عدد الابيات : 95

طباعة

تعاليتِ " باريسُ " ..أمَّ النضالْ

وأمَ الجمال.. وأمَّ النغم

تَذوَّبَ فوقَ الشِفاهِ الألَم

وسال الفؤادُ .. على كلِّ فم

تَضيعُ الحرارةُ بينَ الوصالْ

وبين التّنائي وبين الملال

كأنّكِ شمسُك بينَ الجبال

تغازلُ حين .. تلوحُ القِمَمْ

وتبدو الغيومُ لها .. من أمَم

فَتخفى كما يتخفّى النَّدَم

تعاليتِ " باريسُ " .. كم تلعبينْ

وكمْ تُلهِمينَ .. وتَستلهِمين

وكمْ تُؤثرين .. وتستأثرين

تعاليتِ " باريسُ " .. كم تشتهين

تَصيحُ من الجوعِ منكِ العُيونْ

وتُطوَى على الحبِّ خُمصُ البُطون

وتَنسَيْنَ ما كان أو ما يكون

بما أنت في لُجِّهِ من فُتون

تعاليتِ " باريسُ " إنّ الجنون

جُنونَ العواطفِ ما تَصْنَعين

تعاليت ِ " باريسُ " .. إن السنينْ

بما تَعْلَمينَ .. وما تَجْهَلين

وما تستلذّينَ إذ تحلُمين

بوَقْع الشَّكاةِ .. ورَجعِ الأنين

ونثرِ الزُّهورِ على الفاتحين

وثلِّ العُروشِ .. وضَرْبِ الوتين

وما سنَّ " روسو " .. و " لامارتَين "

أناختْ طويلاً على عاتقَيْكِ

وألقتْ بريقاً على ناظريك

وهَدْهَدَتِ الموجَ من ناهديك

تعاليتِ " باريسُ " .. في وجنتيك

يلوحُ جميلاً .. دمُ الثائرين

جلَتْ منك " باريسُ " كفُّ الدهورْ

فُتوناً مُضَمَّخَةً بالعُطور

ودنيا تَفور .. بنارٍ ونور

بما يُتَّقى ويُرَجَّى تَمور

صراعٌ مريرٌ فُوَيْقَ الثُّغور

لنَوحِ الأسى .. وابتهالِ الحُبور

تَكادُ جِراحاتُكِ المُثخنَه

تُصفَّق منها .. كؤوسُ المُدامْ

ويبدو على حَجَرِ المدخَنَة

مواعيدُ حُبٍ .. وشكوى غَرام

تُخال نجاواكِ خلفَ السُّتورْ

لفرطِ الجوى .. قِصةً في سُطور

ويُوشِكُ ما اخْتَزَنَتْهُ .. الصُّدور

يرِفُّ على .. " لافتاتِ المرور "

تَكادُ الأحاسيسُ فوقَ الوجوهْ

تُشيعُ الهوى .. والرُّؤَى .. والمنى

وتُوشك مكبوتةً .. أن تَفوه

تَحِلُّ الذي يَعقِدُ .. ألألْسُنا

كأن طُيوفَ الخطايا .. تتوه

مُدىً .. ثم تحتضِنُ الأعينا

كأنكِ " باريسُ " كلُّ الدُّنا

بكلّ " الغموض" .. بكل السّنا

على كلِّ خَصْرٍ تلاقت يدانْ

ألانا مُثَقَّفَهُ فاستلان

وكل فمٍ حَشْوُه وردتان

هما الشفتانِ .. هما الجَمْرتان

أراقَ الزمانُ دماءَ الشباب

لِيَرْويهِما وهما يَلْهَثان

تَمَسّح خدٌّ بخدٍّ يلوبْ

من الحب في وجنتيهِ نُدوب

ولاح كما لاح فوقَ السُّهوب

رؤَى شفقٍ في الوجوه الشحوب

كأنّي رأيت فؤاداً يذوب

على مثلِه بدمٍ يَقْطُرُ

وأمواجَ عاطفةٍ تزخر

بصدرَيْن كالبحرِ مستسلمَيْن

لِكَيْفَ تُريدُ رياحٌ ؟ وأيْن ؟

تعاليتِ " باريسُ " مِنْ فاتنهْ

يُدَغْدِغُ فيها النعيمُ العذابْ

يُزيح بأجوائِها الداكنه

شفيفُ السنا .. مِزقاً من سَحاب

تعاليتِ " باريسُ " مِنْ ماجنه!!

وما في مُجانتها ما يُعابْ

سوى أنّها في .. كؤوسِ الشراب

وجمرِ الشفاه .. وبردِ الرُّضاب

ترى كاذبَ العمرِ مثل الحبَاب

يخادع آونةً .. آونه

ويَنْسَلُّ كالعُهْر تحتَ الثياب

إلى الآنَ " باريسُ " .. في مسمعي

صدى مَرَحِ " العابثاتِ " الحسانْ

ولمحُ العُيونِ لها الشرَّعِ

وزحف الصحافِ .. وعزف " الكمان "

ومقهى تكوّرَ كالبُّعْبُع

تَماوَجُ جُدرانُه .. بالدُّخان

ومعتركٌ .. ببذيءِ الشجار

تصارخَ .. ثُمَّ انتهى بالحِوار

كما اسّاقطتْ بالحصاةِ الثِمار

وعاد " الشجار " .. لنجوى سرار

وَقَرَّ دمٌّ فار كالموقدِ

بمسح الشفاه .. وعصرِ اليد

ومات الذي خِيلَ .. لم يُولَد

وغودر " أمسِ " .. لمثوى غد

وفاحت عطورٌ .. من المضجعِ

تنَزّى لها قفَصُ الأضْلُع

ودبَّ الضِرامُ .. على الأذْرع

فراحت تَشابكُ ناراً بنارْ

وأزَّ الوقيدُ .. وسار القِطار

سجا الليلُ " باريسُ " سجوَ الحمام

تدلَّى " الجناحان " منهُ فنام

ولاحت كُوىً .. من خِلالِ الظّلام

ترِفُّ عليها .. ظِلالُ الغَرام

رفيفَ العواطفِ .. في المقلَتَيْن

وحام رهيباً عليها الغدُ

خليقاً بانجازَ .. ما يُوعَد

فمُدَّت .. إلى كلِّ بابٍ يد

فَأرْخَتْ ستاراً .. مِنَ الّكرياتْ

عذارى من النورِ .. مُسْتَحْيِيات

وراحت .. حنايا ضُلوعٍ تموجْ

بما لم تَمُجْ في الربيع المروج

وضمّت شَتاتَ النجومِ .. " البُروج "

فكلُّ " طَوالِعِها " أسعدُ

على الحبِّ تَنْزِلُ .. او تَصْعَد

ويحنو على " فَرْقدٍ " .. فَرْقَد

كأنَّ مَدارَهُما مَعْبَد

يناجي بهِ المرقدَ .. المرقد

نجومٌ بأحلامها شُرَّد

فلا " الزاجُ " منها .. ولا المرصد

وثَمَّ بصيصُ ضياءٍ .. يلوحْ

ونفحةُ عطرٍ ذكىٍّ ..تَفوح

وصدرٌ يجئُ لصدرٍ يروح

وحاشيةٌ من غطاء السريرُ

واصداءُ نجوى كَسَحْب الحرير

ونهدانِ قاما على الشاطئينْ

يَمُدّانِ نحوَ غريقِ الغرام

يَدَيْنِ يُليحانِ بالبُرْعُّمَتين

تعاليتِ " باريسُ " كلُّ الدّروبْ

تَفايضُ مُفْعَمَةً بالقُبَلْ

تعلّمتِ كيفَ يَشُقُّ الغَزَل

طريقَ الحياةِ إذا أظلما

من اليأس والتاثَ فاستجهما

وكيفَ تحُد الشفاه الأملْ

إذا ما التوى بالمُنَى عُودُهُ

وحُلَّ من اليأسِ معقودُهُ

تعلّمتِ " باريسُ " : أنَّ الضَّجَرْ

إذا لم يُدَفْ .. بلذيذِ السَّمَر

ولحنِ الكؤوسِ .. وسَجْعِ الوَتَر

وما لم تغَصَّ بحُلوِ اللمى

شفاهٌ .. تعودُ لتشكو الظّما

وما لم يَجِدْ مِعْصَمٌ .. مِعْصَما

له في حِمىً مستباحٍ .. حِمَى

أمات الضميرَ .. ولاثَ الدما

ودب دبيبُ الرّدى .. في المُقَلْ

وجرّرَ عداوه .. حيثُ انتَقَل

تعلمتِ " باريسُ " .. كيف الملَل

إذا لم تُقَطَّرْ بكفٍ رفل

على سُمِّه .. قَطْرَةٌ من عسل

لِتَقْتُلَهُ بمزاجٍ .. قتل !

تعلّمتِ " باريسُ " .. كيفَ الفروضْ

تؤدَّى ... وكيف تُوَفَّى .. القروض

تعلّمت : كيف بوشمِ العضوض

على أذرعٍ بضّةٍ يُستدلْ

وكيف ... خُصيَلةُ شعرٍ تُسَل

إذا الشَّعُر عِيثَ به فانسَدل

بها عن " سبائكِ " تبرٍ بَدَل

وأن " حسيساً " كلفٍّ يُفل

لفرطِ الوَنَى .. أو لِفَرْطِ الجَذَل

ووجدٌ تناهى لأوجِ الغموضْ

لأوجِ الوضوحِ .. لأوجِ الوَجَل

فريضٌ .. ودنيا سواه نفَلْ

تعاليتِ " باريسُ " إنَّ الصباحْ

أطلَّ فألقى عليكِ الوِشاح

وضمَّكِ تحتَ خَضيبِ الجَناح

وألفاكِ غافيةً فاستراح

على صدرِكِ العَطِرِ النّاعِمِ

وأنفاسِ بُرْعُمِكِ الحالم

تعاليتِ " باريسُ " من نائم

كانَ الدنا كُلَّها نائمةْ

بمقلتهِ وبهِ حالمه

تعاليتِ " باريسُ " هلْ مِنْ مَزيدْ

على ما لَدَيَكِ وهل مِنْ جَديد

وماذا تركتِ لهذا الوجود

إلى الموتِ يَرجِعُ أوْ للخُلود

وللكائناتِ سواء تُعيد

نماذجَ من حُسْنِكِ المستفيضْ

بماذا يعوِّضُها المستعيض

بماذا يعوض هذي الخدودْ

مزبرةٍ كغصونِ الوُرود

ومثقلة بثمارِ النُّهود

بهذي الوجوهِ .. بهذي العيونْ

بهذا الرُّواءِ .. بهذا البَريقْ

يفيض عليها شُواظ الحريق

كأنّكَ تَعرِفُ عُنْوانَها

ورافقتَ من قبلُ إنسانها

وأصبحتَ تَعْرِفُ ماذا يقولْ

كأنَ عواطفَهُ والميول

خيولٌ أُبيحَ لها أنْ تَجول

بحيثُ تشاءُ وميدانُها

صميمُ القلوبِ وصَفْوُ العقول

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد مهدي الجواهري

avatar

محمد مهدي الجواهري حساب موثق

العراق

poet-jawahiri@

216

قصيدة

2

الاقتباسات

2341

متابعين

محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1903 – 27 يوليو 1997): شاعر عربي عراقي، يعتبر من بين أهم شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال ...

المزيد عن محمد مهدي الجواهري

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة