عدد الابيات : 51
ذكرياتُ الأمس مرتْ تجري
ولهيبُ الحزن مثلُ الجمرِ
خبرٌ هزّ الدموع الحرّى
ومساءٌ طال مثل الدهر
وفؤادي في الدياجي عانى
وجَوى الروح كموج البحر
والأماني اليوم باتت تشكو
لوعة الأحزان رغم الصبر
وعذاب الكرب أدمى روحي
واحتواني في بلائي قهري
آه ، والأيامُ حولي ثكلى
وانفعال النفس يشوي شِعري
رفرفتْ حولي طيوف لهفي
حيّرَ الأطيافَ هذي أمري
قدري أني كسيرٌ ، دوماً
في هجير الروْع أقضي عمري
والمنايا شاهراتٌ سيفاً
ولها حلمٌ يناغي قبري
ظلمة سادت ، وحلتْ فوقي
فمتي ينشق عنها فجري؟
ومتى ينزاحُ عنها قيدي؟
ومتى ينفك غل الأسر؟
بين غل وانكسار أحيا
دون ذنب عاقني أو وزر
ومِدادُ الشعر ملّ الشكوى
ثم ناجاني: وماذا عذري؟
ونسيم الشوق مل النجوى
غاب عني اليوم نور البدر
أختُ عفواً ، إنني مُلتاع
ثم إن الحزن أدمى صدري
كلما جاءتْ طيوفٌ تسعى
وعليها الزهرُ فوق العِطر
أذكر الأخلاق ، يا أختاهُ
وعليكِ السترُ فوق الستر
تلك إكرام التي ما غابت
عن أحاسيسي ، ولا عن فكري
أختُ آذاني فراقٌ يكوي
والدموعُ – اليوم مثل النهر
في صلاتي ، في قيامي أدعو
بل وفي سِري الدعا ، والجهر
رب فارحمْها ، وسامحْ واغفرْ
فلقد كانت من اْهل الخير
وحّدتْ رباً ، وصانت وحياً
أحصنتْ فرجاً بجوف الخدر
خمسها صلتْ ، وصامتْ شهراً
ثم زكّت ، رغم ظلم الفقر
صانت الأولاد ، كانت عوناً
أحسنتْ في الجهر ، بل والسر
وأحبت أهلها ، لم تكرهْ
بذلتْ معروفها بالبشْر
جازتِ الكل الجزاءَ الأوفي
وإذا حلتْ ضيوفٌ تُقري
وأطاعت زوجها ، لم تجحدْ
لم تكن تهفو لذل الغير
ثم كانت بالوصايا تزهو
لم تكن ترنو لدرْك الكِبر
كابدت في العيش ، كانت ترعى
بعض أغنام بأرض قفر
تنشد الأخلاق في مَسعاها
وتقي الإحساسَ ذل الكسر
إن سُؤل الناس ذلٌ يُخزي
وسؤال الغير أمرٌ يُزري
كم لها في كل عز فحوى
ثم نور العِز فيها يَسري
وإذا قالت ، فقولٌ فصلٌ
حزمُها سام رفيعُ القدر
واستهانت بالأماني دهراً
حلقتْ في الجو مثل الطير
فاخرت بالصون بعد التقوى
إن دين الله خير الذخر
نسب الإيمان يبقى حقاً
فخرُنا بالدين خيرُ الفخر
تلك (إكرامُ) التي ما حادت
عن سجايا الخير ، بل والطهر
أسلمتْ للموت نفساً تهفو
لنعيم الله خير الذخر
ثم غابت في الثرى ، واحزني
زهرة ماتت بأرض الزهر
هجرتْنا للرفيق الأعلى
آه ، ما أقسى عذاب الهجر
تركتْنا في العناء العاتي
لم يكن بالطوْع ، بل بالجبر
ودعتنا للحياة الأسمى
خلفتْنا في السراب المُزري
ثم راحتْ لليقين الأسمى
والخنا في دارنا يستشري
والمنايا في قرانا تترى
وعلى الأعناق سيف الجور
حية (إكرامُ) ، نحن الموتى
فمتى نصحو لأخذ الثأر؟
ثأرنا من كل ما أوهانا
فحُرمنا من عظيم الأجر
نحن يا إكرام موتى صدقاً
وقليلٌ – للورى – ما يَجري
فاقبلي مني العزا ، يا أختي
ولك العرفان بعد الشكر
واصبري حتى تحين الرجعى
ليس للميْت اتخاذ الحِذر
كُتب الموتُ ، فما من باق
غيرُ مولانا ، الرحيم البر
فارحم اللهم أختاً ماتت
واغفر اللهم كل الوزر
1954
قصيدة