هُناك ولا هُناكَ هُناك ... كانت تُقْطَفُ الأضواءْ
ولم تكنِ الطبيعةُ قد تراءتْ – بَعْدُ –في الأسماءْ
مَشَى حُزنٌ إِلى حُزنٍ وماءٌ في اتجاهِ الماءْ
أكانَ عَلَيَّ أنْ أسعَى إِلى شجرٍ مِنْ النسيانْ؟
إِلى عُرْىٍّ وعِصيانٍ جَليلٍ يُبْدعٌ العِرْفانْ
ليَبْتدِئ الحِوارُ الفذُّ بين اللهِ والإِنسانْ!!
أجلْ لا بُدَّ منْ حَواءَ، كي تنسَى، ومنْ آدمْ
ومن غارٍ نُربِّي فيِهِ شوق العاشقِ الخَاتمْ
ومن سرٍّ يُسمَّى الحبَّ نُنْجِبُ بِاسْمِهِ العَالمْ!!
أنا الكينونةُ الأولَى، أنا بدءٌ، عنوانٌ
أنا شوقٌ ونسيانٌ، ومعصيةٌ، وغفرانٌ
أنا فَجْرُ التجلِّياتِ،مِنِّي كُلُّ مَنْ كانوا
أنا الخوفُ الذي يَسعىْ، ويَسْعىْا نَحْوَهُ الأملُ
حملتُ أمانةَ الحبِّ الكبيرِ، وأَشْفَقَ الجَبَلُ
أنا أبديةٌ عَشِقَتْ فلحظةُ عِشْقِهَا أزلُ
وقفتُ على حدودِ الحزنِ والآزالُ مِنْ خَلْفِيْ
وقلتُ وَلَمْ أزلْ في البدءِ إِنَّ ذَخيَرِتي ضَعْفِي
إِذا لَمْ تَكْفِني الأعمارُ آهةُ عاشقٍ تَكْفِيْ!!
هنا دَكَّ السنا جَبَلي، وسُمِّيتُ الكَليمَ هُناكْ
وقيل: اذْهَبْ، فقلتُ: أرَى، فقيل: كفاكَ،قِيلَ كفاكْ
إِذا أَلْقَوا لكَ الأسحار يا موسَى فألقِ عَصَاكْ
وقفتُ بِشاطِيء العرفانِ حينَ وهَبتِني سَبْحَةْ
فكانت آيتي في الحبْ رَحْمَانِيَّةَ النفحةْ
هناكَ أَحَطتُ بالأكوان والأزمانِ في لمحةْ!!
أسافرُ في الدهورِ إِليك مُتَّكِئاً عَلَىَ وَجْدِي
وأرواحُ الأُلَىا عَشِقُوا،الجمالَ تَموْجُ فِي بُرْدِي
كأنَّ الخلقَ أجمعَهم،معي،لكننَّي وَحْدِي!!
وها أنا ذا بتاجِ الشوكِ،أدخلُ هَيْكَلَ الأحزانْ
وقد نَصَبُوا لمعجِزَتي،صليبَ الخوفِ والنسيانْ
وباِسْمِ الحبِّ يا ليلى تكونُ قَيامةُ الإِنسانْ!!
لقد ناديتْ، حين وهنْتُ،واشتعلَ الصِّبا،شَيْباَ
وكان الرزقُ في المحرابِ، رمزًا يكْشفُ الغيْبا
وكانت عاقراً دنيايَ ربِّ هَبْ لنا حُبَّا
صداقتنا مع الدنيا، صداقة شمعةٍ للريحْ
ورحلتُنا مع الأيامِ، رحلةُ شاهدٍ لضريحْ
وجُلجُتي على كتفي، كلانا ذابحٌ وذبيحْ
أنا لكِ،منْكِ، فيكِ،إِليكِ،من أزلٍ إِلى أبدِ
ومن روحٍ إِلي جَسدٍ، إِلى روحٍ بلا جسدِ
ومن أحدٍ إِلى كلٍّ، ومن كلٍّ إِلى أحدِ
أما اوقفتني في الرَّمزِ،ثُمَّ حَرِمْتِنِي التفسيرْ
وقلت: النورُ ليس لهُ من الأسماءِ إِلا النورْ
قطوفُ الحبِّ دانيةٌ، ولكنَّ القبورَ قبورْ!!
طلبت السرْ للدنيا، فألهاني عن الدنيا
وحين أجاءني للغَارِ، قال: عزاؤك الرؤيا
فقلت: أنا الفتى الأُمِّيُّ، قال: تَحَمَّلِ الوَحْياَ
هناكَ سُئِلتُ مَنْ تَهْوَى؟،أجبتُ: حقيقة الأسماءْ
صدقتَ، فماَ حقِيْقَتُها؟،فقلتُ: ضياءُ كلِّ ضياءْ
صَدَقْتَ، فما تشاءُ الآنَ، قلتُ الآن لستُ أَشاءْ!!
هناك وقَفْتِ بِيْ في الشوقِ،عِنْدَ نهايةِ الشوقِ
وعِنْدَ نهاية الأبعادِ،لا تحتي،ولا فَوْقي
هناكَ بَلغْتُ في حُبِّيكِ، سِدرةَ منتهَى عِِشْقِي
فإِن نُوديتُ كيفَ بدأتَ؟، قُلْتُ: خَلَعْتُ أوحالي
وكيف عرفتَ سرَّ القُرْبِ؟، قلتُ: الحبُّ أوحَى لي
فَلَمْ يَبْلُغْ بَنو الدنيا مَقامِي فِيكِ أو حالي
فَحَسْبِي أن يضيقَ الوصفُ، عَمَّا ارتجِي، وَصْفا
وأن أَجْلُوْ غوامضَهُ سُدًى، فيشِفَّ، كي يَخْفَىا
لكي يبقَىا على الآبادِ كَشْفًا، يَطْلُبُ الكَشْفَا!!
أليس الحبُّ أقنومَ الحياةِ ومبدأَ التكوينْ
له شرفٌ إِلهيٌّ، يَصوغُ، ويَكْسرُ القانونْ
يشاءُ الحُبُّ حينَ يَشَاءُ ثم يقولُ: كُنْ فَيَكُونْ!!
قديما قبل تربية الأفاعي تحت سقف القلبْ
وقبل الناسُ منفى الناسِ، والدنيا غنيمةُ حربْ
أتى ولدٌ إلى الدنيا، تظلِّلُهُ غمامةُ حبْ!!
تهجأ كِلْمةَ الدنيا، بمعتمها، بمُشْرِقَها
بمبهجها، بِمُحْزِنها، بملهمها، بِمُقْلِقَها
فلا تتكونُ الساعاتُ إلا من دقائِقها
أنا هو ذلكَ الولدُ المصابُ بكبرياءِ الريحْ
كثيرًا ما يُرى خَشِنًا، وممتلئاً أسًى وجموحْ
فإنْ أبحرتِ داخِلَهُ، تَكَشَّفَ عن حنانِ مسيحْ
أكادُ أضئُ، يقتلني، ويُحييني بك العرفانْ
يصافحني الذي سيكونُ، ما هو كائنٌ، وما كانْ
سَكِرْتُ بما ..، سَكِرْتُ وما ..، سَكِرْتُ º فقبِّليني الآنْ
قرأتُ فضاءَ أيامي، كما قرأ السما عصفورْ
كلانا، يجتلي قمر الحقيقةِ من وراءِ السورْ
نخافُ الليلَ أحيانا، وأحيانًا تخافُ النورْ!!
رأيت الكائنات هناكَ تكتبُ شِعْرهَا العالي
وترفعُ وجهها للهِ، في صمتٍ، وإجلالِ
وكنتُ على ضفافِ الناي أشربُ دمعَ موَّالي
تقول شجيرة للريح
: جرِّب مهنةَ الأشجارْ
أنا آثرتُ أن أرضَى، وأنت اخترتْ أن تختارْ
إذا أوغلتْ في الأعماقِ، تعرفُ لذةَ الإثمارْ
يقولُ الريحُ للأشجارِ
: ذوقي لذةَ الإبحارْ
رأيتُ ابنَ الترابِ يقيمُ حَوْلَ ثماركِ الأسوارْ
ضربتُ شراعَهُ، فمضَىا، وجرَّبَ، واصطفَىا وأنارْ
وتهمسُ وردةٌ للشوكِ
: ما أقسَاك! .. ما أقساك!!
أقابلُ زائري بالعِطْرِ، تجرحُ أنتَ مَنْ يلقاكْ
لماذا يصبحُ الوخز الأليمُ هوايةَ الأشواكْ؟!
يقولُ الشوك
: يا أختاهُ لم تتفهمي لُغْزِي
فليستْ حِرفةُ الآلامِ شرَّاً فاشْكُرِي وخْزِي
فالقبحِ الجميلِ حرستُ عجزَ الحسنِ، لا عَجْزِي!!
رأيتٌ الشمعةَ الخرساءَ ترفعُ قلبَها المشبوبْ
وتهمسُ في سبيل النورِ هذا القلبُ حين يذوبْ
فأنت اخترت لِيْ يا حبُّ، أن أُهْدِي السنا، وأغيبْ
رأيتُ زواجَ عصفور الصباحِ، بطلقةِ الصيادْ
وناياً صادقاً كالموت، يعزفُ كِذبةَ الميلادْ
وحقلاً بامتدادِ العُمْرِ، يشكُرُ منجلَ الحصَّادْ
!!
رأيتُ الصمتَ، والنسيانَ، يجتهدانِ دونَ ضجيجْ
وأبواباً بلا معنى، دخولٌ مرةً وخروجْ
فقلتُ
: أخلِّدُ البستانَ يا ليلى ببعضِ أريجْ
وقلتُ
: أعلِّمُ الفخار شيئاً من ذكاءِ الماءْ
وأوقظ غفلةَ الأشياءِ كي تتكلمَ الأشياءْ
لعلَ زجاجةَ المصباحِ تحفظ حكمةَ الأضواءْ
ذهبتُ لرفِّ مكتبتي، تهاوتْ كلُّ أصنامي
كبرتُ بداخلي، كبرتْ على كتفيَّ أحلامي
فهل صارَ الزحامُ
أنا أم الأوراق أيامي؟
دخلت ُمقاهيًا، ومنافياً، وخنادقاً، وسجونْ
وجاء لغرفتي قَتْلَيا، وعشاقٌ، وصوفيونْ
وثوارٌ، وأزلامٌ، وأبطالٌ، ومهزومونْ
وجاؤ الشِّعْرُ، كالضيفِ الغريب يدقُّ في استحياءْ
فتحت له فأطفأْ شمعتي، وأضاءني، وأضاءْ
ومنذ لبستُ خِرْقَتَهُ، عرفتُ الرقصَ فوق الماءْ
وفيه عرفت أنَّ
يكونَ، تعني أنه قد كانْ
وأنَّ الآنَ لا معنى لها في لعبةِ الأزمانْ
وأنيِّ في غدٍ سأكونُ شخصاً لا أراه الآنْ
إذا قبضت يدي الأمواجَ، تخسر كبرياءَ الماءْ
إذا عبرت خطايَ الرملَ، تهتك عفةَ الصحراءْ
هل العرفانُ، قتلٌ ما، نمارسه بغير دماءْ
!!
جرعتُ الكأسَ يا أختاهُ، ثَمَّ خُطًى، وثَمَّ صراطْ
ويا أختاهُ يحتاطُ الظلامُ، النورُ لا يحتاطْ
بهذي الكأسِ يعرفُهُم، ويعرِفُ نَفْسَهُ سقراطْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد بخيت

avatar

أحمد بخيت حساب موثق

مصر

poet-ahmed-bakheet@

15

قصيدة

530

متابعين

أحمد بخيت شاعر مصري، وُلد في 26 فبراير 1966 بمدينة أسيوط بمحافظة أسيوط. عاش طفولته وتلقّى تعليمة في القاهرة. وتخرّج من دار العلومِ عام 1989. عمل معيداً بقسم النقد والبلاغة ...

المزيد عن أحمد بخيت

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة