الديوان » العصر الأندلسي » أبو حيان الأندلسي » ألا اسمع أخي واحفظه إن كنت ذا عقل

عدد الابيات : 49

طباعة

أَلا اسمع أَخي وَاحفَظهُ إِن كُنتَ ذا عَقل

كَلامَ نَصيحٍ فاهَ بِالجَدِّ لا الهَزلِ

عليكَ كِتابُ اللَهِ وَالسُنَن الَّتي

تَناولَها أَهلُ العَدالةِ في النَقلِ

وَقُل إِنَّ أَصحابَ الرَسولِ هُمُ الأُلى

بِهم يُقتَدى في الدينِ بِالقَولِ وَالفعلِ

هُم خَيرُ خَلقِ اللَهِ بَعد نبيِّهم

فَلَيسَ لَهُم في السَبقِ وَالفَضلِ مِن مِثلِ

وَهُم آمَنوا بِاللَهِ بَدءاً وَجاهَدوا

فَأَفنَوا قبيل الكُفرِ بِالسَبي وَالقَتلِ

وَهُم نَقَلوا علمَ الشَريعةِ لِلَّذي

أَتى بَعدَهُم نَقلاً بَريئاً مِن الخَبلِ

فَما يَكُ مِن خَيرٍ لِمَن جاءَ بَعدَهُم

فَهُم لَهُمُ حظٌّ مِن الأَجرِ وَالفَضلِ

وَأَخبارُهُم مَنقولَةٌ بِتَواترٍ

وَآحاد النقل الَّذي صحَّ في العَقلِ

فَما مِنهُمُ مَن طارَ يَوماً وَلا مَشى

عَلى الماءِ لا يَندى لَهُ أَخمصُ الرِجلِ

وَلا مُخبرٌ بِالغَيبِ لا وَمُصيّرٌ

دَقيقَ حُوارى مِن تُرابٍ وَمِن رَملِ

وَلا مَن دَنا نَحوَ السَماءِ بِطَرفِهِ

لمُزنٍ فَجادَت بِالوَكيفِ لَدى المَحلِ

وَلا مُنفِقٌ بِالغَيبِ بيضَ دَراهمٍ

بلا ضربِ ضرّابٍ وَلا مَعدِنٍ أَصلي

ولا خاطِفٌ مِن الهَواء فَواكِهاً

فَوَردٌ بِلا شَوكٍ وَتمرٌ بِلا نَخلِ

دَعَوا مُعجِزاتِ الأَنبياءِ كَرامةً

لَهُم وَادَّعَوها حَذوكَ النَعلَ بِالنَعلِ

ينالُونَ صيتاً في الوَرى وَرِياسَةً

عَلَيهم وَأَموالاً تُجَمَّعُ بِالمِثلِ

وَزادُوا عَلى هَذا مُحالاً وَأَسنَدوا

لأَنفسِهم ما لَم يَكُن قَطُّ للرُسلِ

فَمن ذا كَأنَّ الشَخصَ في الآنِ واحِداً

يَحِلُ جِهاتٍ مِن عُلُوٍّ وَمِن سِفلِ

يحدِّثُ ذا في مِصرَ وَهوَ محدِّثٌ

لآخر في شامٍ وَآخرَ في حَقلِ

وَيغطِسُ في نَهرٍ لِغسلٍ فَيَلتَقي

مَدائنَ أَقوامٍ عَلى الحَزنِ وَالسَهلِ

وَيَنكِحُ بِكراً فيهم وَلَدت لَهُ

بَنين فَأَضحى في بَنينَ وَفي أَهلِ

مُقيماً لَدَيهم في سِنينَ مُمَتَّعاً

بِأبنائِهِ وَالعِرسُ مُجتَمعُ الشَملِ

فَيَخرُجُ مِن ذا النَهرِ يُلقي ثِيابَهُ

عَلى حافَةِ النَهرِ الَّذي جاءَ للغسلِ

وَذا كُلُّهُ قَد كانَ في بَعضِ ساعَةٍ

غِطاسٌ وَتَزويجٌ وَردّ بِلا نَسلِ

يَسمّونَهُ طَيَّ الزَمانِ كَما

يَكونُ لَهُم طَيُّ المَكانِ بِلا فَضلِ

وَيمشي إِلى الأَجداثِ يُخبرُ بِالَّذي

يَكونُ بِها بالاسم وَالوَصفِ وَالشَكلِ

وَيَأتي رَسولُ اللَهِ مِلقَبرِ يَقظَةً

إِلَيهِ فَيُثنى بِالمعارِفِ وَالفَضلِ

وَيَسري إِلَيهِ السِرُّ مِن قَبرِ شَيخِهِ

فَتَضطَربُ الأَسرارُ في قَلبهِ تَغلي

وَيقرأُ في آنٍ لَهُ أَلفَ خَتمَةٍ

تُرَتِّلُها حَرفاً فَحَرفاً عَلى مَهلِ

وَيَجعلُ في الإِبريقِ ماءً لِشُربِهِ

إِذا هُوَ زَيتٌ للسَراجِ وَللأَكلِ

تَدورُ رَحاهُ إِن يُرِد طَحنَ بُرِّهِ

بِغَيرِ مُديرٍ لا حِمارٍ وَلا بغلِ

وَأَعمى يَرى الأَفلاكَ في يَقظَةٍ لَهُ

مُعاينة أَجناسها أَبداً يُملي

فَهذي رَصاصٌ ذي نَحاس وَهَذِهِ

لُجينٌ وَهَذي عَسجدٌ نادرُ المِثلِ

وَذي جَوهرٌ هَذي زُمُرُّدَةٌ وَها

ذِ ياقوتةٌ مِن نُورها الشَمسُ تَستَجلي

وَفي الأقصر المِعراجُ مِعراجُ يوسُفٍ

فَيصعدُ للسَبعِ الطِباقِ وَيَستَخلي

وَلَيسَ بِمُحتاجٍ لِجبريلَ لا وَلا

براقَ وَلَكن رَميةُ القَوسِ بِالنبلِ

يُقيم بِها النسوانُ وَالمُردُ أَزمُناً

غِناءٌ وَرَقصٌ في شَراب وَفي أَكلِ

وَمَكشوف جُحرٍ لا يُصلّي واخر

عَلى السَطحِ بادٍ أَيرُه كادَ أَن يُدلي

يَزورُهما أَهلُ النُهى حَسبُوهما

وَلِيَّينِ فَاختَصّوهُما أَحسن الفِعلِ

وَلَما قَضى مَكشوفُ جُحرٍ سَعى إِلى

جَنازتِهِ مَشياً ذوو العَقدِ وَالحلِّ

عَلى النَعشِ يَرمونَ المَناديلَ ماسِحِي

وجوهٍ بِها شاهَت وَجوهُ ذَوي الجَهلِ

وَلَما قَضى ذو السَطحِ قامَ مَشايخٌ

بِدَعوتِهِ فَوقَ السُطوحِ فَيَستَعلِي

وَغَيداءَ مثلُ البَدرِ تُبدي دِيانَةً

وَأَنّى يُرى دينٌ لِمشقوقة القُبلِ

فَيصبغُ بِالحِناءِ جبريلُ كَفَّها

فَيُصبحُ مِنها البَيتُ مَلآنَ بِالرجلِ

يَزورُونَها فَوجاً فَفَوجا وَكَفُّها

مِن الجَسِّ وَالتقبيلِ في أَعظمِ السَفلِ

أَفاضوا عَلَيها المالَ سَكباً فَأصبَحَت

تَحِنُّ إِلى خِدنٍ وَتَرنو إِلى خِلِّ

وَفَرَّت فَلا يَدرونَ أَينَ تَوجهت

فِرار غَزالٍ خافَ مِن وَرطَة الحَبلِ

فَيا لَكَ مِن ذي خِصيةٍ قَد تَلعَّبت

بِهِ ذاتُ شَفرين اِستَفزَّت أَخا جَهلِ

وَكَم لَعِبَت بِالقَومِ في مَشرَع الهَوى

ذَواتُ الخُدود الحُمرِ وَالأَعينِ النُجلِ

طَغامٌ رُعاعٌ تابَعوا كُلَّ ناعِق

جُسُومٌ بِلا حِسٍّ قُلوبٌ بِلا عَقلِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو حيان الأندلسي

avatar

أبو حيان الأندلسي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Abu-Hayyan-al-Andalusi@

316

قصيدة

1

الاقتباسات

426

متابعين

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الجياني الأندلسي النحوي. كان من أقطاب سلسلة العلم والأدب وأعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة ...

المزيد عن أبو حيان الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة