الدَهرُ يُفجِعُ بَعدَ العَينِ بِالأَثَرِ فَما البُكاءُ عَلى الأَشباحِ وَالصُوَرِ
وَكُنتُ أَكتُم حُبّي في الهَوى زَمَناً
حَتّى تَكَلَّمَ دَمعُ العَينِ فَاِنكَشَفا
سَأَلتُ قَلبي عَن صَبري فَأَخبَرَني
بِأَنَّهُ حينَ سِرتُم عَنّيَ اِنصَرَفا
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً
وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي
عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
فَلا جَزِعٌ إِن فَرَّقَ الدَهرُ بَينَنا
وَكُلُّ فَتىً يَوماً بِهِ الدَهرُ فاجِعُ
فَلا أَنا يَأتيني طَريفٌ بِفَرحَةٍ
وَلا أَنا مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ جازِعُ
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
فَمَدافِعُ الرَيّانِ عُرِّيَ رَسمُها
خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
لقد لامني عند القبور على البكا
رفيقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
أمِن أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائحٌ
على كلّ قبرٍ أو على كلّ هالك
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُوَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا
لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين
نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ
ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً
حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ
وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى
فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ
فَتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً
وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي
فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ
بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ
لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ
وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ
وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ
في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ
فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً
وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدر
أَرى العِراقَ طَويلَ اللَيلِ مُذ نُعِيَت
فَكَيفَ لَيلُ فَتى الفِتيانِ في حَلَبِ
يَظُنُّ أَنَّ فُؤادي غَيرُ مُلتَهِبٍ
وَأَنَّ دَمعَ جُفوني غَيرُ مُنسَكِبِ
بَلى وَحُرمَةِ مَن كانَت مُراعِيَةً
لِحُرمَةِ المَجدِ وَالقُصّادِ وَالأَدَبِ
كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت
فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت
وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ
ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها
فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
لَعَمري لَقَد أَوهَيتَ قَلبي عَنِ العَزا
وَطَأطَأتَ رَأسي وَالفُؤادُ كَئيبُ
لَقَد قُصِمَت مِنّي قَناةٌ صَليبَةٌ
وَيُقصَمُ عودُ النَبعِ وَهُوَ صَليبُ
فَلَوَ أَنَّ المَنونَ تَعدِلُ فينا
فَتَنالُ الشَريفَ وَالمَشروفا
كانَ في الحَقِّ أَن يَعودَ لَنا المَو
تُ وَأَن لا نَسومُهُ تَسويفا
يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا
إِذ رابَ دَهرٌ وَكانَ الدَهرُ رَيّابا
فَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ
وَاِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِ أَجنابا
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي
عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن
أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي