في حضرةِ الطّقسِ الأخيرِ
تَبيضُ في العُشِّ القَصِيِّ حمامةٌ خجلى ..
فتَبْيَضُّ القِلاعُ الحُمْرُ
راياتُ الثُغورِ
سلاسلُ الأسرى
عيونُ النائحاتِ على الشواهِدِ
أين تمضي أيها العبدُ الفقيرُ ..؟
أهلكْتَ من سيجيءُ بعدكَ ..
تشتهيكَ الريحُ ألا تبرحَ الميناءَ
والفُلكُ التي تَبْني بعينِ اللهِ
مُنكرةٌ بهذا الساحلِ المسكونِ بالنسيانِ
والجودِيُّ لا يقوى على حملِ الحقيقةِ مرّتينِ ..
فقِفْ،
فِداؤُكَ كل باكيةٍ تنوحُ على سِواكَ
وكل أرضٍ لا تتوقُ إلى شِتائكَ ..
أنت جرحُ الأرضِ
فاسكُنها بما أوتيتَ من وجعٍ،
تَباهَى بالقليلِ من الرّجاءِ
وبالكثيرِ من الفجيعةِ
قُل لهم :
ها إنني اجتزتُ المسافةَ .. وانتهيتْ.
ياسيّد الصبحِ الغريبَ
أرِ الطيورَ سبيلَها ..
وافتحْ سماءَكَ للعُروجِ إليكَ
واستَبِقِ النساءَ إلى الرجالِ
مُعطّراً بالخصبِ والموتِ الشهِيِّ على التخومِ
أرِ النجومَ مواطِنَ البدْوِ الذينَ تناسلوا
في غفلةِ الوقتِ
ارْتعِشْ،
كالسّعفةِ النشوى بما هَمَسَ النسيمُ.
أطِلْ بقاءكَ في حجيجِ الليلِ
حتى الهَدْيِ ..
لا تبرحْ مقامكَ
واشهدِ الذبحَ الخُرافةَ
واعتصمْ بالحُزنِ
تنجُ من الخديعةِ،
أيها الوجعُ العظيمُ.
في حضرةِ الطّقسِ الأخيرِ
تَلوحُ فاتِحةُُ
فتنتفِضُ الرّؤوسُ على نُطوعٍ
من حريرِ الخوفِ،
تنْكَمِشُ الرّقابُ وتستقيمُ.
طوعاً تُساقُ العيرُ نحو فنائِها ..
فتظلُّ شامخةً
وفي أخفافِها يثِبُ الجحيمُ.
من أيِّ نافذةٍ تُطِلُّ،
ترى النّعاسَ يُكحّلُ الطُّرُقاتِ
والقِطَطَ الأليفةَ
تحتَ جُدرانِ البيوتِ
تُطِلُّ ثانيةً،
ترى عرقَ الكُسالى
في كُؤوسِ الليلِ يغلي،
كلما هبطَ الكلامُ.
تُطِلُّ ثالثةً،
ترى الّلا شيءَ يكبُرُ في الشوارِعِ،
يُغرِقُ الجُدرانَ،
والقِطَطَ الأليفةَ،
والنّعاسَ.
تُطِلُّ رابِعةً،
يُباغِتكَ الظلامُ.
يقتاتُ من عينيكَ هذا الشارِعُ الأعمى
ومن كفّيكَ حبلُ الوُدِّ
أدْبَرَتِ القوافِلُ نحوَ غايتِها
وأنتَ مُعلّقٌ بينَ العَدُوَّينِ
اسْتخَرْتَ،
فما أمِنْتَ لغيرِ موتِكَ، حيثُ أنتَ
كأنّكَ ما خُلِقتَ لغيرِ هذا الرّملِ
فانبَجَسَتْ عيونُ الأرضِ في عينيكَ
وارْتَعَدَ الغمامُ.
من أيِّ مقبرةٍ ستنفُذُ يا سلامُ ؟
هذي الشواهِدُ ، لا يموتُ لها قتيلُ.
ستظلُّ شاخصةً بأحداقِ اليتامى،
تَحْرِثُ الذّكرى ..
فيكثُرُ في دواخِلِنا القليلُ.
يا سيّدَ الصبحِ الغريبَ
أرِحْ رِكابكَ ساعةً،
حتى تميلَ الشمسُ
قد أزرى بكَ الدّرْبُ الطويلُ.
وارْفعْ لثامَكَ،
كي تشُمُّ الطّلْعَ في قصصِ الصبايا
العابِراتِ إلى غديرِ البوحِ
لا تخشَ الملامَ،
فإنّ مثلكَ ليس يجْحدُهُ النخيلُ.
مرّرْ يديكَ على أديمِ الأرضِ،
واسمعْ همسَ من نذوركَ للصُّبحِ العَصِيِّ،
وأوْدَعُوا فيكَ الشّرارةَ يا فتيلُ.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن إبراهيم محمد إبراهيم

avatar

إبراهيم محمد إبراهيم حساب موثق

الإمارات

poet-ibrahim-mohammad-ibrahim@

73

قصيدة

72

متابعين

إبراهيم محمد إبراهيم من مواليد،عام 1961 في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة . خريج كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة بيروت العربية. بدأ بنشر قصائده في الصحف والمجلات الإماراتية في ...

المزيد عن إبراهيم محمد إبراهيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة