إِذا اِعتادَ الفَتى خَوضَ المَنايا
فَأَهوَنُ ما يَمُرُّ بِهِ الوُحولُ
وَمَن أَمَرَ الحُصونَ فَما عَصَتهُ
أَطاعَتهُ الحُزونَةُ وَالسُهولُ
وَكَم رِجالٍ بِلا أَرضٍ لِكَثرَتِهِم
تَرَكتَ جَمعَهُمُ أَرضاً بِلا رَجُلِ
ما زالَ طِرفُكَ يَجري في دِمائِهِمِ
حَتّى مَشى بِكَ مَشيَ الشارِبِ الثَمِلِ
أَشُدَّ عَلى الكَتيبَةِ لا أُبالي
أَحتَفي كانَ فيها أَم سِواها
وَلي نَفسٌ تَتوقُ إِلى المَعالي
سَتَتلِفُ أَو أُبَلِّغُها مُناها
رَأَيتُ الحُرَّ يَجتَنِبُ المَخازي
وَيَحميهِ عَنِ الغَدرِ الوَفاءُ
وَما مِن شِدَّةٍ إِلّا سَيَأتي
لَها مِن بَعدِ شِدَّتِها رَخاءُ
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى
وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ
مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
لا تَجزَعَنَّ إِذا نابَتكَ نائِبَةٌ
واصبر ففي الصّبر عند الضّيقِ متَّسعُ
إن الكريمَ إذا نابتهُ نائبةٌ
لَم يَبدُ مِنهُ عَلى عِلّاتِهِ الهَلَعُ
إِذا المَرءُ لَم يَغشَ المَكارِهَ أَوشَكَت
حِبالُ الهُوَينى بِالفَتى أَن تَجَذَّما
لا تَأمَنوا آراءَهُ وَظُنونَهُ
إِنَّ العُيونَ لَها مِنَ الأَمدادِ
وَتَعَوَّذوا بِاللَهِ مِن أَقلامِهِ
إِنَّ السُيوفَ لَها مِنَ الحُسّادِ
وَرِثنا المَجدَ عَن آباءِ صِدقٍ
أَسَأنا في دِيارِهِمُ الصَنيعا
إِذا الحَسَبُ الرَفيعُ تَواكَلَتهُ
بُناةُ السوءِ أَوشَكَ أَن يَضيعا
وَمَن يَغشى الحُروبَ بِمُلهِباتٍ
تُهَدِّمُ كُلَّ بُنيانٍ بَنَيتا
إِذا جاءَت لَهُم تِسعونَ أَلفاً
عَوابِسُهُنَّ وَرداً أَو كُمَيتا
أَلا لا يَعلَمُ الأَقوامُ أَنّا
تَضَعضَعنا وَأَنّا قَد وَنينا
أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا
فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا
وسيفي صارمٌ لا عيبَ فيه
ويمنعني من الرَّهَقِ النبيتُ
متى ما يأتِ يومي لا تجدني
بمالي حينَ أترُكُهُ شَقِيتُ
وَنَحنُ أُناسٌ لا حِجازَ بِأَرضِنا
مَعَ الغَيثِ ما نُلفى وَمَن هُوَ غالِبُ
تَرى رائِداتِ الخَيلِ حَولَ بُيوتِنا
كَمِعزى الحِجازِ أَعوَزَتها الزَرائِبُ
وَالخَيلُ تَعلَمُ أَنّي مِن فَوارِسِها
يَومَ الطِعانِ وَقَلبُ الناسِ يَرتَعِدُ
وَقَد حَلَفتُ يَميناً لا أُصالِحُهُم
ما دامَ مِنّا وَمِنهُم في المَلا أَحَدُ
أخلاء البنادق من سواهم
يرد الكيد ردا عبقريا
بهم للنائبات نقول فخر
حُديا الناسِ كُلِهموا حُديا
فالبيض يهتفن والأبصار طامحة
مما ترى وخدود القوم تنعفرُ
تكسوهمُ مرهفاتٌ غير محدثةٍ
يشفي اختلاسُ ضباها من به صعرُ
حُسامٌ كَلَونِ المِلح صافٍ حَديدُهُ
جُرازٍ كَأَقطاع الغَدير المُنَعَّتِ
وَإنّي لَحُلوٌ إِن أُرِيَدت حَلاوَتي
وَمُرٌّ إِذا نَفسُ العَزوفِ استَمَرَّتِ
فَلَستُ أَخافُ الناسَ ما دُمتَ سالِماً
وَلَو أَجلَبَ الساعي عَلَيَّ بِحُسَّدي
وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي
وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا
أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُمُ
دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا