عدد الابيات : 76
أبّنتك اليوم بالدموع تنتحبُ
والقلبُ من ألم المأساة مكتئبُ
والنفسُ تجرعُ طعم الحزن ثاوية
إذ أصبحتْ بجوى المصاب تختضب
والروحُ تقتاتُ صبراً في بليتها
من بعد أن أجّجتْ إيلامَها الكُرَب
والخاطرُ التاعَ مِن وجدٍ ألمّ به
وكم تُعكّر صفوَ الخاطر النوب
أيا (ابن عبد الوهّاب) البعثُ مَوعدُنا
شط المَزارُ بنا ، أو طالتِ الحِقب
يا من رحلت ، وبي شوقٌ يُداعبني
أني للقياك يا أستاذ أنجذب
إنْ لم يطبْ ملتقىً في (مصرَ) يجمعُنا
فعند رب الورى للكل منقلب
أحنّ والبينُ يكوي عزمة صمدتْ
في غربةٍ سَمتُها البلاءُ والنصب
ذقتُ الهوانَ بها في مُرّ تجربةٍ
قِوامُها الضنكُ والإذلالُ والتعب
حتى التقينا و(إسماعيلُ) قدّمنا
كلاً لصاحبه ، فطاب مغترَب
وغرّد العيش في أرحابه بكما
ولم أعش بكما آسى وأنتحب
كان اللقاءُ هنا في بيت مرتزق
برئٌ العلمُ – من دنياه والأدب
في صحبةٍ بقيتْ عقدين ما أفلتْ
إذ نوّرتها رياضُ العِلم ، والكتب
وما التقينا على الأصهار تجمعُنا
ولم يكنْ سبباً في حُبنا النسَب
ولم تكنْ صحبة لنيل منفعةٍ
يسوقها الجاهُ ، أو يُدلي بها حسب
ولم تكنْ عِشرة جاءت لمصلحةٍ
بل كل خِل بها يعطِي ويحتسب
والناسُ تغبط عن قصدٍ ثلاثتنا
ويَعجبون إلى أن يعجب العجب
وللزيارات فحواها ورونقها
درسٌ وعِلمٌ ولهوٌ بعضُه لعب
ولستُ أنسى سنا الأسفار يجمعُنا
شأن الذين إلى غاياتهم ذهبوا
فمن مرابع (عجمان) إلى (فلج)
وتستطيبً خطانا البيدُ والكُثُب
وكم سهرنا اللياليْ في مناظرةٍ
بعضُ الجدال ثنا ، وبعضه خطب
كم استسغنا طعاماً أنت صانعُه
وبعدَه وُضعَ التفاحُ والعنب
وكم شربنا عطيرَ الشاي عن رغب
حتى تلذذ بالسُلافة الرغب
وكم أكلنا لحوماً أذهبتْ سَغباً
وباللحوم يزولُ الجوع والسغب
ولست أنسى مِن المَحشيِّ نكهته
وللأصابع اشكالٌ به قشب
ولا الدجاج زكتْ فيهِ توابلهُ
والأرز من فوقه الحِساءُ ينسكب
ولا الخضار تفوق الوصفَ طعمته
وإن يكن في صِحاف الطبخ يلتهب
ولا الكنافة فاقت في حلاوتها الـ
ـشهد المصفى حواه الصحنُ والعلب
ولا الكوامخ والمِلحُ الكثير غزا
صوابها ، فغدتْ بالمُرّ تأتشب
ولا الصحون بها المُقبّلاتُ شدتْ
وليس من بينها صحنٌ به عطب
ولا المشاوي زكا دخانها عبقاً
يغشى الأنوفَ ، وقد تعنو له السحُب
ولا المقالي قلتْ دُرْدِيّها فحلتْ
لآكل يشتهي ما تحملُ القضب
فهل طبخت على نيران (مُوقدةٍ)
القشّ في أمّها والتِبنُ والحطب؟
ولستُ أنسى لذيذ المُعْجنات وقد
أغرى الذي يشتهيها السمنُ والحَلب
ولستُ أنسى على الإفطار مأدبة
والأسودان عليها: الماءُ والرطب
بلغت يا صاحبي في الجود مرتبة
وكم جواد سمتْ بجوده الرتب
بذلت بذلَ الألى في بذلهم سبقوا
مِثلاً بمِثل كما تزجي العطا الرُبُب
وكم نهلنا من العلوم أعذبها
من الذي خطتِ الأعجامُ والعرب
وكم طربنا إذا طال النقاشُ بنا
وإن تقاصرَ لمّا يذهب الطرب
وكم بكينا على أحوال أمتنا
بكاءَ من عضه الإشفاقُ والحَدَب
وكم حزنّا على غِياب شِرعتنا
وداهمتنا لما قد نالها اللغب
وكم نهضنا بما للحق من طلب
وهل سِواه هُدىً يُرجى ويُطلب؟
وكم نشطنا نحث القاعدين على
بذل الجهود ، لنا من حثنا أرب
وكم حملنا على الرشاد كوكبة
من الكُسالى الألى في غيهم ضربوا
وكم دعونا لدين الله في ثقةٍ
أن الدعاة لهم رغم الأذى الغلب
وكم حلمنا على الجهّال نعذرُهم
والجهلُ يعقبُه الدمارُ والتبب
وكم أقمنا على العُتاة حُجتنا
لم نخش إن هم رضوا كلا وإن غضبوا
وكم بحثنا قضايا ما لها عددٌ
إن ساورتنا شكوكٌ ، أو أتت ريَب
ويومَ زرتُ وزوجي الأهلَ في (ظفر)
ويانعُ الزرع في الحقول مُختلب
ورحّب القومُ بي ترحيبَ سيّدهم
لأنهم صُدُقٌ في جودهم نخب
وقدّر (البنويُّ) الشهمُ جيئتنا
وأكرم الضيفَ ، نعم الجودُ والقرب
وأحسن الطيّبُ المضيافُ محتفلاً
بنا كأنا إلى أهليه ننتسب
وجنّ ليلٌ علينا في ضيافته
ونحن حتماً إلى الديار ننقلب
فودّع الركبَ ، والدموعُ تخنقه
والوعدُ في ملتقى عساه يقترب
أيا (ابن عبد الوهّاب) اخترت صالحة
كريمة الأصل ، نعم الزوجُ والنسب
ولا نزكّي على الرحمن من أحدٍ
بل حسبها الله مَن لديه نحتسب
يا (أم عبد الوهّاب) اللهُ مطلعٌ
أنا على زوجكِ الفقيد ننتحب
(عبدَ الوهّاب) اصطبرْ لما ابتليت به
والصابر الحق لا يزري به الوصب
ولا تنلْ من رجال الدين إن لهم
حقاً علينا ، وإن صُدّوا وإن غلِبوا
سمعتُ أنك تهجوهم وتشتمهم
وكل ما قلته عنهم هو الكذب
فاربأ بنفسك أن تغتاب صادقهم
وقمْ لهم في الورى طوعاً بما يجب
واذكرْ أباك الذي لم يستخفّ بهم
يوماً ، وأعداءَهم قد عاش يجتنب
بُنيّ راجعْ ضميراً غاب وازعُه
ولا يغرّك إعلامُ الألى كذبوا
واستفتِ قلبك ، لا تسمعْ لمن ظلموا
للنار هم ، والألى أصغوا لهم حصب
والصمتُ أبلغ من قول به غلط
لا يستوي الطيش في الميزان واللبب
(عبد الوهاب) أنا نصحتُ في وضح
وليس في حُجتي هزلٌ ولا صخب
حتى يكون كلامي بعض معذرةٍ
إن ضمتِ المرءَ معْ أحبابه الترب
(زهراءُ) لا تهني أو تحزني أبداً
إن اللقاء بهذا المَيْت مُرتقب
وأنتِ يا (هندُ) لا ألقاكِ ثاوية
أن غاب عنكِ إلى دار الخلود أب
خوضي غِمار لظى الحياة مُوقنة
أن اليقين بتقوى الله يُكتسب
شُقي الطريق بلا ضعفٍ ولا خوَر
ولا يعُقكِ عن اجتيازه الرهب
وشاركي الأهلَ فيما قد ألمّ بهم
هذا هو الرشَدُ والإخلاصُ واللبب
وسامحوني على التقصير سببه
بأسُ الطواغيت ، لا لومٌ ولا عَتب
فررتُ بالدين من دار تضيق به
لمّا يكنْ لاكتساب الدرهم الهرب
ما قيمة المَال إما الدينُ فارقنا؟
وهل يحل محل الشِرعة الذهب؟
1954
قصيدة