عدد الابيات : 193

طباعة

يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ

بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام

بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً

علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام

بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم

تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام

بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه

وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام

وبك العُتاة سيُحشَرون ، وجوهُهُم

سودٌ ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام

صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ

ما يجرَعون من الهَوان طَغام

ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي

ذَنباً ، ولا شُرطاً يحوز " امام"

وسيسألون مَن الذين تسخَّروا

هذي الجموعَ كأنها أنعام

ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها

هدراً ، وديست حرمةٌ وذِمام

ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا

وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا

خَلَصَ النعيمُ لهم فهم من رقةٍ

وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام

وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا

فيه كما تَتَلألأ الأجرام

يتدلَّلون على الزمان كما اشتَهت

شهواتُها قُبُّ البطون وِحام

ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم

شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام

يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه

بَقَر الزَريب، ويرتَعي ويَنام

سيُحاسَبون ، فان عَرتْهم سَكْتَةٌ

من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام

سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم

حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام

يومَ الشهيد ! وما الخيالُ بسادر

بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام

الشعر يا يومَ الشهِيد تجارِبٌ

وبلاؤُها ، لا لؤلؤٌ ونِظام

كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى

تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام

أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما

سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام

أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه

عما قريبٍ راحةٌ وجِمام

حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ

وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام

ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها

عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام

ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً

وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام

عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ

أفباليَسير من العَناء تُرام

يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ

وَعرٌ ، ولا نُصُبٌ ولا اعلام

في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية

وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام

وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها

وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام

وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا

بَرمٌ بها ، ولمُحرِبين هُيام

بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي

مما ابتدأتَ من النِضالِ ختام

سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ

ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام

ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ

وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام

ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ

ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام

سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ

حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام

لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها

منّا ومنه غارِبٌ وسَنام

وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم

من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام

اذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ

بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام

تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا

أن " الحكومةَ " بالسِياط تُدام

والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم

إن فرَّ عن " حُلمٍ " يَروع منَام

وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها

حَنَقاً كما تتفجّر الألغام

وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي

وإذا بما ركنوا إليه رُكام

وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ

" وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام "

يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ

يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام

ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه

قَدَرٌ ، وما تَتَمخَّضُ الأيّام

ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه

إن حانَ حِينٌ واستتم تمام

امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ :

" النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام "

اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني

ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام

علماً بأن دِماءَهم ليست لهم

وبأنها للجائعينَ طَعام

للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى

ومَماتُه ، ورَضاعةٌ وفِطام

يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى

داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام

تَعِبَ الأساةُ به ، وجافَى أهلَه

يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم

وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى

منه الجذورُ ، وتُقطَعَ الأَجذام

يوم الشهيد! بك النُّفوس تفتَّحت

وَعياً ، كما تَتَفَتَّحُ الأكمام

كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه

والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام

طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ

أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام

وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم

وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام

وأعضَّ قوم بالسكوت ، وأفصَحَتْ

عن غير ما عُرِفَت به أقوام

وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ

جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام

وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة

من حولها تتراكمُ الآلام

شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه !

ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام

وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم

في المُخزِيات فأرْتَعوا وأساموا

وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه

من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام

فالوعيُ بَغىٌ ، والتحرُّرُ سُبَّةٌ

والهَمْسُ جُرْمٌ ، والكلامُ حَرام

ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ

ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام

ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها

الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام

وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها

خِططٌ ، تولَّى امَرها إحكام

فكرامةٌ يُهزَى بها ، وكرامةٌ

يُرثى لها ، وكرامةٌ تُستام

وانصاعَ يغزُو اهلَه وديارَه

جيشٌ من المتعطلِّين لُهام

وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ

ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام

ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ

ولكل مُمتدِح النثا شَتّام

ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ

ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام

مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه

فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام

ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم

ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا

ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ

صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا

ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ

وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام

أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ

وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟

أفوعدُ مُرتقِبِ " القيامةِ " خُلَّبٌ

وبريقُ منتظِر " النُشور " جَهام ؟

أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم

بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟

فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى

ذابوا ، فلا بطلٌ ولا مِقدم

أفلا تكون مغارةٌ ؟ أو ما انتَهى

ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟

أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة

وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟

حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه

ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام

وتنافَسَ " الفادون" لم يتمنَّنوا

فضلاً ، ولم يُبطرْهُمُ الانعام

وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا

وملامةً لشبابها " فألاموا "

ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها

بصُدورهم ، اذ عزَّهن دِعام

حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا

فعلى الصدور من الدِماء وِسام

تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ

إنَّ الحمى من فوقه قَوّام

نَكِروا النفوسَ وفجَّروا اعراقَها

صَمْتاً ، فلا صَخَبٌ ، ولا إرزام

وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ

فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام

ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ

تَركوا الحِمى للطارئات وناموا

يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ

ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام

دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به

ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام

ومَضَى الحُداةُ " بحاتِمٍ " وبرهَطِه

وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام

فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ

وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام

وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم

للفقر في ساحاتِهم إلمام

وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه

السَجْنُ ، والتشريدُ ، والإِعدام

والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه

في سَمع محترِسٍ به أنغام

وكأنَّه " للمستغيث" إغاثةٌ

وكأنَّه " للجائعين " إدام

جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى

للطارئات الصبرُ والآلام

يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم

فلها لحومٌ منهُمُ وعظام

ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى

والحقَّ يُغصَب ، والديارَ تُضام

يتقامَرون على المنايا بينَهم

حُمْراً ، فلا الأيسارُ والأزلام

لاهُمَّ عفَوكَ ، لا الشجونُ قليلةٌ

عندي ، ولا أنا أخرسٌ تَمتام

قلبٌ يذوبُ أسىً ، وشعرٌ كلُّه

ضَرَمٌ ، وبيتٌ كلُّه آلام

أخنَى بوحشتِه على جيرانِه

وهَفَا به ، رعباً ، فطارَ حَمام

ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه

ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام

ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني

هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام

وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها

حَرَجٌ ، وكَبْتُ أُوارها إيلام

لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى

عنه الضميرُ ، وعَقَّه الإِلهام

وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ

والساهرونَ الليلَ والنُّوام

أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ

غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام

او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما

يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام

والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى

والفارِغونَ كأنَّهم أصنام

والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ

فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام

والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ

فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام

ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ

أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام

لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم

شُبُهاً ، فلا وَضَحٌ ولا إبهام

من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة

قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام

يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه

او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام

الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى

فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام

واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ

عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام

حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها

كأساً " إياسٌ " مرةً و " عِصام "

وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها

مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام

زَحَموا الصُّفوفَ " مشَيَّعين " كأنَّهم

بين المواكبِ قادةٌ أعلام

ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما

يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام

ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم

نَفْخَ الطُّبول ، وأقعدوا وأقاموا

يومَ الشهيد : وما تزال كعهدِها

هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام

قَصَروا عن العليا فلم يتناوَشوا

ما احتازَ منها فارعونَ جِسام

وتقطَّعتْ بالمَكْرُمات حِبالُهم

وبما ابْتَنتْ هِممٌ فهُنَّ رِمام

وعناهُمُ أخذُ الكِرامِ عِنانَها

من بعد ما داروا عليه وحاموا

وتجاهَلوا أنْ ليس تربُ مسامحٍ

بدمائه نَهّازةٌ غَنّام

وبأنَّ أُمّاتِ المآثرِ برزَةٌ

عملاقة ، وبأنهمْ ، أقزام

فهُمُ وقد ذَكَتِ الحزازةُ عندهم

" كوب " من الحقد الدفين وجام

يُسْقَونَ جذوتَها وفيما يجتلي

تِربُ النّدي لأُوارِها إضرام

حتى إذا ألقى الكريمُ بوجهه

فتمايَزَ الإشراقُ والإِظلام

وتَضَوَّرتْ جُوعاً فلم تَرَ عنده

ما تأكُّلُ الأوغارُ والأوغام

ومشى الفَعال لهم صَريحاً لم يَشُبْ

آياتِه عَيٌّ ، ولا إعجام

وتَخارَسوا وعَموا فملءُ عُيونِهِمْ

رَمَدٌ ، وملُّ حُلوقِهم إفحام

لجأوا إلى " الأنساب " لو جَلَّى لهم

" نَسَب " ولو صَدَقَتْ لهم أرحام

وتنابَزُوا بالجاهلية شجَها

من قبل نورُ " الفكر " و " الإسلام "

فأولاءِ أعرابٌ ! فكل مُحَرَّمٍ

حِلٌّ لهم! وأولئِكمْ أعجام

وأولاءِ " أغمارٌ " فلا رأسٌ ولا

كَعبٌ ، ولا خَلفٌ ، ولا قُدام

وأولاءِ " أشرارٌ " لأنّ شعارهم

بين الشُعوب محبَّةٌ وسلام

وكأنَّ " أرحاماً " تُرَصُّ ! فريضةٌ

وكأنَّ " أفخاذاً " تُلَزُّ لِزام

وكأنَّ من لم يَحوِ تلكِ وهذه

وإنْ استقامَ بهيمةٌ وسَوام

نُكرٌ لو استَعلى ، لما استَعْلَت يَدٌ

بالعُروة الوثْقى لها استِعصام

ولما تمَايزَتِ النُّفوسُ بخَيرها

وبشرِّها ، ولما استَتَبَّ نِظام

لزَكا " ابولَهَبٍ " وكانُ مُرجَّماً

ودَنَا " صُهَيبُ " وإنه لامام

قَبَليَّةٌ يلجا إليها مُقْعَدٌ

لا الحزمُ يُنجده ولا الإعزام

وبها تَسَتَّرَ عن صَغارةِ نفسِهِ

خَزيانَ يأكُلُ زادهُ ويَنام

بل قد تَفَيَّأ ظِلَّها من حِطّةٍ

نسَبٌ يَسومُ رخيصَه المستام

من كل مُعدٍ في الصَغارِ كأنَّه

جَرَبٌ تُخاف شُذاتُه وجُذام

" سلمانُ " أشرف من أبيكمْ كعبُهُ

" وعِصامُ " ما عَرَفَ الجدودَ عِصام

ومحمدٌ رَفَعتْ رسالةُ ربَّه

كَفّاهُ ، لا الأخوالُ والأعمام

ولقد يُذِلُّ مُسوَّداً أعقابُه

ولقد يسودُ عشيرةً حَجّامُ

أأُخَيَّ : لو سمِع النداءَ رُغامُ

ولو استجابَ إلى الصريخِ حِمام

مني عليك تحيةٌ وسلامُ

ولذكرِك الإجلالُ والإِعظام

واللهِ لولا طائفٌ من سَلوةٍ

ولُمامةٌ من مُسْكةٍ تَعتام

ورسالةٌ ندعو لها وأداؤُها

فرضٌ ، ورَعْيُ حقوقِها إلزام

وَبنّيةٌ للسالكين طريقَهم

والقادمينْ على الطريق تُقام

ودعاةُ حقٍ يخرُجون سواهُمُ

عارٌ إذا لزِموا البيوتَ وذام

لعكفتُ حولَك لا أريمُ ولم يكن

الا بحيث أقمتَ انتَ مُقام

يا نائماً والموتُ ملءُ جُفونِه

أعلمتَ من فارقتَ كيف ينام؟

وملاءَماً بيد المَنون جِراحَه

جُرح المُقيم عليكَ لا يلتام

قد كنتَ تقدِرُ ان تُظلَّكَّ بهجةٌ

ونَضارةٌ ، لا ظُلمةٌ ورَغام

أو أنْ يرِفَّ عليك في رَيْعانِهِ

هذا الربيعُ كوَجهِك البسام

لو شئتَ أعطتكَ الحياةُ زِمامَها

ولها على كَفِّ الشَباب زِمام

لِتَضمَّك الغُدرانُ في أحضانها

وتُقِلَّك الهَضَباتُ والآكام

وشقيقُك القَمرُ المُدِلُّ بلُطفه

نَشوانُ ، يَصحو تارةً ويُغام

لو شئتَ ، عن شرفٍ اردتَ فصِدْتَهُ

بَدَلاً ، لكانت صبوةٌ وغَرام

ولجئتَ مُقتَنصَ الشباب ولارتمَتْ

من حولك الظَبيَاتُ والآرام

لوشئتَ ؟ لكن شاءَ مجدُك غيرَها

فتلقَّفَتْك من الثرى أكوام

رَدّ البكاءَ عليكَ أنك قائدٌ

ولو استبدَّ بك الثَرى ، وإمام

تمشي الجُمُوعُ على هُداك كما هَدى

الضُلاّلَ برقٌ في الظَلام يُشام

لو غَيْرُ ذلك أطاحَ رأسَك لارتَمى

بِشِراك نعلِكَ طائحاً " هَمّام "

ولما استَقَلَّ برأس " مُرةَ " خِنصِرٌ

لكَ ، واستقادَ بوجهه إبهام

قد كانَ يَعطِفُني عليك مَلامُ

ان لو ذخرتُكَ أيها الصِمصام

ان لو سلمتَ فلا شبايَ مُزنَّدٌ

أسفاً ، ولا حَدَيّ عليك كَهام

لو لم تُجبني من رفاتك هَمةٌ

صبراً جميلاً ايُّها اللُّوام

ما كنتَ " نحاماً " بنفسِك للورى

افأنت بي من أجلهم نَحام

نحنُ الضَحايا : للشعوب فَقاره

ولكل ما يبني الشعوبَ قِوام

هذي القُبورُ قنابرٌ مَبثوثة

لمكابرٍ وحَفيرُها ألغام

ما كانَ جيلٌ تستقيمُ قناتُه

الا ومَوتٌ ، يستقيمُ ، زُوآم

فالثُكْلُ والعَيْشُ السَويُّ سَويةٌ

ودَمُ الضحايا والحياةُ تُؤام

يومَ الشهيد! ونعمتِ الأيامُ

لو تستِتمُّ أخوّةٌ ووِئام

لو يَرْعَوي المتنابذونَ وكلُّهم

بهمُومِهم ، وشُعورهم ، أرحام

ولو التَقى من بعدِ طُولِ تَفَرُّقٍ

الشَيخُ ، والقِسيّسُ ، والحَاخام

ولو اتفقنا كيف يهتِفُ هاتِفٌ

فينا ، وكَيفَ تُحرَرُ الأعلام!

وبمِن يقودُ الزاحفيينَ أخالدٌ

ومحمدٌ ، ام أحمدٌ وهِشام ؟

هي امةٌ خافَ الطُغاة شَذاتَها

فسعَوا بها ، فاذا بها أقسام

واذا بها والذلُ فوق رءوسها

قُبَبٌ له مَضروبةٌ وخِيام

يحتازُها والجوعُ ينهَشُ لحمَها !

باسم " الرغيف " معرَّةٌ وصِدام

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة