الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » تذكر أيام اللوى فبكى وجدا

عدد الابيات : 62

طباعة

تَذَكَّرَ أَيّامَ اللّوى فَبَكى وَجداً

وَفَرَّقَتِ الأَشواق مِن جَوفِه الكبدا

وَأَفرَطَ فيهِ الشّوق وَجداً وَلَوعةً

وَمِنهُ بِناءُ العمرِ وَالحيل قَد هُدّا

وَقَد شابَ هدبُ العَينِ وَاِسوَدَّ دَمعُها

وَقَد كانَ مُبيَضّاً فَقَد صارَ مُسودّا

وَمِنهُ لَقَد وَلّى وَماتَ شَبابُهُ

فَكَفَّنه مِن شيبِ لمّتِهِ بردا

وَقَد مَرَّ فيهِ ذِكرُ طيبةَ فَاِغتَدى

خَدين هِيام لا يَقِرُّ وَلا يَهدا

يُكَتِّمُ مِن خَوفِ الشّماتَةِ وَجدَهُ

وَجالدَ حتّى صَيَّر الجلد الجِلدا

وَمِن بَينِ أَحشاه حَريق صَبابَةٍ

يُهَيِّجهُ تِذكارهُ البان أَو نَجدا

إِذا نامَتِ السّمّارُ هوّم جالِساً

وَجافى لِفَرطِ الوَجدِ تَوسيدهُ الخدّا

وَكَيفَ يَنامُ اللّيلَ مَن كانَ هائِماً

وَقَد مَلأ التذكارُ أَعيُنَهُ سُهدا

بِحَيثُ مُقاساةُ التّولُّهِ وَالهَوى

أَضَرَّت بِهِ حَتّى تَجاوَزَتِ الحدّا

فَأَصبَحَ مُلتَفَّ الضّلوعِ عَلى جَوى

يُذيبُ بَقايا الرّوحِ وَالنّفسَ الكدّا

حَبيس هَوىً صَالَت عَلَيهِ يَدُ النّوى

وَقَد قنطتهُ أَن يُفكَّ وَأَن يُفدى

رَمَت فيهِ عَن قَوسِ المَهالكِ فَاِرتَمى

وَأقعد لَم يَسطع لِأَحبابِهِ رَدَّا

طَريح لَدى بَيروتَ سالَت جُروحُهُ

وَقَد جَعَلوا في طيبةٍ لَهمُ مَهدا

بِماذا يرَجّى القربَ مَنْ ذاكَ حالُهُ

وَقَد أفعمَ التّقديرُ شِقّته بُعدا

إِذا اِستَعمَل الآمالَ في مَسلَكِ الرّجا

تَمدُّ عَوادي الدّهر مِن دونِهِ حدّا

سَقَى اللَّه مِن عَيني ملثّ دُموعِها

مَعاهد لَم أَنقُض لِذِمّتها عَهدا

بِحَيث صَبا نَجد سحيراً إِذا سَرى

يُقَبِّل في أَكنافِها الشّيحَ وَالرّندا

وَطيبَ أَوانٍ كُنت أَجني بِهِ الصّفا

وَأَرشفُ مِن كَأسِ الأَماني بِهِ شَهدا

مَضى فَذَكت نارُ الصّبابَةِ وَالجَوى

بِقَلبي كَأَنّي ما وَجدتُ لَه بَردا

لَكِ اللَّه يا ريحَ الحِجازِ إِذا سَرى

يُجدِّدُ في قَلبي لِنارِ الجَوى وَقدا

وَهَبَّ عَلى أَرجاءِ طيبَة موهناً

يُصافِحُ فيها النّورَ إِنْ بانَ وَاِمتَدّا

تحمَّل لِخَيرِ الخَلقِ أَفضَل مُرسَلٍ

مِنَ الوالِهِ المُشتاقِ أَشرف ما يُهدى

نَبِيّ هوَ النّورُ الّذي مِنهُ كُوِّنت

وَأُوجِدتِ الأَكوان فَهوَ لَها المَبدا

وَكانَ نَبِيّاً قَبلَ أَن كانَ آدمٌ

وَآدمُ ما نالَ الوجودَ وَلا اِعتَدّا

نَبيٌّ أَقَرَّ اللَّهُ ربّيَ نورَهُ

بِأَصلابِ آباءٍ تَسامَوْا بِهِ مَجدا

وَخَير بُطونٍ مِن كرائِمَ طُهِّرَت

وَنالَت بِهِ العلياءَ وَاليمنَ وَالسّعدا

وَأَرحامُها ضَمّتهُ وَهيَ جَواهِرٌ

فَيا فَخرَها إِذ ضَمَّتِ الجَوهَرَ الفَردا

تَنَقّل مِن صلبٍ شَريفٍ لِمِثلِهِ

وَفي جَبهَةِ الآباءِ ربّي لَهُ أَبدى

إِلى أَن تَبَدّى لِلوجودِ وَأَزهَرَت

بِمَولِدِه الأَكوانُ وَاِمتَلأت رُشدا

تَباشَرَتِ الأَملاكُ وَالأَرضُ وَالسّما

بِمَولِدِهِ وَالخلق طرّاً ولو أَعْدَا

وَقَد خَرَّتِ الأَصنامُ عَن بَيتِ رَبّنا

وَإِيوان كِسرى شُقَّ بَل بَعضُهُ هُدّا

وَصَيَّرهُ شَمسَ النّبوّةَ ربّه

فَيا تعسَ أَعمى القَلبِ إِذ كانَ لَم يُهْدى

وَأَرسَلهُ الرّحمنُ لِلخَلقِ رَحمَةً

فَكَم نِقمَة عَنهم بِهِ اللَّه قَد رَدّا

وَأَيَّدهُ بِالمُعجِزاتِ وَبَعضها

لَقَد دامَ كَالقُرآنِ في الدّهرِ وَاِمتَدّا

وَمِنها اِنشِقاقُ البدرِ نِصفَينِ في السّما

وَإِحياؤُهُ بِنتاً لَقَد هَلَكت وَأدا

وَفي كَفِّهِ البيضاءِ قَد سَبَّحَ الحَصا

وَمِنها لَهُ شَكوى البَعير وَقَد ندّا

وَحَنَّ عَلَيه الجِذعُ عِندَ فِراقهِ

فَواعَدَهُ يَحبوهُ في الجنَّة الخُلدا

وَجاءَت لَهُ الأَشجارُ ساجِدَةً وَقَد

تَمَشَّت تَقدُّ الأَرضَ في مَشيِها قَدّا

نَبِيٌّ عَظيمُ القَدرِ لِلرّسلِ سَيِّد

وَسَمّاهُ مَولاهُ لِرفعِهِ عَبدا

وَفينا بِأَمرِ اللَّهِ قَد قامَ داعِياً

إِلى الحقِّ يَهدينا وَقَد بَذَل الجُهدا

وَأَيَّد دينَ اللَّه قَطعاً بِحجَّةٍ

وَسَيفٍ يَقدّ الأَرضَ وَالحَجر الصّلدا

بِصَحبٍ هُمُ الآسادُ في كلِّ مَعركٍ

أَذلُّوا إِذا صالوا الضّياغِمَ وَالأُسْدا

وَباعوا بِهِ الأَرواحَ نَصراً لِدينِهِ

وَكانوا لَهُ جُنداً وَأَنعِمْ بِهِم جُندا

فَيا أَشرَفَ الرُّسلِ الكرامِ وَخَيرِهم

وَخاتمهم بَعثاً وَأَوَّلَهم مَبدا

وَأَكبرهم نَفساً وَأَسناهم ذُرى

وَأَرحمهم قَلباً وَأَرأَفهم كبدا

وَأَثبَتهم جَأشاً وَأَطوَلهم يداً

وَأَوسَعِهم حِلماً وَأَرفَعِهم مَجدا

وَأَعرَفِهم بِاللَّه وَأَتقاهمُ لَهُ

وَأَخشاهُمُ مِنهُ وَأَكثرهم زُهدا

وَأَعظَمِهم يَوم القِيامِ شَفاعَةٍ

فَأَنتَ شَفيعٌ سيّدي لَم تَنلِ الرَّدّا

فَكُن شافِعي يَومَ الزّحام فَإنَّ لي

ذُنوباً عِظاماً لا أُحيطُ بِها عدّا

دَهَتني هُمومٌ ما الجِبالُ تُطيقُها

وَلَو حُمِّلت بَعضاً لَأَوسَعَها هدّا

وَأَثقَلَني مِنها فَظيعٌ وَهائِلٌ

لَقَد فَتَّت الأَحشاءَ وَالحيلَ قَد هدّا

وَفيهِ دِياري لِلخرابِ مَآلُها

وَقَد شَمّت الأَضدادَ مَولايَ والأعدا

وَلِلضدِّ فيهِ مِثلما قيلَ مَدخَل

وَإِنّي لأَرجو اللَّه أَن يُهلِكَ الضِّدّا

تَشفّع حَبيب اللَّهِ بِاللَّه عِندهُ

أَغِثني أَغِثني إِنَّني كِدتُ أَن أَردى

وَإِنّك بابُ اللَّهِ مِنهُ دُخولنا

وَحاشا يَنال الصدَّ مَن منهُ قَد عَدّى

وَلا خَيرَ إِلّا أَنتَ واسِطة لَهُ

وَلَم يَكُ إِلّا فيكَ وَإِدراكُنا القَصدا

وَفيكَ اِبنُ فَتحِ اللَّهِ حسنُ خِتامِهِ

تَأمّله يا خَير مَن عُرفه أَسدى

وَصَلّى عَليك اللَّه في كلِّ لَمحَةٍ

وَسَلَّم تَسليماً تَوالى ولا حدّا

مَدى الدّهر تِعدادَ الّذي هوَ كائِن

وَما كانَ أَو يَأتي وَأَضعافهُ عَدّا

كَذاكَ عَلى الآلِ الكرامِ جَميعِهم

وَصَحبٍ غَدَوْا مثلَ النُّجومِ بِهِم نُهدى

مَدى الدَّهرِ ما هَبَّت جنوبٌ وَشَمأَلٌ

وَما السُّحب قَد سَحَّتْ بِوابِلها حدّا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

91

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة