يا شوق أنت سحابة في موكب الليل الحزين تشوقني
وعذوبة في مطمح الأمل البئيس على الشفاه تروقني
يا شوق أنت كرامة خجلى تمرق من ترائبها الدمُ
وأبى المذلة والإهانة والضياع لها اليراع الأعجمُ
يا شوق كم في النفس من ألم يذوب له الكثيب ، ويزفرُ!
والروح باكية تخبئ وجْدها بالصمت ، ها هي تنظرُ
يا شوق أنت الحب يملأ مهجتي ، فارحم فؤاداً طيّعا
إن الخطوب تؤز عطر قريحتي وشبيبتي والمنبعا
يا شوق أنت أزاهرُ الأحلام والأنسام في غسَق الدجى
ضمّدْ بكفك آهتي ، ودع الجفاء ، ولا تكنْ متحرجا
يا شوق فيك توشّحت بالصبر كل خواطري ومشاعري
وتجمّلت بالعز في ظل المهابة والإباء سرائري
يا شوق يا عطر الحياة ونورَ قلب في الترفع صامتِ
لكنما الأحداث تطحن مَن تمسّك باليقين الثابتِ
يا شوق يا نجوى المحب وأنسه وأريج نفسي الحائرة
أبداً تداعبُ وحدتي وكآبتي بالأمنيات الساحرة
يا شوق يا شمساً تنير دروبنا وبقاعنا لا تخمدُ
إني سهرت الليل من ألم الجوى ولقد جفاني المرقد
يا شوق فاكسرْ بالعزيمة غيهبي فوق الرمالْ
وامسح دموع الوهم والآلام والأحزان في عين الجَمالْ
يا شوق فكّ القيدَ والأغلالَ عن أيدي الشفقْ
لا تسأل الأصحاب عوناً واحتمالاً ، إنما الصدق اختنقْ
يا شوق واسمُ إلى العُلا ، وانظر إلى ما فوق أنوار النجومْ
واصمدْ لكل خيانةٍ ، ودع التعلل والوجومْ
يا شوق إني حافظ حق الإخاء ، وعاذلي قتل الحفاظ
إن العواذل في الدروب كما الدمى ، عجباً لأوباش غِلاظ
يا شوق غيري في الدغاول هِرة ، ونراه في كنف العدو
وعلا بخسته العميلُ وحزبه ، والناسُ يُذهلها الغلو
يا شوق إنا في المصائب وحدنا ، فمتى نتوق إلى العُلا؟
ومتى سنكشف للأنام حقيقة يا شوق ما فعل المَلا؟
يا شوق أيامُ الفتى معدودة ، ولكل داءٍ مَكمنُ
تعب اليراعُ مِن المِداد المُكْفهر ، وغاض فيه المطعن
يا شوق فارحم من عذابك عزمتي ، تعب الضميرُ المذنبُ
وتعثرتْ قدمي فبُؤتُ بخيبتي ، وطوى إبائي الغيهبُ
يا شوق آذتني الجراح ، وبات شعري في المدى يتلجلجُ
والغدر لم يرحم صمودَ مشرّدٍ مما يرى يتحرّج
يا شوق والأفراحُ ولت والصدى ، حتى ترانيم الهوى
لم يبق إلا الشوكُ في درب الفتى ، وكذا أخاديدُ الجوى
يا شوق والأوغاد باعوا صحبتي ، وترى اللظى يتوقحُ
وتفصّل الأوهامُ من شِعري المُدى ، وأنا بها أتجرحُ
يا شوق صعبٌ في العذاب تصبّري ، أكذاك يشقى المخلصُ؟
أكذاك تركله المصائب والدغاول ، والمدى يتربصُ؟
يا شوق والإسلام مسلوبُ الحِمى ، ويضيعُ بين طوائفِ
وتموت ريحُ القوم في جدل يدور على هشيم مواقفِ
يا شوق والتوحيد دام بات تبكيه المَدامعُ والهمومْ
وقد اكفهر الخطب ، وانتحرتْ على الهدي الكواكب والنجومْ
يا شوق إن علو قومي في البرايا رغم هذا معجزة
ولربما الأوهام تزرع في ربانا الأمنيات المنجزة
يا شوق أرجحَنا الغموض ، وبدد الإحساسَ في دمنا الشطط
وكذاك أطمعَ مَن يُعادينا على الأرض التمزق والغلط
يا شوق ماذا خلف هذي السحْب والغيم المظلل بالطنسْ؟
والبيد ماذا قد تخبأ عبْرها في مَعقل الذل التعسْ؟
يا شوق هذي البيد خانت عهدها وتراثها الزاكيْ النقي
وتظاهرت بالهَدي والإحسان في أجواء عالمها الشقي
يا شوق هذي البيد كانت ضيعتي رغم الحُدود المُخزية
واليوم هذي البيدُ سِجنُ كرامتي وشهامتي المتردية
يا شوق خِلي في الكروب قريحتي والمطمحُ المتلطفُ
ويراعتي وقريضُ قلبي وانفعالي الثابتُ المتعففُ
يا شوق إني قد بذلت مشاعري ، وهناك غيري قد قبضْ
وسعى ليُخرب بيتنا وحياتنا ، وتراه لمّا يمتعضْ
يا شوق أخبرْني وأعلمني إلى أين اندفاع القافلة؟
أوليس يوماً تنتهي بالناس للأخلاق هذي السابلة؟
يا شوق كفكفْ دمعة تجتاح بسمة مَن تعثر في الطريقْ
ويعيش بين الناس مُلتاعاً كما يسعى إلى الشط الغريق
يا شوق لملمْ حسرتي ، فيم البكاءُ على الطيوف الواهمة؟
إن الحياة قصيرة ورخيصة ، ولسوف تأتي الخاتمة
يا شوق إن الحُر في هذي الدنا أبداً يئن ويكتوي
وتراه خلف سراب ظل العمر يُمسك بالرماد وينزوي
يا شوق رفقا ، إن هذا الحر يأمل أن تزول المعركة
وكما ترى اندكتْ رماحُ الغدر في أحشائه والصعلكـــة!
يا شوق عذبه الجوى والجوع ، ثم لغيره اللحمُ الحنيذ
ويصب ماء العيش في آلامه ، وسواه يلعب بالنبيذ
يا شوق هذا الحُر يسعى للعُلا ، وكما ترى يتقطعُ
وسواه يقتحم الحرام ، ولا يبالي ، كالبهيمة يرتعُ
يا شوق والآلام تأكل قوته ، وتسربل الأمل الوضئْ
والحُر يمعن في الذهاب ، وليس يدري بعدهُ كيف المجئْ
يا شوق هذا الحُر يسعى وحده متسامياً وسْط العبيدْ
فامنحه يا شوقَ الكرامةِ والشهامةِ في الورى الرأيَ السديدْ
يا شوق هذا الحر كم عانى! وكم قاسى عقابيل الدجونْ!
في بحرك اللجّي فارحم ضعفه ، وأعره يا شوق السفينْ
يا شوق هذا الحر عان دائماً ، وسواه ها هو يكنزُ
ولقد يخوض المُعضلاتِ غضنفراً ، وسواه عنها يعجز
يا شوق فيك الخيرُ فاجبر كسره ، وارفق بذل العاطفة
إن المنايا فوق رأس الحر هذا كالجيوش الزاحفة
يا شوق إن فؤاده مترفعٌ مثل الغمام الصيبِ
يعطي بلا مَنّ ، وتسمو روحُه بين الورى كالكوكبِ
يا شوق والآمال تجرح عزمه ، فيُطيل في الغيم السفرْ
وتراه فوق رفاقه وخصومه متعالياً مثل القمرْ
يا شوق والدنيا تقطع لحمه ، ويُباع بيع التجزئة
ويسيل من دمه التعفف والإباء على تراب التهنئة
يا شوق والعين استجارت بالمليك من التقرح والدموعْ
يهتاج فيها الطيفُ عذبا مثلما يبكي وينتحب الرضيعْ
يا شوق والأصحاب خلف معاشهم وفلوسهم مثل الطلولْ
وإذا رأوْا في الساح راقصة يدقون المزاهر والطبولْ
يا شوق والخلان فرّوا في البراري عندما حميَ الوطيسْ
وتنكروا للحق والتوحيد مثل تنكر المرء الخسيسْ
يا شوق واجهتُ الكوارث دونهم ، وكذا الخطوب الشائهة
وإذا بهم يوم التجأتُ لنصرهم مثل الحمير التائهة
يا شوق كلٌ في المعامع أرنبٌ ، تعستْ عقولٌ فارغة
وإذا تكلم واحد منهم تخال حروفه كالنابغة
يا شوق عذبني خليلٌ ذات يوم كان فينا المستنيرْ
وهو الأصم عن الحقيقة والمغيّب عن مَغبَّات الأمورْ
يا شوق وهْو مصيبة في صمته وكلامه المترهلِ
لكنما عصرٌ يُدنّي من علا ، ويُقيل عثرة مبطلِ
يا شوق والعزمات والهمم الرفيعة قد تعقبها الغبشْ
فأحالها خوَراً يُصفق خلف طبّال الضلال المنتفشْ
يا شوق والمجهول وحشٌ كاسرٌ ، يحتال خلف الرهبنة
وسياطه فوق الظهور كما اللظى ، ويُجيد حبك الشيطنة
يا شوق والإنسان مذبوحُ النهى ، وقويُه أكل الضعيفْ
وتمرّق الإحساسُ منه فلا حيا ، ويسيل من فمه الحفيفْ
يا شوق ثم تراه يُزجي للطواغيت الثنا تلو المديحْ
عارٌ عليه الصدق في هي الدنا ، يا ذِلة العقل القبيحْ
1954
قصيدة