عدد الابيات : 84

طباعة

يا أبا ناظمٍ وسجنُكَ سَجني

وأنا منكَ مثلما أنت منِّي

وأنا منكَ في المودَّة حيثُ المرءُ

سِيانُِ علمُه والتظنِّي

أنا عرقٌ في جسمك النابِضِ الحيِّ

ولمحٌ من عِلقك المُستَضنّ

يابن صِيدِ الرجالِ كلِّ مُضحٍّ

بشبابٍ كالروض لَفٍّ أغنّ

سنَّنوا شِرعَة التذوُّبِ في النا

سِ وماتوا على مِحكّ المِسن

يابن صِيدِ الرجالِ دربُك دربُ

الصيدِ مُستوحَشُ الثنيَّات مضني

مِن بقايا دمِ الضحايا عليه

أَلَقُ النجمِ في ظلامٍ دُجُنّ

كمصبّ التيَّار يدفع فيه

الموجُ موجاً ويسحقُ المتأنّي

سِرته لا تخافُ إذ كلُّ شِبرٍ

فيه من وحشةٍ يخيف ويُثني

يا ربيبَ السُّجونِ لا المتبنَّى

عقّ مَنْ ربَّه، والمُتَبَنِّي

يا لطيفاً إذ يستقي، وكريماً

إذ يُساقي، ومبدِعا إذ يُغني

يا سخيَّاً بالعمرِ يعرف أنَّ

المجدَ كالدهرِ لا يُحدّ بسِنّ

يا مُذيبَ الستينَ أيَّ الليالي

عُدت تُبقي، وأيَّها رُحت تفنى

أيَّ كنزٍ غال، وأيَّ عطاء

كسنا الشمسِ لم يُكدَّر بمنّ

يابنَ جِلدٍ ضاوٍ، وعَظمٍ خويٍّ

كشبا السيفِ في رثَاثاتِ جَفن

يفخرُ الفخرُ أنَّ مُضغةَ لحمٍ..

غلّفت قلبَ واثقٍ مُطمئن

يا قريعَ البلوى تُطابقُ والغمرةَ

منها انطباقَ سِنٍّ وسنّ

يزرع الخير في النّفوس فيُجنى

ويُجازى بالشر عنه فيجني

يا أبا ناظمٍ وشوطُ الرجولا

تِ سباقٌ فباديء ومُثنّي

ورَّثتك الآباءُ ما وُرِثَتهُ

عن جدودٍ . إرثَ الفروع لِغُصْنَ

خوضَ بؤسى شُنَّتْ لنُصرةِ حقٍّ

وارتقاباً لمبئّسٍ لم يُثن

واصطباراً على جحيمِ الرزايا

والتذاذاً منها بجنَّةِ عَدن

وحياةً دونَ الكفافِ غَناءُ

النفسِ فيها رغيبةُ المتمني

هوذا المجدُ خالداً لا الدعاوى

بنتُ يومٍ عجلانَ يفنَى ويفني

يابنَ واعينَ إذ وعاةٌ قليلٌ

فصحاءٍ يومَ التخارُسِ لُسْن

طلعوا في دُجُنَّةٍ نورَ فجرٍ

وهَمَوا في جَديبةٍ صوبَ مُزن

يابنَ صِيدِ الرجالِ دربُك لا در

بُ الخَؤورينَ من كلالٍ ووهن

يحملونَ الأثقال كُرها تَلَوّى

أعرجٍ في دجىً يسيرُ بحَزن

يابن صِيدِ الرجال بوركتَ من عُو

دٍ أبيٍّ على المَغامزِ خَشن

تُغرم العاصفاتُ بالشجرِ الصلبِ

وتُغضي على أماليدَ لُدن

دِيّةُ الوادعينَ جثبناً وذلاً

ما تقاسيه من عذاب وسَجن

يولد الضرُّ حيث يولد حرٌّ

وعلى أنوكٍ مظلةُ أمن

لن يضيعَ الحسابُ ما بين قبحٍ

وجَمالٍ وبين حمدٍ ولَعن

تُرْصَد الشُّهبُ والرجوم ويُحصَى

نسبُ الخيلِ من جِيادٍ وهُجْن

وصرفُ الخطوبِ يُقصي ويُدني

وسلاماً على رفاقك في الشو

طِ المجلَّي من كل نِدٍّ وقرن

يا أبا ناظمٍ ونحن حُداةُ

الجيلِ نَهديه دربَه ونغنّي

شركاءٌ في غايةٍ نبتدي الرحلةَ

ندري أهوالَها ونثنّي

يا أبا ناظمٍ ونحن مِجَنٌّ

يومَ يُبغى درعٌ، وأيُّ مِجن

فوقَه من ثقوبِ رُمحٍ ورُمحٍ

بالغُ الجُرحِ من ضِراب وطعن

نحن إذ تُشترَى اللذاذاتُ سَوماً

بدم القلب نشتري ما يُعنِّي

نهدمُ الدهرَ ما ابتناهُ طغاةٌ

ونعاني ما يَهدمون فنبني

نحنُ إن غُمَّتِ الخطوبُ أشعنا

في دجىً مؤيسٍ شموعَ التمنّي

يا أبا ناظم ونحن أرقُّ الناسِ

طبعاً ونحن عُبَّادُ فنّ

نحن مما نسيلُ في كلِّ نفسٍ

كمِدَبِّ النُعاسِ من كلِّ جَفن

عجبٌ أن نُسامَ خسفاً، وأن

نُجفَى، وأن نُباع بغَبْن

عجبٌ أن نُطيقَ حكْمَ التجنِّي

ونعاني تحكَّم المتجني

يا أبا ناظمٍ ورُبَّةَ رَهنٍ

فيه لو يُفتدى فَكاكٌ لرهن

حرمتنا الحياةَ جذوةُ وعيٍ

وتلظِّي قلبٍ، وإيماضُ ذِهن

هنَّ هنَّ الحياةُ لولا نظامٌ

لِسوى الغابِ مُوحشاً لم يُسَنّ

غايةَ الجهد أن يكلَّفَ حرٌ

بعبوديَّةٍ تُسَنُّ لِقِنّ

يا أبا ناظمٍ وكم فكرةٍ عنَّتْ

فجاءت بفكرةٍ لم تَعِنّ

أنا ذا مَن عَهِدتَ حرٌ صريحُ

القول، ألقي بما لديَّ وأعني

لا مُداجٍ، ولا مُسرٌّ بحسوٍ

في ارتغاءٍ ولا أُحبُّ التكنّي

لا أُبالي ما حاكَ نَولٌ عليه

أو بما طرَّزت شروحٌ لمَتْن

يا أبا ناظمٍ وشَفْعٌ تدنِّي

كلِّ عالٍ برفعة المتدني

نضَب الصبرُ يابن بحرِ علومٍ

صَخِبِ الموجِ بالفخار مُرنّ

أشداةٌ مشرَّدون بلا وَكْنٍ

وخُرْسُ الطيورِ تأوي لوَكْن

أفنحن المزعزعونَ عن التُر

بةِ تُسقى دماءَنا كلَّ قَرن ؟

بضحايا تَطيحُ في كلِّ دربٍ

وقبورٍ تصيح في كلِّ رُكن

أفنحن المظعنُّونَ عن الربعِ

ونحن الحُماةُ فيه لظَعن ؟

أفنحن الذينَ يرتفعُ السو

طُ عليهم بِظنَةِ المُتظني ؟

سوطُ من ؟ سوطُ كلَّ عِلجٍ عليفٍ

دَنِس الأصل والمنابت عَفن

أبنو أمسِكَ القريبِ يُطيحو

ن بصُبَّابةِ الفَخارِ المُسنّ ؟

لم تلدهم خيرُ البطونِ، ولا

مثلك شَبُّوا بخير حجرٍ وحِضن

يا أخا الشعب في الرخاء وفي الشدَّةِ

منه، وفي سرورٍ وحُزن

طيلةَ العمر ما انفككتَ على

فقرك تعطيه ما يَرُبُّ ويُغني

كرم الشعب غيرَ فرطِ لصوق

بالرزيا لُصوقَ خمرٍ بدنّ

كلّما أنَّ خدَّروه وقد يثقل

داءُ المريضِ ما لم يَئنّ

أفمنه المجنَّدون، ومنهم

كلُّ دِرءٍ يومَ الحِفاظ وحصن

ومدى الدهرِ وهو نُهزةُ تاجٍ

لعقيدٍ غاوٍ، ونجمةِ ركن

يا أبا ناظمٍ وسجنكَ سَجني

وضني بي للوعةٍ بكَ تُضني

يخِزُ النفسَ أنَّني غيرُ كفءٍ

لأردَّ الخطوبَ عنكَ وعني

يابن ودِّي وما بعيدٌ رهينُ السجنِ

عن رهنِ غُربَة مُستمَن

غَيْرَ أنَّ الظروفَ يُبدين فرقاً

ربَّ قُبحٍ يَعود مرآةَ حُسن

يا أبا ناظمٍ وإنْ تُنْبَ عنِّي

فبنُعمى خصمي، وغُمَّةِ خدني

ضحكةٌ مرةٌ تكشرُّ سنِّي

ومسيحٌ من دمعةٍ فوقَ رُدني

يُعصر القلبُ تحتَ ضغطِ همومٍ

ضارياتٍ عُقفِ المَخالبُ حجن

يا أبا ناظمٍ: وربَّ شُجاعٍ

أوردته الحتوفَ وصمةُ جُبن

أنا ذا أطلبُ الحِمامَ بنفسٍ

لم أخنها، وعزمةٍ لم تخُني

لا لشيء إلا لأنَّ المنايا

في مَصَكِّ الرجالِ أعرضنَ عني

حُطِّمتْ آهةٌ على حدِّ أخرى

وعلى حدها تَحطَّمَ لحني

فإذا ما استعدُته فلأني

واجدٌ فيك باعثاً للتغني

يا أبا ناظمٍ وسجنُك سجني

وأنا منك مثلما أنت مني

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2363

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة