الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » لبيكم يا رفقة النادي

عدد الابيات : 67

طباعة

لَبَّيكُمُ يَا رفْقَةَ النَّادِي

مِنْ سَادَةٍ فِي الْفَضْلِ أَنْدَادِ

شَرَّفْتُمُ قَدْرِي بِدَعْوَتِكُمْ

وَحضُورِكُمْ لِسَمَاعِ إِنْشَادِي

وَبِلُطْفِكُمْ فِي سَتْرِ مَعجَزَتِي

أَسْعَدْتُمونِي أَيَّ إِسْعَادِ

تِلْكَ الشَّمائِلُ مِنْ مُجَامَلَةٍ

فِيكُمْ وَإِينَاسٍ وَإِرْفَادِ

لَمْ يؤْتَها إِلاَّكُمُ أَحَدٌ

مِنْ حَاضِرٍ سَمْحٍ وَمِنْ بَادِ

زَادَتْ هَوىً بِي لَمْ أَخَلْهُ وَقَدْ

بَلَغَ المَدَى الأَقصْى بِمُزْدَادِ

هِي زَحْلَةُ الْبَلَدُ الْحَبِيبُ وَهَلْ

مِنْ نُجْعَةٍ أَشْهَى لِمرْتَادِ

مَنْ يَلْتَمِسْ رَوْحاً وَعَافِيَةً

فَهُنَاكَ تُنْقَعُ غُلَّةُ الصَّادِي

هلْ في الأَقاليمِ الَّتِي وُصِفَتْ

كَهَوَائِهَا برْءاً لأَجْسَادِ

أَوْ مَائِهَا الْعَذْبِ الْبَرودِ إِذَا

مَا الْقَيْظُ أُوقِدَ شَرَّ إِيقَادِ

أَوْ شَمْسِهَا تَجْرِي أَشِعَّتهَا

بِالْبَلْسَمِ الشَّافِي لأَكْبَادِ

أَوْ سِكْرِهَا وَالأَجْرُ ضَاعَ بِهِ

زُهَّادُ زَحْلَةَ غَيْرُ زهَّادِ

أَوْ نَهرِهَا وَبِهِ مَوَارِدُ فِي

حِسٍّ وَفِي مَعْنىً لِوُرَّادِ

بَيْنَ التَّلوُّنِ فِي مَسَاقِطِهِ

تَبَعاً لاِصَالٍ وَآرَادِ

وَنَشِيشُهُ فِي الأُذْنِ منْحَدِراً

حَتَّى يَحُطَّ بِصَوْتِ رَعَّادِ

وَهُيَامُ أَرْوَاحٍ تُحِسُّ بِهِ

مَا لاَ تُحِسُّ جُسُومُ أَشْهَادِ

أَيُّ الغِياضِ بِحسْنِ غَيْضَتِهَا

لوْ لَمْ يَنَلْهَا بِالأَذَى عَادِي

أَبْكَي عَلَى الأَدْوَاحِ غَابِرَةً

مِنْ بَاسِقَاتِ الْهَامِ مرَّادِ

ما الْفَأْس أَلْقَى كُلَّ باذِخَةٍ

مِنْهُنَّ إِلاَّ نَصْلُ جَلاَّدِ

تَاللهِ أَفْتَأُ ذاكِراً أَبَداً

وَقفاتِهَا بِنِظامِ أَجْنَادِ

وَذَهَابَهَا بِرؤُوسِهَا صُعُداً

مِنْ مَوْضِعِ التَّصْويبِ فِي الوَادِي

وتَحَوُّلاً فِي حَالِهَا نُظِمَت

فِيهِ المَحَاسِنُ نَظْمَ أَضْدَادِ

مَا إِنْ تُرَى أَوْراقُهَا أُصُلاً

شجْواً يرَفْرِفُ فَوْقَ أَعْوَادِ

حَتَّى تَعُودَ إِلَى مَناهِجِهَا

صُبْحاً وَأَظْمَأُ مَا بِهَا نادِي

عَبِث الدَّمَارُ بِهَا وَلوْ قَبِلَتْ

أَغْلَى فِدى لَمْ يَعْزِزِ الفادِي

لَكِنْ أَجَدَّتْهَا عَزِيمتُكُمْ

قَبْلَ الفوَاتِ أَبَرَّ إِجْدَادِ

فَوَجَدْتُ تَعْزِيَةً وَبَشَّرَنِي

أَمَلٌ بِعَصْرٍ فَجْرُهُ بَادِي

نَعْتَاضُ مِنْ نَزَوَاتِ سَابِقِهِ

بِنَعِيمِ عَهْدٍ رَاشِدٍ هَادِي

فلْتُسْكِتِ الذِّكْرَى منَاحتَهَا

وَلْيَعْلُ صَوْتُ الطَّائِرِ الشَّادِي

ولْتَجْهَرِ الأَصْوَارُ مُوقِعَةً

طَرَباً عَلَى رَنَّاتِ أَعْوَادِ

ولْنَمْضِ فِي أَفْرَاحِ نَهْضَتِنَا

وَلْنَقْضِ أَيَّاماً كَأَعْيَادِ

إِنِّي لأَذْكُرُ زَحلة وَأَنَا

وَلَدٌ لعوبُ بَيْنَ أَوْلاَدِ

متَعَلِّمٌ فِيهَا الهِجَاءَ وَبِي

نَزَقٌ فَلاَ أَصْغُو لإِرْشَادِ

