يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني
وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ
وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
مَن يَعرِفُ الشَمسَ لا يُنكِر مَطالِعَها
أَو يُبصِرُ الخَيلَ لا يَستَكرِمِ الرَمَكا
وَأَتعَبُ خَلقِ اللَهِ مَن زادَ هَمُّهُ
وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ
وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ
وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ
وَلَكِنَّ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ
مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ
غَيرَ أَنَّ الفَتى يُلاقي المَنايا
كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الهَوانا
رُبَّ ما لا يُعَبِّرُ اللَفظُ عَنهُ
وَالَّذي يُضمِرُ الفُؤادُ اِعتِقادُه
ولَكِنْ إذَا لَمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كَفَّهُ
عَلَى حالَةٍ لَّمْ يَحْمِلِ الكَفَّ سَاعِدُ
وَلَيسَ الَّذي يَتَّبَّعُ الوَبلَ رائِداً
كَمَن جائَهُ في دَهرِهِ رائِدُ الوَبلِ
وَما أَنا مِمَّن يَدَّعي الشَوقَ قَلبُهُ
وَيَحتَجُّ في تَركِ الزِيارَةِ بِالشُغلِ
وَكَلامُ الوُشاةِ لَيسَ عَلى الأَحـ
ـبابِ سُلطانُهُ عَلى الأَضدادِ
إِنَّما تُنجِحُ المَقالَةُ في المَر
ءِ إِذا صادَفَت هَوىً في الفُؤادِ
لِمَن تَطلُبُ الدُنيا إِذا لَم تُرِد بِها
سُرورَ مُحِبٍّ أَو إِساءَةَ مُجرِمِ
تَخالَفَ الناسُ حَتّى لا اِتِّفاقَ لَهُم
إِلّا عَلى شَجَبٍ وَالخُلفُ في الشَجَبِ
فَقيلَ تَخلُصُ نَفسُ المَرءِ سالِمَةً
وَقيلَ تَشرَكُ جِسمَ المَرءِ في العَطَبِ
يُعجِبُني في الخَليلِ تَكريرُهُ النَفـ
ـعَ وَخَيرُ الخُلّانِ مَن نَفَعَك
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَهٍ
عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو
لاً هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ
وَما السَيفُ إِلّا بَزُّ غادٍ لِزينَةٍ
إِذا لَم يَكُن أَمضى مِنَ السَيفِ حامِلُه
إِذا أَنتَ لَم تُضرِب عَنِ الحِقدِ لَم تَفُز
بِذِكرٍ وَلَم تَسعَد بِتَقريظِ مادِحِ
وَلَن يُرتَجى في مالِكٍ غَيرِ مُسجِحٍ
فَلاحٌ وَلا في قادِرٍ غَيرِ صافِ
أَرى الحِلمَ بُؤسى في المَعيشَةِ لِلفَتى
وَلا عَيشَ إِلّا ما حَباكَ بِهِ الجَهلُ
عَلَيكَ أَبا العَبّاسِ بِالصَبرِ طَيِّعاً
فَإِن لَم تَجِدهُ طَيِّعاً فَتَصَبَّرِ
وَلا بُدَّ أَن يُهراقَ دَمعٌ فَإِنَّما
يُرَجّى اِرتِقاءُ الدَمعِ بَعدَ التَحَدُّرِ
إِذا أَنتَ لَم تَنضَح جَواكَ بِعِبرَةٍ
غَلا في التَمادي أَو قَضى في التَسَعُّرِ
فَلَولا البُعدُ ما طُلِبَ التَداني
وَلَولا البَينُ ما عُشِقَ التَلاقي
وَخُسرانُ المَوَدَّةِ في السَجايا
كَخُسرانِ التِجارَةِ في الوِراقِ
وَأَرى النَجابَةَ لا يَكونُ تَمامُها
لِنَجيبِ قَومٍ لَيسَ بِاِبنِ نَجيبِ