الديوان » مصر » علي الجارم » ألقيت للغيد الملاح سلاحي

عدد الابيات : 82

طباعة

ألْقيتُ للغِيد الملاحِ سلاحي

ورجَعتُ أغسلُ بالدموعِ جراحِي

ولمحتُ رَيْحانَ الصبا فرأيتُه

ذَبُلَتْ نضارتُه على الأقداح

كان الشبابُ طمِاحَ لاعجَةِ الهَوى

فاليوم يرفَعُ ساعدَيه طِمَاحِي

مَنْ لي وقد عَبِثَ المشيبُ بلِمّتي

بضياءِ ذاك الفاحِم اللَّماح

قد كان للذَّاتِ أسْرع ناصحٍ

فغدا على الشُبُهات أولَ لاحي

لو أستطيعُ لبعتُ عمري كلّه

لمنى الصبا وأريجه النفّاح

أيامَ أوتاري تغرِّدُ وحَدها

وتكادُ تَسْكَرُ في الزُّجاجةِ راحي

أيامَ شِعْري للفواتنِ رُقْيَةٌ

تستَلُّ كلَّ تدلُّلٍ وجِمَاح

دوجين لم يجدِ الفتى مصباحه

وأبان أسرارَ الهَوى مصْباحي

الفلسفاتُ وما حوتْ في نظرةٍ

من لحظِ ساجية العيونِ رَداحِ

تُغري الهوى وتصُدُّه لَمحَاتُها

فَيَحارُ بين تمنُّعٍ وسماح

والنظرةُ البَهْمَاءُ أفتكُ بالفتى

من كلِّ واضحةِ المرام وَقاح

فخذوا اليقينَ ونورَه لعقولكم

ودعوا شُكوكَ الحُبِّ للأرواح

سِرْ يا قطارُ ففي فؤادي مَرْجَلٌ

يُزْجيك بيْنَ مَتالعٍ وبِطاح

لو كنتَ شِعْري كنت أسبقَ طائرٍ

يكفيه للقطبين خَفْقُ جَناحِ

قالوا هنا لُبْنانُ قلتُ وهل سوى

لُبنانَ ملعبُ صبوتي ومِراحي

يبدو أشم على البطاحِ كأنّه

عَلَمٌ بكفِّ الفارِس الجحْجاح

نسجت له سُحبُ السماءِ مطارفاً

وحبتْه زُهْرُ نجومها بوشاح

طُرُقٌ كما التوت الظنونُ وقِمةٌ

قامت كحقٍّ للشعوب صُراح

النبعُ خمرٌ والحدائقُ نَشْوَةٌ

والجوُّ من مِسْكٍ ومن تُفّاح

لُبنانُ دوْحُ الشعرِ أنت تعلّمتْ

منكَ الهديلَ سواجعُ الأدواح

شِعْرٌ له فِعْلُ السُّلاف فلو أتى

قبلَ الشرائع كان غيرَ مُباح

ونضيرُ ألفاظٍ كأزهارِ الرُّبا

يبسِمن غِبَّ العارِضِ السَّحَّاحِ

وخمائلٌ من أحرُفٍ قُدْسيةٍ

أخملن صوتَ الطائر الصَدّاح

الفنُّ من سرِّ السماءِ ونَفْحَةٌ

من فَيْضِ نورِ الواهب الفتّاح

والعبقريةُ أنْ تحلِّقَ وادعاً

فتفوتَ جُهْدَ الناصِبِ الكَدّاح

لُبنانُ أنتَ من العزائم والنُّهى

ما أنتَ من صَخْرٍ ولا صُفّاح

أبطالُكَ الصيدُ الكُماةُ مَناصِلٌ

طُبِعتْ ليوم كريهةٍ وتلاحي

شَحُّوا على مُتَع الحياةِ بلحظةٍ

ومشَوا لِورْدِ الموتِ غيرَ شِحاح

قهروا الزمانَ ولن تضيعَ كرامةٌ

للحقِّ بين أسِنةٍ ورماح

المجدُ بابٌ إن تعاصَى فتحُه

فاسألْ كتائبهم عن المفتاح

دقّوا فما أودَى بعزم أكفِّهم

بأسُ الحديدِ وقسوةُ الألواح

ومن الْحِفاظِ المُرِّ ما يُعْيي الفتى

ليست تكاليفُ العلا بمزاح

كم صابروا عَنَتَ الحياةِ وعُسْرَها

بخلائقٍ غُرِّ الوجوهِ صِباح

نزحوا عن الأوطانِ في طلب العُلا

والعزمُ مِلءُ حقائبِ النُزّاح

وسرَوْا مع الريح الهَبُوبِ فلا تَرى

إلاّ رياحاً زُوحمتْ برياحِ

لم يستكينوا للزمان ووعدِه

فالدهرُ أكذَبُ من نَبِيِّ سَجاح

في أرض كُولُمْبٍ بنَوا فيما بَنوا

شَمَمَ الأبيِّ وعزمة المِلحاح

وبكلِّ جوٍ رايةٌ هفَّافةٌ

تهتزُّ كالمتخايل الميّاح

لو أبصروا في الشمسِ موضعَ مَهْجَرٍ

لتسلّقوا لسعيرها اللّواح

والنفسُ إن عظُمت يضيقُ بسعيِها

صدرُ الفضاء برَحْبِه الفيّاح

للناسِ ناحيةٌ تلُمُّ شَتاتَهم

والعبقريُّ له الوجودُ نواحي

يمشي الجريءُ على العُبابِ مخاطراً

وأرَى الجبانَ يموتُ في الضحْضاح

لُبنانُ صنتَ الضادَ في لأوائها

من شرِّ ماحٍ أو هَوى مجتاح

في البَدْوِ لوَّحها الهجيرُ فلم تجدْ

إلاّ ظِلالَكَ نُجعةَ المُلْتاح

جمعَتْ رجالُكَ زَهرَها في طاقةٍ

عَبِق الوجودُ بنشْرِها الفَوَّاح

نظموا لها عِقْداً يرِفُّ شعاعُه

بلآلىءٍ مِلء العيونِ صحاح

وحَمَوْا كتابَ اللّه جلّ جلاله

من لَغْوِ فَدْمٍ أو هُرَاءِ إباحي

فانظرْ إلى البُستان هل تلقى به

إلاَّ وروداً أو ثُغورَ أقاحي

لُبنانُ والفِرْدَوسُ أنت لقيتُه

فطرَحْتُ عند لِقائِه أتْراحي

وتركتُ للهْوِ العنانَ وأطلقتْ

أيدي الزمانِ العاتياتُ سراحي

وشهِدتُ فيكَ الْحُورَ تسبح في السَّنا

نفسي فِداءُ ضِيائها السّباح

طاوعتُ في نجلائِهنّ صَبابتي

وعصَيتُ ما تَهْذي به نُصَّاحي

ما الفتنةُ الشّعْواءُ إلاّ أعينٌ

سُودٌ تَلأْلأَ في وجوهِ مِلاح

دافعتُ بالغَزَلِ الْحَنونِ لحاظَها

شتَّانَ بيْن سِلاحِها وسلاحي

وبعثتُ أنّاتي وقلتُ لعلَّها

تُغْني إشارتُها عن الإِفصاح

فتجاهلتْ لغةَ الغرامِ وتابعتْ

خُطُواتِها في عِزَّةِ وشِياحِ

عادتْ إليَّ حَبائلي فَلَممتُها

ورضِيتُ من ضحِكِ الهَوى بنُواحي

لم يُبْقِ مني الوجدُ غيرَ حُشاشةٍ

لولا التعلُّلُ آذنتْ بروَاح

أشكو وما الطبُّ الحديثُ براحمٍ

شجوي ولا مُتسمِّعٍ لِصياحي

هل بين مؤتمرِ الأساةِ مجرِّبٌ

شافٍ لأدواءِ الصبابةِ ماحي

والطبُّ لا يصِلُ المَدَى إن لم تصِلْ

جَدْواه للأَرواحِ وَالأشباحِ

مَرْحَى بمؤتمرٍ تبلّجَ نورهُ

في الشرقِ مثلَ تبلُّجِ الإصباح

زُمَرٌ من البَشَرِ الملائكِ كم لهم

في الطبِّ من غُرَرٍ ومن أوْضاح

بذلوا النفوسَ فكم شهيدِ جِراحةٍ

منهم وكم منهم شهيدُ كِفاح

وتفهّموا سِرَّ الحياةِ ولم يكنْ

سرُّ الحياةِ لغيرهم بمُباح

دهَتِ البلادَ بعوضةٌ أجَمِيّةٌ

جاءت على قدَرٍ لمصرَ مُتاح

دقَّتْ لغير ترحُّلٍ أطنابَها

ورمتْ مراسيها لغيرِ بَراح

وَعَدَتْ على الماء القراحِ جُيوشُها

فغدا النميرُ العذْبُ غيرَ قراح

السُّمُّ أقوَى في شَبا خُرْطومِها

من حدِّ كلِّ مُهنَّدِ سفَّاح

كالْجِنِّ تهوَى الليلَ في وثَباتِها

وتَفِرُّ ذُعْراً من بُزوغِ صَباح

يا خِيرةَ الشرقِ المُدِلِّ بقومِه

هذا أوانُ البعثِ والإِصلاح

المجدُ فوقكُمُ دنتْ أفنانُه

فتلقّفوا ثمراتِه بالرّاح

وترسَّموا سَنَنَ الرئيسِ وهدْيَه

شيخِ الأساةِ عليّ الْجراحِ

وَانفُوا عن الطبِّ الرَطانةَ إنّها

نَمَشٌ يَعيثُ بوجههِ الوضَّاح

كم في حِمَى الفصْحَى وبين كُنوزها

من مُشْرِقاتٍ بالبيانِ فصاح

ما أنكرتْ أممٌ لسانَ جُدودها

يوماً وسارتْ في طريق فلاح

لُبنانُ مُذْ حلّتْ ذَراكَ رِكابُنا

حلّتْ من الدنيا بأكرم ساح

الأرْزُ فيك ونخلُ مصرَ كلاهما

أخَوانِ في الأتراح والأفراح

وَالنيلُ منكَ فلو بَكْيتَ لفادحٍ

غَمَر الشُّطوطَ بدمعِه النضّاح

لُبنانُ آن لك الفَخارُ بسادةٍ

عُرْبٍ كِرامِ المنْبِتَيْنِ سِمَاح

مجدٌ إذا ما أشرقتْ صَفحاتُه

أزْرتْ بُمؤتلِقِ النهارِ الضاحي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي الجارم

avatar

علي الجارم حساب موثق

مصر

poet-ali-jarim@

30

قصيدة

325

متابعين

علي صالح عبد الفتاح الجارم،أديب،وكاتب وشاعر مصري،ولد سنة 1881م في مدينة رشيد بمصر. بدأ تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارسها ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال ...

المزيد عن علي الجارم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة