَصاتِها

يوَشّي رُبى أطْلالِها ويُنَمْنِمُ

وكم صادِرٍ قادَتْهُ نغْمَةُ صادِحٍ

فَما عادَ إلا والخلِيُّ مُتيَّمُ

خَليليَّ إنّي كلّما هِمْتُما بهِ

لأعْجَبُ أن يُشْجي الفَصيحَيْن أعجَمُ

وركْبٍ مُفَدّىً بالنّفوسِ أمالَهُمْ

حثيثُ سُراهُمْ لا الرّحيقُ المفَدَّمُ

تحمَّل من أهْلِ العزائِمِ أُسْرَةً

فمُنْهِدُ جيشٍ للغِوارِ ومُقْدِمُ

يجُرُّ القَنا من خلفِهِ فيُرَى لَها

على الرّمْلِ خطٌّ بالحوافِرِ مُعْجَمُ

تَلوحُ ويُخْفيها مُثارُ عَجاجِها

كما انسابَ في خُضْرِ الأباطحِ أرْقَمُ

فهلْ مُنْجِدٌ بالصّبْرِ والرّكْبُ مُنْجِدٌ

كما شاءَهُ العزْمُ الحَثيثُ ومُتْهِمُ

إذا اسْتَقْبَلَ الحادي المَطايا مُرَجِّعاً

فما الرّوْضُ أو ما الطّائِرُ المترَنِّمُ

يردّذُ ذِكْراهُمْ سُروراً كأنّهُ

بذلكَ ينْعَى مَن أقامَ ويَنْعَمُ

أرى الدّهْرَ بينَ الأخْذِ والتّرْكِ للسُّرى

يُصرِّحُ لي من بعْدِهِمْ ويُجَمْجِمُ

ويَلقى هَوى نفْسي جُنودَ عزائِمي

فيهْزأُ بي طوْعَ المُقامِ ويهْزِمُ

وإنَّ الذي ألْغَى السُّرى وهْوَ قادِرٌ

لمُغْرىً بما لا ينفَعُ المرْءَ مُغْرَمُ

تُقيّدُهُ أوْزارُهُ ولوِ اهْتَدى

لَسارَ كما يسْري الجوادُ المطهَّمُ

وتمْنَعُهُ أعْمالُهُ ولو اتّقى

مضَى مثلَما يمْضي الحُسامُ المُصمّمُ

أحُجّاجَ بيتِ اللهِ فزْتُمْ بزوْرَةٍ

حباكُمْ بها طوْعَ السّعادَةِ موسِمُ

وقد وُجّهَتْ فيه إلى اللهِ أوجُهٌ

يَلوحُ علَيْها للكَرامةِ مِيسَمُ

رحَلْتُمْ ومَنْ خلّفْتُموهُ لغَيِّهِ

مُهَوِّنُ ريْبِ الحادثاتِ مُهَوّمُ

فيا لَيْتَني ما كُنْتُ ممّنْ تخلّفوا

وعاجوا عنِ القَصْدِ الحميدِ وأحْجَموا

أقامُوا وقد سِرتُمْ فَما الرّأيُ بعْدَكُمْ

رَشيدٌ ولا العزْمُ المؤمَّلُ مُبْرَمُ

لقد عرّفَتْكُمْ فضلَها عَرَفاتُهُ

وضمّكُمُ البيتُ العَتيقُ وزَمْزَمُ

وألفَيْتُمُ شتّى الأمانيِّ في مِنىً

وعندَ وجودِ الماءِ يُلغَى التيمُّمُ

فبُشْرى لمَنْ قد حلّ فيهِ مؤمِّلاً

مواهِبَ رُحْماهُ وهَيْهاتَ يُحْرَمُ

وشقَّ جُيوبَ الصّبْرِ شوقاً إلى الذي

لهُ انشقّ بدْرُ الأفْقِ وهْوَ مُتَمَّمُ

وزارَ فِناءً للفَناءِ بطَيْبَةٍ

فكانَ لهُ فيها على اللهِ مَقْدَمُ

ومَنْ شاقَهُ حادي الرّكائِبِ كُلّما

تقدَّمَها يحْدو بها ويُهَيْنِمُ

بِداراً لمثْوى خيْرِ مَنْ وطِئَ الثّرَى

فركْبُ السُّرَى قصْدَ الحِجازِ مُيمِّمُ

فلوْلا حُلولٌ بيْنَ قبْرٍ ومنْبَرٍ

لما رابَ تأخيرٌ وراقَ تقدُّمُ

فللهِ ما أهداكَ من أُحُدٍ وقد

ترفّعَ منهُ للهِدايةِ معْلَمُ

مَشاهِدُ قد شاهَدْتَ منها مَعاهِداً

يُجدّدُ ذِكْراً عهْدُها المُتقدّمُ

تراءتْ فما نورُ التّباشيرِ خامِدٌ

ولا أوْجُهُ البُشْرى بها تتجهّمُ

فما حلَّها إلا به متوسِّلٌ

إلى اللهِ في أرْجائِها متوسِّمُ

وصرّحَ بالشكْوى فَنوديَ سامعٌ

إجابَتُهُ حتْمٌ وأُمِّلَ مُنْعِمُ

فرافِعُ طرْفٍ دونَها متضرّعٌ

وباسِطُ كفٍّ عندَها متظلِّمُ

جُوارُك يا خيْرَ البريّةِ مأمَنٌ

ومعْتَصَمٌ مِنْ فادِحِ الخطْبِ يَعْصِمُ

ثَرىً قد هدَى للرُشْدِ كلَّ مضلَّلٍ

وأثْرى به طوْعَ السّعادةِ مُعْدِمُ

محطٌّ لأوْزارِ العُفاةِ ومرْحَلٌ

وقصْدٌ لطُلابِ الرّضى ومُيمَّمُ

ألا يا رَسولَ اللهِ دعْوةَ نازِحٍ

لهُ في النّوى والقُرْبِ فكْرٌ مُقسَّمُ

يراكَ بمكْنونِ الضّميرِ فقلْبُهُ

عليكَ وما حلّ المنازلَ يَقْدُمُ

أنا المذْنِبُ الجاني وأنتَ شَفيعُهُ

ومثلُك مَنْ يُرْجى ومثْليَ يُرْجَمُ

بماذا عَسى أثني على المُصطَفى الذي

أتى فيه نصُّ الذِّكْرِ والذِّكْرُ مُحْكَمُ

وفائدةِ الأكوانِ يقضي ابتداؤها

بأنّ به الوحْيَ المنزَّلَ يُخْتَمُ

وأهْدى من الآياتِ كُلَّ عجيبةٍ

هدَتْ لسَبيل الرُّشْدِ والرُّشدُ مبْهَمُ

تُنيرُ فيعْلو الخافقينَ منارُها

ويجْلو سَناها الخَطْبَ والخطْبُ مُظْلِمُ

فمَن ذا يعدُّ الشُّهْبَ والعدُّ معْجِزٌ

ومن ذا يرومُ البحْرَ والبحْرُ مُفْعَمُ

كريمٌ قضى حُبّي لهُ بعْدَما جنَتْ

يَدي أنّني في جنّةِ الخُلْدِ مُكْرَمُ

فما لي إذا لاقَيْتُ ربّي وسيلةٌ

سوى أنّني أرْجو وأنّيَ مُسْلِمُ

وما ضاقَ عفْوُ اللهِ عن مُذْنِبٍ وإنْ

تعاظَم منه الذّنْبُ فالعَفْوُ أعْظَمُ

أيا رب إنّ العَبْدَ بالبابِ واقِفٌ

يخافُ ويرْجو فهْوَ يدْنو ويُحْجِمُ

يفكِّرُ في الرُّجعى إلى الله نادِماً

فيوْمَ التّنادي لا يُفيدُ التندُّمُ

ومُجْري جيادٍ للبطالةِ هل لهُ

مُجيرٌ غَداً من نارِه وهْو مُجْرِمُ

ألا عطْفةٌ نحوَ المَتابِ لعلّها

تؤكّدُ أسْبابَ النّجاةِ وتُبْرِمُ

فأُصبِحُ من قومٍ أنابوا لربّهمْ

فأجْرَوا دماً في دمعِهِمْ حينَ أجْرَموا

وأُكْتَبُ من قومٍ إلى الله أسْلَموا

وجوهَهُمُ طوْعاً وفي الأمْرِ سلّموا

لعلّيَ أحْظى بالجِنانِ كرامةً

وقد ردّدَتْ هل من مزيدٍ جهنَّمُ

فَيا أيّها المغرورُ إنّكَ قادِمٌ

على عملٍ قدّمْتَهُ أو تُقَدِّمُ

أيا عجَباً للمرْءِ يفْرَحُ بالذي

ألمَّ منَ الدُنْيا ولا يتألّمُ

إذا أنتَ لم توثِرْ هواكَ تجلُّداً

فصبْرُكَ أقوى والطّريقةُ أقْوَمُ

أتَرْكَنُ للدُنيا وأنت بفِعْلِها

خبيرٌ لِبيسَ المرْءُ مَن ليسَ يحْزَمُ

أتَغْتَرُّ أن أهْدَتْكَ زهرَةَ حُسْنِها

متى لذّ يوماً شهدُها وهْو علْقَمُ

تُفيدُك علماً بالتّجارِبِ كلّما

تحطّ وتُعْلي وهْي بالحالِ تُعْلِمُ

تولّيكَ إن واليْتَها خُطّةَ الأسى

فحتّى متى تصْغي ولا تتعلّمُ

إذا نفذَ المقدورُ أُصْمِتَ كاهِنٌ

ورُدَّ بهِ عمّا ادّعاهُ منجِّمُ

أمِنْ بعدِ ما لاحَ المشيبُ بلمَّتي

صَباحاً هَداني ليلُهُ وهْوَ مُظلِمُ

تجهّم وجْهُ الأنسِ وهْو بمفْرَقي

أزاهِرُ في خُضْرِ الرُبى تتبسّمُ

لعِمّتِه في الفَوْدِ فضْلُ ذُؤابةٍ

على لِمّةٍ كادَتْ بها تتلثّمُ

هو الواردُ المرغوبُ عنهُ فكلّما

ألمّ بفَوْدٍ وفْدُهُ يتألّمُ

جوادٌ ولم يُسألْ وفيٌّ ولم يَعِدْ

مُردّدُ وعْظٍ وهْو لا يتكلّمُ

ومن بعْدِ ما مرّتْ ثلاثون حجّةً

وسبْعٌ يُرامُ الأنْسُ أو يُتوهّمُ

وقارَبْتُ من مَرْمَى الأشُدّ رَمِيّةً

تُقَرْطِسُها منْ حادِثِ الدّهْرِ أسْهُمُ

وصوّحَ مرْعىً للشّبيبةِ مُخْصِبٌ

وأيُّ شَبابٍ مونِقٍ ليسَ يهْرَمُ

أُعلِّلُ بالبُهْتانِ قلباً مقلباً

وأُلزِمُ منهُ النفْسَ ما ليسَ يَلزمُ

وأُصْغي لأقوامٍ يُقيمونَ ألْسُناً

تُجادِلُ في صدْقِ المقالِ وتَخصُمُ

بَني زمنٍ سامُوا أباهُمْ زمانَةً

فما لَكَ في أفْعالِهِمْ كيف تحْكُمُ

لقد أعرَبوا اسْمَ المَكْرُماتِ وبدّلوا

فلا فاعِلٌ يُجْزَى ولا فِعْلَ يُجْزَمُ

وأغْتَرُّ بالدُنْيا وإن كُنتُ نِلْتُها

وأصبحْتُ في أثوابِها أتنعّمُ

وجُدْتُ ولا مَنٌّ بما ملَكَتْ يَدي

وربّي يدْري ما بِهِ أنا مُعْلِمُ

على حُبّه والحُبُّ في العَفْو مُطْمِعٌ

كما قال إنّي للثّلالةِ مُطْعِمُ

فلوْ علِمَ العُذّالُ كُنْهَ محبّتي

لأقصرَ عن عَذْلي وُشاةٌ ولُوَّمُ

ولكن إذا لمْ أحْظَ يوماً بزَوْرَةٍ

يَطيبُ بها في طَيْبةٍ لي مُخَيَّمُ

فما شهُبُ العلياءِ حوْلي مُنيرةٌ

تَروقُ ولا بحْرُ المَكارِمِ مُفْعَمُ

ولا البُرْدُ مَوْشيُّ الحواشي مُنَمْنَمٌ

ولا الثوْبُ مسْدولُ المعاطِفِ مُعْلَمُ

ولا السيْفُ مصْقولُ الغِرارِ ولا الهُدَى

رَحيبٌ ليرْتاحَ الجَوادُ المُسوَّمُ

ولا الدّرْعُ فَضْفاضٌ ولا الرّمْحُ ذابلٌ

قدِ اطّرَدَتْ منهُ الكعوبُ مُقَوَّمُ

ولا الروْضُ ممْطورُ الجوانبِ مائِدٌ

ممنّعُ أرْجاءِ الحِلالِ منعَّمُ

ولا الظّبْيُ مصْقولُ التّرائِبِ إنْ ثَنى

إلى قصْدِهِ الجيدَ انثَنى وهْوَ ضيْغَمُ

فما رابَ منْهُ جيدهُ وهْوَ متْلَعٌ

ولا راقَ منْهُ اللحْظُ وهْوَ مُنوَّمُ

لعلّي بها أحْظى فألْحَقَ بالأُلَى

ويُحْسَبُ قصدي حينَ أُحْسَبُ منهُمُ

وأنّى يخيبُ القَصْدُ والأكْرَم الذي

يجودُ بما شاءَ العُفاةُ ويُنْعِمُ

وكيف وحُبّي للنّبي محمّدٍ

لهُ في حَصاةِ القَلْبِ خطٌّ مُرسَّمُ

ألا يا رسولَ اللهِ في النْفسِ حاجةٌ

وجاهُكَ قد يُرْجى لما هوَ أعْظَمُ

رجَوْتُ وأرْجأْتُ الأمورَ تيقُّناً

بأنّ قضاءَ اللهِ أمْرٌ محتَّمُ

فَيا سائِلاً عمّا أكنّتْ جَوانِحي

وما في ضَميري لمْ يَفُهْ لي بهِ فَمُ

سأحْظَى بما أمّلْتُهُ إنّ مدْحَهُ

بما نيْلُهُ يُعْلي المراتِبَ يُعْلَمُ

إذا لم تُحِطْ بالسّرّ عِلماً فعدّ عنْ

مَلامي فإنّ اللهَ أعْلى وأعْلَمُ

ودعْني فأمْرُ اللهِ جلّ جلالُهُ

لهُ من وراءِ الغيْبِ سرٌّ مُكتَّمُ

أتسْتَحقِرُ الدُنْيا وتستعظِمُ الذي

تُؤمِّلُهُ منْها وربُّكَ أكْرَمُ

وكِلْني لمدْحِ المصْطَفى المُرسَل الذي

بهِ اللهُ يعْفو عن ذُنوبي ويرْحَمُ

يخلّدُ فِكْري فيهِ كُلَّ عجيبةٍ

تُخَطُّ على صفْحِ الزمانِ وتُرْسَمُ

وينزَعُ عن قوْسِ الإجادةِ سهْمَهُ

عساهُ بحظٍّ في الشّفاعةِ يُسْهَمُ

لعلّ ذُنوباً في فؤاديَ خلّفَتْ

كُلوماً يُداويها الكلامُ المنظّمُ

فكمْ قَسَماتٍ للهدايةِ تُجْتَلى

وكمْ نفَحاتٍ للرّضى تُتَنسَّمُ

عليكَ سلامُ اللهِ ما يمّمَ الورَى

حِماكَ وما صلّوا عليكَ وسلّموا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن فركون

avatar

ابن فركون حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Ibn-Farkoun@

190

قصيدة

96

متابعين

بو الحسين بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن هشام القرشي. شاعر، هو ابن أحمد بن فركون أحد تلاميذ ابن الخطيب ومن خاصته. وقد ...

المزيد عن ابن فركون

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة