الديوان » اليمن » عبدالله البردوني » مسافرة بلا مهمة

عدد الابيات : 98

طباعة

يا رؤى اللَّيل يا عيونَ الظهيرةْ

هل رأيتُنَّ موطني والعَشيرةْ؟

هل رأيتُنَّ (يَحصُباً) أو (عسيراً)؟

كان عندي هناكَ أهلٌ وجِيرَةْ

ودوالٍ تشقَرُّ فيها اللَّيالي

ويمدُّ الضُّحى عليها سريرَهْ

وروابٍ عيونُهُنَّ شموسٌ

وعليهِنَّ كُلُّ نجمٍ ضفيرَةْ

وسفوحٌ تَهمي ثُغاءً وحبّاً

وحقولٌ تَروي نبوغَ الحظيرَةْ

وبيوتٌ ينسى الضُيوُف لديها

قلقَ الدارِ وانتظارَ المُديرَةْ

يا رؤى، يا نجومُ أين بلادي؟

لي بلادٌ كانت بشبهِ الجزيرَةْ

أخبرَوا أنَّها تجلَّتْ عروساً

وامتَطَتْ هُدهداً، وطارت أسيرَةْ

وإلى أينَ يا نجومُ؟ فَتُومي

ما عرفنا، يا أختُ بدءَ المسيرَةْ

مَنْ أنا يا مدى؟ وأنكرُ صوتي

ويَعُبُّ السِّفارُ وجهَ السَّفيرةْ

مَنْ أشاروا عليَّ كانوا غباءٌ

ليَتُهمْ موضعي وكنتِ المُشيرةْ

كيفَ اختارُ.. كيف؟ ليسَ أمامي

غيرُ دربٍ، فليسَ في الأمرِ خيرَةْ

رحلَتْ مثلما يحثُّ سُراهُ

موكبُ الرِّيحِ في اللَّيالي المَطيرَةْ

وارتدى (الفارُ) ناهديْها وأنسَتْ

هجرةُ المنحنى خُطاها الأخيرَهْ

ورَووْا: أشأمَتْ على غيرِ قصدٍ

ثمَّ أمسَتْ على (دمشقَ) أميرَةْ

قلعتي، يا شامُ ريحٌ وريحٌ

زرعَتني هُنا كُروماً عصيرَةْ

وبرغْمي نزلْتُ غيرَ مكاني

مثلما تلتقي العظامُ النَّثيرَهْ

وبلا موسمٍ تَنَامَتْ وحَيتْ

بالرياحينِ والكؤوسِ النَّضيرةْ

"وسقتْ من أتى البريصُ إليها

بَرَدَى خمرةً"ونُعْمى وفيرَةْ

وعَلَتْ جبهةُ (الخورنَقِ)تاجاً

يا (سِنِمَّارُ) أيّ عُقْبى مُثيرَةْ؟!

وهَمَتْ كالنُّجومِ سَعْداً ونحْساً

وعطايا وحشَّيةً ومُجيرَةْ

"أنتِ كاللَّيلِ مُدركي" من أمامي

وورائي.. كلُّ النَّواحي ضريرَةْ

وحكَوْا: أنَّها ثيابُ سواها

جمَّلَتْها وأنَّها مُستيعرَةْ

فرأوْها وصيفةً عندَ (روما)

ورأوْها في بابِ (كِسري) خفيرَةْ

وبعيراً لبنتِ (باذانَ) حيناً

وأواناً تحتَ (النَّجاشي) بعيرَةْ

عندما أحرقَتْ بـ(نجرانَ) غَزواً

كان ينوي، صارت رمادَ الجزيرَةْ

أطفأتْ بالثِّقابِ مدَّ جحيمٍ

أتراها ملومّةً أم عذيرَةْ؟

فتهاوَت حَصىً وطارتْ عُيوناً

هربَتْ من وجوهِها مُستجيرَةْ

وإلى أينَ ثانياً يا منافي

والإجاباتُ كالسُّؤالِ مريرَةْ؟

نزلَتْ (يَثرباً) هشيماً فكانَتْ

بالعناقيدِ والرَّفيفِ بشيرَةْ

فتناغى النَّخيلُ: من أينَ جاءتْ

هذه الكَرْمةُ العجوزُ النَّكيرَةْ؟

جِئتُ يا عمُّ من جدوري أرجِّى

تربةً من رمادِ حُزني قريرَةْ

وتجلَّتْ في ذلكَ القَفْرِ دُوراً

وقطوفاً تومي بأيد منيرَةْ

ونخيلاً من السُّيوفِ المَواضي

وسيوفاً من القوافي الجَهيرَةْ

وارتمتْ في (حِرا) طريقاً وكهفاً

ثم أَضْحتْ مَنذورةً ونذيرَةْ

ومصَلَّى، وخندقاً وحصوناً

ونبيّاً، وسورةً مُستطيرَةْ

وليالٍ مَضتْ وجاءت ليالٍ

وانقضَتْ عُسْرةٌ وجاءتْ عسيرَةْ

فانتضَتْ في يد (السَّقيفةِ) (سعداً)

أكبرُ القومِ للأمورِ الكبيرةْ

يا قريشُ اذكري نَمَتْنا جميعاً

صُحبةٌ سَمْحةٌ وقُرْبى أثيرَةْ

فلكِ السَبقُ والجبينُ المُحلَّى

وأنا الجبهةُ الشَّموخُ النَّصيرَةْ

أنتِ أمّارةٌ.. أنا – ثُمَّ قالوا:

سَكَتَتْ قبلَ أن تقولَ – وزيرةْ

دهشةُ البدِ ضيَّعتْ منْ خُطاها

أوَّلَ الدَّربِ وهي حَيْرى حسيرَةْ

وجهُها غاصَ في غُبارِ المرايا

واسْمُها ضاعَ في الأماسي الغفيرَةْ

أينَ (سعدٌ)؟ قالوا: رماهُ عِشاءً

ماردٌ من (قُبا) يُسمَّى (بجيرَةْ)

وحكَوْا: أنَّها استعارتْ وجوهاً

خبَّأتْ تحتَها الوجوهَ الكسيرَةْ

وإلى أينَ ثالثاً؟ هل لسْيري

وانثنائي مهمَّةٌ بي جديرَةْ؟

ًأصبحَ الصَّارمُ اليماني يكَفّي

(مِروَداً) في يدَيْ فتاةٍ غريرَةْ

وطَغَتْ رِدّةٌ فعادتْ نبيّاً

ونخيلاً منَ السُّيوفِ الشهيرَةْ

وإلى أينَ رابِعاَ؟ لقتالٍ

جَنَّحتْ خيلُهُ وشَبَّتْ نفيرَةْ

مَنْ رآني خُضْتُ الفتوحاتِ لكِنْ

عُدْتُ مِنها إحدى السَّبايا الطَّريرَةَ

وإلى أين خامساً.. يا قوافي؟

هاجرَ الحبُّ والرَّوابي الخَضيرَةْ

فأتَتْ ثانياً (دمشق) غراماً

قَمَريَّ الجبينِ، باكي السريرَةْ

قصرُ (أم البنينَ) هذا عليه

– حسبما أخبرَتْ – سِماتٌ كثيرةْ

جرَّبت أعسرَ الفتوحِ خيولي

فلأُجرَّب هذي الفتوحَ اليسيرَة

لم أجدْ (روضةً) فأدركتُ أزهى

لعبةِ حلوة ولكنْ خطيرةْ

وعلى موعدٍ رقَت في ثوانٍ

كتِفَ القصرِ بالهوى مُستنيرَةْ

فِتَنٌ فوقَ ما يظنُّ التمنّي،

غرفةٌ فوقَ وصفِها بالوثيرَةْ

لحظةً والتوى السريرُ ضريحاً

خشبيّاً يموتُ، يطوي زفيرَه

إيهِ (وضَّاحُ) دونكَ البئرَ فانزِلْ

قطعةً دونَ وصفِها بالحقيرَهْ

ولهَتْ (ديدَمُونةٌ) في عُلاها

(وعطيلُ) الهوى صريعُ الحفيرَةْ

هكذا أخبرُوا، لأنَّ بلادي

خنجرُ الآخرينَ وهي العَقيرَةْ

ما الذي جدَّ؟ أعولَ الثَّأرُ حتَّى

ليسَ يدري قَبيلَهُ ودبيرَهْ

فارتقى (هاشمٌ) و(مروانُ) ولَّي

وهي ملغيَّةُ الحسابِ هجيرَةْ

مَنْ أنا؟ وانْجلَتْ لها من بعيدٍ

لوزُ (همدانَ) كالنُّجومِ الصغيرَةْ

ذكرَتْ أن موطناً كان فيها

نسيَتْ بَدأهُ وتنسى مصيرَهْ

فانثَنَتْ (هادياً) وقالت: تُرابي،

يا كنوزَ الرَّشيدِ اغلى دخيرَةْ

حِقبةٌ، والتَوتْ رُباً من أفاع

غادراتٍ وهي الضَّحايا الغديرَة

تَوَّجَتْ، أسقطَتْ على غيرِ هَدي

وأنتقَتْ دون رؤيةٍ أو بَصيرَةْ

فانتهَتْ (فاطميَّةٌ) وهي (أروى)

ظاهِراً، خلفَهُ سِجلٌّ وسيرَةْ

وتسمَّت بـ(القرمطيِّ) ولكن

أنقصتْها الممارساتُ القديرَةْ

فنفَت وادَّعتْ، كما شاء داعٍ

لبِستْ وجههَا وأخفَتْ ضميرَهْ

وأسرَّتْ قُدساً وأبدَتْ شِعاراً

خلفَهُ – لو علِمْتَ – ألفُ شعيرَةْ

واستحرَّت خلفَ (النجاحي) وأدمى

في رُباها خيولَهُ وحميرَهْ

ثُمَّ صارَتْ (مهديَّةً) (ورسولاً)

نزلَت وادياً أضاعَتْ شفيرَهْ

فأقامت في كُل صقع إماماً

هيَّأتْ نعشَه وحاكَتْ حريرَهْ

وتساقَتْ دماً وشوقاً إليهِ

وهي أظما إلى المياهِ النَّميره

من أتى؟ عاصفٌ من التُّركِ طاغٍ

فلأمزِّقْ حلوقَهُ وهديرَهْ

إنَّه يقذفُ السَّعيرَ المُدوِّي

فلأردِّدْ إلى حشاهُ سعيرَهْ

وأعدَّتْ لَهُ القبورَ إلى أنْ

دَفَنَتْ عهْدهُ، أجَدَّتْ نظيرَهْ

وتراخى عهدٌ عثيرُ اللَّيالي

وارتَخَتْ تحتَ رُكبتيْهِ عثيرَةْ

وبلا يقظةٍ أفاقَتْ ومدَّتْ

(حزْيزَاً) شُعلةً إلى (ضُبْرِ خِيْرَةْ)

وهناكَ انطفَتْ وأطفَتْ وقالوا:

خبزَتْ للخُلودِ أشهى فطيرَةْ

وحَكَوْا: أنَّها أرادت.. ولكن

جيدُها المُنحني قدِ اعْتادَ نِيْرَهْ

وطوَتْ أربعاً وعشراً، مُناها

مُسرعاتٌ لكنْ خُطاها قصيرَةْ

رُبَّما تخدعُ البروقُ عيوني

رُبَّما تحتَها غيوثٌ غزيرَةْ

أيَّ شيءٍ أريدُ؟ ما عدتُ أغْفو

أقلقَ العصرُ مرقدي وشخيرَهْ

وهنا أنهتِ الإماماتِ، هَبَّتْ

مِنْ أساها تقودُ أبهى مسيرَةْ

هَلَّ (أيلول) مولداً وربيعاً

لم تَزَلْ تحملُ الفصولُ عبيرَهْ

وقِلاعاً تَثْني المغيرين صَرْعى

وتلالاً مدجَّجَاتٍ مغيرَةْ

ثُمَّ ماذا؟ أَسْمَتْ (سعيداً) (نبيلاً)

ودعَتْ (شُعلةً) (هدى) أو (سميرَةْ)

غيَّرتْ شَعْرَ جلدِها وهي لمَّا

تتغيَّرْ ولَمْ تُغِّيرْ وتيرَهْ

فترةً واجتلت قناعاً يحلِّي

جَبَهاتٍ إلى القَفا مُستديرَةْ

أصبحَتْ أطوعَ المطايا ولكِنْ

بالتواءِ الدُّروبِ ليستْ خبيرَةْ

فلأُسافرْ كعادتي، كلُّ قفرٍ

ذبْتُ في نبتِهِ سكنْتُ صفيرَهْ

ورمادي خلفي يعدُّ رجوعي

يعجنُ الرِّيحَ باحثاً عن خميرَةْ

رحلَ النَّبعُ من جذوري فهَّيا

يا هشيمَ الغُصونِ نَتْبَع خريرَهْ

وإلى أين، يا منافي أخيراً؟

وتشظَّتْ في كُلَّ مَنفى أجيرَةْ

هكذا ما حرى لأنَّ بلادي

ثروةُ الآخرينَ، وهي الفقيرَةْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبدالله البردوني

avatar

عبدالله البردوني حساب موثق

اليمن

poet-abdullah-al-bardouni@

285

قصيدة

2

الاقتباسات

888

متابعين

عبد الله صالح حسن الشحف البردوني (1929 - 30 أغسطس 1999) شاعر وناقد أدبي ومؤرخ ومدرس يمني تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة بذلك البلد ...

المزيد عن عبدالله البردوني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة