لَمْ يَبْعَثِ الْحَرْفَ
مِن مَندُوحِ مَرْقَدِهِ
إِلَّا لِيُثْبِتَ نِصْفَ الْأَمْسِ فِي غَدِهِ
لَمْ يُعْشِبِ الْفِكْرُ
فِي حَقْلٍ عَلَى فَمِهِ
إِلَّا لِتَرْتَعَ آذَانٌ بِأَرْغَدِهِ
يَسْتَنطِقُ الْكَوْنَ
مِن تَحَتِ اسْتِعَارَتِهِ
وَيَسْتَشِفُّ كِنَايَاتٍ عَلَى يَدِهِ
هُوَ الَّذِي
كُلَّمَا مَكْرُوهَةٌ رَقَصَتْ
بِكَاهِلِ الدَّهْرِ يَرْوِيهَا بِمُفْرَدِهِ
وَكُلَّمَا الْجُرْحُ نَادَى:
مَن يُّضَمِّدُنِي؟!
لَبَّاهُ فَوْرًا وَقَدْ صَلَّى بِمَسْجِدِهِ
وَوَحْدَهُ مَن يُجَارِي الرِّيحَ
مُنقَلِبًا مِنْ هَامِشِ الْعُمْرِ
حَتَّى قَاعِ مَحْتِدِهِ
كَأَنَّهُ النَّايُ يَشْدُو
كُلَّمَا انفَلَتَتْ أَصَابِعُ الرِّيحِ
مِنْ أَعْمَاقِ سَيِّدِهِ
لِذَا يُعَانِقُ
بِالْأَشْعَارِ أَفْئِدَةً
وَيَسْكُبُ الثَّلْجَ فِي أَشْجَانِ وُرَّدِهِ
هُوَ الَّذِي شَكَّلَتْ أَوْجَاعُهُ
لُغَةً تُوَحِّدُ الْحُبَّ
فِي إِكْسِيرِ مَعْبَدِهِ
وَمِنْهُ
يَقْتَبِسُ الزِّرْيَابُ حِكْمَتَهُ
حَتَّى الطُّيُورُ تُحَاكِي مِن تَغَرُّدِهِ
مَا زَالَ مُنذُ ((قِفَا))
فِي ((وَادِ عَبْقَرِهِ)) يَسْتَلْهِمُ
الشِّعْرَ مِن شَيْطَانِ هُدْهُدِهِ
يُصَوِّر اللَّيْلَ/
يَسْتَهْوِي الْمَلِيحَةَ/
يَرْسُمُ الطَّبِيعَةَ/
سِحْرَ الْبَحْرِ مُزْبِدِهِ
يُقَشِّرُ الْجُرْحَ/
يَقْلِي الْبَغْيَ/
يَقْذِفُ فِي يَمِّ الْبَلَاغَةِ
شَيْئًا مِن تَجَدُّدِهِ
يُلْقِي بِلُقْمَانِهِ
مِن تَحْتِ أَسْطُرِهِ
فَتَنتَشِي حِكْمَةٌ أَرْجَاءَ فَدْفَدِهِ
وَالنُّورُ وَالنَّوْرُ
مَشْدُودَانِ فِي فَمِهِ
وَخَاتَمُ الشِّعْرِ مُلْقًى فِي زُمُرُّدِهِ
يَا أَنتَ.. يَا صَوْتَنَا..
مَا أَنتَ غَيْرُ فَتًى يُعَانِقُ الْحُبَّ
فِي مِحْرَابِ فَرْقَدِهِ
لَمْلِمْ حُرُوفَكَ نَحْوَ الْخَيْرِ
نَحْوَ ذُرَى تَسَامُحٍ
وَاسْتَلِمْ أَوْرَادَ أَحْمَدِهِ
لَا تَبْتَئِسْ
لَا تَصِحْ
لَا تَرْتَبِكْ أَبَدًا
وَكُنْ عَلَى الْهَوْلِ عَوْنًا
فِي تَسَدُّدِهِ
إِنَّ الْحَيَاةَ كَمَا الْأَنْهَارُ
مَاضِيَةٌ إِلَى الْأَمَامِ
فَحَاذِرْ مِن تَرَدُّدِهِ
31
قصيدة