الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » خلا القصر ممن كان يملأه بشرا

عدد الابيات : 55

طباعة

خَلا القصْرُ مِمنْ كان يَمْلأُهُ بِشْرا

وَجَلَّلَ حُزْنُ رَوْضَةَ القَصْرِ والقَصْرَا

فَتى الخلُقِ العَالِي وَمَا طَالَ عَهْدُهُ

أَعَافَ اصْطِحَابَ النّاسِ فاصْطحَبَ الزُّهْرا

مَشَتْ مِصْرُ فِي تَشِييعِهِ وَتدَفَّقتْ

وَفُودٌ إِلى الفُسطَاطِ زَاخِرَةٌ زَخْرَا

أَعَاظِمُهَا خلْفَ الجِنازةِ خُشَّعُ

يُوَاكِبُهُمْ شعْبٌ مَحَاجِرُهُ شَكْرَى

كَإِكْرَامِهِمْ خَيْرَ الأُبُوَّةِ قَبْلَهُ

لَقَدْ أَكْرَمُوا خَيْرَ البَنِينَ ومَن أَحْرَى

يُعِيدُونَ ذِكْرَ الأَصْلِ فِي ذِكْرِ فَرعِهِ

وَتِلْكَ لَعُمْرِي سِيرَةٌ تَبْعَثُ الفَخْرَا

أَحَادِيثُهَا تُذْكِي عَزائِمَ مَن وَعَى

وَتَتْرُكُ فِي الأَلْبَابِ مِنْ بَعْدِهَا أَثْرَا

إِذَا مَا اسْتَعَرْنا ضَوْءَهَا فَكأَنَّنا

فَتَحْنَا بِهِا لِلْقَابِسِ المُهْتَدِي سِفْرَا

حَبِيبُ نَحَا نَحْوَ العُلى وَهْوَ يَافِعٌ

وَلَمْ يَثْنِهِ أَنْ كَان مَسْلَكُهَا وَعْرَا

فَأقْدَمَ إِقْدَامَ الَّذِي رَاضَ نَفْسَه

عَلى الصَّعبِ وَاعْتَدَّ الشَّجَاعَةَ وَالصَّبْرَا

يُؤَثِّل بِالرُّوحِ العِصَامِيِّ جَاهُهُ

فَإِمَّا تَجَنَّى دَهرُهُ كَافَح َالدَّهْرَا

عَليِماً بِأَنَّ الحَيَّ لاَ يُدْرِكُ المُنَى

إِذا هُوَ لَمْ يَقْتُلْ نَصَاريفَه خُبْرَا

فَآبَ امرَأً فِي جِيلِهِ نسْجَ وَحْدِهِ

يُخَافُ وَيُرْجَى مِنْهُ مَا سَاءَ أَو سَرَّا

وبَلَّغَهُ أَقْصَى الأَمانِيِّ أَنَّهُ

بِأَخْلاقِهِ أَثْرَى وَأَمْوَالِهِ أَثْرَى

أَتاحَتْ لَهُ عُقْبَى الجِّهادِ إِمَارَةً

وَفِي بِيعَةِ اللّهِ الَّتي شَادَهَا قَرَّا

وَحَالفَهُ التَّوْفِيقُ فِي الْعَيْشِ وَالرَّدَى

فَطابَت لَهُ الدُّنْيَا وَطَابَتْ لهُ الأُخْرَى

فَلَمَّا تَولَّى وَطَّدَ اللّهُ بَيْتهُ

بِأَعْقابِ خيْرٍ شرفوا البَيْتَ وَالنجْرا

ثَلاثَةُ أَقْيَالٍ تَمَثَّل فِيهِم

أَبُوهُمْ وَلَمْ يَأْلُوهُ حُبّاً وَلا بِرّاً

ترَاهُمْ فَفِي كُلٍّ تَرَى مِنْ أَبِيهِمُ

مَلامِحَهُ الغَرَّاءَ وَالشِّيمَ الزُّهْرَا

وَكَانُوا مِثَالاً لِلأُخُوَّةِ يُحْتَذى

وقُدْوَةَ مَنْ يَرْعَى القَرَابَةَ وَالأَصْرَا

فَيَا لِلأَسَى أَنْ فَرّقَ اليَوْمَ بَيْنهُمْ

زَمَانٌ إِذا أَلْفَى وَفاءً رَمَى غَدْرا

دوَى أَنْضَرُ الإِخْوَانِ قَبْلَ أَوانِهِ

فَأَيَّة رِيحٍ صَوَّحَتْ عُودَهُ النضْرَا

وَأَوْدَت بِمِلءِ العَينِ أَرْوَعَ بَاذِخٍ

سَمَا كلَّ نِدٍّ هَامَةً وَسمَا قدْرَا

سَرِيٍ مِنَ الغُرّ المَيَامِينِ نَابِهٍ

بِهِ كِبَرٌ حَقٌّ وَمَا يعْرِفُ الكِبْرا

هُمامٍ رَمَى أَسْمَى المَرَامِي وَلَمْ يَكَدْ

طَمُوحٌ إِلى مَجْدٍ يُجَارِيهِ فِي مَجْرَى

لَهُ مَرْجِعٌ فِي أَمرِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ

وَمَنْ لمْ يُحرِّرْ نَفْسَهُ لَمْ يَكنْ حُرَّا

صَبِيحِ المُيحَّا أَرِيَحِيٍ مُحَبَّبٍّ

إِلى الخَلْقِ لاَ كَيْداً يُكِنُّ وَلا مَكْرَا

يَلُوحُ لَهُ سِرُّ النَّجي فِرَاسَة

وَيأْبَى عَلَيْهِ النُّبلُ أَنْ يَكْشِفَ السِّرَّا

جَهِيرٍ بإِلقاءِ الكَلامِ مُصَارِحٍ

وَفِيمَا عَدا إِحْسانَهُ يُؤْثِرُ الجَهْرَا

وَليْسَ كَظِيمَ الغَيْظِ لَكِنَّه إِذَا

شَفَاهُ بعَتْبٍ لَمْ يَضِقْ بِأَخٍ صَدْرَا

وَلَيسَ بِهَيَّابٍ وَلا مُتَرَدِّدٍ

إِذَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ فَنوَى أَمْرَا

وَفِي كلِّ حَالٍ يَفْعَلُ الفِعْلَ كَاملاً

وَلا يَسْتَشيرُ الحِرْصَ أَوْ يَنْتَهِي حِذْرَا

يُرَى تَارَةً كاللَّيْثِ إِنْ هِيجَ بَأْسُهُ

وَآناً يُرَى كالغَيْثٍ مِنْ رَحْمَةٍ ثَرا

فَمَا هُوَ بِالسَّاعِي إِلى الشَّرِّ بَادِئاً

وَمَا هُوَ بِالوَاهِي إِذَا دَفَعَ الشَّرَّا

وَأَمَّا أَياِيهِ فَليْسَ أَقلُّها

وَقَدْ ذاعَ مِمَّا نَسْتَطِيعُ لَهُ حَصْرَا

أَفِي معْهَدٍ لِلْبِرِّ لَمْ يَكُ جُهْدُهُ

عَلى قَدْرِ مَا يُرجَى وَآلاؤُهُ تَتْرى

أَلَمْ يَمْنحِ الآدَابَ وَالعِلْمَ عَوْنَهُ

وَمَا يَبْتِغي مِنْ غَيْرِ خالِقِهِ أَجْرَا

أَلَمْ يَرْعَ شَأْنَ المُسْتَمِدِّينَ رِزْقَهُم

مِنَ الكَدِّ زُرَّاعاً يَكُونُونَ أَوْ تَجْرَا

أَلَمْ يُعْطِ بِالبَذْلِ الْوَجَاهَةَ حَقَّها

وَكمْ يَتَناسَى الحَقَّ مَنْ أَعْطِيَ الوَفْرا

تَظل وُفُودُ النَّاسِ تَغْشَى رِحَابَهُ

وَيُسْرِفُ فِي الأَنْعَامِ غِلْمَانُهُ نَحْرَا

فرَبُّ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيفَ مبشِراً

وَرَوْضُ الحِمَى يَسْتَقْبِلُ الضَّيفَ مُغْتَرا

فَضائِلُ زَادَتْهَا سَناءً وَرَوْعَةً

جَلائِلُ مَا يَأْتِيهِ فِي حُبِّه مِصْرَا

إِذَا مَا دَعَا داعِي الحِفاظِ أَجَابَهُ

مُجِيبٌ يَرَى التَّفرِيطَ فِي حَقِّه كُفْرَا

سَلِ العُرْبَ عَنْهُ مِن مُلوكٍ وَفى لَهُمْ

وَفَى دَينَ لِلأَوْطَانِ لَمْ يَأْلُهُمْ نَصْرَا

بِنَفسِ هَمَامٍ لا تَرَى عِنْدَ نفْسِهَا

لإِخَفاقِهِ عُذْراً وَإِنْ أَبْلَتِ العُذْرَا

عَزَاءَ الشَّقيقَيْنِ الحَزِينينِ هكَذا

جَرَى الأَمْرُ وَالأَحْجَى مَنْ امْتَثلَ الأَمْرا

وَغيْرُ كَثِيرٍ أَن نُرَجِّي مِنْهُمَا

مَآثِرَ تُبْقِيهِ بِإِبْقَائِها الذِّكرَى

عزَاءَكِ يَا أَوْفى الشَّقيقَاتِ وَارْفُقِي

بِقَلْبٍ رَفِيقٍ فِيهِ أَذْكَى الأَسَى جَمْرا

أَمَا كانَ ذاكَ القَلْبُ وَالعَقْلُ نُورُهُ

لِقَلْبِ أَخِيكِ المُوئِلَ الهادي الطَّهرَا

فَقِيدَ الَمعالي وَالمُرُوءَاتِ وَالنَّدَى

وَحُلْوَ السجَايَا إِن حَلا العَيْشُ أَو مَرَّا

أَتيْتَ أَمُوراً فِي الحَيَاةِ كَبِيرَةً

وَكَان سُمُوُّ النَّفسِ آيَتَهَا الكُبْرَى

أَتَشْهَدُ هَذَا الجَّمعَ مِنْ صَفْوَةِ الحِمَى

وَأَجْفَانُهُمْ تَهْمِي وَأَنْفَاسُهُمْ حَرَّى

لَكَ الصَّدْرُ قَبْلَ اليَوْمِ وَالقَوْلُ بَيْنَهُمْ

فَقَدْ حَلَّ رَسْمٌ صَامِتٌ دُونَكَ الصَّدْرَا

فَدَيْتُ صَفِيّاً أَصْحَبُ العُمْرَ بَعْدَهُ

وَمَا حَالُ مَفْقُودِ المُنَى يَصْحَبُ العُمْرَا

سَتَحْيَا بِقَلْبِي مَا حَيَيْتُ فإِنْ أَمُتْ

سَتَحْيَا بِشِعْرِي مَا رَوَى النَّاسُ لي شِعْرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة