الديوان » العصر المملوكي » ابن أبي حصينة » أجدكما لو أنصف الصب عاذله

عدد الابيات : 60

طباعة

أَجِدَّكُما لَو أَنصَفَ الصَبَّ عاذِلُهُ

لَأَقصَرَ لَكِن عادِمُ الشَيءِ جاهِلهُ

يَلُومُ وَما أَجرى الفِراقُ دُمُوعَهُ

وَلا هيَّجَتهُ بِالعَشِيِّ بَلابِلُه

وَهَل يَرعَوِي أَو يَسمَع العَذلَ في الهَوى

كَئِيبٌ لَهُ شغلٌ مِنَ البَينِ شاغِلُه

أَحَبُّ حَبيبٍ عِندَهُ رَسمُ مَنزِلِ

يُناجِيهِ أَو رَبعٌ مُحِيلٌ يُسائِلُه

إِذا هَتَفَت قَمرِيَّةٌ هَيَّجَت لَنا

جَوىً وَرَسيساً مِن هَوى هُوَ قاتِلُه

كَأَنَّ الحَمامَ الوُرقَ حادٍ يَشُوقُهُ

تَرَنُّمُهُ وَالدارُ حِبُّ يُواصِلُه

خَلِيلَيَّ ما لِي أَصطفي بَينَ أَضلُعي

أَخاً لَيسَ يَخلو أَن تَغُولَ غَوائِلُه

أَعِفُّ وَلا أَجزِيهِ جَهلاً بِجَهلِهِ

وَلا آكُلُ اللَحمَ الَّذي هُوَ آكِلُه

وَيُصبِحُ مَطوِيّاً عَلى الغِلِّ قَلبُهُ

فَلا الوَعظُ يَثنِيهِ وَلا الزَجرُ عاذِلُه

لَعَمرُكَ ما لِلمَرءِ في المَرءِ حِيلَةٌ

إِذا باتَ صَدرُ المَرءِ تَغلِي مَراجِلُه

سَيَزدادُ غَيظَاً كُلَّما مَدَّ باعَهُ

فَقَصَّرَ عَن إِدراكِ ما أَنا نائِلُه

وَقَد باتَ ضَوءُ الصُبحِ مِن ظُلمَةِ الدُجى

فَما اِشتَكَلَت أَنوارُهُ وَأَصائِلُه

فَيا مَنطِقِي أَطلِق عِنانَكَ إِنَّما

يُعِدُّ الحُسامَ العَضبَ لِلضَربِ حامِلُه

وَيا خاطِري لَجِّج إِلى الدُرِ إِنَّني

أَرى البَحرَ لا يُستَودَعُ الدُرَّ ساحِلُه

وَجازِ ابنَ فَخرِ المُلكِ بِالشُكرِ إِنَّنِي

أَرى الشُكر لا يَجزِي الَّذي هُوَ فاعِلُه

فَتىً عِندَهُ عَفوٌ وَنَفلٌ لِسائِلٍ

وَجانٍ فَإِمّا عَفوُهُ أَو نَوافِلُه

فَلا مُذنِبٌ إِلّا وَأَعطاهُ صَفحَهُ

وَلا سائِلٌ إِلّا وَأَغناهُ نائِلُه

هُوَ البَدرُ لا يَخفى عَلَيكَ ضِياؤُهُ

هُوَ الغَيثُ لا تَخفى عَلَيكَ مَخايِلُه

تَرَكنا الغَوادِي وَاِنتَجَعنا بَنانَهُ

فَأَغنَت عَنِ السُحُبِ الغِزارِ أَنامِلُه

تُغَلُّ بِنُعماهُ الرِقابُ كَأَنَّما

صَنائِعُهُ أَغلالُهُ وَسَلاسِلُه

وَما تَصِلَ الأَيدي وَلَو نالَتِ السُها

إِلى الشَرَفِ الأَدنى الَّذي هُوَ واصِله

وَقَد طاوَلَتهُ النَيِّراتُ فَطالَها

وَأَيُّ امرِئٍ بَعدَ النُجومِ يُطاوِلُه

فَلا تَحسَبُوا أَنَّ الغَمامَ يَفُوتُهُ

بِشَيءٍ وَلا أَنَّ الجِبالَ تُعادِلُه

فَما وَلَدَت حَوّاءُ مِن صُلبِ آدَمٍ

وَلا قَبِلَت مِن كُلِّ حَيٍّ قَوابِلُه

فَتىً كَأَبِي العُلوانِ تَندى يَمِينُهُ

وَيَندى مُحَيّاهُ وَتَندى ذَوابِلُه

وَلا مِثلُهُ في العُسرِ وَاليُسرِ باذِلاً

يَزيدُ لَجاجاً كُلَّما لَجَّ عاذِلُه

إِذا سِيلَ أَغنى السائِلِينَ بِمالِهِ

فَلَيسَ يَرى أَن يَسألَ الناسَ سائِله

أَنارَت مَغانِيهِ وَصِينَت بِلادُهُ

وَهِينَت أَعادِيهِ وَعَزَّت مَعاقِلُه

فَما ضاقَ نادِيهِ وَلا ذَلَّ جارُهُ

وَلا ضاعَ راجِيهِ وَلا خابَ آمِلُه

جَلا كَربَةَ الإِسلامِ وَالشِركُ دالِفٌ

بِمَجرٍ تَسُدُّ الخافِقَينِ جَحافِلُه

لُهامٌ يَسُدُّ الجَوَّ بِالنَقعِ زَحفُهُ

وَتَدفَعُ أَوتادَ الجِبالِ زَلازِلُه

إِذا سارَ أَذكى النارَ في حِندِسِ الدُجى

مِنَ الصَخرِ حَتّى لا تَبِينُ مَشاعِلُه

يَسيلُ بَرَجراجِ الحَديدِ كَأَنَّهُ

فُراتٌ جَرَت خُلجانُهُ وَجَداوِلُه

فَأَصبَحَ دِينُ اللَهِ قَد قامَ رُكنُهُ

وَأَنجَحَ مَسعاهُ وَثُقِّفَ مائِلُه

وَأَيُّ فُخُورٍ ما بَنَتها رِماحُهُ

وَأَيُّ ثُغُورٍ ما حَمَتها مَناصِلُه

وَلا عَجَباً أَن يُصبِحَ الماءُ جارِياً

مِنَ الصَخرِ في القَصرِ الَّذي هُوَ نازِلُه

وَأَن يَغتَدِي مِسكاً ثَراهُ وَلُؤلؤاً

حَصاهُ وَياقُوتاً ثَمِيناً جَنادِلُه

زَها بِكَ زَهوَ الرَوضِ دَرَّت غُيُوثُهُ

فَحَيَّت بِوَسمِيِّ النَباتِ خَمائِلُه

كَأَنَّكَ رِضوانٌ وَقَصرُكَ جَنَّةٌ

يَفُوزُ بِرِضوانٍ مِنَ اللَهِ داخِلُه

فَبُورِكَ بانِيهِ وَبُورِكَ عَصرُهُ

وَبُورِكَ مِن قَصرٍ وَبُورِكَ آهِلُه

فَما رُفِعَت إِلّا لِسَعدٍ قِبابُهُ

وَلا اِجتَمَعَت إِلّا لِخَيرِ مَحافِلُه

لَقَد أَنطَقَ اللَهُ الزَمانَ وَأهلَهُ

بِفَضلِكَ حَتّى ما تُعَدُّ أَفاضِلُه

فَأجرى بِكَ الأَرزاق حَتّى كَأَنَّما

جَميعُ البَرايا واحِدٌ أَنتَ عائِلُه

وَما الجَدُّ إِلّا مَورِدٌ لَكَ صَفوُهُ

وَمَشرَبُهُ الأَهنى وَلِلنّاسِ فاضِلُه

يَرى الدَهرُ قَولِي فِيكَ مِمّا يَسُرُّهُ

فَيَكتُبُ فيكَ الدَهرُ ما أَنا قائِلُه

ثَناءً كَنَشرِ المندَلِ الرَطبِ نَشرُهُ

وَحَمداً كَأَبهى حافِلِ الرَوضِ حافِلُه

تَفُوحُ عِيابُ الرَكبِ مِنهُ كَأَنَّما

تُضَمَّخُ بِالمِسكِ الذَكِيِّ رَواحِلُه

وَما الشِعرُ إِلّا مَركَبٌ لِي ظَهرُهُ

وَغارِبُهُ وَمَنكِباهُ وَكاهِلُه

سَبُوقٌ إِلى الغاياتِ مَرّاً أَحُثهُ

وَمَرّاً أُعَفِّيهِ وَمَرّاً أُناقِلُه

بَلَغتُ بِهِ أَقصى مُرادِي مِنَ الغِنى

لَدَيكَ فَأَدرَكتُ الَّذي أَنا آمِلُه

فَمَالي وَلِلحُسّادِ تَغلِي صُدُورُهُم

عَلَيَّ وَهَذا البَحرُ زُرقٌ مَناهِلُه

فَإِن يَصدُقُوا فَليَلحَقُوا شَأَوَ مارِدٍ

مِنَ الجِنِّ لا يَدرُونَ أَينَ مَخاتِلُه

خَلِيلَيَّ أَيُّ الطَيرِ يَحلُو قَنِيصُهُ

أَغِربانُهُ أَم بُومُهُ أَم أَجادِلُه

إِذا قامَ سَحبانٌ خَطِيباً بِمَوقِفٍ

تَبَلَّدَ مَعذوراً عَلى الصَمتِ باقِلُه

سَأَلتُكَ شَرِّفنِي بِسَمعِكَ مُقبِلاً

عَلَيَّ لَيَبدُو حَقُّ أَمرٍ وَباطِلُه

وَحَكِّم عَلى النُطقِ الَّذي أَنتَ سامِعٌ

جَميلَكَ وَالبَذلَ الَّذي أَنتَ باذِلُه

فَما تَخذِلُ الأَيّامُ ما أَنتَ ناصِرٌ

وَلا تَنصُرُ الأَيّامُ ما أَنتَ خاذِلُه

وَهُنِّيتَ بِالعِيدِ الَّذي أَنتَ حُسنُهُ

كَما أَنَّ حُسنَ الذابِلِ اللَدنِ عامِلُه

إِذا ما مَضى عامٌ تَسَربَلتَ سَعدَهُ

وَوافاكَ بِالإِقبالِ وَالسَعدِ قابِلُه

وَلا عَدِمَت خَفقَ البُنُودِ جُيوشُهُ

وَلا فارَقَت عَركَ الوُفودِ مَنازِلُه

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن أبي حصينة

avatar

ابن أبي حصينة حساب موثق

العصر المملوكي

poet-Ibn-abi-Hussaynah@

132

قصيدة

19

متابعين

(388-457 هـ/998-1065م) الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح الشامي. شاعر من الأمراء ولد ونشأ في معرة النعمان بسورية انقطع إلى دولة بني ...

المزيد عن ابن أبي حصينة

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة