الديوان » سعد الشديدي » حَارِسُ أَبْوَابِ الْمُتَفَرِّجِينَ

كَأَنِّي وَرِثْتُ حُرُوفِي عِنِ الْغَيْبِ

أَوْ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ،

حَيْثُ الْخُيُولُ تُسَابِقُ فُرْسَانَهَا

وَأُمِّي تُخَيِّطُ النَّهَارَ قَمِيصًا لِأُخْتِي الصَّغِيرَةِ.

وَدُونَ اجْتِهَادٍ،

كَتَبْتُ حُرُوفِي الثَّلَاثَةَ:

1 بِالْأَكَدِيَّةِ.

2 وَالنِّبْطِيَّةِ.

3 وَالْخَطِّ السِّرْيَانِيِّ – الْعَرَبِيِّ، بَعْدَ عُبُورِ الزَّمَانِ وَموْجِ الْفُرَاتِ إِلَى يَوْمِنَا.

أَعْمَلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ يُصَادِفُنِي

وَلَا أَسْتَعِينُ سِوَى بِنَفَاذِ الْبَصِيْرَةِ

وَالصَّبْرِ...

وَالِاكْتِفَاءِ بِعَيْنَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ!

أَسْكُنُ أَيَّ مَكَانٍ يُنَاسِبُنِي.

مَنْزِلٌ فَوْقَ سَفْحٍ يُطِلُّ عَلَى غَابَةِ السَّرْوِ،

حَانَةٌ تُغْلِقُ الْفَجْرَ أَبْوَابَهَا وَتَتْرُكُنَا نَائِمِينَ عَلَى الطَّاوِلَاتِ،

بَيْتٌ قَدِيمٌ تُعَرِّسُ فِيهِ الْأَفَاعِي

وَتَسْكُنُهُ الْجِنُّ وَالذِّكْرَيَاتُ،

أَرْضُ مَطَارٍ أَكَادُ أَمُوتُ مِنَ الْبَرْدِ فِيهَا

فَتَحْمِلُنِي الطَّائِرَاتُ.

لَا بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ... أَنَا،

عَيْنَاي سَودَاوَانِ فَاحِمَتَانِ،

وَوَجْهِي كَوَجْهِ أَبِي،

مُطْرَقٌ،

وَأُكَلِّمُ نَفْسِي.

نِصْفِي الذُّكُورِيُّ يُحَاوِرُ نِصْفِيَ الْأُنْثَوِيَّ

وَيَتَّفِقَانِ مِرَارًا

وَلَكِنَّ طِفْلًا صَغِيرًا

يُفَرِّقُ بَيْنَ الذُّكُورِيِّ وَالْأُنْثَوِيِّ.

فَأَبْقَى يَتِيمًا!

حَيْنَ تَنْدَلِعُ الْحَرْبُ

يَنْهَمِكُ الْآخَرُونَ بِتَرْتِيبِ أَوْهَامِهِمْ.

وَابْتِدَاعِ أَسَالِيبَ أُخْرَى

لِقَتْلِ رِجَالِ الضَّفَادِعِ وَالْوَقْتِ.

أَمَّا أَنَا،

فَلَيْسَ أَمَامِي سِوَى أَنْ أُطِلَّ عَلَى مَشْهَدِ الْمَوْتِ،

وَأَحْفَظَ مَا أَسْتَطِيعُ مِنَ الْبَانُورَامَا.

أَحُوِّلُهَا صُوَرًا مِنْ خَيَالٍ أَثِيرٍ

يُلَاحِقُنِي أَيْنَمَا كُنْتُ.

هَذِهِ مُتْعَتِي!

تَزَوَّجْتُ عِطْرَ التُّرَابِ

وَضَوْءَ الْكَوَاكِبِ

وَالنَّارَ

وَحِينَ بَلَغْتُ الْكُهُولَةَ

طَلَّقْتُهَا بِالثَّلَاثِ...