كُلُّ يُعِدُّ الدَّرسَ مجْتَهِداً

وَأَنَا بِلاَ دَرْسٍ وَإِعْدادِ

أُمْسِي وَأُصْبِح وَالعَرِيفُ يَرَى

أَنَّ الجَهَالَةَ مِلْءُ أَبْرَادِي

وَيَلُوحُ وَالأَخْطَارُ تُحْدِقُ بِي

أَنَّ الرَّدَى لاَبُدَّ مصْطَادِي

لَكِنَّني أَنْجو بِمعْجِزَةٍ

وَالمُهْرُ يُزبِدُ أَيَّ إِزْبَادِ

وَيَجِيئُنِي إِرْهَافُ حَافِظَتِي

فِي منْتَهَى عَامِي بِأَمْدَادِ

يَا رفْقَتِي بَدْءَ الصِّبا عَجَبٌ

هَذَا المَصِيرُ لِذلِكَ البَادِي

هَلْ كَانَ هَذا العَقْلُ بَعْدَئِذٍ

مِنْ جَهْلِنَا المَاضِي بِميعَادِ

مَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَظُنُّ لَنَا

هَذَا الرَّوَاحَ وَكُلُّنَا غَادِي

أَضْحى صِغَارُ الأَمْسِ قَدْ كَبَروا

وَدُعُوا بِابَاءٍ وَأَجْدَادِ

وَابْيضَّ فَاحِمُ شَعْرِهِمْ وَمَشَوْا

مِيْلاً بِقَامَاتٍ وَأَجْيَادِ

شَأْنُ الْحَيَاةِ وَلاَ دَوَامَ عَلَى

حَالٍ سَلُوا الآثارَ مِنْ عَادِ

لكِنْ إِذَا بِدنَا فَيَا وَطَناً

نَفْدِيهِ عِشْ وَاسْلَمْ لاِبَادِ

وَمقَامُ زَحْلَةَ بَالِغٌ أَبَداً

أَوْج الْفَخارِ بِرَغْمِ حسَّادِ

آسَادُ زحْلَةَ لاَ ينافِرُهمْ

بَلَدٌ مِنَ الدُّنْيَا بِاسَادِ

أَجْوَادُ زَحْلَةَ لاَ يُكاثِرُهمْ

بَلَدٌ مِنَ الدُّنْيَا بِأَجْوَادِ

أُدَباؤُها لَهُمُ مَكَانَتُهُمْ

فِي صَدْرِ أَهْلِ النُّطقِ بِالضَّاد

صُنَّاعها متَفوقُونَ وَإِنْ

لَمْ يَظْفَروا يَوْماً بِإِمْدَادِ

فِي كُلِّ عِلْمٍ كل نَابِغَةٍ

وَلِكُلِّ فَنٍ كُلُّ مِجوادِ

قوْم المروءَةِ وَالإِبَاءِ هُمُ

لاَ قَوْمُ مَسْكَنَةٍ وَإِخْلاَدِ

فِي كُلُّ مَرْمَى هِمَّة بَعُدَت

عَزَّ الحِمَى مِنْهمْ بِاحَادِ

فِي آخِرِ المَعْمورِ كَمْ لَهم

آثَارُ إِبْدَاءٍ وَإِيجادِ

مَا كَانَ أَعْظمَهُمْ لَوِ اتَّحَدوا

وَنبَوْا بِأَضْغَانٍ وَأَحْقَادِ

هَلْ أَنْظُرُ الإِصْلاَحَ بَيْنَهم

يَوْماً يَحُلُّ مَحَلَّ إِفْسَادِ

هَذا الَّذِي يَرْجُو الولاَةُ وَمَا

يَخْشَى العدَاةُ وَهمْ بِمِرْصَادِ

حَيِّ المعَلَّقةَ الجَمِيلةَ مِنْ

دَارٍ مرَحِّبةٍ بِوُفَّادِ

دَارٌ تَعِزُّ بِكُلِّ محْتَشِمٍ

عَالِي الجَنَابِ وَكُلِّ جَوَّادِ

هُمْ فِي الصُّروفِ أَعَزُّ أَعْمِدَةٍ

لِبِلاَدِهِمْ وَأَشَدُّ أَعْضَادِ

يتَوَارَثُونَ الْحَمْدَ أَجْدَرَ مَا

كَانتْ مَسَاعِيهِم بِإِحْمادِ

يا مَجْلِسَ البَلَدَيْنِ منْتَظِماً

كَالعِقْدِ مِنْ نُبَلاَءَ أَمْجَادِ

ذَاكَ التَّفضُّل مِنْكَ خَوَّلَنِي

شَرَفاً بِهِ أَمَّلتُ إِخْلاَدِي

فَلَقدْ مَنَنْتَ فَجزْتَ كُلُّ مَدىً

بِجَمِيلِ صنْعٍ ليْسَ بِالعَادِي

لِلهِ آياتُ القُلُوبِ إِذَا

كَانَتْ مَعاً آيَاتِ إِخلادِ

يَا محْتَفِينَ تفَضُّلاً بِأَخٍ

يَهْفُو إِلَيْكُمْ منْذُ آمادِ

ما زَال هَذَا الفَضْلُ عَادَتَكُمْ

وَالشَّعب مِثْل الفَرْدِ ذُو عَاد

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة