و تلتفّ حولي دروب المدينة حبالا من الطين يمضغن قلبي و يعطين عن جمرة فيه طينة حبالا من النار يجلدن عرى الحقول الحزينة و يحرقن جيكور في قاع روحي و يزرعن فيها رماد الضغينة دروب تقول الأساطير عنها على موقد نام ما عاد منها و لا عاد من ضفة الموت سار كأن الصدى و السكينة جناحا أبي الهول فيها جناحان من ضخرة في ثراها دفينة فمن يفجر الماء منها عيونا لتبنى قرانا عليها ؟ ومن يرجع الله يوما إليها و في الليل فردوسها المستعاد إذا عرّش الصخر فيها غصونه ورصّ المصابيح تفاح نار و مد الحوانيت أوراق تينه فمن يشعل الحبّ في كل درب و في كلّ مقهى و في كل دار و من يرجع المخلب الآدميّ يدا يمسح الطفل فيها جبينه و تخضل من لمسها ألوهية القلب فيها عروق الحجار و بين الضّحى و انتصاف النهار إذا سبّحت باسم ربّ المدينة بصوت العصافير في سدرة يخلق الله منها قلوب صغار رحى معدن في أكفّ التجار لها ما لأسماك جيكور من لمعة و اسمها من معان كثار فمن يسمع الروح ؟ من يبسط الظل في لافح من هجير النضار و من يهتدي في بحار الجليد إليها فلا يستبيح السفينة و جيكور من غلق الدور فيها و جاء ابنها يطرق الباب دونه و من حول الدرب عنها فمن حيث دار اشرأبت إليه المدينة و جيكور خضراء مس الأصيل ذرى النخل فيها بشمس حزينة يمدّ الكرى لي طريقا إليها من القلب يمتدّ عبر الدهاليز عبر الدجى و القلاع الحصينة و قد نام في بابل الراقصون و نام الحديد الذي يشحذونه و غشى على أعين الخازنين لهاث النّضار الذي يحرسونه حصاد المجاعات في جنتيها رحى من لظى مر دربي عليها و كرم من عساليجه العاقرات شرايين تموز عبر المدينة شرايين في كل دار و سجن و مقهى و سجن و بار و في كل ملهى و في كل مستشفيات المجانين في كل مبغى لعشتار يطلعن أزهارهن الهجينة مصابيح لم يسرج الزيت فيها و تمسسه نار و في كل مقهى و سجن و مبغى و دار دمي ذلك الماء هل تشربونه و لحمي هو الخبز لو تأكلونه و تموز تبكيه لاة الحزينة ترفع بالنواح صوتها مع السّحر ترفع بالنواح صوتها كما تنهّد الشجر تقول يا قطار يا قدر قتلت إذ قتلته الربيع و المطر و تنشر ( الزمان ) و ( الحوادث ) الخبر و لاة تستغيث بالمضمّد الحفر أن يرجع ابنها يديه مقلتيه أيما أثر و ترسل النواح يا سنابل القمر دم ابني الزجاج في عروقه انفجر فكهرباء دارنا أصابت الحجر و صكه الجدار خضه رماه لمحة البصر أراد أن ينير أن يبدد الظلام فاندحر و ترسل النواح ثم يصمت الوتر و جيكور خضراء مسّ الأصيل ذرى النخل فيها بشمس حزينة و دربي إليها كومض البروق بدا و اختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة و عرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق و جيكور من دونها قام سور و بوابة و احتوتها سكينة فمن يخرق السور من يفتح الباب يدمي على كل قفل يمينه و يمناي لا مخلب للصراع فأسعى بها في دروب المدينة و لا قبضة لابتعاث الحياة من الطين لكنها محض طينة و جيكور من دونها قام السور و بوابه واحتوتها سكينة
بدر شاكر السياب ولد في محافظة البصرة في جنوب العراق (25 ديسمبر 1926 - 24 ديسمبر 1964)، شاعر عراقي يعد واحداً من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، ...