شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ
يوماً وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعَيْنُ تَلْقى كِفاحاً ما نأى ودنا
ولا تَرى نَفْسَها إلا بمِرآة
أَلَم تَرَ أَنَّ الدَهرَ يَلعَبُ بِالفَتى
وَلا يَملِكُ الإِنسانُ دَفعَ المَقادِرِ
جَهِلتَ فَعادَيتَ العُلومَ وَأَهلَها
كَذاكَ يُعادي العِلمَ مَن هُوَ جاهِلُه
وَمَن كانَ يَهوى أَن يُرى مُتَصَدِّراً
وَيَكرَهُ لا أَدري أَصيبَت مَقاتِلُه
لَعَمْرُكَ ما الهِجْرانُ أنْ تَشْحَطَ النّوى
ولكِنَّما الهِجْرانُ ما غيَّبَ القَبْرُ
إِذا جاوَزَ الإِثنَينِ سِرٌّ فَإِنَّهُ
بِنَشرٍ وَتَكثيرِ الحَديثِ قَمينُ
وَإِن ضَيَّعَ الإِخوانُ سِرّاً فَإِنَّني
كَتومٌ لِأَسرارِ العَشيرِ أَمينُ
لِمَن الدِّيَارُ كَانَّهُنَّ سُطُورُ
قَفرٌ عفَتهُ رَوَامِسٌ ودُهُورُ
فَلا خَيرَ فيمَن لا يُوَطِّنُ نَفسَهُ
عَلى نائِباتِ الدَهرِ حينَ تَنوبُ
وَفي الشَكِّ تَفريطٌ وَفي الحَزمِ قَوَّةٌ
وَيُخطِئُ في الحَدسِ الفَتى وَيُصيبُ
ما سُمّيَ القَلبُ إِلا مِن تَقَلُّبِهِ
وَالرّأيُ يُصرَفُ والأَهواءُ أَطوارُ
كَم مِن ذوي مِقَةٍ قَبلي وَقَبلكمُ
خانوا فَأَضحوا إِلى الهِجرانِ قَد صاروا
هُوَ المَرءُ في كَفِّ الزَمانِ مُقَلَّبٌ
يُقاسي عَذابَ المَوتِ وَالدَهرُ يَلعَبُ
تَوَلَّدَ في الدُنيا حَليفَ مَصائِبٍ
فَلَم يُغنِ عَنهُ حِرصُهُ وَالتَجَنُّبُ
كُلُ عَيشٍ وَإِن تَطاوَلَ دَهراً
مُنتَهى أَمرُهُ إِلى أَن يَزولا
فَاِجعَلِ المَوتَ نُصبَ عَينِكَ وَاِحذَر
غولَةَ الدَهرِ إِنَ لِلدَهرِ غولا
اِقنَع بِحَظِك في دُنياكَ ما كانَا
وَعَزِّ نَفسِكَ إِن فارَقت أَوطانا
وَما المَرءُ إِلّا حَيثُ يَجعَلُ نَفسَهُ
فَفي صالِح الأَعمالِ نَفسكَ فَاِجعَلِ