الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » ذلك الشعب الذي آتاه نصرا

عدد الابيات : 187

طباعة

ذلك الشعب الذي آتاه نصرا

هو بالسبة من نيرون أحرى

أي شيء كان نيرون الذي

عبدوه كان فظ الطبع غرا

بارز الصدغين رهلا بادنا

ليس بالأتلع يمشي مسبطرا

خائب الهمة خرار الحشا

إن يواقف لحظه باللحظ فرا

قزمة هم نصبوه عاليا

وجثوا بين يديه فاشمخرا

ضخموه وأطالوا فيثه

فترامى يملأ الآفاق فجرا

منحوه من قواهم ما به

صار طاغوتا عليهم أو أضرا

يكثر الإعصار هدما وردى

إن يكاثره وما أوهاه صدر

مد في الآفاق ظلا جائلا

هو ظل الموت أو أعدى وأضرى

إن رسا في موضع طم الأسى

أو مضى فاظنن بسيف الله بترا

متلفا للزرع والضرع معا

تاركا في إثره المعمور قفرا

إنما يبطش ذو الأمر إذا

لم يخف بطش الأولى ولوه أمرا

ساس نيرون برفق قومه

مستهلا عهده بالخير دثرا

مستشيرا فيهم الحذر إلى

أن بلا القوم فما راجع حذرا

ضاربا فيهم بكف مرة

باسطا كفيه بالإحسان مرا

لان حتى وجد اللين بهم

فجفا ثم عتا ثم اقمطرا

لبس الحلم لهم حتى إذا

آنس الحلم بهم منه تعرى

وانتحى يرهقهم خترا فما

عاقل في معقل يأمن خترا

بادئا تجربة البأس بمن

هو من أهله في الأدنين إصرا

لم يشفعهم لديه أنهم

أعلق الناس به قربى وصهرا

مستبيحا بعدهم كل امرئ

رابه سما وإحراقا ونحرا

من موالين وندمان لقوا

حتفهم حيث رجوا سيبا مبرا

وأولي علم على تأديبه

أنفقوا من علمهم ما جل ذخرا

حذروه شر ما يعقبه

بغيه إن لم يخف لوما وشرا

فأباحوا خطلا أنفسهم

وأولي الألباب أعيانا وغثرا

ظن في الجمهور أعداء لهم

ملئت أكبادهم ضغنا ودغرا

كاظمين الغيظ خافين إلى

أن يلوا في وجهه العدوان جهرا

ناكسي الهامات حتى يشهدوا

في لقاء القادرين الصعر صعرا

من غيابات الدجى أبصارهم

تطلب النور وتأبى أن تقرا

فئة شكس غلاة طالما

ناوأوا الحكم وهاجوا القوم نأرا

قتلوا تركين في دعواهم

أنه يسرف في السلطان حكرا

وأثابوا بالردى قيصر إذ

أخضع الدنيا لهم برا وبحرا

أصحيح أن روما حفظت

من جلال العزة القعساء غبرا

لم يخل ذلك نيرون ولم

ير من يأمنها يأمن وترا

عد عن ذلك واذكر قتله

أمه كم عظة في طي ذكرى

هي أردت عمه من أجله

وأرته كيف أخذ الملك قهرا

ورعته حاكما حتى إذا

شجرت بينهما العلاب شجرا

ورأى الشركة في سلطانه

وهنا والنصح تقييدا وحجرا

سخر الفلك لها تغرقها

فنجت والغور لا يدرك سبرا

فتباكى خدعة لكنها

لم يفتها ما وراء العين عبرى

فاصطفى من جندها مؤتمنا

خائنا يأخذها بالسيف غدرا

ولفضل في نهاها استشعرت

غيلة الوغد إذ البارق ذرا

لحظة فيها استبانت هول ما

إثمها أمس عليها اليوم جرا

غير أن الخوف منها لم يقع

موقعا يزري إذا ما الخوف أزرى

فأشارت قبل لم تحتشم

ولها وقفتها تيها وجبرا

ثم قالت دونك البطن الذي

نكب الدنيا به فابقره بقرا

هكذا الباغي على جبن به

بدأ البغي وبالفتك تضرى

يختل الناس فرادى فإذا

أجمعوا رأيا أدار الطعن نثرا

من يجده ممكنا أصمى ومن

لم يجده ممكنا منى فأغرى

مستطيلا ما اشتهى في بغيه

قائلا ما استطاع للرأفة قصرا

غال من غال بهم في شبهة

بل كفى أن خال حتى اقتص وغرا

وادعى الوزر وقاضى وقضى

غيبة إن كان أو لم يك وزرا

وبنو روما سجود حوله

ركع راضون ما ساء وسرا

لو علوا كالمد في بحر طغى

ثم ظنوه لعاد المد جزرا

كلما كفكفه ناهي النهى

عن أذاهم جرأوه فتجرى

ليس بالتارك فيهم جهده

لسوى أعوانه جاها وأزرا

أفسد القوم على أنفسهم

فإذا الأخفر من كان الأبرا

وإذا الأوفى خثون وإذا

حسن النكر قبيلا ساء نكرا

وإذا كل ولاء عامر

تحته مفسدة تحفر حفرا

ظل في الإرهاب حتى خف من

قذفهم في روعة ما كان وقرا

فانثنى منشرحا صدرا كأن

لم يجيء من شنع التنكيل صدرا

كل يوم يمنع الجيش حبى

وعطايا جمة تبذر بذرا

كل يوم يصل الشعب بما

ليس يبقي لاستياء فيه حبرا

كل يوم ينتدي حيث انتدى

للملاهي قومه صبحا وعصرا

فأحبوه لهذا ونسوا

ما بهم حل من الأرزاء غزرا

وجرى في كل شوط آمنا

وتملى العيش بعد الخوف طثرا

أخطر الأمن فليقولا على

باله والهزر قد يعقب هزر

أفتدري من فليقولا وما

سامه الرومان مستخذين بهرا

أفتدري أي حكم جائر

ذلك الطاغي على الرومان أجرى

أفتدري ما الذي كلفهم

ذات يوم ضحكا منهم وسخرا

يوم أمسى غير مبق بينهم

من أسود الخدر من يعصم خدرا

وثنى الأعيان في ندوتهم

طوع كفيه أأحلى أم أمرا

فنوى أفعولة لم ينوها

غيره من قبل مهما يك جسرا

لو أسرت نفس أشقى ظالم

بعضها اخجله ما قد أسرا

ذاك أن ولى علهم قنصلا

فرسا من خيله أصهب ترا

مرن الأرساغ ممراحا يرى

قارحا أو فوقه إن هو فرا

كان في الخيل أبوه معزيا

بينا نسبته والأم حجرا

رحب شدق لاهزا ماضغه

لا حب المتن استوى خلقا وأسرا

مشرف العنق ضليعا هيكلا

لم يبالغ فيه من سماه غمرا

طالما استعصى على ملجمه

في الصبا ثم على الأيام قرا

وبدا فيه وقار بعد أن

كان خفاقا إذا حمل وقرا

ريض للطاغي وأوهى عزمه

كبر السن فما يسطع كبرا

وغدا في ظن مولاه به

دمثا لا خوف من أن يحذئرا

دانيا حاجبه من وقبه

لينا جانبه عسرا ويسرا

مذعنا يصلح للإقرار في

مجلس الأشياخ محمودا مقرا

فلهذا اختاره صنوا لهم

وهو لا يحسبه أحدث كفرا

لم يكد يأمر حتى استبقت

زمر تهتف في الندوة بشرى

بشروا الأعيان بالند الذي

صدر الأمر به قدس أمرا

ثم وافى بالجواد المجتبى

ساسه قد ألبسوا خزا وشذرا

فدنا مستأنسا لكنه

موشك للريب أن يبعد نفرا

ناشقا ما حوله ملتفتا

فعل من أوجس كيدا فاقشعرا

ساكنا آنا وآنا نزقا

يفحص الموقف أو يهمر همرا

مرخيا عذرا طوالا كرمت

عند من لا يرسلون العذر عذرا

بينما يسبل أذنيه وقد

جحظت عيناه إذ يرنو مصرا

أوشكوا أن يحزوا ثم بدا

فإذا ما ظن من حزن تسرى

وانبرى من فوره أرغبهم

في رضى الغاشم يسترضي الطمرا

زاعما مولاه يبلو ودهم

بالذي أهدى ولا يضمر حقرا

وأتم الأنس داعون دعوا

للجواد الشيخ أجلل بك مهرا

لم يكن مهرا وكم من فرية

بذلت في خطبة للود مهرا

يا له طرفا بنى الحظ له

في بني أعوج عزا وسبطرى

درت الجلسة يف حضرته

فأدار الذيل في جنبيه خطرا

وله سامعتا من لم يثق

وله باصرتا من قل مكرا

إن أطالوا جد رفسا وإذا

أقصروا حمحم تأنيبا وزجرا

وإذا حرك رأسا أكبروا

وحيه لله ذاك الوحي درا

كان إمرأ شأنهم من جهلهم

وقديما كان شأن الجهل إمرا

عظموا طرفا وقبلا عبدت

أمم من جهلها ثورا وهرا

ذاك إبداع فليقولا فهل

دونه نيرون في الإبداع حجرا

سنرى إن هو لم يضر به

ما الذي يفعله القوم ليضرى

لا سقاك الغيث يا جهل فكم

سقيت في كأسك الأقوام مرا

أنت أغريت بظلم كل ذي

صولة غير مبال أن يعرا

وسعت أم القرى ذاك الذي

عقها حمدا كما لو كان برا

إن يكلمه الأعزون بها

فامتداحا أن يكلمهم فهجرا

فمضى في غيه واسترسلت

في مجال الذل تحبيذا وشكرا

ألهته أوهمته أنه

مالك الضر منيع أن يضرا

فإذا أوضع في تفظيعه

كلما أزرى بها شدته أزرا

كل يوم يدعي فنا فما

هو إلا أن نوى حتى أقرا

قال بي حسن فقالت وبه

يا فقيد الشبه فقت الناس طرا

فترقى قال إن مطرب

فأجابت وتعيد الصحو سكرا

فتمادى قال في التصوير لي

غرر قالت وتؤتي الرسم عمرا

فتغالى قال في التمثيل لا

شبه لي قالت ويحيي الميت نشرا

فتناهى قال إن شاعر

فأجابت إنما تنظم درا

فعرته جنة زانت له

خطة أدهى على الملك وأزرى

أزمع الرحلة في موكبه

جاشما شقتها بحرا وبرا

موليا شطر أثينا وجهه

إنه كان لأهل الفن شطرا

يتوخى قولها في حقه

إنه أصبح في التمثيل نحرا

وكفى من شهدت يوما له

شهرة توليه في الأقطار زخرا

فمضى في أي حشد حاشد

يدع الرحب من الساحات ضجرا

بعد أن أوفد رسلا كلفوا

في أثينا دعوة الناس وسفرا

يبتغي إشهادها في محفل

حسنه الطالع في الظلماء بدرا

مسمعا سمارها مزهره

عارضا تمثيله بطنا وظهرا

إي وآيات أثينا كان من

شأنها أن تمنح الأخطار دهرا

ذاك إذ كانت هي الدار وإذا

كانت الدنيا لتلك الدار قطرا

إنما أمست أثينا عملا

داخلا في دولة الرومان قسرا

فإذا ما ألفيت شاربة

بعض أمن بالثناء الزور يشرى

أو بدت ساخرة من نفسها

تطريء الجهل وما كان ليطرا

فكذاك الرق يدني من على

ويعيد الأمة الحرة عرى

ذاك تأويل الحفاوات التي

وهبتها القيصر الممتاح فخرا

فقضى مأربه ثم انثنى

برضى من فعل الفعلة بكرا

ليس آفلون لو ناظره

بمصيب منه غير اللمح شزرا

عاد باليمن وكل مضمر

حزنا لكنه يظهر سرا

فتلقاه بروما أهلها

كتلقي فاتح فتحا أغرا