وَانْتَظَرْتُ سِنِينًا عَلَى مَضَضٍ

لَعَلِّي أَرَى امْرَأَةً تَتْرُكُ رَائِحَةَ اللهِ

فِي لُغَتِي

وَفِي مَوْقِدِ الْبَيْتِ،

وَبَيْنَ مَلَابِسِ فَصْلِ الْخَرِيفِ

وَتَحْتَ الْأَثَاثِ.

مِثْلُ مَلَائِكَةٍ يَكْتُبُونَ تَقَارِيرَهُمْ لِإِلَهٍ بَعِيدٍ،

وَلَا يَعْبَأُونَ إِذَا أَوْصَدَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ... أَتَفَرَّجُ.

كَعَالِمِ أَنْثُرُوبُولُوجْيَا...

لَا يَتَدَخَّلُ حِينَ يَثُورُ الْبُدَائِيُّ فِينَا

وَيَقْتِلُ فِي السِّرِّ إِخْوَتَهَ

لِيُقَدِّمَ أُضْحِيَةً مِنْ ضَفَائِرِ زَوْجَاتِهِمْ.

أُرَاقِبُ مَا يَتَنَاثَرُ فِي تُرَّهَاتِ الْكَلَامِ.

وَمَاذَا؟

أَكْتُبُ مَا لَا أَرَاهُ

وَمَا لَا يُرِيدُ الْمُغَنِّي سَمَاعَ تَفَاصِيلِهِ.

هَا هُوَ الْيَوْمُ انْتَهَى.

وَالظَّلَامُ التَّامُّ يَمْحُو أَثَرَ الظِّلِّ

عَلَى الْجُدْرَانِ.

النَّعْنَاعُ فِي أَحْوَاضِهِ يَبْكِي

وَشُبَّاكٌ قَدِيمٌ أَثَرِيٌّ رُبَّمَا،

يَمْنَحُ الطَّائِرَ بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ خَافِتٍ

وَسِتَارًا كَانَ يَوْمًا أَحْمَرَ.

يَنْظُرُ الطَّائِرُ فِي فِنْجَانِهِ

يَقْرَأُ الْحَظَّ بِلَا صَوْتٍ وَيُصْغِي:

لَمْ تَعُدْ تَكْفِي لَكَ الرُّوحُ،

تَحْتَاجُ رُوحًا أُخْرَى

وَشَمْسًا تُطِلُّ عَلَى الْقَلْبِ.

مَا زِلْتُ أَنْظُرُ... أَتَفَرَّجُ.

تَسَاقَطَ ثَلْجٌ كَثِيرٌ

عَلَى مِعْطَفِ اللَّيْلِ

وَلَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ ذَاكَ الصَّدَى.

سَأَبْقَى عَلَى سَطْحِ دَارِي

أُرَاقِبُ جَارِي

وَأُحَدِّثُهُ

أَنَّي وَرِثْتُ حُرُوفِي عَنِ الْغَيْبِ

وَأَعْمَلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ يُصَادِفُنِي

أَسْكُنُ فِي أَيِّ مَكَانٍ يُنَاسِبُنِي

وَأَنِّي تَمَامًا كَمَا قَدْ يَرَانِي... لَا بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ

تَزَوَّجْتُ عِطْرَ التُّرَابِ وَضَوْءَ الْكَوَاكِبِ وَالنَّارَ،

وَأَنِّي تَفَرَّجْتُ حَتَّى مَلِلْتُ مِنَ السِّلْمِ وَالْحَرْبِ

وَمَا زِلْتُ أَحْلُمُ بِامْرَأَةٍ تَسْكُبُ رَائِحَةَ اللهِ فِي لُغَتِي

فَأُغْمِضُ قَلْبِي..

أَنَامُ عَلَى صَوْتِهَا

وَتَحْتَرِقُ الصُّوَرُ الْمُنْتَقَاةُ وَأَفْلَامُ ذَاكِرَتِي.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن سعد الشديدي

سعد الشديدي

24

قصيدة

شاعر عراقي

المزيد عن سعد الشديدي

أضف شرح او معلومة