عدد الابيات : 90
لك يا مؤرّخ سُقتُ عذبَ سلامي
متوشّحاً بالحب والإكرامِ
وتحية مشفوعة بأخوّتي
منقوشة بقريضيَ البسّام
أهديك أشواقي وعاطر فرحتي
تسمو برفقتنا لخير مقام
يا رافعاً ذِكر القريض وشأنه
ومعرّفاً بالسادة الأعلام
في مُعجم يُهدي لقارئه السنا
فبه يُبدد حُلكة الإظلام
وبه يُرى الشعراءُ لم يُسمعْ بهم
وبشعرهم في عالم الأحلام
وبه يُطالعُ بعض أبياتٍ سَمَتْ
عمّا يُداول مِن هُرا وسُخام
لمّا هززتَ بجذع دوحة شِعرنا
أسقطت شعراً طيّبَ الأنسام
فجنى الجميع رطيب شعر طيب
أرأيت جوعاً يغتذي بكلام
ونقدت ما طالت يداك مؤمّلاً
أوج التقى والخير والإسلام
ونصحت ، لم تكُ وانياً أو باخِلاً
والنصح يصقلُ همّة الإقدام
ووعظت حتى قيل أبلغ واعظٍ
ولزمت بذل الوعظ خير لزام
وأبنت أخطاء الكتابة منذراً
كيلا تكون ضحيّة اللوّام
وأراك بين مؤرّخينا جهبذاً
مترفعاً عن وهدة الأقزام
سِفرٌ بسِفرٍ حبّرته يراعة
أكرم بذي الأسفار والأقلام
لم تألُ جهداً ثم لم تن همّة
مسترشداً بمعونة العلام
ومناولاً علماً يُبصّرُ جاهلاً
والفضلُ بعد الله للمقدام
أدليت دلوك في التراجم عازماً
والعِلمُ يُتحفُ طاقة العزام
حتى غدوت بما بذلت مؤرّخاً
والبعضُ خصّ كتابكم بسهام
فطفقتُ أوسعه الطِعانَ مريرة
بيراعةٍ في الكفّ مثل حُسام
تُصلِي الذين تطاولوا في خِسةٍ
وتُذيق نار البغي شر فئام
يا أيها (الجدعُ) المنظم نحوه
باركْ إله الكون في النظام
جَدّدت نحو العُرْب وفق تطوّرٍ
وأضفت للأبواب والأقسام
وأراك أتممت الفصولَ جميعها
عجباً لروعة دِقة الإتمام
مستعصماً بالله مطلعاً على
كتب الأعارب فيه والأعجام
مستلهماً أفكارَهم ودروسَهم
ولكَم يَطِيب الفكرُ باستلهام
وأنختُ راحلة القواعد في رُبا
نحو الأعارب دون أي لجام
وأفدتنا بالنحو فوّاحَ الشذى
مستعطر النفحات والأفغام
يا أيها (الجدعُ) المعتق شِعره
في جُؤنةٍ حوت العبيرَ السامي
يُشجي ويطرب كل من يصغي له
ويجيره من شدّة الأسقام
جاهدت بالشعر الذين تألهوا
وسبرت غور تلاعب الحكّام
لم تخش نقمتهم وصولة جندهم
وكشفت ما ساقوا من الإجرام
يفنى الزمانُ ، وليس يفنى شِعرُكم
وأراه للأحرار خيرَ دِعام
وأراه دربَ الثائرين ونهجهم
وأراه عن أهل الرشاد يُحامي
وأراه ظِلاً في هجير فلاتنا
يؤوي المشرّدَ في منيع خِيام
وأراه حَربة من يُنافحُ مخلصاً
عن دينه كطليعة القسّام
وأراه سيف مجاهدٍ مستبسل
في ساح حرب فجةٍ وعُقام
وأراه تسلية الكسير فؤاده
يشكو مرار القهر والإيلام
وأراه أغنية السعيد بفوزه
فيما يُؤمّلُ من هُدىً ووئام
وأراه مطمحَ كل حُرٍ ثائر
أمسى يسبّ عِبادة الأصنام
وأراه نِبراساً يذرّ تفاؤلاً
لمن اكتفى بالبعد والإحجام
وأراه قنديلاً يضيئ حنادساً
في الدرب ضاق بدُلجةٍ وظلام
وأراه تسرية تعزي ثاوياً
أضحى يعاني لوعة المُنضام
وأراه مدرسة لمبتدئ رجا
تذليل شعر بالغ الإعظام
وأراه أسلوباً يخاطب حادياً
يرنو إلى إرهاصة الإلهام
وأراه تفسيراً لحالة قومنا
لمّا غدوا أضحوكة الآنام
وأراه تشخيصاً لما قد نالنا
لما انتهجنا منهج النهام
وأراه تشفية بكل شماتةٍ
فيمن تقلد مُسكة الحاخام
وأراك ما قصرت في تحقيقه
حتى يُرى في غاية الإحكام
وأراك قد ذللت كل عويصةٍ
وأزلت عنه عوارض الإبهام
وأراك قد صرحت ، لم تكُ غامضاً
والصدقُ يوقدُ جذوة الأفهام
وأعود للتاريخ أذكرُ ما لكم
في نظمه من رائع الإسهام
شاركت في التنظير حيث أجدته
وأضفت يا كم من كُنىً وأسامي
وجعلتني من بينهم ، وأنا الذي
أشعاره عانت عتيّ رُكام
لم تحظ بالنشر المناسب لحظة
والبعضُ ينعتها بالاستذمام
لم تعط فرصتها ليقرأها الورى
بل قوبلتْ بالصد والإفحام
والنشر والتوزيع لم يتحمّسا
فصدفتُ عن تمريرة الإقدام
فطغت على شعر البطولة عُزلة
جعلته لم يعمد لأي صَدام
وأنا طمحتُ إلى السلامة موئلاً
ما الديكُ بين جوارح ورُهام؟
حتى أتى السفر العظيم فخصّني
بمدائح صِيغتْ لخير عِظام
فهرعتُ للإطراء أستبق الخطا
وأقول يا إطرا عليك سلامي
وفخرتُ بالأمداح أختصرُ المدى
وأزيدُ شكرَ الواحد العلام
وعلمتُ أني دونما (الجدعُ) ادّعى
فبضاعتي في الشعر دون مقامي
وقصائدي المُزجاة أدركُ نقصها
لكنّ شِعري ليس بالهدّام
شرف المحاولة الزهيدة غرّني
فوضعتُ أهدافي وبعضَ مُرامي
وكتبتُ لم أخش العوائق تجتني
هممَ الرجال بإمرة الظلام
ونشرتُ رغم الضيق يدحضُ قدرتي
والنشرُ زاحم راحتي وطعامي
ودهانيَ التوزيعُ يقتلُ عزمتي
رغم اتباعي نهجه بنظام
وبقيتُ رغم الكسْب أحيا غارماً
والدَّينُ جاوز عاليَ الأرقام
وكأن شِعري بين أولادي فتىً
أو واحدٌ في الناس من أرحامي
وإذا بخلتُ فسوف يبقى جاثماً
متسربلاً بالبؤس والأوهام
يبكي ، ويخنقني النحيبُ لأجله
وترهل الآمال والآضام
والربحُ كان لمن يوزعُ حِيلة
وَوُعدتُ أن أعطى نهاية عامي
ومضت عقودٌ ، والوعودُ تأجّلتْ
فصدعتُ للتجار باسترحامي
وشكوتُ لكنْ أصدروا أحكامهم
لا حق لي في النقض والإبرام
غيري من الشعراء ينشرُ باطلاً
في شكل حب مقرفٍ وغرام
والبعضُ يطرح من خفايا عِشقه
بتغنج وتدلل وهُيام
والبعض متجراً يبيعُ شعوره
وقريضه الهمجيّ بيع سوام
والبعضُ يصطنعُ الهوى مستشعراً
مستغنياً بالجَرْس والأنغام
والبعضُ راهنَ أن يغرّب شِعرنا
ليضيع عبر مجاهل الأعجام
وأقول: قد لقي القبول عزيفهم
وتناقلته وسائلُ الإعلام
وجنوْا بما كتبوا مكاسبَ جمّة
وأنا هنا أجترّ سوء رَغام
شتان بين الشعر يرفع قيمة
في ديننا بدليلها المتسامي
والشعر يخفضُ عِزنا مستقسماً
بين الورى في الدار بالأزلام
واللهِ ما استويا قريضٌ مؤمنٌ
مترفعٌ عن لمعة الدرهام
وقريضُ عبدٍ صاغه بضلاله
يرجو النكاية من هُدى الإسلام
والله ما استويا ، ولن يتساويا
شتان بين الشيح والدمدام
سأعيشُ ملتزماً بهدي عقيدتي
ولئنْ جرعتُ سُلافة الجرسام
وأموتُ كي تبقى الشريعة في الذرى
مهما استطلتُ تمدد الأعوام
1954
قصيدة