قيصر الأكبر لم يحفل له

هكذا إذ دوخ الدنيا وكرا

نصبوا الأبواب إكبارا له

وأحاطوا ركبه بالجيش مجرا

وأقاموا زينة جنح الدجى

جعلت روما سماوات وزهرا

زينة ما شهد الخلق لها

قبل ذاك العهد شبها يتحرى

خلبته واستفزت روعه

فطوى الليل وقد أضمر أمرا

ليجدن بها معجزة

ترهب الأعقاب ما النجم ازمهرا

جامعا فيها الأفانين التي

يدعي إتقانها علما وخبرا

مخرجا أشجى سماع للورى

من لهيب يسدر الأبصار سدرا

مغربا حسنا وفي مذهبه

أن خير الحسن ما يفعم شرا

فتقوم الزينة الكبرى بما

بعده لا تذكر الزينات صغرا

فاز نيرون بأقصى ما اشتهى

محرقا روما ليستبدع فكرا

بعد أن حصل في تمثيله

ما به أصبح في التمثيل شهرا

شبت النار بها ليلا وقد

رقدت أمتها وسنى وسكرى

شعلة من كل صوب نهضت

ومشت دفا وإحضارا وعبرا

زحفت رابية مضرمة

تلتقيها في عناق الوهج أخرى

جمعت أقسام روما كلها

في جحيم تصهر الأجسام صهرا

فالمباني تتهاوى والجذى

تترامى والدمى تنقض جمرا

والأناسي حيارى ذهل

غامروا هولا وساء الهول غمرا

خوض في الوقد إلا نفرا

تخذوا الأشلاء فوق الوقد جسرا

والضواري انطلقت لا تأتلي

ما التقت عضا وتمزيقا وكسرا

هجمت للفتك ثم انهزمت

فزعات ساريات كل مسرى

كثر اللحم شواء حولها

وتأبت بعد جهد الصوم فطرا

تتهادى مهراقا دمها

وبها ضعضعة النازف خمرا

دفق التبر ضياء ودما

مستفيض اللج ياقوتا وتبرا

كان بالأمس كمرآة صفت

ربما كدرها الطائر نقرا

تلتقي فيها صروح عبست

قاتمات وربى تبسم خضرا

فإذا مرت نسيمات بها

حطمتها قددا ربدا وغرا

حبذا عندئذ منظرها

منظرا والتبر في الأنهار نهرا

إذ ترى الأمواج فيه أعرضت

مالئات صفحات الماء سحرا

كجوار سابحات خرد

سابقات في تباريها وحسرى

لاهيات مغربات ضحكا

آمنات لمحات الريب طهرا

أرسل الحسن على أكتافها

من ضفير الزبد المذهب شعرا

كل غيداء رداح ناوحت

بيد عبرا وبالأخمص عبرا

هي نور الروض أو أزهى حلى

وهي غصن الرند أو أرشق خصرا

تارة تبدو وطورا لا ترى

وتناهي الظرف إذ ترفض ذرا

أين تلك العين هل حالت إلى

جنة وارتد برد الماء سعرا

أصبحت سود سعال ساقها

سائق يوسعها حثا ونهرا

في مسوح من قتار يجتلى

أرجوان تحتها من حيث تفرى

عاد صافي اللون منها رنقا

وضحوك الوجه منها مكفهرا

شرقت لماتها أصبغة

ورنت أعينها النجلاء خزرا

صار غسلينا حميما غسلها

كاسبا من حر ما جاور حرا

أي بنات الماء غبن بين

أن ترى سودا وما أبهاك شقرا

ذاك ما أحدثه البغي وهل

أدرك الصفو فلم يردده كدرا

قام سور حول روما ساطع

ناشرا أعلامه كمتا وصفرا

تحت جو ملئت أرجاؤه

من تلظيها قتاما مسبكرا

ينظر الغاشم في أقسامها

حذقه رسما وموسيقى وشعرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

838

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة