كئيبةٌ سماؤُك،
مطوق بالضجر من جهاتك الأربع.
تبحثُ عن زاويةٍ للصمت تلوذُ بها،
وعن جهةٍ خامسةْ..
لم يبقَ للآخرينَ خيارٌ،
إلا أن يتركوكَ وشأنكَ،
لتواجهَ مصيرَك ومصيرَهُم ،
لا لشيءٍ ..
إلا لأنك عروةْ.
يتسلّلُ صوتٌ مُتهدّجٌ من عمقِ الصحراءِ،
متعكّزاً على حظٍّ أعرجْ.
يطرقُ جمجمَتكْ،
ويتردّدُ صداهُ داخلَها ..
أوجزْ ..
يتقطّعُ الصوت ،
يتلاشى ..
يعودُ ثانيةً ،
بما يُشبهُ تمتماتِ المعابدِ البوذيّةِ
أوجزْ ..
يختفي الصوت ..
تنتابُكَ حالةٌ من الغثيانِ والشّعورِ بالوحدةِ والخوف،
ترفع يديكَ عالياً ..
تتفقّدُ رأسَكَ،
تمرّرُ يديكَ على وجهِكَ،
تَرْتَخِيانْ ..
تسقُطُ اليسرى خارِجةً عن سيطرتِك،
فيما تستقرُّ اليمنى على موضعِ القلبْ.
تُغمِضُ عينيكَ قليلاً،
تجلِسُ تاركاً يديكَ تنسابانِ إلى جانبي المقعَد،
محاولاً استعادةَ توازنِكَ ولملمةَ أفكارِكَ،
مُسْتَفِزّاً ذاكرَتَكَ باستدعاءِ تلكَ الخيوطِ المفقودةِ
والعلاقاتِ التي تربِطُ الصّوتَ بالصدى
والصحراءَ بالإيجازِ
وعروةَ بعروةْ.
تفتحُ عينيكَ ..
فإذا بالمكانِ تعلوهُ مسحةٌ من زُرقةِ الحياةِ
وإذا بالصوتِ يعودُ صافياً
وكأنّهُ
ينسابُ من الضميرِ
ليصُبَّ في الضميرْ.
دعوةٌ مُلِحَّةٌ إلى الإيجازِ
ورغبةٌ عارمةٌ في البوحِ
وحبلُكَ مشدودٌ
مابينَ الذاكرةِ والرُّؤى ..
مُنقطِعٌ منْ لا ينظرُ إلى الوراءْ.
أعمى، من لا يُبصِرُ الوردةَ خلفَ هذا الجبلْ.
منافقٌ من ينشطِرُ بين النِّدّينْ.
قوِيٌّ من يمُدَّ بينهما الحبلْ.
ضعيفٌ من لا وُجْهَةَ لهْ.
مارِقٌ من يحزُّ بشفرتِهِ ما اتّصَلْ.
تستحثُّ الخُطى ..
ليلةٌ ،
ليلتانِ ،
ثلاثْ ..
لا يعُدُّ الحِجارَةَ من قادِهُ حلمهُ ..
وحدَها المُعجزاتُ تفيقُ ،
إذا نامَ فيكَ السّؤالْ.
من هُنا،
عند مَواطِىءِ أحزانِنا،
يبدأ الحلمُ ،
وإليها يعودْ.
تِلكُم دورةٌ كاملةْ.
فالخُطوطُ ، لا تَتِمُّ استقامتُها
ولا يكتملُ مداها ،
إلا حينما تُلامِسُ بِداياتِها الأولى ..
هي الدوائر إذن ..
لا ..
بل محض الاستقامةْ.
إنكَ تمقتُ الأحلامَ المنقطعةَ ،
تلكَ التي نتلمّسُ أطرافها الأخرى بمنتهى اليُسرِ ،
وتعشقُ تلكَ التي لا تشي إلا بالبداياتْ ..
أنت لا تسْتلذُّ بالعذاباتِ ،
لكنك لا تطيقُ الخديعةْ.
وردةٌ خلفَ هذا الجبلْ.
يستبدُّ بها الخفقانُ
إذا ما تفتّحَ قلبي ..
أنتَ لاتعلمُ الغيبَ،
ولستَ كاشفاً للحُجُبْ،
لكنك لا تُعَوِّلُ كثيراً على عينيكَ
في قراةِ الحُبِّ والأحلامِ والثورة
فتلكَ أبجديّةُ يختصُّ بها القلبْ.
دليلُكَ لا يُخطِىءُ الهدفَ أبداً ..
فهل يُضطرُّ من هذا دليلهُ ،
إلى تأجيلِ مشاريعِهِ حتى يطلُعَ النهارْ ..؟
مادامتْ مرآتُكَ صافيةً
فحتماً، أن هذا الذي تراهُ، هو وجهُكَ
وحتماً أن كل الذي تراهُ يتحرّكُ حولَكَ
في هذا الزلزال،
هو محضُ خوفٍ ويأسٍ وارتباكْ.
أجل .. يُمكِنُكَ أنْ تلتفِتَ إلى الوراءِ،
بل يجبُ عليكَ ذلكَ،
إذا أحسَسْتَ بأنّ الفراغَ خلفَ ظهرِكَ يَتَنامى ..
لكِنْ حذارِ أن يبتلعَكَ ذلكَ الوَحْشْ.
وِحْدَتُكَ هي ملاذُكَ الأخيرْ،
حتى تُصبِحَ الفِكرةُ مشاعاً ..
ليس فرداً من يحملُ على عاتقِهِ خلاصَ الجماعة.
وحدهُ الفردُ،
من ذابتْ ملامِحُهُ وسْطَ حَشْدٍ ليسَ له سماتْ.
قابِلٌ أنتَ للتحوّلِ ..
لكنْ ليسَ غلى فراغْ.
هل يستطيعُ أحدٌ أن يجزِمَ،
بأن حباتِ المطرِ هذه
لم تسقُطْ من قبلُ على مكانٍ آخرْ ؟
لم يمُتْ عُروةُ ..
فالأفكارُ لا تموتْ.
ينصحُكَ الذينَ يدّعونَ مودَّتَكَ ،
بأنْ تُلقي ببعضِ سِماتِكَ على الحاجبِ،
قبل لقائِكَ الحاسمْ.
فهل يُشيرُ إلى الحقيقةِ،
من يُمسكُ بعصاهُ من النّصفْ ..؟
نصفُ السؤالِ خوفْ.
نصفُ الإجابةِ إبهامْ.
نصفُ الموقفِ هزيمةْ.
نصفُ الحقِّ باطِلْ.
ثمّةَ أمورٌ،
لا تقبلُ القِسْمَةَ على أكثر من واحدْ
ولا تخضعُ لمنطِقِ فنّ المُمْكِنِ
حتى في بيوتِ الفجورْ.
يقفونَ على منابِرِهِمُ الهشّةِ،
مُلقينَ بِخُطَبِهِمُ الرّكيكةِ
باسمِ الجماهيرِ الأبيّةِ
وتقفُ وحدَكَ صامتاً ..
لتُفْحِمَ الجميعْ.
أنتَ تتدخّلُ في السياسةِ.
بل هي التي تتدخّلُ حتى في لونِ حذائي.
خارِجٌ على النّظامِ
من يتّقي الصّفْعةَ بيديهِ،
أو يصرُخُ من شدّةِ الألمْ.
إذا رأيتَ الدّبّابةَ تُزاحِمُ الناسَ في الطّرُقاتِ،
فاعلمْ أنّ الجولةَ للشارعْ.
وإذا رأيتَها مرّةً،
تستعرِضُ مفاتنَها مُغطّاةً بالوردِ،
في إحدى المناسباتِ الوطنيّةَ،
فاعلمْ أنّها ليستْ للحربْ.
ثمةَ كائناتٌ
لم توجدْ إلا لتحقيقِ انحرافٍ ما ..
تقولُ ابنتي :
أيُّنا يستحقُّ العِقابَ،
أنا أمْ أخي ؟ ..
أمَنْ يُشعِلُ النّارَ في صُحُفِ اليومِ ،
أمْ مَنْ يُحاوِلُ إطفاءَها ..؟
فأيقنتُ ،
أن الذي يستحقُّّ العِقابَ .. أنا.
كثيرا ما نحلُمُ،
بأن تتحقّقَ أمانينا المؤجّلةُ
في أولادنا ..
فإذا ما حدثَ ذلكَ،
نِدمْنا ..
جميلٌ أن نحلمَ ،
لكن علينا أن نُدرِكَ أنّ زمانَ مُمارسةِ الحلمِ،
هو بالضرورةِ غيرُ زمانِ تحقّقِهِ
ولِكُلِّ أغنيةٍ ،
مُفرداتُها
وموسيقاها.
.. فلماذا الأحلامُ إِذَنْ ؟
حتى لا يبتلِعَنا الفراغُ من الخلفْ ..
كعادتِنا ..
في الليالي الطويلةِ
نُقصِرُ من كل شيء ..
ونُخفِضُ أصواتَنا ،
حين يبزُغُ نجمٌ جديدْ.
سواحِلُنا مُرّةٌ ..
وأحلى بشائِرِها ،
أنّها لا تبوحْ ..
سواحِلُنا،
والليالي الطويلةُ
والصمتُ
قهوتُنا في الصباحِ البعيدْ.
* * *
أيها المساءُ الجميلْ.
أيتُها الأبوابُ، التي تُفضي إلى الروحْ.
أيتها النجومُ التي تعملُ بصمتْ.
أيتها الوجوهُ المألوفةُ،
والمُكْتَظّةُ في الذاكرةْ.
ايها الهاربون من قبضةِ التاريخِ
واللّحودِ والجبالِ البعيدةْ.
أيها القلبُ المُنْهكْ.
ايها القلمُ البخيلْ.
ايتها المُستَعمَرةُ الصغيرةْ.
ايها السّجنُ الكبيرْ.
أيها الصّعلوكُ الموغِلُ في القِدَمِ والحداثةْ.
أيها الظالِمُ والمَظلومْ.
أيها الطالبُ والمطلوبْ.
أيها المُحاصِرُ والمُحاصَرْ.
أيها الكسيحُ المُقعدْ.
أيها المُطلِقُ ساقيهِ للرّيحْ.
أيها الصمتُ المُطبِقْ.
أيها البوحُ العظيمْ ..
كم هي الحياةُ ضيّقةٌ
على من يسكنُها،
وفضفاضة
على من تسكُنُهْ ..
قليلٌ من الزادِ يكفي لقطعِ هذه المفازةْ.
يتنادونَ،
بتلك الصحراءِ القفرِ طويلاً
يسمعُ كلُّ مِنْهُمْ صوتَ أخيهِ ولا يُدْرِكُهُ
أما عُرْوَةُ،
بعد أن استَعْمَلَهُ العِشقُ على أعلى تَلٍّ
كان يرى المسرحَ من كُلّ جوانبهِ
ويُفنّدُهم صوتاً صوتاً ..
كان يرى الأشياءَ ،
كما لم تظهرْ من قبلُ لعينٍ ظامئةٍ ..
كان يرى في العُشْبِ اليابِسِ،
ماسوفَ يؤولُ إليهِ العُشْبُ اليابسُ
أو ماكان عليهِ ..
كان يرى الدّورةَ كاملةً ..
سدّدْ عروةُ،
قوسُكَ من تلكَ الحبّةِ
والسّهمُ يُشيرُ إلى أكثرِ من هدفٍ ..
هي لحظةٌ نسترقُها في غفلة من الوقتِ،
تلك التي تتّكئُ عليها الأزمنةُ الخالدةْ.
هي خطوةُ أولى في طريقِ السؤالِ،
تلك التي تفتحَ فيضَ الإجابةْ.
إذا أسعَدَكَ حلمكَ الذي تحقّقَ بلا سعي منكَ،
ولم تُشَكّكْ في صدقِ تلك السّعادةِ،
فاعلمْ أنّكَ صيدٌ هيّنْ.
ليس بعدُ
ليلنا أطولُ من هذا الكلامْ.
والرُّؤى جزرٌ ومدٌّ.
لعنةُ التاريخِ تقفوكَ،
وقدّامكَ تاريخٌ ألدُّ.
أنتَ عشقُ النخلِ للنخلِ،
وماللعشقِ والنخلةِ في عُرفِكَ حدُّ.
بثيابِ الحُزنِ غامرتَ، لثوبِ العُرسِ
تستجدي القوافلْ.
تسألُ التجّارَ عن دربِ الحريرِ،
انْشَقَّ وجهُ الدّربِ في وجهكَ دربينِ
وما انشقّ بك العشقُ ..
وسلمى تستعِدُّ.
حيثما عُدْتَ،
وُلوجٌ في الغدِ المُبهمِ،
أو يمَّمْتَ سَدُّ.
مُزَقُ ذِكراكَ
واللُّقيا،
وإن شَحَّ بها الإرعادُ وِرْدُ.
أنت والإقبالُ والإدبارُ،
إقبالٌ على الحتفِ
وحتفُ العاشقِ المَوْتورِ مهْدُ.
أيها النسرُ،
وقد شاءَتْ نسورُ الّلاتِ
أن تتبعَ ماتتلو الحماماتُ
على مُلكِ اليتامى ..
وما خان اليتامى
ولكن الحماماتِ تخونُ.
أيها النّسرُ،
جبالُ اللهِ مأواكَ
فهذا السهلُ يانسرُ ،
شباكٌ وعيونُ.
ليلنا أطولُ من مرثيّةٍ
تُتْلى على قبرِ أبي الفتحِ ..
وئيدةٌ خطوهُ
بين بيوتٍ ، سلبوها الملحَ
أو باعتْهُ للبحرِ مراراً
رأفةً بالبحرِ
أن يفقدَ سيماهُ ، بعينِ الساحِلِ الأعمى ..
* * *
تريده كما هوَ ..
أو هكذا تدّعي ..
وتحبّهُ لذاتِهِ وصفاتِهِ معاً ، أو هذا ما يُحِسُّهُ ويقرأهُ
في عينيها ، كلّما اخْتلى بها في مساحةٍ من البيتِ
منسيّةٍ أو زاويةٍ من زوايا السّكينةِ الخاليةِ من
العلاقاتِ أو التداخلاتِ الأخرى ..
..........
فإذا ما دخل في خِضَمِّ التّفاعلِ متوغّلاَ في
الخصوصيّةِ والحوارِ الساخنِ والمُحتدِمِ بين الذاتِ
والصفاتِ، أنكرتْهُ جملةً وتفصيلاً ..
فهي تحبّ أن تراهُ دائماً ، بشكلهِ البسيطِ ، تماماً ،
كالذي ينظرُ إلى لوحةٍ تشكيليةٍ ولأولِ مرّةٍ بشكلٍ
سطحيٍّ ومباشرٍ ، دون المغامرةِ في الكشفِ عن
العلاقاتِ التي تربط الألوان بعضها ببعض،
والخطوطَ المستقيمةَ والمائلةَ منها والأكثرَ ميلاناً،
وغيرَ ذلك من علاقاتِ وملامحِ تلك اللوحةْ.
تحب أن تراهُ مجزّأَ ، مُفَكّكاً ، لكي تستطيعَ هي،
وبطريقتِها الخاصّةِ، إعادةَ صياغتِهِ وتركيبِهِ
بالصورةِ التي تحلو لها، لا التي يحاولُ هو أن
يتلمّسَ ملامِحَها في مرآةِ نفسهْ.
تحبّهُ شاعراً صادِقاً ، وتكرهُ فيهِ الجرأةْ.
تحبّهُ حكيماً متأملاً، وتكرهُ فيهِ الشرودْ.
تحبّهُ بطلاً مغامراً، وتكرهُ أن تراهُ على قمّةِ جبلْ.
تحبّهُ كريماً، وتكرهُ فيه العُسرْ.
تحبّهُ عفيفاً، وتكرهُ أن تراهُ مُصَعِّراً خدّهُ للدنيا.
تحبّهُ فاعلاً، مثابراً، وتكرهُ فيهِ الغِيابْ.
فيالها من امْرأةٍ،
ومن بلدٍ،
تلك التي تقتُلُني،
لأنها تُحِبُّني ..

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن إبراهيم محمد إبراهيم

avatar

إبراهيم محمد إبراهيم حساب موثق

الإمارات

poet-ibrahim-mohammad-ibrahim@

73

قصيدة

72

متابعين

إبراهيم محمد إبراهيم من مواليد،عام 1961 في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة . خريج كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة بيروت العربية. بدأ بنشر قصائده في الصحف والمجلات الإماراتية في ...

المزيد عن إبراهيم محمد إبراهيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة