الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » بلغت مداها روعة الذكرى

عدد الابيات : 51

طباعة

بَلَغَتْ مَدَاهَا رَوْعَةُ الذِّكْرَى

بِجَلاَلِ هَذِي الْحَفْلَةِ الكُبْرَى

أُنْظُرْ إِلى هَذِي الْوُفُودِ وَقَدْ

ضَاقَ النَّدِيُّ بِهَا تَجِدْ مِصْرَا

مَا فِي الصُّدورِ وَفِي الْوُجُوهِ سِوَى

قَلْبٍ يَذُوبُ وَمُقْلَةٍ شَكْرَى

رُزْءُ الْكِنَانَةِ رُزْءُ وَالِدَةٍ

مَبْرُورَةٍ تبْكِي ابْنَهَا الْبِرَّا

تَبْكِي المُرَجَّبَ فِي الْبَنِينَ إِذَا

عَدَّتْ بَنِينَ أَعِزَّةً كُثْرَا

تَبْكِي سَرِيّاً فِي الْوَفَاءِ لَهَا

أَفْنَى الْقوَى وَاسْتنْفَدَ الْعُمْرا

لَيْسَ التَّقادُمُ فِي فَجِيعَتِها

مِمَّا يُقِرُّ ضُلُوعَهَا الْحَرَّى

هَيْهَاتَ تَسْلُوهُ ومَا الْتَفتَتْ

أَلْفَتْ لَهُ فِي مَجْدِهَا إِثْرَا

بطَلٌ تَعَرَّضَ وَالْقضَاءُ لَهُ

مَجْرىً فحَوَّلَ ذِلك المجْرَى

بِالرَّأْيِ وَالأَسْيَافُ مُغْمَدَةٌ

ضَمِنَ النَّجاحَ وَأَحْرَزَ النَّصرَا

فَازَالَ عَصْراً سامَ أُمَّتهُ

خَسفاً وجدَّدَ لِلْعُلى عَصْرَا

كَمْ فِي الْوَقَائِعِ كُلَّمَا بعُدَتْ

غُنْمٌ يَفوزُ بِهِ مَنِ اسْتَقْرَى

أَيَّامُ ثرْوَتَ ثَرْوَةٌ نَفَسَتْ

بِكُنوزِهَا الْيَاقُوتَ وَالدُّرَّا

فَتَبَيَّنوا الْعِبَرَ الْكِبَارَ بِهَا

لاَ تقْرَؤُنَّ كِتَابَهَا عَبْرَا

تُؤْتِي صَحَائِفُهَا طَرَائِفَهَا

مَا الطرْفُ مَرَّ بِهَا وَمَا كَرَّا

شَأْنُ الْعَظَائِمِ أَنَّ آتِيَهَا

يَبْنِي عَلَى آثارِ مَا مَرَّا

يهْدِي تَتَبُّعهَا الْحَفِيَّ بِها

سُبُلاً إِلى أَمْثَالِهَا تَتْرَى

يَا مَن نُعِيدُ الْيَوْمَ سِيرَتَهُ

فَتَزِيدُنَا بِزمَانِنَا خُبْرَا

قَدْ كُنْتَ ذُخْراً لِلْبِلاَدِ وَقَدْ

خَلَّفْتَ فِي تَارِيخِهَا ذُخْرا

تِلْكَ الْحَياةُ وَهَبْتَهَا كَرَماً

وَنَزَاهَةً فَكَسَبْتَهَا فَخْرا

أَبْلَيْتَهَا وَشَبَابُها خَلَقٌ

فَأَلْبَسْ شبَاباً خَالِداً نَضْرَا

أَجْرٌ ظَفِرْتَ بِهِ وَإِنْ تَكُ لمْ

تَتوخَّ يَوْماً ذلِك الأجْرَا

وَكذاكَ تَجْزِي مِصْرُ فَادِيَهَا

وَكَذَاكَ يُحْسِنُ شَعْبُهَا الشكْرَا

شعبٌ أَثَارَتْهُ ظلاَمتُهُ

إِنَّ المَظَالِمَ تُرْهِقُ الحُرَّا

مَا كَانَ بُدٌّ مِنْ تهَالُكِهِ

لِيَعِيشَ أَوْ مِنَ هُلْكِهِ صَبْرَا

فَنهَضْتَ تَنْفَحُ عنْ قَضِيَّتهِ

مَتحَمِّلاً مِنْ شَأْنِهَا وِقْرَا

وَرَكِبْتَ حِينَ الأَرْضُ وَاجفةٌ

بِالدَّسْتِ ذاكَ المَرْكَبَ الْوَعْرَا

تَجْتَازُ مِن خَطَرٍ إِلى خَطَرٍ

وَتَذُودُ عَنْ يُمْنَى وَعَنْ يُسْرَى

بِدَهَاءِ ذِي عَدَدٍ وَذِي عُدَد

مِنْ نَفْسِهِ إِنْ كَرَّ أَوْ فَرَّا

جَمَعَ المُرُونَةَ وَالصَّلاَبةَ فِي

أَخْلاَقِهِ وَالصِّدْقُ وَالمَكْرَا

وَهَدَتْهُ مَعْرِفة مُحَقَّقةٌ

بِالنَّاسِ فِي تَصْرِيفِهِ الفِكْرَا

وأَعَانهُ أَدَبٌ يُرَقْرِقُهُ

فَكأَنهُ يَسْقِي النُّهى خَمْرَا

وَجَلاَ النُّبوغُ لهُ الْخَفَاءَ فَلَمْ

تكتمه أَسداف الدّجى سرّا

وسما الخلوص بِهِ فأورده

سيّين حلو العيش وَالمرّا

يمشي إِلى غاياته قمناً

ببلوغها أَوْ يَبْلُغُ العُذْرَا

وَيَرى الصَّعاب فَمَا يزالُ بِهَا

حَتَّى يُبَدِّل عُسرَهَا يُسْرَا

جُهْدُ المُسَاجِلِ فِي الخُصُومَةِ أَن

يَرْتَدَّ عَنْهُ وَلمْ يُفِدْ أَمْرَا

عنْ صَخْرَةٍ مَلْسَاءَ راسِخةٍ

لاَ مَدَّ يُوهِنُها وَلاَ جَزْرا

شَرفاً أَبَا الدُّسْتُورِ مَا رَفعَتْ

مِصْرٌ لِرَافعِ قَدْرِهَا قدْرَا

أَلْمُلْكُ فِي إِبّانِ عِزَّتِهِ

شقَّ العنَانَ وطَاولَ الزُّهْرَا

وَالشَّعبُ مَنَّاعٌ لِندْوَتِهِ

يأْبَى ضَيَاعَ دِمَائِهِ هَدْرا

لاَ يكرُثَنَّك أَنَّ وَحْدَتَهُ

صُدِعَتْ وَكَانَ بِرَأْبِهَا أَحْرَى

أَشَهِدْتُ خَيْراً لاَ يُنَاهِضُهُ

شَرٌّ إِلى أَنْ يَدْحَرَ الشَّرَّا

يتَغَلَّبُ الرَّأْيُ الأَسَدُّ وَإِنْ

حال التَّناحُرُ دُونَهُ دَهْرَا

حاشَاكَ أَنْ تَخْشَى وَلَمْ تَكُ إِنْ

خاسَ الشُّجاعُ بِخَائِسٍ ذُعْرَا

هذا مِثالُكَ نُصْبَ أَعْيُنِنا

أَجَلاَ مُحَيّاً أَمْ جلاَ بَدْرا

تِثبُ اللِّحاظُ إِليْهِ مِنْ غرَقٍ

بِدمُوعِهَا فترَى بِهِ بِشْرَا

يَا حُسْنَهُ أَوْفى يُعَلِّمُنا

أَلاَّ نَضِيقَ بِحَادِثٍ صَدْرَا

وَكَذَاكَ كُنْتَ مَدَى الْحَيَاةِ إِذَا

عَبَسَتْ بِكَ الأَيَّامُ مُفْتَرَّا

ثِقَةً بِفَوْزِكَ مَا غَلَوْتَ بِهَا

وَيَفُوزُ مَنْ لاَ يَعْدَمُ الصَّبرَا

مَنْ أَخْطَأَ الأُولَى فَظلَّ عَلى

إِيمَانِهِ لمْ يُخْطِيءِ الأُخْرَى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة