لا يُحزِنُ اللَهُ الأَميرَ فَإِنَّني
سَآخُذُ مِن حالاتِهِ بِنَصيبِ
لا حزن الأمير، فإني أشاركه في أحواله. إذا حزن حزنت لأجل حزنه، وإذا سر شاركته في السرور، وهذا معنى قوله: لآخذ من حالاته بنصيب. فكأنه دعاء لنفسه. كما تقول: حرس الله على نعمه ببقائك. وهذا إشارة إلى خلوص الدعاء له وصفاء النية في حبه
يقول من سر جميع الناس ثم بكى لحزن اصابه ساء بكاؤه الذين كان يسرهم فكأنه يبكي بعيونهم ويحزن بقلوبهم لما يصيبهم من الأسى والجزع لبكاء هذا الذي سرهم والمعنى أنك إذا بكيت بكى جميع الناس لبكائك وحزنوا لحزنك ويمكن أن يجعل الباء في بعيون للتعدية أي ابكاها والمعنى أنهم يساعدونه على البكاء جزاء لسرورهم به كما قال يزيد المهلبي، اشركتمونا جميعا في سروركم، فلهونا إذ حزنتم غير إنصافِ
تَمَلَّكَها الآتي تَمَلُّكَ سالِبٍ
وَفارَقَها الماضي فِراقَ سَليبِ
السالب: الآخذ مال غيره قهراً والسليب: المسلوب.
يقول: إن هذه الدنيا كانت في يد السابق، ثم تنتقل إلى من يأتي بعده، فكأن الآتي سلبها من الماضي، فجعل الوارث الآتي سالباً، والميت الماضي مسلوباً والإرث سلباً
وَلا فَضلَ فيها لِلشَجاعَةِ وَالنَدى
وَصَبرِ الفَتى لَولا لِقاءُ شَعوبِ
شعوب: اسم الموت، معرفة لا يدخلها التعريف؛ لأنه اسم علم للمنية، فقد اجتمع فيه التأنيث والتعريف.
يقول: لولا خوف الموت، لكان لا يظهر فضل الشجاعة والسخاء والصبر؛ لأن الإنسان إنما جبن خوفاً من القتل، وإذا علم أنه لا يموت ارتفع الجبن، كذلك البخيل، إنما يبخل لأنه يخاف أن تبلغ به الحاجة إلى الموت، فإذا أيقن بالخلود، فقد سمحت نفسه بما في يده، لأنه آمن من الهلاك، ويرجو أن يكتسب فيما يأتي من الزمان، وكذلك من جرح فإنما يجزع خوفاً من الموت، فإذا علم أنه لا يموت، لا فضل لصبره، وفي الموت هذه الحكمة والصلاح
أوفى: أفعل من الوفاء.
يقول: الحياة لا بد لها من النفاد، وآخر غاياتها المشيب، فإذا دام الإنسان حتى يبلغ المشيب، فقد بلغ غاية الحياة، ثم تخونه هذه الحياة في الوفاء له، فأوفى الحياة، هي الحياة التي تخون صاحبها عند المشيب
لَأَبقى يَماكٌ في حَشايَ صَبابَةً
إِلى كُلِّ تُركِيِّ النِجارِ جَليبِ
اللام في قوله: لأبقى في جواب قسم مضمر، أي والله لأبقى. وقيل: اللام للتأكيد. والنجار: الأصل، وهو اللون أيضاً. وجليب: أي مجلوب، وروى في حشاي جراحة.
يقول: إني رأيت من نجابة يماك، وحسن أخلاقه وطاعته لمولاه، ما ترك في قلبي محبة لكل تركي مجلوب من بلاد الترك
يقول: إني كنت أشتاق إلى تركي، وأعلم أنه لا يشبهه في نجابته وكرامته، إذ ليس كل وجه أبيض مباركاً، وكل جفن ضيق نجيباً.
وقيل: إنه رجع عما قبله من الاشتياق إلى كل تركي، إذ ليس لكل أحد من الخصال ما فيه
روى بعادة أي بعادة من عادات خدمتك. وروى بغارة يقول: يشتد على هذا الميت أن يخل بعادة من عادات خدمتك، أو يخل بغارة من غاراتك، وأن تدعوه لأمر وهو لا يجيبك، لكن به ما منعه عن ذلك
وَكُنتُ إِذا أَبصَرتُهُ لَكَ قائِماً
نَظَرتُ إِلى ذي لِبدَتَينِ أَديبِ
لبدة الأسد: ما تلبد من الشعر على عاتقه.
يقول: كنت إذا رأيته قائماً بين يديك في الخدمة، رأيت أسداً له عقل وأدب. يعني أن الأسد شجاع لا عقل له ولا أدب. وهذا قد جمع الشجاعة والعقل والأدب، فهو أفضل من الأسد
العلق خبر يكن والنفيس نعت له، واسمه مضمر. أي إن يك يماك العلق النفيس. يعني إن كان هذا العبد علقاً نفسياً فقدته، فلا تأسف عليه، لأنك مالك، ومن عادتك إتلاف الأموال وهبة الأعلاق
يقول: إن كان الدهر قد أساء في التفريق بين الأحبة، فقد تقدم إحسانه في الجمع بينهم، فلولا ما سبق من إحسانه في الجمع بيننا وبين الأحبة، لما شعرنا بذنوبه في تفريقه شملنا، ولم نعد ذلك عليه ذنبا
ربيب: بمعنى مربوب، وربى الإحسان إذا رباه.
يقول: الدهر أحسن أولاً ثم أفسد إحسانه آخراً، وترك الإحسان ابتداء، خير من أن يبتدئ به ثم لا يربيه بالمداومة عليه.
ورجع في هذا البيت إلى ذم الدهر
بين كيفية استعباده لنزار: أي هم عبيدك بالطاعة وصفاء المودة، وكفى بصفاء المودة منهم رقاً لك، فلا تريد منهم إلا أن تصفوا لك المودة، وكفى بالقرب منك فخر لمن كان لبيباً
الهاء في إنه يعود إلى سيف الدولة، والمثاب: هو سيف الدولة أيضاً.
يقول: عوض سيف الدولة الأجر، على جهة الدعاء أي عوض الله ذلك أجل من أثيب الأجر، والله أجل مثيب.
وقيل: إن الهاء للأجر، أي إن الأجر أجل مثاب، أي أجل ثواب من أجل مثيب، وهو الله تعالى، والمثاب على هذا: مصدر كالإثابة
النجيع: قيل: هو الدم الطري على الإطلاق، وقيل: دم الجوف والضنك: الضيق. والعصيب: الشديد الصعب. وروى يطاعن: أي فتى الخيل يطاعن وروى: تطاعن أي تتطاعن.
يقول: هو الفتى المشهور في الشجاعة، الذي يطعن في ضنك المقام عند اشتداد القتال، وابتلال نحور الخيل بالدم
يَعافُ خِيامَ الرَيطِ في غَزَواتِهِ
فَما خَيمُهُ إِلّا غُبارُ حُروبِ
يعاف: يكره. والرّيط: الملاء البيض.
يقول: يكره المبيت والتنعم في الخيام، وإنما يحب القتال، فليس له خيمة إلا غبار الحروب.
وقيل: معناه أنه لا يستظل في غزواته بخيمة، كما يفعله الملوك، وإنما يستظل بغبار الحروب
تَسَلَّ بِفِكرٍ في أَبيكَ فَإِنَّما
بَكَيتَ فَكانَ الضِحكُ بَعدَ قَريبِ
أبيك يريد أبويك وهي لغة معروفة تقول العرب أب وأبان وأبون وأبين أنشد سيبويه، فلما تبين أصواتنا، بكين وفديننا بالأبينا يقول: تفكر في آبائك فإنك بكيت عند موتهم، ثم سليت عن قريب وصبرت، فاعتبر حالك اليوم بحالهم حين فقدت أباك
المصاب: المصيبة. وقوله ثنت أي ثنت النفس المصاب. وأراد بالخبث: الجزع، وبالطيب: الصبر. ومعناه: إذا جزع الكريم عند أول المصيبة، راجع أمره في آخرها، فعاد إلى الصبر، والرضا والتسليم
يقول لا بد للمحزون أن يكون له سكون أما أن يسكن عزاء وأما أن يسكن أعياء فالعاقل يسكن تعزيا كما قال محمود الوراق، إذا أنت لم تسل اصطبارا وحسبةً، سلوت على الأيام مثل البهائم، وكما قال أبو تمام، أتصبر للبلوى عزاء وحسبةً، فتؤجر أم تسلو سلو البهائم
الضريب هو النظير والشبيه. شبهه بالشمس، وخصاله بنورها وقال: من حسد الشمس على نورها فهو في تعب، لأن نورها لا يزايلها، ومن جهد أن يأتي بنظيرها لم يقدر عليه؛ لأنه لا نظير لها، كذلك أنت لا نظير لك في علو محلك وخصالك الجميلة وخلائقك الحسنة
احمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي ابو الطيب المتنبي.(303هـ-354هـ/915م-965م) الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. له الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وفي علماء الأدب من ...