عدد الابيات : 29
سربٌ أطالَ المَكْثَ في حيِّنا
كضائفٍ أهلًا لهُ أو نسَبْ
كأنّ ما التقاهُ في غربةٍ
أنْساهُ موْطِنًا إليهِ انتسبْ
لو كانَ في شوقٍ إلى حيّهِ
لما التهىْ عن جدِّه باللّعِبْ
فإن يكُ اسْتراحَ في بُعدهِ
عنْ حيِّ أهلهِ فيا للعَجَبْ
مالتْ نعاجُهُ إلىْ منزلٍ
يسْكنهُ النّسيانُ والمُغترِبْ
ثغَتْ وكلَّما ثغتْ صُدِّعتْ
جُدرانُ قلبٍ جفَّ حتّى صَلُبْ
لكنّ قلبًا ما استعادَ الحيا
ةَ بعدُ أنّي أنْ يجيبَ الطَّلبْ
مالَ النّهارُ واشتباكُ الظّنو
نِ انفضَّ والرّحيلُ منّا اقترَبْ
تلاقتِ العُيونُ في عينيَ الذْ
ذُهلُ وفي العُيونِ منهُ العتَبْ
والرّوحُ في الأرواحِ قد ذُوِّبتْ
كالقطرِ من ماءٍ علىْ الماءِ صُبْ
فيمَا الجُسومُ وهْيَ بيتُ النّوى
أشلاؤُها مِنْ بعضِها تنْسحِبْ
تناءتِ الجُسومُ عنْ بعضِها
والعينُ دمعٌ والفؤادُ التهَبْ
وأسْرعَ الزّمانُ في خطوِهِ
كيْ يسْتحيلَ ما ابْتنينا خِرَبْ
وفارشًا بالشّوقِ ما بيْننا
من أدْربٍ تمْتدُّ غيبًا حُجِبْ
واتّسعَ الفضا ومدُّ الفضَا
يضيقُ في الفِراقِ مهمَا رحُبْ
تقولُ عينيْ في مُواسَاتِها
والسِّربُ طيفٌ بعدُ لمّا يغِبْ:
الدّمعُ من عينيكَ ماءٌ صببْ
ولستَ منْ نأى ولا منْ رغِبْ
وردُّ قلبٍ بعدُ لمّا يذبْ
بأنّ عيْنيْ رأيُها لم يُصِبْ
فالسِّربُ عن موطنِهِ ما اغْترَبْ
وما روَتْ عيناكَ إلا كذِبْ
وحينَ مرَّ كالْهوا واقترَبْ
وقفتَ بُرهةً كساقٍ خشِبْ
تُقلّبُ الظّنونَ في راسك ال
لتي أرى ظنّي بِها لمْ يخِبْ
ما مِلْتَ إلّا عنْدما ارتدَّ والْ
هوى خريفًا نادرًا ما يهُبْ
كذّبَ عينيْ دمعُها المُنسكِبْ
وحقَّ قلبيْ دمعُهُ ما كَذبْ
يا شاكيَ الأيّام في غربةٍ
أتشتكيْها والرّدىْ يقْترِبْ؟!
ما هجرُك الخِيامَ الّا تعبْ
والنّبعَ والقُطْعانَ إلّا سَغَبْ
أردْتَ بالهِجران أنْ تكْتسِبْ
لمْ تقرأ الزّمانَ لمّا كتَبْ:
يا تاركَ الأوطانِ خانَ السّببْ
إذ عُدتَ خاسرًا بِلا مُكتسَبْ
وسيّدُ الخسرانِ عمرٌ ذهبْ
بخْسًا مُغرّبًا مَهينًا ذهبْ
فلا تصِفْ وزرًا برزقٍ طُلِبْ
ولا تقلْ فيهِ: نصيبٌ كُتِبْ
102
قصيدة