عدد الابيات : 88

طباعة

ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني

على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ

له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه

لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع

وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه

وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي

ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه

إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع

ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى

تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع

مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ

وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع

يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ

ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع

فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً

على نكبات الدهر لا بالتطبّع

فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً

وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع

الشاعر الجبَار ..

وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ

باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ

أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ

جلالاً عن واطئات العوالم

أم تظُن السماء في مهرجانٍ

لقريب من الملائك قادم

أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ

بروح مشكك متشائم

كيفما شاء فليكنْ ، إن فكراً

عبقرياً على المَجرة حائم

قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني

لثرى الكوفةِ المعطر لاثم

ولبيتٍ أناره عبقرىٌ

لم ينوَّر بمثله الأُفقُ ، خادم

ليت أني بريقُ عينيه أو أني

لنور القلب المشعِ مقاسم

أيها " الكوكبُ الجديدُ " تخيرْني

إذا ارتحت ، بسمةً في المباسم

ولقد قال ماردٌ يتلظى

في جحيمٍ على البرية ناقم :

أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ

وضَعفٍ على الثرى متراكم

لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ

عجافٍ كثيرةٍ ومناسم

أفنسلُ المَلاك هذا وما كان

ملاك موكلاً بالجَرائم؟

أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ

لم يَرْبُ في دُموع المآتم

إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً

ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم

لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت

للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم

وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا

عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم

فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ

ونزعجْ أحلامه وهو نائم

ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى

عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم

ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً

نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم

أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ

ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم

وسأهديكَ ان تقبلتَ منى

مِعولاً من لظىً.. فإنك هادم!!

وسلامٌ عليك يوم تُناوِي

لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم

بُشِّر ألمنجبُ " الحسين " بمولودٍ

عليه من الْخُلود علائم

سابح الذهن .. حالم بلشقاتِ

شريد العينين بين الغمائم

وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ

وفوداً مزهوةً بالمواسم

واتى الكونَ " ضيفهُ " بدويَّ الرعد

يلقاه لا بسجع الحمائِم

عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ

غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم

فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ

وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم

قائلاً :هذه حدودي تخطا

ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم

ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر

لكن للغانيات النَواعم

قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ

بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم

يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ

الرزايا فما استلانَ بعاجِم

ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً

حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم

شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو

باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم

وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ

تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم

ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ

الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم

ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ

غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم

تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ

وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم

وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ

يجري من حيثُ تَجري النسائِم

وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ

غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم

كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ

عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم

هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ

الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم

ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ

يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم

إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ

بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم

" كندةٌ " أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ

عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟

لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ

إلا مُحرَّقاتِ الركائِم

أحصيد دور الثقافة في الشرقِ

ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟

أين بيتُ الجبار باق على سمعِ

الليالي مما يَقول زمازِم؟

" جُعف " منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ

ما كانَ في " أُمَيٍّ " و " هاشم "

لست أدري " اكوفة " المتنبي

أنجبته أم أنجبته العواصِم

غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو

بين جوٍّ نابٍ .. وجوٍّ ملائِم

" حَلبٌ " فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ

كان من قبلُ " وردةً " في كمائِم

أيُّ بحر من البيان بامواجِ

المعاني فياضةً ، متلاطِم

كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً

في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم

وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ

العينُ واهباتِ السلالم؟

حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ

يُخفون عجزَهم بالمزاعِم

روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها

روعةً من نسيجك المتلاحِم

شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ

ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم

ما "ابن حمدان " إذ يقودُ من الموتِ

جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم

بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن

اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم

إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ

الخوافي مهيضةً والقوادِم

وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال

تَهدي لها الظنونَ الرواجِم

لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ

مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم

كم أغرٍّ " مُحَجَّلٍ " ودَّ لو يُهديكَ

ما في جَبينه والمعاصِم

واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك

تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم

شِعْبُ " بَوّان " لا تخيُّلُ فنّانٍ

غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم

متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ

ومَسْرى خيالِه وهو حالِم

لا تعفَّيْتَ من " مَمَرٍّ " كريمٍ

خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم

ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا

لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم

عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ

واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم

رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ

لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم

إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً

بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم

فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ

وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم

رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي

مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم

بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ

جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم

لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ

بما زيَّنَتْ له من مَواسِم

وسلامٌ على النُبوغ ففيما

تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة