الديوان » العصر المملوكي » برهان الدين القيراطي » نعم قبضت روح العلا والفضائل

عدد الابيات : 92

طباعة

نعم قبضت روح العلا والفضائل

بموت جمال الدين صدر الأفاضل

تعطل من عبد الرحيم مكانه

وغيب عنه فاضل أي فاضل

أحقاً وجوه الفقه زال جمالها

وحطت أعالي هضبها للأسافل

لقد هاب طرق المذهب اليوم سالك

ولو كان يحمي بالقنا والقنابل

لقد حل في ذا العام فقدان عالم

يقول فلا يلفى له غير قائل

قفوا خبرونا من يقوم مقامه

ومن ذا يرد الآن لهفة سائل

قفوا خبرونا من يوقف ظالماً

ويجزي في ميدان كل مناضل

قفوا خبرونا هل له من مشابه

قفوا خبرونا هل له من مماثل

فأعظم بحبر كان للعلم ساعياً

بعزم صحيح ليس بالمتكاسل

وأعظم به يوم الجدال مناظراً

إذا قال لم يترك مقالاً لقائل

وأسيافه في البحث قاطعة الظبا

بجوهرها لم يفتقر للصياقل

يقوم بإنضاج المسائل مرشداً

لمستفهم أو طالب أو مسائل

ويجميع أشتات الفوائد جاهداً

ويسعى بجد نحوها غير هازل

طوى الموت حقاً شافعي زمانه

فمن بعده للأم وجد الثواكل

ومذ رأته خير نجل لبره

بها أرضعته من ثدي الحوافل

أبان الخفايا شارحاً ببيانه

منزهة في الوصف عن سحر بابل

له قدم في الفقه سابقة الخطا

يقصر عنها كل حاف وناعل

تبارك من أعطاه فيه مراتباً

يقر له بالفضل كل مجادل

فكم كان يبدي فيه كل غريبة

ويظهر من أبكاره بالعقائل

وكم بات يحيى فيه ليلاً كأنما

يصيد دراري زهره بالحبائل

فأفلامه قيد الأوابد لم تزل

يقيد منها كل صعب التناول

مثقفة ألفاظه حلوة الجنى

فما هز في الحالين غير عوامل

مضى فمضى فقه كثير إلى الثرى

وهالت عليه الترب راحة هائل

تنكرت الدنيا ولكن تعرفت

بطيب الثنا عن فضله المتكامل

وما شقت الأفلام إلا تعسفا

لفقدانها بالرغم خير أنامل

وكم لبست ثوب الحداد محابر

لحبر غدا في سندسٍ أي رافل

لقد كان للأصحاب منه بلا مرا

جمال فدع قول الغبي المجامل

حوى من مواريث النبوة إرثه

وحاز حقيقاً سهمه غير عائل

هو النجم إلا أنه البدر كاملا

على أنه شمس الضحى في التعادل

وبلدته إسنا محلا ومحتداً

ومنزله في الخلد أسنى المنازل

إذا ما أفاد النقل فهو ختامه

فلا تسمعن من بعد نقل ناقل

صدوق لدى عزو النقول محقق

وحاشاه من تلك النقول البواطل

وسحبان نطق في الدروس فصاحة

فدع من له في درسه عيّ باقل

يؤدي من الأشغال بالعلم للورى

فروضاً ويفتي مقدماً بالنوافل

وينهر نص الشافعي ولم يزل

يناضل عنه كل خصم مناضل

حوى العلم والعلياء والجود والتقى

وحاز بسبق فضل هذى الخصائل

هو النجم من أفق المعارف قد هوى

فعاد دجى ضوء البدور الكوامل

هو الجبل الراسي تصدع ركنه

فللأرض ميد بعده بالزلازل

فمن ذا تطيب النفس يوماً بقوله

إذا هو أفتى في عويص المسائل

لئن مهد التمهيد مضجعه له

فكوكبه من بعده غير آفل

فيا عالماً قد أذكر الناس آخراً

مزايا أولي العلم الكرام الأوائل

كفيت الورى أمر المهمات ناهضاً

بأعبائها يا خير كاف وكافل

وأعلمت فيها الدهر حتى تنقحت

ولم تشتغل عن أمرها بالشواغل

وأبرزت مكنون الجواهر للورى

لأنك بحر ماله من مساحل

وأوضحت في الإيضاح للخلق مشكلا

فليس يرى في حسنه من مشاكل

وإن جمعت أهل العلوم محافل

فألغازك العليا طراز المحافل

فروقك يا من كان للعم جامعاً

تحير أذهان الرجال الأماثل

تصانيف لا تخفي محاسنها التي

هدايتها تهدي الورى بالدلائل

وتبدو فتغني عن رياض أنيقة

وتتلى فتغني عن سماع البلابل

تمحض منها القصد فيها فأرشدت

حيارى ثووا من جهلهم في مجاهل

توفرت سهماً في الأصول لأجله

غدا السيف نائى الحد واهي الحمائل

لعمرك إن النحو يا زيد قد بدا

لموتك في حال من الحزن حائل

فلو فارسي الفن غامرك اغتدي

لنحوك يسعى وهو في زي راجل

عدمناك شيخاً كم جلا من علومه

عقائل صينت بعده في معاقل

وكم جاء في فن الخليل بن أحمد

بأحمد أقوال أتت بالفواصل

لئن نال أسباب السماء بعلمه

فأوتاده في المجد غير مزايل

وأدمعنا بحر مديد وحزننا

طويل لبحر وافر الجود كامل

وكان أبا للطالبين يريهم

فواضله مقرونة بالفضائل

نصيحاً لطلاب العلوم جميعهم

فلم يأل جهداً عند تعليم جاهل

يحرر في علم ابن إدريس للورى

دروساً تولى جملها خير حامل

ويرشد بالتهذيب طلاب علمه

فينظر منهم كاملاً بعد كامل

ولا يرتئي في شكره غير حاسد

ولا يمتري في علمه غير ناكل

يجود بأنواع الفضائل جهرة

ويجهد في إخفائها للفواضل

هو البحر علماً بل هو البحر في ندى

لقد مرج البحرين منه لآمل

وإن ابن رفعة لو تقدم عصره

طوى نحوه البيداء سير المحامل

ولو شاهد القفال يوماً دروسه

لما كان يوماً عن حماه بقافل

ترنم في أمداحه كل صادق

فأطرب في إنشادها سمع ذاهل

سأبكيه بالدرين دمع ومنطق

لبحرين من علم وبر حواصل

لقد هجرت صاد المناصب نفسه

كما هجرت راء الهجا نفس واصل

تنزه عنها وهي لا تستفزه

بزخرفها الخداع خدع المجامل

وما مد عيناً نحوها إذ تبرجت

تبرج حسناء الحلى في الغلائل

ويلقاك بالترحيب والبشر دائماً

فلم تره إلا كريم الشمائل

صفت منه أخلاق لقاصده كما

صفا منه للعافين شرب المناهل

أعزى محاريب العلا بإمامها

وإن كان مأموماً بأعظم نازل

أعزى دروس الفقه بعد دروسها

لتصديرهم من بعده كل خامل

فقل لحسود لا يسد مكانه

سيفضحك التخجيل بين المحافل

بحق حوى عبد الرحيم سيادة

وأعداؤها كم حاولوها بباطل

تطاول قوم كي يحلوا محله

فما ظفروا مما تمنوا بطائل

أتمتد نحو النجم راحة قاصر

وأين الثريا من يد المتناول

ومن رام في الإقراء عالي شأنه

فذلك عند الناس ليس بعاقل

أحل جمال الدين في الخلد ربه

ليحظى بعفو منه شافٍ وشامل

ورواه مولاه الرحيم برحمة

يحييه منها هاطل بعد هاطل

ووافاه رضوان الجنان مبادراً

بشيراً برضوان سريع معاجل

وحياه بالريحان والروح والرضا

إله البرايا في الضحى والأصائل

لقد كان في الأعمال والعلم مخلصاً

لمن لم يضيع في غد سعى عامل

فلهفي لأمداح عليه تحولت

مراثي تبكي بالدموع الهوامل

يساعدني في الحمام بشجوها

وأغلبها من لوعتي بالبلابل

صرفت عليه كنز صبري وأدمعي

فأفنيت من هذا وهذا حواصلي

سأنشد قبراً حل فيه رثاءه

وأسمع ما أمليه صم الجنادل

وما نحن إلا ركب موت إلى البلى

تسيرنا أيامنا كالرواحل

قطعنا إلى نحو القبور مراحلاً

وما بقيت إلا أقل المراحل

وهذا سبيل العالمين جميعهم

فما الناس إلا راحل بعد راحل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن برهان الدين القيراطي

avatar

برهان الدين القيراطي حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Burhan-Al-Din-Al-Qirati@

145

قصيدة

24

متابعين

إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر الطائي، برهان الدين القيراطي. شاعر من أعيان القاهرة. اشتغل بالفقه والأدب، وجاور بمكة فتوفي فيها. له ديوان شعر سماه (مطلع النيرين - ...

المزيد عن برهان الدين القيراطي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة