الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » ما موقفي في مصرف للمال

عدد الابيات : 83

طباعة

مَا مَوْقِفِي فِي مَصْرِفٍ لِلمَالِ

أَنَا شَاعِر مَا لِلحِسابِ وَما لِي

لا شَيءَ لِي فِيهِ وكلّ كنوزِهِ

مِنْ حَيْثُ تَنْفَعُ مِصْرَ أَحْسبُهَا لِي

إِنْ أَيْسَرَتْ مِصْر وَفِيهِ ضَمَانهَا

إِنِّي إِذَنْ فَرِحٌ بِرقَّةِ حَالِي

تُنْعَى عَلَى الشُّعَراءِ أَوْهَامٌ لَهَا

خِدَعُ البَهارِجِ فِي طِلاَءِ مُحالِ

وضُروبُ إِيقَاعِ مُرْجعَةٌ عَلَى

وَتَرٍ مِنَ الضَّربِ المُبرِّحِ بَالِ

تحلُو بِأُلْفَتِنَا لَهَا لَكِنهَا

سَرْعَانَ مَا تُفْضِي إِلى الإِمْلاَلِ

وتَظلُّ عَنْ مَجْرَى الحَياةِ بِمَعْزِلٍ

وَتُنَافِسُ العُمْرَانَ بِالأَطْلاَلِ

إِنْ كَان بعْضُ الشَّعْرِ هَذَا شَأْنهُ

ما الشِّعْرُ كلّ الشِّعرِ محْضُ خَيالِ

وَتَعَلُّلٌ بِمُدَامَةٍ وتَعَذلٌ

لِمَلاَمَةٍ وَتَغَزُّلٌ بِغَزَالِ

أَلشِّعْرُ يَنْتَجِعُ الجمَالَ وَيَنْتَحِي

فِي كُلِّ شَعْبٍ مَصْدَراً لِجَمَالِ

بِالحُسْنِ وَالمَعْنَى لَهُ إِلمَامَة

تَجْلُو الحَقَائِقَ فِي أَحبِّ صِقَالِ

هُوَ مَوْرِدٌ يُروِي النَّهَى بِنَمِيرِهِ

وَيُعِيرُهُ فِي العَيْنِ لَمْعُ الآلِ

هُوَ مُثْقِبُ العَزَمَاتِ فِي طَلبِ العُلَى

ومُطِيلُ مَا تُدْنِي مِنْ الآجالِ

لاَ شَيءَ يُلْهِمُهْ وَيَقْتَدِحُ اللَّظَى

مِنْ زَنْدِهِ كَعَظَائِمِ الأْفَعَالِ

يَا بَنْكَ مِصْرَ وَلِيد نَهْضَةِ أُمَّةٍ

لَمَّا بَنَتْكَ بَنَتْ لِلاِسْتِقْلاَلِ

يِتَمَكُّنِ الأرْكَانِ وَالأسُسِ الَّتِي

حَملَتْكَ زُكِّيَ رَأْيُ مِصْر العالِي

رَأْيٌ بدا لأُولِي البَصائِرِ سِرهُ

فِي ضَوْءِ مَا أَبْدَى وزيرُ المالِ

أَلعَبْقَرِيُّ المُسْتَشَف نُبُوغَهُ

فِي كُلِّ تَدْبِيرٍ لَهُ وَمَقَالِ

هُوَ أَوَّلُ النُّخَبِ الْتَيِ أَبْرَزُتَهَا

وَلِذَلِكَ الهادِي النَّجِيبِ تُوَالِي

أَطْلَعْتَهُ بَدْراً وَكَمْ فِي إِثْرِهِ

يَنْمُو هِلاَلٌ لاَحِقاً بِهِلاَلِ

وَفَّيْتَ عَهْداً بِالأُولَى أَعدَدْتَهُمْ

لِلسَّبْقِ مِنْ فُرْسَانِ كُلِّ مَجَالِ

ومُنًى ضرُوباً لِلبِلاَدِ قَضيْتَهَا

جعلتْ مكَانَك فَوْقَ كلُّ منَالِ

هِي أُمَّة جَادَتْ علَيْكَ بِوَفْرِهَا

وَتَعهَّدَتْك بِنَصْرِهَا المُتَوالِي

وتَجشَّمَت مِنْ دُونِ حرِّيَاتِهَا

ما جُشِّمتْ بِتَحوُّلِ الأحوالِ

فَمَكَثْتَ فِي أَعْقَابِ مَا اضْطَلعتْ بِهِ

مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ ليالِ

أَعْلَى ذَخَائِرهَا وأَنْفَسُ ما جَنتْ

مِنْ كلِّ مَبْذولٍ عزِيزٌ غَالِ

فِي خَمْسَ عَشْرَ مِنَ السِّنِينِ أَتَيْتَ مَا

لَمْ يَأْت غَيْرُكَ مِنْ سِنِينَ طِوالِ

وشَبَبْتَ مُكْتَمِلَ الرجُولَةِ حَيْثُمَا

دَرَجَ اللِّدَاتُ مدارِجَ الأَطْفَالِ

مُتَغَفِّراً مُتَدَرِّعاً إِنْ صَرَّحَت

حَربٌ وقَالَ الحانِقونَ نَزَالِ

حَرْبٌ وَمَا أَكْفَى المُسَمَّى بِاسْمِهَا

لِيصُول فِيهَا صَوْلَةَ الرِّئْبالِ

لِلنَّصْرِ فِيهَا طَلعَةٌ مِنْ طَلْعتٍ

شَهِدَتْ عَوَاقِبُهَا بِصِدْقِ الفَالِ

أَمِنَ الغُلوِّ وَذَاكَ فَضْلُ جِهَادِهِ

لِبِلاَدِهِ أَنْ عُدَّ فِي الأبْطَالِ

يَا قَوْمُ حَيوا بَنْكَ مِصْرَ فَإِنَّهُ

حِصْنُ النَّجَاةِ وَمَعْقِدُ الآمَالِ

فِي مَجْدٍ مَاضِينَا عَلَيْنَا حُجَّةٌ

إِنَّ لَمْ نُعَزِّزهُ بِمجْدِ الحالِ

هُوَ كَائِنٌ مِن رُوحِ مِصْرَ وَأَمْرهِا

سَامِي الحَقِيقَةِ بَارِعُ التِّمْثَالَ

لِلخِصْبِ والإِقبَالِ أَعْلَى دَوْلَةً

فِيها وَعفَّى دوْلَةً الإِمْحالِ

يَبْغِي سَلاَمَتَهَا وَرِفْعة شَأْنِها

فِي كُلِّ مُقْتَحَمٍ وَكُلِّ مَصالِ

أَغْزى سَماءَ الشَّرْقِ بِيضُ نُسُورِهَا

يخطُرْنَ فِي الغُدُوَاتِ والآصالِ

وَعَلَى المُتُونِ أَهِلَّةٌ خَفَّاقَةٌ

لِتَعاوُن فِي البِرِّ لاَ لِقِتَالِ

أَجْرَى سَفَائِنِهَا فَهُنَّ مَوَاخِرٌ

بِالرَّكْبِ وَالأرْزَاقِ غَيْرُ أَوَالِي

أَلبرِّ يَأْنَسُ لِلُّقَاءِ وَيَحْتَفِي

بِالعَوْدِ بَحْرٌ لَمْ يَكنْ بِالسَّالِي

مِنْ كُلِّ مَا تُرْجَى مَنَافِعُهُ حَبَا

مِصْراً بِمَأْثُورٍ طَرِيفٍ مِثَالِ

طُفْ بِالمَحَلَّةِ تُلْفِ كَيْفَ تَبدِلَتْ

بِالبالِيَاتِ حدِيثَةُ الأَنْوَالِ

وَتُقِرُّ عَيْنَكَ مُتْعةٌ أَهْلِيَّةٌ

أَغْنَتْ عَنِ النَّسَّاجِ وَالغَزَّالِ

يَتَهَلَّلُ الشُّرَكَاءُ فِي أَرْبَاحِهَا

لِتَهَلُّلِ الفَرِحِينَ بِالأَجْعَالِ

تِلْكَ المَعَاهِدُ يَسَّرَتْ مَا يَسَّرَتْ

مِنْ كُلِّ كَسْبٍ فِي الكِفَاحِ حَلاَلِ

تُؤتِي الغِنَى وَيَعِيشُ فِي أَكْنَافِهَا

آلاَفُ آلافٍ مِنَ العُمَّالِ

وَتخَرِّجُ المُتَادِّبِينَ لِيُحْسِنوا

فِي العَيْشِ مَا يُجْدِي مِنَ الأشْغَالِ

اللهُ يعْلَمُ كَمْ وَقَتْ أَوْطَانَكُمْ

شَرَّ الفَرَاغِ وَفِتْنَةَ البُهَّالِ

فَاليَوْمُ عِيدٌ لِلكِنَانَةِ فَخْرُهُ

أَنْ لَبْسَ مَرْدُوداً إِلى أَمْثَالِ

لاَ تَلْتَقِي مِنْهَا اللَّحَاظ بِمَوْقِعٍ

إِلاَّ وَفِيهِ لِلسُّرُورِ مَجَالِي

هُوَ عِيدُ مِصرَ وَلاَ انْفِرَادَ لَهَا بِهِ

كَلاَّ وَلاَ لِلعَصْرِ دُونَ التَّالِي

هُوَ عِيدُ رَابِطَةِ الشُّعُوبِ جَمِيعِهَا

فِي الشَّرْقِ بَعْدَ تَفَكُّكِ الأَوْصَالِ

هُوَ عِيدُ حَاضِرِهَا وَمُقْبِلِهَا عَلَى

مُتَعَاقَبِ الأَحْقَابِ وَالأَجْيَالِ

أَعْظِمْ بِهذا الحَفْلِ فِيهِ وَكُلُّهُ

مِنْ صَفْوَةِ الوُزَرَاءِ وَالأقْيَالِ

وَمِنَ السَّرَاةِ تَفَاوَتَتْ أَقْدَارُهُمْ

وَتَوَافَقُوا فِي البِشْر والإِقبالِ

شَرفُ الرَّئِيسِ وَقَدْ تَوَسَّطَ عِقْدَهُمْ

شَرَفْ الفَرِيدَةِ وَالجُمَانِ غَوالِي

مَا زَالَ صَدْراً فِي الصُّدُورِ وَلَمْ يَكُنْ

مِنْ مَهْدِهِ إِلاَّ حَلِيفَ مَعَالِي

لَطْفٌ وَآدابٌ وَصِدْقُ فِرَاسَةٍ

وَوَفَاءُ مَوْلَى فِي مَهَابَةِ وَالِي

حَقٌ لَهُ ولِصاحِبَيْهِ مَا لَهُمْ

فِي قَوْمِهِمْ مِنْ صَادِقِ الإِجلاَلِ

هلْ رَاعَكُمْ مِنْ طَلْعَتٍ وَبَيانِهِ

نُطْقُ السكُوتِ وَحُسْنُ مَا هُوَ نَالِي

وَتَنَاوُبٌ فِي عَبْقَريٍ وَاحِدٍ

بَيْنَ الفَتَى الفَعَّالِ وَالقَوَّالِ

إِنِّي لأَفْزَعُ حِينَ أَبْغِي وَصْفَهُ

مِنْ بَعْدِ مَا أَبْغِيهِ وَهْوَ حِيَالِي

جَبَلٌ تَضِلُّ العَيْنُ فِي عَلْيَائِهِ

وَالوَحْيُ مَهْبِطُهُ رُؤُوسُ جِبَالِ

بَحْرٌ وَلَيْسَ يَضِيرُهُ مُسْتَنْكِرٌ

أَنْ ينْظِمَ الشِّرِكَاتِ نَظْمَ لآَلِي

لِلهِ عُزْلَتُهُ وَمِنْ شُرُفَاتِهَا

يَرْمِي الجِهَاتِ بِلَحْظِهِ الجوَّالِ

يَرْتَادُ حاجَاتِ الحِمَى لِقَضَائِهَا

وَيَسُدُّ خَلاَّت بِغَيْرِ سُؤَالِ

مَاذَا يُدِيرُ وَمَايُدَبِّرُ وَحْدَهُ

مِمَّا بِهِ يَعْيَى عِدَادَ رِجَالِ

تَرْنو إِلَيْهِ لَمَا تَرَى إِلاَّ نَدًى

حَيْثُ الهُمُومُ تَهُم بِالإِشْعَالِ

كُثْرٌ مَآثِرُهُ أُرَدَّدُ ذِكْرَهَا

وَفُؤَادُ سُلْطَانٍ يَمُرُّ بِبَالِي

جَمَعَ التَّوَافِي فَرْقَدَيْنِ هُمَا وَقَدْ

عَزَّ التَّوَافِي مَضْرِبُ الأَمْثَالِ

يَقِظَيْنِ مُؤْتَمَنَيْنِ عَنْ ثِقَةٍ عَلَى

مَا فِي ذِمَامِهِمَا مِنَ الأمْوَالِ

وَمُحَولَيْنِ لِنَفْع مِصْرَ وَأَهلِهَا

مَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ لِنَفْعِ جَوَالِي

فَإِذَا لِلاِسْتِغْلاَلِ مَعْنًى مُخْلِفٌ

مَا كَانَ مِنْ مَعْنًى لِلاِسْتِعْلاَلِ

رَكِبَاً إِلى أَسْمَى المَآرِبِ صَعْبَةً

تَفْتَكُّ أَحْرَاراً مِنَ الأَغْلاَلِ

أَفَيَمْكُثَ السادَاتْ فِي أَوْطَانِهِم

وَكَأَنَّهُمْ للاجْنَبِينَ مَوَالِي

لِفُؤَادِ سُلْطَانٍ بِطَارِفِ مَجْدِهِ

إِنْ لَمْ يَكُنْ بِالعَمِّ أَوْ بِالخَالِ

يَا حَبَّذَا الشَّرَفُ الرَّفِيعُ يُصِيبُهُ

غَيْرُ المُدِلِّ بِهِ وَلاَ المُخْتَالِ

هَذَا فَتَى الفِتْيَانِ غَيْرُ مُدَافَعٍ

وَالقُدْوَةُ المُثْلَى بِغَيْرِ جِدالِ

هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الَّذِي أَحْمَالُهُ

تُوهِي وَلاَ يَشْكُو مِنَ الأَحْمَالِ

أثْنِي عَلَيْهِ بِمَا بِهِ وَأُحِبُّهُ

لِلفَضْلِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلإِفْضَالِ

إِنْ العَرِينَ وَهَؤُلاَءِ أُسُودُهُ

لَمُؤَمَّنٍ بِتَرْعْرُعِ الأَشْبَالِ

حَتَّى يُعَيِّدَ كُلُّ جِيلٍ عِيدهُ

بِتَسَلْسُلِ الأَدْهَارِ لاَ الأَحْوَالِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة