الديوان » مصر » محمود غنيم » صانع الأجيال

عدد الابيات : 88

طباعة

قالوا: المعلمُ. قلت: لَستُ أُغالي

إن قُلتُ: هذا صانِعُ الأَجيالِ

إن قلتُ: صوَّرها، وأَبَدَعَ خَلْقَهَا

لم يُغضِب الرَّحمنَ صِدقُ مقالِي

نُورُ المعلّمِ نفحةٌ قدسِيَّةٌ

من نُورِ وَجْه الخَالِق المُتعالي

وصَداهُ من صَوْت الإله، كأنَّهُ

إن رَاحَ يُطلِقُه أَذانُ بِلالِ

صَنَع الصواريخَ المُبِيدةَ غيرُهُ

وعلى يَدَيْه يتم صُنعُ رِجالِ

أبدًا يُبشِّر بالسَّلام، وليس مَنْ

بَيْنِي السَّلام كقَاطِع الآجالِ

جُنْدِيُّكِ المَجهولُ يا مِصْرُ الذي

لا فِي البُكورِ يَنِي، ولا الآصَال

في ساعة الجُلَّي يَجِئُ مَشَمِّرًا

وَيَغِيبُ ساعَ قِسْمةِ الأَنْفالِ

كم أَغَفلُوه، فما تَراءَى شاكِيًا

أو باكِيًا من عِلّة الإغفالِ

حَسْبُ المعلِّم: راحةٌ نَفْسِيَّةٌ

تغنيه إذْ يَشْكُو من الإِقلالِ

ما بَعْدَ تَقويمِ النُفوسِ سَعادةٌ

أو بعد مَحْوِ جَهالةِ الجُهَّالِ

ما ضَرَّه عِرْضٌ سلِيمٌ فوقَه

ثَوبٌ رخِيصٌ، أو قَمِيصٌ بَالِي

كَمْ مكثِرٍ ما نَالَ من إكثارِهِ

إِلا ازْديَادَ الهَمِّ والبَلْبالِ

فِيمَ الشّراءُ الجَمُّ؟ ليس لمَيِّتٍ

كفنٌ به جَيْبٌ لحِفْظِ المَالِ!

ولقد قَضيتُ العُمرَ أطْبَع فِتْيَتِي

طَبْعًا على كَرَمٍ، وحُسْنِ خِلالِ

كم كُنتُ أحبُوهم بَعْطِفي دائِمًا

لا فرقَ بَيْنَهُمُو وبَيْن عِيالِي

حَسْبِي فَخارًا: أن أقدِّم للحِمَى

من فِتْيَتِي بَطَلاً من الأبطالِ

يا رُبَّ أروعَ ماجدٍ صادَفْتُه

فسألتُ عنه، فَكانَ من أنجالِي

أمْسَى يُبادِلُني الوفاءَ بِمِثْلِهِ

إن الجَمِيلَ يُكالُ بالمِكْيالِ

كانوا تَلامِذَتِي، فَصَارُوا إخْوَتي

وأعزَّ أصحابِي، وأَكرمَ آلِي

أنَّى اتجهتُ، وجدتُهم بِيَ أحْدَقُوا

«مِنْ عَنْ يَمِينِي تارةً وشِمالِي»

يا مُنْصِفي العُمَّال، هلاَّ زِنْتُمُو

باسْمِ المُعَلّم صَفحة العُمَّالِ؟

هو عاملٌ، بل راهِبٌ مُتَبَتُلٌ

صُوَرُ العِبادة جَمَّةُ الأَشكالِ

يا رُبَّ دَرْسٍ واحدٍ أربَى عَلَي

تَسْبِيح أَيَّامٍ، وذِكْر لَيالِي

وَلَرُبَّمَا نَسِيَ المُعَلِّم نَفْسَهُ

وَجَنَي عليه جهِادُه المُتَوالِي

ولقد يَنامُ وكُتْبُه من حَوْلِهِ

فكأَنه مِنْهُنَّ بين تِلالِ

وَبَبِيتُ يَهْدِي بالدَرُوسِ، كأَنَّه

في الفَصْل بين إجابةٍ وسُؤال

أو نازِلٌ بجَزِيرةٍ، أو سابحٌ

في البحر بين الرَّأسِ والشَّلاَل

أو غارِقٌ مع خالدٍ أو طارقٍ

في الحَرْب بين صَوارمٍ وعوالي

أو منْشِدٌ للنَّشْءِ شِعْرَ حماسةٍ

أَو نادِبٌ طَلَلاً من الأَطْلالِ

أو بَيْن أهرامٍ، وبَيْن دَوائرٍ

مَجْهُولةِ الأحْجامِ والأطْوالِ

أو بين أفعالٍ صَحاحٍ ما شَكَت

عِللاً، ومُعْتلٍّ من الأَفْعالِ

ناد المعُلّم قبل آسادِ الشَّرَى

يا ابنَ العرين، ويا أبَا الأشْبال

رَسَنُ الشَّبيبَة في يَدَيْك، وإنَّها

حَبلُ الرَّجَاءِ، ومَعْقِدُ الآمالِ

قَدِّرْ خُطاَكَ؛ فأنتَ وحدَك قُدْوةً

للنَّشْءِ في الأقوالِ والأعمالِ

لَيْسَ المدرِّسُ ناجحًا في دَرْسِه

ما لم يكُن للنَّشْءِ خَيرَ مِثالِ

لو قدَّر اللهُ الكمالَ لغَيْرِه

قُلْنَا له: استَمْسِك بكُل كَمالِ

ما حلَّ من عبَثٍ لَغْيرِك، فَهْو في

شَرْع الوَرَىْ لك أنتَ غَيْرُ حَلالِ

النَّاسُ تَصفَح عن سِواكَ؛ وإنَّما

يَزِنُون ذَنْبَك أنتَ بالمِثْقالِ

أقسمتُ، ما جَارُوا عَلَيْك؛ وإنَّما

وضَعُوك منهم مَوْضِعَ الإِجْلالِ

لا تَشْكُ من عَنَتِ الحَياةِ، فإِنَّما

شَكْوَى العَزِيز بِدَايَةُ الإذْلاَلِ

أوَ مَا نَظَرتُ إلى المهندسِ كادِحًا

في القَيْظِ بين جَنادِلٍ ورِمالِ؟!

وإلى الطَّبِيبِ يَعِيش طِيلَةَ عُمْرِه

ما بين حَشْرَجَةٍ؛ وبَيْن سُعالِ؟!

ولرُبّ قاض تَنْقَضِي أيامُه

في صُحْبَة السَّفَّاكِ والنَّشَّالِ!

وتعيشُ أنتَ مع المَلائِك ناعمًا

في الخُلْد بَيْن أَرائكٍ وظِلالِ

خدَعَتْك نفسُك إن ظَنَنْتَ سِوَاكَ مِنْ

شَتَّى الطَّوائِفِ مُستَريحَ البَالِ

الكُلُّ شَاكٍ حَظَّه، مُتَبَرِّمٌ

هَيْهَاتَ أن يَرضَى الأنامُ بحالِ!

والحُرُّ مَنْ حَمَل الحَياةَ بمَنْكِبٍ

كالطّوْدِ لا يَشْكُو من الأثْقالِ

يأيُها الجُنْدُ الأُلَى ما زَيَّنُوا

صَدْرَ الجِهاد بأنْجُمِ وهِلالِ

هلاّ قَبِلْتُم نُصحَ خِدْنٍ سابقٍ

لم يَسلُ شِكَّتَه، ولَيْسَ بِسالِ؟

إن كان أعياهُ النِّضالُ، فرُوحُه

وشُعورُه مَعَكم بكُلّ مجال

رَبُّوا الشَّبابَ على الفَضيلة؛ إنَّها

هي زَينُ مُزْدَانٍ، وحِلْيَةُ حَالِ

ما الدِّينُ خَصْمٌ للحَضَارة؛ بل هُمَا

صِنْوانٍ، بل جَسَدَان في سِرْبالِ

قُولُوا لهم: إن الصَّلاةَ رياضَةٌ

ووقايةٌ من فِتنَةٍ وضَلالِ

قُولُوا لَهُم: إنَّ الحَنِيفَةَ وَحْدَهَا

كَانت ذَخيرةَ فَاتِحيِن أوَالِي

«اللهُ أكبرُ» طَلْقةٌ ذَرِّيَّةٌ

مَلَكَ الوُجُودَ بها رُعاة جمال

ما حَقَّق الأهدافَ إلاّ أُمَّةٌ

رَسَخَتْ عَقِدَتُها رُسُوخَ جِبالِ

وإذا أُصِيْبَ الشَّعْبُ في إيمانِه

فانْدُبْه في نَوْحٍ، وفي إعوالِ

وإذا هو انحَلَّت عُرى أَخْلاقِه

لم تُجْدِ فيه حِيلةُ المُحْتالِ

ما طاف طائِفُ الانْحِلالِ بأُمَّةٍ

إلا وآذَنَ نَجْمُها بِزَوالِ

حُلُّوا لنا عُقَدَ الشَّبابِ جمِيعَها

فَلَطَالَمَا استعْصَت على الحلاَّلِ

غُوصُوا بأغْوار الشبِيِبَة، وانْفُذُوا

من كُلّ بَابٍ مُحْكَم الأقْفالِ

فإذا عرفْتُمْ أين يَكمُن دَاؤها

فاستأصِلُوه أيَّما استِئْصالِ

أنتُم إذا عَجَزَ الطَّبِيبُ أُساتُها

من كلّ داءٍ في النُّفوس عُضالِ

لا تَيْئَسُوا من بُرْءِ ذي سَقَمٍ، وإن

طالَ العِلاجُ عليه أيَّ مَطالِ

كان الصُّعودُ إلى السَّماء خُرافةً

كُبْرَى، فَصارَ اليوم غَيرَ مُحالِ

واستَأنِسوا الأطفال في حَلقَاتِكُم

بِبَراءةٍ كبَراءةِ الأطْفالِ

بِحَنانِ وَالدِةٍ، ورِقَةِ وَالدٍ

ومَحَبَّةِ الأعْمام والأخْوالِ

وأحقُّ مَنْ ساسَ الصِّغارَ مُحَنكٌ

صَقَلَتَهُ دُورُ العِلْم أيَّ صِقالِ

يا وَاقِفين على السَّلام جُهُودَهُم

قُودُوا الصُّفوفَ بِعَزْم هانيِبَال

دِيسَ العَرينُ؛ فأغمدُوا أقلامكم

وتَقَلَّدُوا بأسِنَّة ونِصالِ

ومنَ البليَّةَ: أنّ جَوَّ السّلْم لا

يَصْفُو بِغَيْر مَعارِكٍ وقِتالِ

العِلم عُنوانُ السَّلامِ، وإنَّما

هُمْ أفسَدُوه بسُوءِ الاسْتِعْمالِ

أنتُم لعَمْرِي مُشْعِلُو الثَّوراتِ في

قَلْبِ الحِمَى، وبُناةُ الاسْتِقْلاَلِ

وأعزُّ ما مَلَكَ الحِمَى من ثَوْرَةٍ

ومُحَارِبُو الفَوْضَى والاسْتِغَلالِ

ومُحَطِّمُو الأغلالِ عن سَاقِ الحِمَى

من بعد ما وَرِمَتَ من الأَغْلالِ

ومُوَحِّدو شَمْلِ العُرُوبة، وَهْوَ مِنْ

طُولِ الشِّقاق مُمزَّقُ الأوْصالِ

والنازِلُونَ إلى مَيادين الوَغَى

كالأُسْدِ حين تَقُولُ مِصْرُ: «نَزالِ»

والمُرخِصًون نفُوسَهم في حُبِّها

ولِمْصرَ يَرخُص كُلُّ شَيْءٍ غالِ

والكاتِبُون لها صَحَائِفَ مَجْدِها

يَوْمَ الكَرِيهَة بالدَّمِ السَّيَّال

وعلى يَدَيْكم سوفَ يَنْتَصِر الحِمَى

وتَعُودُ أمجادٌ لمِصْرَ خَوالِي

وتَذُوقَ ما ذَاقَ التَّتَارُ عِصَابَةٌ

هي في الشَّراسَةِ مَضْربُ الأمثالِ

ويُحَقِّقُ اللهُ الرجاءَ؛ فلا نَرَى

في القُدْس للصِّهْيَوْنِ طَيْفَ خَيالِ

واللهُ لا يَنْسَى كِنَانَتَهُ! وكَمْ

للهِ إمْهالٌ بِلاَ أهمالِ!

حَمَل الأمانَة أنورٌ، ولأنْوَر

كَتِفَان تَضْطَلِعَان بالأحْمالِ

عرفَتْهُ مِصْرُ بَل العُروبَةُ كُلُّها

خَوَّاضَ أهوالٍ، وحِلْسَ نِضالِ

اليُمْنُ والإقبالُ من حُلَفَائِه

لا زَالَ حِلْفَ اليُمْنِ والإقبالِ!

إن غاب عن مِصْرٍ جَمالٌ واحدٌ

فبِمِصْرَ يَوْمَ الرَّوْع ألفُ جَمالِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

415

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة